العمارة في مدينة الخليل

تصنيفات المباني السكنية التقليدية في البلدة القديمة من الخليل

المباني السكنية التقليدية في مدينة الخليل: تعود بعض المباني السكنية في البلدة القديمة من الخليل إلى نهاية العصر المملوكي، على الأقل الطبقة الأرضية فيها، أو بعض أجزائها أحيانًا؛ أما بقية المسكن فيعود في غالبية أجزائه المعمارية إلى العصر العثماني 1517 - 1917م.
في العصر المملوكي، وصف الحنبلي مساكن القدس والخليل قائلًا:... وأما بناء بيت المقدس فهوفي غاية الإحكام والإتقان، جميعه بالأحجار البيض المنحوتة، وسقفه معقود، وليس في بنائه لبن ولا في سقفه خشب؛ ولا يوجد أتقن من عمارتها في مدن فلسطين، ولا أحسن رؤية من بناء بيت المقدس، ومثلها بلد الخليل عليه السلام؛ لكن بناء بيت المقدس أمكن وأتقن، ويقرب منه بناء مدينة نابلس. 

((أما البلوي) أبو البقاء خالد بن عيسى (توفي قبل 780 هـ / 1378 م)، فقد وصف مساكن الخليل، وربما يكون قد انفرد هو بين الرحالة المسلمين والأجانب، الذين زاروا المدينة بذكر لون مساكنها ووصفه باللون الأبيض الذي تشوبه خضرة الحدائق الملتفة حولها والمكتنفة بساحاتها، قبل الحنبلي بحوالي مائة وعشرين سنة تقريبا.

 

 

مجموعة من مباني مدينة الخليل السكنية
وكان للطبيعة الجبلية دورٌ في تحديد مواد البناء المكونة من حجارة الكلس شديدة الصلابة التي أضفت على المدينة طابعا مميزاً من خلال اللون الأبيض الجميل، وتميز المسكن الخليلي بقبابه التي أضفت على خط السماء في المدينة طابعًا جماليًا أو بصريًا مميزاً، وكذلك بفنائه الواسع الذي حفر بداخله بئر ماء لحفظ مياه الأمطار طوال العام.  وقد كانت هذه المساكن تتكون من طبقة واحدة في الغالب أو اثنتين؛ أما مداخل الأحواش فقد كانت منخفضة، ولم يكن لها أبواب كبيرة تطل على الشارع، فيما عدى بعض المساكن القليلة، وهي عادة ما تكون مظلمةً وعميقة، على شكل دهليز ينتهي بقاعة فسيحة تسمى "الفناء" أو "الصحن"، وفي إحدى زواياه يوجد صهريج للمياه لحفظ مياه الأمطار. أما في الداخل فكانت الوحدات السكنية تتوزع عليه، كما كانت تخصص حجرة كبيرة تسمى "القاعة" (لاستقبال الضيوف) والتي تطل على الفناء أو الصحن.

أما مساكن المدينة في العصر العثماني وخاصة في نهاية هذا العصر، فقد تقاربت وتلاصقت؛ مما أدى إلى التوسع الرأسي على حساب التوسع العمراني الأفقي؛ فكانت المساكن متلصقة مشكله سوراً للمدينة، وتتكون من طبقات ثلاث وهي: سفلي، ووسط، وأحيانا يعلو الثانية طبقة أخرى تسمى "القصر" أو "العلِّية"؛ وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على وفرة مواد البناء (الحجارة والكلس والطين...) وزيادة حجم الأسرة الذي أدى إلى الازدحام السكاني.

 

الأسس التصميمية للمباني السكنية في مدينة الخليل القديمة:

وجد أن الأسس التصميمية للمباني السكنية داخل المدينة القديمة سواء المباني السكنية الكبيرة المتعددة الأدوار التي يقطنها علية القوم أو المباني التي تقطنها أكثر من عائلة، أو المباني السكنية الصغيرة للعامة- واحدة تقريبًا وتقوم على فكرة الاتجاه للداخل والفصل بين الرجال والنساء.

قام بتصميم المباني السكنية الكبيرة على مبدأ الانتماء للداخل؛ حيث التفت معظم عناصر المنزل حول فناء داخلي مربع أو مستطيل تتوزع منه الحركة رأسيا وأفقيا على مختلف العناصر والأنشطة.  وللحفاظ على حرمة المنزل استخدم المدخل المنكسر والذي إضافة لدوره في الحفاظ على الخصوصية يقوم كمرحلة انتقالية من فراغ الشارع إلى فراغ الفناء ومن المناخ الخارجي إلى المناخ الداخلي، كما في منزل آل الدويك في حارة الأكراد (قصر الدويك) وقد تعددت السلالم الصاعدة من الفناء للطوابق العليا وتعددت مواقعها، ولم تستمر كل السلالم؛ حيث ينتهي كل منها في دور مختلف، كما وجدت سلالم بين الطوابق، لا تصل إلى الفناء؛ وذلك لتوفير الخصوصية لأهل المنزل.

