البناء والهدم في المناطق C

  

شرعت سلطات الاحتلال منذ عام 1967 ببسط سيطرتها على كامل الأراضي الفلسطينية، واعتمدت سلسلة من السياسات الهادفة إلى تضييق الخناق على سكانها الأصليين؛ بهدف تهجيرهم وطردهم من أرضهم، وإحدى هذه السياسات، هدم منازل المواطنين الفلسطينيين، ورفض إصدار تراخيص بناء جديدة لهم رغم حاجتهم المساسة والمتزايدة، منتهكة بذلك كل الأعراف والقوانين والاتفاقيات الدولية، دون حسيب أو رقيب.

تعد المناطق المصنفة (C) حسب اتفاقيات أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل مربع الاستهداف الأبرز في عمليات هدم المباني الفلسطينية التي تعتمدها سلطات الاحتلال، والتي تشكل ما نسبته 61% من المساحة الكلية للضفة الغربية، بحجّة أنها أقيمت خلافًا لأحكام المخطّطات الهيكلية الإسرائيلية؛ حيث يتوجب على الفلسطينيين القاطنين فيها الحصول على التراخيص اللازمة من الإدارة المدنية الإسرائيلية للبناء واستصلاح الأراضي لأي غرض كان؛ وفي المقابل تعمل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على اتخاذ قرارات بمصادرة أراضي المواطنين الفلسطينيين لبناء المزيد من الوحدات السكنية الاستيطانية، وتخصيص المزيد من الميزانيات والمنح، وإعطاء العديد من الامتيازات لتحقيق ذلك.

حسب بيان للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني في نهاية آذار 2023 تحت عنوان "الذكرى السنوية 47 ليوم الأرض بالأرقام والإحصائيات"، بلغت مساحة مناطق النفوذ في المستعمرات الإسرائيلية في الضفة الغربية (تشمل المساحات المغلقة والمخصصة لتوسيع هذه المستعمرات) نحو 537 كم2 في نهاية العام 2022، وتمثل ما نسبته حوالي 10% من مساحة الضفة الغربية؛ فيما تمثل المساحات المصادرة لأغراض القواعد العسكرية ومواقع التدريب العسكري حوالي 18% من مساحة الضفة الغربية بواقع 1,016 كم2، بالإضافة إلى جدار الضم والتوسع الذي عزل أكثر من 10% من مساحة الضفة الغربية، وتضرر ما يزيد على 219 تجمعاً فلسطينياً جراء إقامة الجدار، والذي يبلغ طوله حوالي 714 كم؛ كما صادرت سلطات الاحتلال الاسرائيلي منذ 1967 حوالي 353 ألف دونم من الأراضي الفلسطينية وصنفتها "محميات طبيعية" تمهيداً للاستيلاء عليها.

وتُظهر معطيات ما تسمى "الإدارة المدنيّة" الإسرائيلية أنّه منذ بداية العام 2000 حتى منتصف العام 2016 قدّم الفلسطينيون لمكاتب التخطيط الإسرائيلية نحو 5475 طلبًا لاستصدار رخص بناء؛ وافقت على 226 طلبًا منها؛ ونتيجة لذلك، ونظرًا للحاجة الماسة، يلجأ الفلسطينيون إلى بناء منازلهم في المنطقة المصنفة C دون ترخيص؛ وبذلك يُفرض عليهم العيش مهدّدين دائمًا بهدم منازلهم.

ووفقا لصحيفة "هآرتس" العبرية الصادرة بتاريخ 22/1/2020م، قدم الفلسطينيون ألفًا و485 طلبًا للحصول على تصريح بناء في المنطقة المصنفة C في الضفة الغربية، وافقت إسرائيل ما بين 2016 و2018، على 21 منها فقط؛ في المقابل إصدار 2047 أمر هدم للمباني الفلسطينية في المنطقة المصنفة C، بزعم انتهاكات لقوانين التخطيط والبناء، وفقًا لبيانات الإدارة المدنية الإسرائيلية.

ترفض الإدارة المدنية إعداد خرائط هيكلية لمعظم البلدات الفلسطينية في المناطق المصنفة c أو المصادقة عليها. وحسب "بتسيلم" (مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلّة) حتى شهر أيلول من العام 2018 قُدم 102 مخططًا هيكليًا لمصادقة الجهات المختصة بالتخطيط في الإدارة المدنية عليها؛ إلا أنه، وحتى نهاية العام نفسه، صودق على خمسة منها فقط، والتي تسري على مساحة قدرها نحو ألف دونم (وتشكل 0.03 % من مناطق C)؛ بينما تحظى المستوطنات الإسرائيلية بمصادرة المزيد من الأراضي الفلسطينية لصالحها، وتربط بمرافق متطورة؛ ويستطيع كل مستوطن أن يصادر أي أرض فلسطينية ويستغلها كما يشاء، سواء ببناء وحدات سكنية أو بزراعتها أو الرعي فيها دون حسيب أو رقيب، وبضوء أخضر من سلطات الاحتلال التي تغض الطرف عن جرائم المستوطنين، وتوفر الحماية لهم.

