النقابات العمالية الفلسطينية في عهد الانتداب البريطاني

ظهرت النقابات العمالية في فلسطين مبكراً، وكانت مدينة حيفا هي المركز الذي انطلقت منه أولى هذه النقابات، لتنتشر فيما بعد في مختلف المناطق الفلسطينية لا سيما في يافا والناصرة، وأبرز النقابات التي ظهرت في فلسطين قبل النكبة كانت التالية:

1) جمعية العمال العربية الفلسطينية:

أُسست نواتها الأولى كحركة خيرية في سنة 1920 من عمال سكك الحديد في حيفا، تجمع التبرعات لمساعدة المرضى من العمال وعائلات المتوفين من زملائهم. وكان المبادر إليها عبد الحميد حيمور، وهو من أصل دمشقي. وفي عام 1924 رأت تلك الجماعة أن تفتح نادياً خيرياً باسم “النادي الخيري لعمال سكك الحديد”. وفي 21/3/1925 قدمت طلباً إلى الحكومة لتسجيل النادي بشكل رسمي. وتطورت هذه الفكرة إلى فكرة تأسيس جمعية عامة للعمال في السكة الحديدية وخارجها. وبتاريخ 9/5/1925 قدم إلى الحكومة طلب تسجيل جمعية باسم “جمعية العمال العربية الفلسطينية”، وبتاريخ 8/8/1925 أبلغت الحكومة أصحاب الطلب أن جمعيتهم قد سجلت رسمياً.

نص قانون الجمعية على أن مركزها هو مدينة حيفا، ويجوز أن تنشىء لها فروعاً في فلسطين، وعلى أن الغرض من إنشائها هو:

1-  إيجاد مركز رئيسي ترتبط به جميع فروع الجمعية في فلسطين.

2- تنظيم حركة العمال. والدفاع عن مصالحهم.

3- السعي لايجاد تشريع خاص لحماية العامل إزاء أصحاب رؤوس الأموال والمصالح وأرباب العمل بتحديد ساعات العمل وتقدير الأجور، بشرط أن تكون كل أعمالها ضمن دائرة القانون والنظام، وألا تتناول الأمور السياسية أو الدينية.

منح القانون حق العضوية في الجمعية كل عامل خضع لقانونها، بشرط ألا يكون يهودياً. وحدد الهيكل الإداري العام للجمعية على ثلاثة مستويات:

1- مؤتمر النقابات: هو السلطة التشريعية والتنظيمية العليا.

2- المجلس الأعلى: يتكون من ممثلي النقابات والفروع.  وهو يتولى الإعداد للمؤتمر.

3- مكتب الإدارة: يتولى تصريف الأمور وتنفيذ القرارات يومياً.

ومن أبرز شخصيات الجمعية: مؤسسها وأبوها الروحي (عبد الحميد حيمور) وهو من أصل دمشقي، وسامي طه الذي أصبح في وقت لاحق أمين سر الجمعية، والمحرك الأساسي لنشاطها، وسعيد القواص، وعيد سليم، والياس الذوقي، ورضوان الحلو، ومصطفى أبو زيد.

بلغ عدد أعضاء الجمعية 11.004 أعضاء عام 1935، و50 ألف عضو عام 1945 (حسب تقرير وفد الجمعية إلى مؤتمر النقابات الدولي المنعقد في لندن بتاريخ 6/2/1945)، و89 ألف عامل حسب كلمة عبد أبو ربه مشرف نائب رئيس المؤتمر الثاني للجمعية في 29/8/1946، و120 ألف عامل مثلهم في المؤتمر الثالث 120 مندوباً انتخبهم 80 ألف عامل منظم، حسب رواية حسني صالح الخفش في مذكراته عن المؤتمر الثالث للجمعية المنعقد في آب 1947.

افتتحت الجمعية فروعاً لها في أنحاء فلسطين كلها، وكانت في البداية عشرة فروع، ثم أصبحت 46 فرعاً، حضر ممثلون عنهم مؤتمر الجمعية الثاني.