المدخل المنكسر لتوفير الخصوصية

يحتوي الطابق الأرضي عادة، إضافة إلى القاعات الأرضية والمدخل المنكسر والسلالم الصاعدة للطوابق العليا، على غرف الخدم والمرافق والحواصل وعلى اليواخير؛ بينما احتوت الطوابق العليا على قاعات وعلى غرف نوم وغرف معيشية وخدمات؛ كما ألحقت بالقاعات غرف ثانوية لتحقيق الاستقلالية لها عن باقي المنزل؛ ووجد بالطابق الأول غالبًا ساحة مسقوفة منفتحة على الفناء.  ولوحظ من التحليل مراعاة التصميم للفصل الرأسي بين الخدمات بالطابق الأرضي وبين الأجنحة المعيشية والنومية بالأدوار العليا؛ هذا ما توضحه، على سبيل المثال، مبنى آل ناصر الدين بحارة العقابة ومبنى آل شاهين في القصبة. 

وقد راعى التصميم الظروف المناخية واتجاهات الرياح السائدة في توجيه الفتحات والأفنية الداخلية؛ حيث وجهت للشرق والجنوب الشرقي؛ وفي حالات الساحات الخارجية وجهت نحو الشمال والشمال الغربي؛ وقللت الفتحات المباشرة على الشمال؛ وعملت المشربية الخشبية أو الفخارية؛ بحيث تسمح بالتهوية والإضاءة مع كسر حدة أشعة الشمس الساقطة عليها مع بروزها؛ ما يسمح بإلقاء الظل إلى الداخل، بالإضافة إلى إيجاد الخصوصية اللازمة لداخل الغرف.

اعتمد البناء الخليلي في التشكيل الداخلي على التنوع والتدرج في الارتفاعات الداخلية، واستخدام الدخلات والفتحات العمودية والخزائن والرفوف بالحوائط؛ كما اعتمد على الزخارف الهندسية والنباتية الملونة بالأسقف، كذلك الأرضيات الرخامية، واعتمد تشكيل الواجهات الداخلية للجدران على استخدام الملط والمونة المحلية الصنع لتغطية هذه الواجهات.

وقد اهتم البناء بالتشكيل الداخلي للمنزل (واجهة الفرد) أكثر من اهتمامه بالتشكيل الخارجي (واجهة المجتمع) الذي اتسم بالبساطة حيث اعتمد على تنوع أحجام الفتحات والمشربيات وأشكالها وبروزاتها في الطوابق العليا؛ ما ساعد على إلقاء الظل على الطوابق السفلية وعلى زيادة مسطحات الطوابق العليا المفتوحة.

استخدم الحجر في بناء الطوابق، واستخدمت الحوائط المزدوجة في مناطق مختلفة من البناء؛ ولوحظ أن الحجر ترك على طبيعته بالواجهات الخارجية؛ بينما كَسى الآجر والبياض الواجهات الداخلية.  واستخدم الفخار في عمل الملقف والمشربيات، بنفس المواد التي ساد استخدامها في العصور الغابرة وكلها مواد محلية ملائمة للظروف المناخية.

أما المباني السكنية الصغيرة التي أقامها العامة، فلوحظ تعدد نماذجها ومرونة تصميمها؛ وغالبًا ما اعتمد التصميم الاتجاه للداخل، حيث التفت عناصر المنزل حول الفناء المفتوح، واحتوى الطابق الأرضي على حواصل واسطبل، أما الطوابق العليا (طابق أو طابقان) فكانت مخصصة لأفراد العائلة، واحتوت على غرف النوم وغرف المعيشة.  واستخدم الحجر في بناء الطوابق.

 

نظرة إلى فن العمارة السكنية التقليدية في البلدة القديمة

إن الطرا ز المعماري لبيوت البلدة القديمة في محافظة الخليل ينطبق عليه ما ينطبق على معظم مدن العالم الإسلامي المتمثل في اعتمادها البيوت ذات الفناء الداخلي، وهذا الاختيار جاء كمحصلة لعدة ظروف تميز بها المجتمع الإسلامي؛ حيث اتسمت الأحياء السكنية في المدن الإسلامية بضيق شوارعها وأسواقها المغطاة ومساجدها التي أحيط كل منها بمنطقة آمنة وحرم مفروش بالحجارة.
 