ويسكن المناطق المصنفة C ما يقارب 297 ألف فلسطيني، موزعين على 532 تجمعًا سكانيًا حسب بيانات "مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية"؛ وهي تجمعات تفتقر للبنى التحتية المناسبة ومقومات الحياة الإنسانية، ومحاصرة بنحو 198 مستوطنة، و220 بؤرة استيطانية، ويعيش فيها أكثر من 824 ألف مستوطن. وتشير دراسة أعدها البنك الدولي أن 68% من مساحة المناطق C حجزت لبناء المستوطنات الإسرائيلية؛ فيما أجيز للفلسطينيين استخدام أقل من 1% منها. وحسب تقارير مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع لهيئة الأمم المتحدة "أوتشا": يحظر على الفلسطينيين الدخول إلى ما نسبته 30% من المنطقة المصنفة C بحجة عدم الحصول تصريح.

وتشير إحصاءات وتقارير "مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية" التابع لهيئة الأمم المتحدة (أوتشا) إلى مواصلة سلطات الاحتلال هدمها المنازل الفلسطينية وعلى وجه الخصوص في المناطق المصنفة C وفي القدس ويظهر الجدول الآتي عدد المباني المهدومة (ومعظمها في المنطقة C) وعدد الأشخاص المهجرين منها منذ عام 2009 وحتى 26 تموز 2024

 

السنة

عدد المباني المهدومة

المجموع

عدد المهجرين

المجموع

c

A+b

القدس

 

c

A+b

القدس

2009

194

1

84

279

336

6

333

676

2010

352

6

81

439

469

0

124

593

2011

586

3

42

631

1014

0

88

1102

2012

544

16

63

623

779

0

71

850

2013

564

1

98

663

805

0

298

1103

2014

492

13

95

600

957

51

208

1216

2015

469

12

79

560

566

63

114

743

2016

876

28

190

1094

1221

118

254

1593

2017

273

7

142

442

398

33

233

664

2018

273

12

178

463

221

75

176

472

2019

399

25

208

632

507

60

340

207

2020

671

8

178

857

577

33

394

1004

2021

722

8

181

911

835

24

350

1209

2022

781

29

144

954

594

103

335

1032

2023

683

259

229

1171

572

1056

633

2261

2024

1077

412

189

1489

756

2348

489

3593

حتى 21 تشرين الثاني 2024

تأتي هذه الإجراءات الإسرائيلية لتحول دون قدرة الفلسطينيين على استغلال مواردهم الطبيعية، والتي تشكل المناطق C مصدرها الرئيسي، بما في ذلك المساحات المفتوحة للمزيد من عمليات البناء والبنى التحتية. وتشير تقارير البنك الدولي إلى أن الاقتصاد الفلسطيني يخسر نحو 3.4 مليار دولًار سنويًا جراء منع الفلسطينيين من الوصول إلى هذه المناطق.

إن ما تقوم به إسرائيل من هدم لمنازل المواطنين الفلسطينيين وممتلكاتهم في جميع أنحاء الأراضي الفلسطينية المحتلة، يعد انتهاكًا صارخا لقواعد القانون الدولي والقانون الإنساني؛ حيث جاء في المادة 147 من اتفاقية جنيف الرابعة أن: تدمير واغتصاب الممتلكات على نحو لا تبرره ضرورات حربية، وعلى نطاق كبير بطريقة غير مشروعة وتعسفية- تعتبر مخالفات جسيمة للاتفاقية؛ كذلك المادة 53 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1948 تحرم تدمير الممتلكات، إذ تنص على ما يلي: يحظر على دولة الاحتلال أن تدمر أي ممتلكات خاصة ثابتة أو منقولة تتعلق بأفراد أو جماعات، أو بالدولة أو السلطات العامة، أو المنظمات الاجتماعية أو التعاونية، إلا إذا كانت العمليات الحربية تقتضي حتماً هذا التدمير، ونصت المادة 33 من اتفاقية جنيف الرابعة على أنه: لا يجوز معاقبة أي شخص محمي عن مخالفة لم يقترفها هو شخصياً. كما حذرت الفقرة من المادة 23 من اتفاقية لاهاي لعام 1907م من تدمير ممتلكات العدو أو حجزها، إلا إذا كانت ضرورات الحرب تقتضي حتمًا هذا التدمير أو الحجز. والمادة 17 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، المؤرخ في 10 كانون الأول 1948 تنص على أنه لا يجوز تجريد أحد من ملكه تعسفًا.

في العام 2004، دعا مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة إسرائيل إلى احترام التزاماتها بموجب القانون الدولي والإنساني ووقف هدم المنازل الفلسطينية وفقاً لقرار رقم 1544.

في خطوة نادرة وماكرة، صادق المجلس الوزاريّ الإسرائيليّ المصغّر الـ"كابينت"، يوم 30 تمّوز2019، على بناء 715 منزلاً للفلسطينيّين في المناطق المصنّفة "ج"، لكنّ خطّة البناء التي بادر إليها رئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو تعطي الضوء الأخضر لبناء 6 آلاف وحدة استيطانيّة في الضفة الغربية في الوقت ذاته. وجاء هذا القرار في محاولة لمقايضة حق بناء الفلسطيني على أرضه، ببناء المزيد من المستوطنات؛ في محاولة لتضليل العالم عبر تجميل عمليّات توسيع الاستيطان وتعميقه وشرعنته في ظل موافقات شكليّة ووعود وهميّة بالسماح للفلسطينيّ بالبناء على أرض وطنه؛ في الوقت الذي لا تملك اسرائيل (القوة القائمة بالاحتلال) هذا الحق.