 

المباني السكنية

إن الزائرين لهذه المدينة يجدون فيها ما يسر أنظارهم من فنون العمارة وما توحي إليه من جماليات، ويحارون في الوسائل التي استطاع بها المعماريون المسلمون أن يشيدوا منشآت تلاءم الظروف البيئة والنفسية؛ وبذلك يكون التكامل بين المسكن والبيئة؛ والمسكن والإنسان؛ حيث الراحة والاستقرار وعدم الاعتداء على حرمة البيئة؛ فنرى المعمار قد اهتم بالإنسان الذي بني له هذا المسكن؛ حيث أوجد له فراغات متدرجة في الخصوصية؛ فأوجد له فراغًا للعائلة الكبيرة، للنشاطات الجماعية؛ وفراغ أكثر خصوصية لعائلته الصغيرة؛ واوجد له ما يوفر الظروف المناسبة التي تجعل البيت مريحًا جدًا بما وظف له من معالجات للمشاكل البيئة؛ وبهذا راعى البيئة وسخرها للراحة الإنسان؛ إضافة إلى أنه جعل التعامل مع البيئة أمرًا سهلًا، كالتعامل مع المزروعات في فراع التجمع الكبير؛ إضافة إلى وضع بعض العناصر المائية التي تساعد على تلطيف الجو أيضًا.

إن تجمع البيوت واشتراكها بالحوائط الخارجية يساعد على شعور الأفراد القاطنين في البلدة القديمة بالأمان من الأعداء لأن جدران البيوت تشكل سورا حول المدينة القديمة إضافة إلى تظليل المنازل على بعضها وعلى الناس المارة بجانب البيوت، كل هذا كان في فكر المعما ري المسلم الذي سار على القواعد التي أعدتها له الشريعة الإسلامية في أصول البناء.
 

مجموعة سكنية حول ساحة في حارة السواكنة


البيت الخليلي القديم

يتشابه البيت الخليلي مع البيوت العربية والإسلامية في منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط، وتتجلى فيه الأصالة والبساطة والسماحة؛ فهو يؤمن لساكنيه الخصوصية من أعين الفضوليين، ويحافظ على أواصر الدم والقربى، والبيت بسيط في خطوطه ونسيجه، إلا أن له ملامح خاصة يتميز بها، منها:

1 - تشترك الكتل المعمارية مع بعضها في أكثر من موضع، حيث لا توجد كتلة معمارية منفردة في مدينة الخليل القديمة البلدة القديمة.
2 - البيوت الخليلية منسجمة مع بعضها وأقرب إلى التواضع والأخوة.
3 - يتألف البيت الخليلي غالبًا من طابقين رئيسين، يرتفعان فوق قاعات أو يواخير أو مخازن.
4 - يحوي الطابق الأرضي على فعاليات تجارية ومهن حرفية أولية.  ويؤمن عدم وصول مياه الفيضانات إلى البيوت، ويؤمن الخصوصية، وفيه ما تسمى بـ"القاعة"، وهي مخزن ذات باب عادي بعرض(1 متر) تستعمل لأغراض البيت، أو توضع فيها الحيوانات إن وجدت.
5 - الطابق الأول تمارَس فيه (إضافة لحجرات النوم) الفعاليات النهارية من جلوس وأعمال الطهي والغسيل
والضيافة، وبعض النباتات البيتية، فالحجرات والإيوانات، توضع حول فسحة سماوية تسمى "الفناء الداخلي" أو "الحوش"، أو ما يعرف في منطقة البحر الأبيض المتوسط بالباثيو.
6 - الفناء الخليلي عبارة عن فراغ معماري حيوي، وهو فراغ مركزي تتم فيه النشاطات النهارية من غسيل وأعمال تخزين واعداد للطعام وغيرها من النشاطات.
7 - تتواجد في البناء عناصر أخرى مثل باب البئر، وزير الشرب، والأدراج.
8 - للبيت الخليلي مدخل واحد فقط.
9 - يشيد البيت الخليلي بالحجارة، ويغطى أيضًا بقباب حجرية.

 

نمو المسقط الأفقي:

إن المساكن التقليدية في مدينة الخليل القديمة ما هي إلا حصيلة التطور والخبرات والتجارب التي مارسها المعمار العربي المسلم في بحثه عن راحته وعن ما يلبي احتياجاته بما يتوافق مع الظروف المناخية والبيئة السائدة ويلبي الاحتياجات النفسية والفكرية النابعة عن مفهوم الدين الإسلامي الشامل للحياة.

إن الطراز السائد في مدينة الخليل القديمة والذي ساد في معظم بيوت القرى والمدن الفلسطينية والذي استمر بالتطور مع تطور الأسرة؛ حيث إنه يمكن أن نقول أن المسقط الأفقي لهذه البيوت ككل والمساكن التقليدية في الخليل، كجزء من الدراسة، يحكي قصة العائلة التي سكنته، والتطور الذي حصل على مر السنين.

 والذي يزور البيت الخليلي يدرك أن البيت تطور على عدة مراحل، ويستدل على ذلك من تنوع حجارة البناء؛ حيث يدل هذا التنوع على اختلاف الفترات الزمنية التي بني فيها المسكن. إن المسقط الأفقي للبيت التقليدي يوحي لنا بأنه قد ابتدأ بغرفة واحدة أو أكثر؛ ومع مرور الزمن أصبحت الحاجة إلى وجود عدد أكبر من الغرف؛ بسبب زيادة عدد أفراد الأسرة؛ أي أنها تحولت من الأسرة النواة إلى الأسرة الممتدة, والعنصر الذي ساعد على ذلك هو وجود الفناء الداخلي؛ حيث أمكن وضع درج في الفناء ليوصل إلى الطبقة الثانية؛ وبالتالي أمكن بناء غرف أكثر حسب الحاجة.

وكما نلحظ في المسقط الأفقي لمسكن آل الجعبة والذي يعد من الشواهد على تطور المسكن للبيت الخليلي القديم حيث تظهر فيه بشكل ملحوظ الحقب الزمنية التي مرت عليه. إن الدور الأرضي يتكون من فناء خطي تلتف حوله الفراغات التابعة لمستوى الدور الأرضي، وننتقل من هذا الفناء إلى ساحات أخرى مكشوفة أومغطاه أكثر خصوصية تعتبر الفراغ شبه الخاص؛ وتأتي بعد ذلك في تدرج الخصوصية الغرف الخاصة (غرف النوم)، وداخل الفناء يوجد أدراج في أكثر من جهة توصل إلى الأدوار العليا في المسكن.

 واختلاف أنماط البناء أو الطرز في الأدوار العليا يدل على أن المسكن بني في أكثر من فترة زمنية، إن هذا الاختلاف في طراز الأدوار يدل على المراحل التي مر بها، وعلى الحضارات التي تركت بصمة عليه.

ونلحظ في مسقط مسكن آل دويك أن المسكن يتكون من الفناء المركزي الذي تلتف حوله الغرف، ويتم الانتقال منه إلى الأدوار العليا التي تمثل تكرارًا لفكرة الفناء وحوله الغرف؛ ويظهر فيه أيضًا اختلاف الفترات الزمنية التي مرت عليه؛ حيث يلحظ التدخل على الفناء لزيادة عدد الغرف، لما دعت إليه الحاجة حيث تم تسقيف جزء من الفناء وتحويله الجزء إلى غرفة. ووجود الأدراج داخل الفناء تدل أن عملية التوسع والتي كانت بالاتجاه العمودي، وليس الأفقي؛ ذلك لأن المسكن كان محصوراً بجدران المنازل الأخرى التي كانت تشكل فيما بينها عنصر حماية لهذه البيوت، ولا ننسَ أيضًا قيم الإسلام وحق الجار، وعدم التطاول على حرمة الطريق كإضافة البروزات وغيرها.
 

حوش مبنى أل الدويك (العقابه)

تصميم المسكن في مدينة الخليل القديمة كان ليس بالشيء المعقد على معمار تلك الأيام؛ لأن البناء كان يعتمد بالدرجة الأولى على العادات والتقاليد الموروثة من الأب إلى الإبن وجيل بعد جيل؛ ما ساعد على ثبات القيم التي تتجلى في هذه المباني الصامدة، وحيث كان على المعمار أن يعكس هذه القيم على المسكن ليحقق الأهداف المرجوة منه طبقت هذه القيم بأسلوب بسيط يسهل فهمه، وأن الاختلاف في مساقط المساكن يكون غالبًا بحجم الفراغات ومساحة الفناء والمدخل في بعض الأحيان؛ إلا أن التشابه بين المساقط يكون في الفكرة الرئيسية؛ وهي في وسطية للفناء الذي تلتف حوله جميع الغرف؛ وجميع الفتحات تكون مطلة على الفناء ومنه يتم التنقل إلى الطبقات العليا بواسطة إدراج، وهذا النمط مكرر في جميع مساكن الخليل القديمة بأسلوب بسيط.

 

عناصر وخصائص المسكن الخليلي

تميزت العمارة السكنية في الخليل خلال العصور الإسلامية، وما بعد ذلك، بأشكالها الحقيقية الناتجة عن ظروف الحياة ومتطلباتها، والنابعة من أفكارها المستمدة من كتاب الله وسنة رسوله والمعبرة عن بيئتها أحوالها؛ فهي لم تكن تقليداً أو زيفًا أو ادعاءً، والمتتبع للعمارة التقليدية بالخليل يشعر بكفاح المعماريين (البناؤون المهرة) من أجل التطور والرقي، ويشاهد تجاربهم المتتالية ونتائج إحساسهم وفهمهم المتزايد لقيم مواد البناء ويشهد ببراعتهم، كما يشهد بقدرتهم الفائقة على التأقلم لظروف المناطق المختلفة.

1-  المدخل

مدخل البيت الخليلي أول فراغ يمكن رؤيته من الفراغ شبه العام (عادة يطل على الطريق أو الزقاق أو الحوش بالمعنى المحلي غير النافذ) وهو عادة يكون موقعه في زاوية البيت، وفي الغالب هو الجزء الوحيد المرئي من الوجهة، والتي تتميز بحوائط مسمطة أو ربما بها نوافذ قليلة وصغيرة في المستويات الدنيا وأكبر أو ربما أكثر في الطوابق العليا.

يعد المدخل في البيت الخليلي عنصرًا رئيسيًا إلى حد كبير؛ فهو يعكس أهميته.  ومعانيه حوش مبنى آل الدويك (العقابة) يعكس الرمزية التي استمدت جذورها من الثقافة الفلسطينية العربية الإسلامية مثل الكرم والجود والأمان (الذويب2005 )، ويعرف المدخل معماريًا بأنه القاسم أو الفاصل المادي الذي يفصل بين الفضاء الخارجي والمجال الداخلي الخاص بالعائلة، ويكون عادة أعلى من مستوى الشارع بدرجة أو اثنتين. وطبقا لما جاء بالقانون والتشريعات الإسلامية، مداخل البيوت التي عبر نفس الشارع يجب ألا تقابل بعضها البعض لتحقيق الخصوصية كما أن المدخل يفضل ويستحسن أن يوجه في اتجاه الجنوب ومنحرف ا قليلً نحو الشرق باتجاه مكة المكرمة لأسباب دينية ونفسية.

2-  الموزع (الممر، الدهليز، صالة المدخل)

وهي عدة مسطحات تستخدم في المنطقة (محليًا) وتعني فراغًا مسقوفًا بين الفراغين غير المسقوفين وفي هذه الحالة الفناء الداخلي والممر أو الشارع الخارجي، وهو ثاني فراغ في البيت الخليلي، ويلعب دوراً مهما كفراغ تحكم بين الممر أو الشارع الخارجي؛ والفناء الداخلي كذلك كفلتر أمان للمنزل؛ بالإضافة إلى أنه صنبور تحكم بين فراغ الضيوف (شبه خاص) وفراغ العائلة (الخاص)؛ أي أن وظيفته الرئيسية النقل من شبه العام إلى شبه الخاص إلى الخاص لتوفير الخصوصية المطلوبة؛ وفراغ هذا الموزع (أو الممر أو الدهليز) مصمم بطريقة تحجب الفناء عن أعين المارة في الشارع أو حتى الضيوف الغرباء، وفي الغالب يوجد على شكل لاتيني أي يشكل مع المدخل شكلًا منكسراً بزاوية 90 درجة وبأبعاد مختلفة من منزل لاَخر، ويكون مفتوحًا إلى الفناء وبدون باب.  والحائط المصمت يواجه المدخل الرئيسي.

3-  القاعة

وهي عبارة عن حجرة كبيرة المساحة وضعت خصيصًا لاستقبال الضيوف، وتكون عادة مثل باقي الغرف (حول الساحة الداخلية (الفناء))؛ إلا أن الغرفة الأقرب من نهاية الدهليز أو صالة المدخل؛ وتكون لها بعض الفتحات العالية نوعًا ما، متجهة على نفس الساحة الداخلية، أضف إلى ذلك مشربية حتى تسمح للتهوية وتمنع الرؤية.

4- الفناء الداخلي

هو العنصر الأساسي في المنزل، فهو عنصر الحركة والاتصال الأفقي والعمودي بين أجزائه؛ بالإضافة إلى ميزاته المناخية لما يتوفر به من ظلل الحوائط أو الأشجار؛ كما يستفاد منه في مختلف الأنشطة المنزلية وفي المناسبات، والطهي والتخزين وإعداد المؤن؛ كما يعمل الفناء كقلب للمسكن الأكثر حيوية ويربط فراغات المعيشة العائلية، ويستعمل من قبل كل أفراد العائلة، ولكن بشكل أكبر من قبل النساء والأطفال، لتمكنهم أداء وممارسة نشاطاتهم اليومية النهارية بخصوصية.

 وفناء المسكن الخليلي مفتوح إلى أعلى وتطل عليه فتحات الغرف التي ليس لها إطلالة على الطرقات والأزقة.  ويتصل عادة الفناء الرئيسي بأفنية أخرى في الطوابق التي تلي الطابق الذي وجد فيه الفناء الرئيسي، أي أن الفناء الداخلي الرئيسي والأفنية الفرعية الأخرى تخلق بيئة خارجية ضمن البيت أو داخله وهو عادة يأخذ الشكل المربع أو المستطيل وبأبعاد مختلفة، حسب مساحة البناء نفسه، كما في حوش ناصر الدين؛ وفي بعض الأحيان يأتي الفناء بشكل طولي كما في حوش الجعبة.

5-  الأوضة/الأودة (الغرفة)

تعني كلمة أوضة تاريخيا في الخليل، بيتًا أو منزلاً، وهي كلمة تركية "أودة" وتعني "بيتاً" أو "حجرة" في نفس الوقت؛ وبالعامية تعني كلمة "أوضة" في الخليل حجرة متعددة الأغراض. وكثير من العائلات اليوم تستخدم مصطلح الأوضة؛ ولكن بالمفهوم الحديث للغرفة.

والأوضة (الحجرة) كانت في البيت الخليلي التقليدي تستعمل لعدة أغراض، كالنوم والجلوس وتناول الطعام والمطبخ في بعض الأحيان، وقد كان ذلك عمليًا في البيت الخليلي للأسر الممتدة والمتوسطة، حيث كانت كل أوضة من هذه الأوض تؤوي عائلة نووية بأكملها.

 وقد كانت الأوضه تحوي أثاثًا متحركًا وبسيطاً يسهل تغييره ما بين فعاليات الليل والنهار، وكان فيها خزائن سحرية مخفية داخل الجدران؛ وفي الكثير من الأحيان على مطاوي (جمع مطوى) لترتيب ما تملكه العائلة من فرش بسيط (فرشات، لحف، مخدات...)، بالإضافة إلى المونة وبعض الأدوات المنزلية.  ويوجد في أحد أركان هذه الأوضه الوجاء المزود بمدخنة من خلال مواسير فخارية إلى الأعلى؛ وداخل هذا الوجاء المزود بمدخنة مكان للطهي، أسفل المدخنة بالضبط. (الوجاء رف توضع عليه بعض الكاسات والأواني البسيطة كثيرة الاستعمال).

وقد كان للأوضة في بعض الأحيان شبابيك تطل على الخارج غير مكشوفة من قبل الغير ومصممة بطريقة تسمح للإناث الاستمتاع بالمنظر الخارجي أو تشارك الرجال في احتفالاتهم داخل الساحات الداخلية للحارة من خلال جلوسها في كوة الشباك حيث تستطيع هي الرؤيا ويصعب رؤيتها من الخارج.

6- المطبخ

مكان الطبخ في السكن الخليلي عادة يكون بالطابق الذي يكون على مستوى المدخل، في إحدى زوايا الفناء وقريب من خزان المياه أو من باب البئر. وفي الغالب له نافذة واحدة تفتح على الفناء، أو في حالات أخرى، وتعتمد هنا على موقع المطبخ في البيت يمكن أن تفتح نافذته على الخارج ولكن تكون الفتحة عالية، وفي بعض الحالات لا يكون هناك مطبخ على الإطلاق ويكون مكان الطبيخ في أحد زوايا الفناء الداخلي صيفًا؛ أما شتاءً، فيكون في وجاء إحدى الغرف.  ومساحة المطبخ في الغالب صغيرة نسبة إلى مساحة البيت.

7-  الحمام أو المرحاض

البيوت التقليدية لم تزود بأحواض حمامات حيث هناك حمامات عمومية قريبة من الأحياء، ولم يوجد حمام في البيوت الخليلية بالشكل المعروف الاَن؛ ولكن الحمام بالبيت الخليلي عبارة عن فراغ طويل نوعا ما يستخدم كدورة مياه ويعرف باسم "بيت الراحة"؛ ومقدمة المرحاض للغسيل؛ أما الاستحمام داخل البيت، فيتم عادة في عتبة الأوضة أو الغرفة التي تكون مستوى أرضيتها عادة أقل من مستوى أرضية الأوضة.
 والحمامات داخل البيوت قليلة؛ حيث لا تجد أكثر من حمام أو اثنين في البيت الخليلي لعدم وجود التمديدات الصحية في ذلك الوقت؛ وعادة تكون كتطابق فوق بعضهم البعض وحفرة الامتصاص تكون أسفل المرحاض مباشرة؛ ويكون توجيه كرسي الحمام في الغالب عكس القبلة.

8-  المخزن

عادة ما يكون المخزن في الطوابق الأرضية؛ وهو مهم في البيت الخليلي لسد الحاجة الإقتصادية لتخزين الغذاء.  وقد أخذ التخزين أنماطًا مختلفة في البيت، مثلًا تحت المصطبة في غرفة النوم (الأوضة).  والتخزين في حياة الإنسان الخليلي شيء مهم جداً لخزن المحاصيل الزراعية كالحنطة؛ والمجففات من الخضار؛ والمربى والدبس والزيت والزيتون والزبيب والقطين.

9- السطح

يؤدي سطح البيت الخليلي عدة وظائف وأنشطة اقتصادية واجتماعية، فالنشاطات الاقتصادية تتمثل في تجفيف الخضار والفواكه في فصل الصيف لاستعمالها في فصل الشتاء؛ بالإضافة في استعماله في تجميع مياه الأمطار وتوجيهها إلى البئر؛ أما النشاطات الاجتماعية فتتمثل في الاجتماعات والسمر وفي بعض الأحيان للنوم ولتحقيق الخصوصية.  وتكون حوائط الأسطح على ارتفاع مناسب، يتخللها المشربيات الفخارية التي تسمح للنسيم العليل بالمرور، وتمنع مشاهدة من هم على السطح.

تصنيف المباني السكنية بناءً على الساكنين

1-  الحوش (المساكن الجماعية): الحوش باللغة يعني الفناء، ويستعمل هنا بمعنى البيوت الجماعية أو وحدات البيوت المطلة على الحوش المشترك، وهناك مثالان على هذا النوع سيتم التطرق إليها، كانت تقطنها عائلات متعددة، ولكنها من نفس الحمولة.

2-  مسكن العائلة الواحدة (يسكنه الأقارب): هذا النوع من المساكن تم إنشاؤه مسكنًا لعائلة واحدة قد تكون ممتدة، وتشتمل بعض الأقارب؛ وفي أغلب الأحيان تكون بيوت مستقلة كليًا مثل مسكن آل دويك (حارة الأكراد)، أو بيوت فوق المحال التجارية مثل مسكن شاهين، أو بيوت فوق القناطر والشوارع مثل مسكن سلهب، أو بيوت ضمن نسيج متصل من جميع الجهات باستثناء الشارع العام مثل فندق فلسطين.

3- المسكن ذو الفناء الخاص: هذه الأنواع من المساكن كثيرة داخل مدينة الخليل القديمة.  وجاءت هذه الأفنية مختلفة الشكل من بيت لآخر وأفضل هذه الأمثلة على هذه المباني ما جاء واضحا في مبنى آل حريز وآل سدر.

4-  مسكن العائلة الواحدة (لا يشمل الأقارب): هو المسكن الذي أنشأ كمسكن لعائلة واحدة كبيرة ولا تشمل هنا الأقارب، وبيوت العائلة كان يخصص جزء منها، وهو الطابق الأرضي، أو التسوية إن وجدت- للخدمات ولإيواء الحيوانات وللتخزين؛ وفي بعض الأحيان مشاغل لخدمة الصناعة التي يمتهن بها صاحب البيت.  أما الطبقة الأولى فكانت للطبخ والفعاليات النهارية من استقبال وغيرها.

 أما المنامة فقد كانت غالبًا في الطوابق العليا، وهذه الأنواع من المباني تقع عادة على أطراف المدينة القديمة، مثل بيت آل سلهب وبيت آل نتشة.

التصنيف بناءً على الشكل والتكوين: تم تصنيف المباني السكنية حسب الشكل والتكوين إلى خمسة أنماط هي:

1-  مبنى حوش ضمن نسيج عمراني: ظهر هذا النمط من المباني كنتيجة لطبيعة التركيبة الأسرية السائدة، حيث اعتمد النظام الأسري على الأسرة الكبيرة الممتدة والتي تتكون من الآباء والأبناء وعائلاتهم.  وقد كان لهذه التركيبة الأثر الواضح في تصميم الوحدة السكنية بشكل خاص؛ حيث ظهر نظام "الحوش" واعتبر الوحدة الأساسية في التكوين العمراني.  وتجمعت العائلات ذات الأصول الواحدة في حارات محددة؛ وقد انعكس ذلك على التكوين العام للمدينة؛ حيث ظهر على شكل تجمعات من النسيج المترابط الناتج عن اتصال وتداخل هذه الأحواش عشوائيًا فيما بينها.

وتميزت تلك المباني ببساطة التصميم وتلقائية التكوين المعماري؛ دون الاهتمام بالزخرفة وتشكيل الواجهات.

وما ساعد على ظهور ذلك النمط من المباني هو الظروف الأمنية والاقتتال الداخلي؛ إضافة إلى العوامل الاقتصادية.  ومن الأمثلة على هذا النمط ما ظهر بشكل خاص في حوش الجعبة وحوش ناصر الدين ومسكن آل إمام ومسكن آل شاهين.


 

مسقط افقي _حوش الجعبة

 

واجهات _حوش الجعبة

2-  مبنى حوش ضمن نواة نسيج عمراني: امتاز هذا النمط بعدم اكتمال النسيج العمراني له؛ فنرى أنه مازال هناك جزء من الأرض لم يبنَ عليها؛ كما أنه اعتمد على نظام الأسرة الكبيرة الممتدة والتي تتكون من الآباء والأبناء وعائلتهم.

ومن الأمثلة على هذا النوع من المباني: حوش آل النتشة؛ حيث لاحظنا أن جزءًا من الأرض تم تركه ولم يمتد إليه النسيج العمراني، وهذا ما كان واضحًا من خلال تحليلنا للفناء الداخلي.

 


 
مسقط افقي_حوش النتشة


3- مبنى ضمن مجموعة مباني (شريطي): امتاز هذا النمط بأخذه للشكل الأفقي الشريطي ضمن مجموعة من المباني، هذا يعني اتصال المبنى من أحد جانبيه أو كليهما بمبانٍ أخرى، وتعددت الوظائف والاستخدامات في هذا النمط من المباني؛ فمنها ما كان سكنيًا صناعيًا؛ ومنها ما كان سكنيًا تجاريًا. ويظهر هذا النمط جليًا في فندق فلسطين الذي يعدُّ مبنى سكنيًا تجاريًا بإطلالة على شارعي الشللة القديم والجديد.


 

فندق فلسطين


 
مسقط افقي _فندق فلسطين


 
الواجهة الغربية والشرقية لفندق فلسطين

 

4- مبنى منفرد متميز (قصر): ظهر هذا النمط من المباني نتيجة لتوفر حالة من الأمن والاستقرار؛ بالإضافة إلى ارتفاع مستوى المعيشة الناجم عن ازدهار الزراعة والصناعة؛ حيث بدأ الأغنياء من سكان المدينة البناء خارج نطاق النسيج العمراني القديم والتوجه نحو مزيد من الاهتمام بالمباني السكنية، سواء من خلال التوزيع الداخلي (المسقط الأفقي) أو من خلال الشكل الخارجي للمبنى. ظهر هذا النمط بشكل خاص في مبنى آل دويك الذي يتميز بواجهاته وزخارفه.


مبنى آل الدويك

 


 
مسقط افقي_مبنى آل الدويك


 
الواجهة الشمالية والجنوبية لمبنى آل الدويك


 

الفتحات في مسكن آل الدويك


5- مبنى منفرد بسيط:

امتاز هذا النمط ببساطة الشكل والتوزيع الداخلي؛ فالمسقط الأفقي غالبًا ما يأخذ الشكل المربع أو المستطيل.  ويعتمد التوزيع الداخلي على وجود ساحة داخلية مسقوفة(ليوان) تتوزع الفراغات على جانبيها بتناظر.  تتوزع الفراغات في معظم الأحيان على طابق، وفي بعضها على طابقين؛ أما الواجهات فنجدها بسيطة جدًا خالية من الزخارف والتشكيل.  ومن الأمثلة على هذا النمط مبنى آل سدر في حارة الأكراد.


 
مسقط افقي_مبنى آل سدر


الواجهة الشمالية والجنوبية_مبنى آل سدر


التصنيف حسب الاستخدام: تصنف المباني بناءً على استخداماتها ووظيفتها إلى:

1-  مبنى سكني: يستخدم هذا النوع للسكن فقط. وقد ظهر هذا النوع في أغلب المباني السكنية في المدينة القديمة.


 
مبنى آل الدويك (رأس سوق سكافية)

2-  مبنى سكني تجاري: تتكون الطوابق الأرضية في هذا النوع من المباني من محلات تجارية تطل على الأسواق بمختلف أنواعها؛ وأما الطوابق العلوية فتستخدم للسكن.  وظهر هذا جليًا في فندق فلسطين.

-----------------------------

لجنة إعمار الخليل