عقدت الجمعية ثلاثة مؤتمرات، المؤتمر الأول في حيفا من 11-12/1/1930، بحضور 61 مندوباً يمثلون 3020 عاملاً في تسعة فروع هي: حيفا ويافا ونابلس واللد وعكا وشفا عمرو والناصرة ولفتة. وانصب البحث في المؤتمر على وضع أسس لشروط استخدام العمال التي يجب المطالبة بها في كل مكان من فلسطين، وتعرض هذا المؤتمر لحركة شغب منظمة من الحركة العمالية الصهيونية (الهستدروت).

 واتخذ العمال في المؤتمر 30 قراراً عاماً، وقرابة 30 قراراً خاصاً بعمال سكك الحديد، وقد تناول بعض هذه القرارات شروط استخدام العمال، وعالج بعضها الآخر نواحي أخرى عامة مهنية وسياسية. ومن أهم هذه القرارات:

1- استنكار الهجرة الصهيونية إلى فلسطين.

2- اصدار جريدة باسم “العامل العربي”. وقد صدر العدد الأول منها في 4/5/1930، ولكنه أتلف في المطبعة، وتقرر الغاء الفكرة؛ خوفاً من مقاومة الحكومة للجمعية؛ بسبب شائعات عن علاقة الجريدة بموسكو، في وقت كانت فيه حكومة الانتداب البريطانية تحارب النشاط الشيوعي.

3- تأسيس صناديق توفير للعمال: وقد استمرت هذه الصناديق في العمل 6 سنوات معتمدة على إبداعات العمال أنفسهم، وتوقفت عام 1936 مع بدء الاضراب العام في فلسطين الذي دام 6 أشهر، بسبب حاجة العمال للاعلانات التي أودعوها في الصناديق المذكورة.

ثم عقدت الجمعية مؤتمرها الثاني في حيفا في 29/8/1946. وقد شهد هذا المؤتمر تطوراً فكرياً وسياسياً في بناء الجمعية وأهدافها. افتتح المؤتمر أمين السر سامي طه وترأسه عبد الحميد حيمور، وضم ممثلين عن 42 فرعاً ونقابة، بلغ عددهم 50 عضواً و53 عضواً مراقباً. وألقى سامي طه خطاباً لخص فيه مبادىء الجمعية بما يلي:

1-  أن تعتبر الحركة النقابية هي الطريق الصحيح للوصول إلى الأهداف الاشتراكية.

2- أن تعتبر طريق الوصول إلى الأهداف الاشتراكية طريق التطور لا الثورة.

3- أن تعتبر “اشتراكيتنا” ضمن نطاق التعريف التالي: حركة إصلاح لتحقيق العدالة الاجتماعية بتوزيع ثروة البلاد الطبيعية والإنتاجية توزيعًا عادلاً.

4- أن يعتبر المواطن كل من يؤدي عملاً ناجحاً لأمته وبلاده من إنتاج فكره أو يده.

5- أن تعتبر الحركة السياسية فرعاً من الحركة النقابية الأم، وواسطة للوصول إلى غاية.

أما المؤتمر الثالث فعقد في شهر آب من عام 1947، وضم زهاء 120 نقابياً يمثلون قرابة 120 ألف عامل، شارك في الانتخاب المنظم منهم نحو 80 ألف عامل، موزعين على ما يقرب من 65 فرعاً.  وقد عقد هذا المؤتمر في جو سياسي عاصف على الصعيد الفلسطيني وعلى الصعيد الدولي. وكانت أهم المواضيع المطروحة على المؤتمر:

1- المشاريع المختلفة لإنقاذ الأراضي الفلسطينية، والنهوض بالفلاح الفلسطيني: ناقش المؤتمر ثلاثة مشاريع لإنقاذ الأرض الفلسطينية من الاستيطان الصهيوني؛ ووافق عليها كلها، وهي:

الأول مشروع موسى العلمي المقدم إلى جامعة الدول العربية لرفع مستوى الفلاح الفلسطيني، وهو المشروع الذي كانت تؤيده آنذاك حكومة نوري السعيد في العراق، وترفضه الهيئة العربية العليا (بزعامة محمد أمين الحسيني).

الثاني مشروع جامعة الدول العربية لفتح صندوق تساهم فيه الدول العربية، ويخصص ما يجمع له لشراء الأراضي الفلسطينية لئلا تباع للصهيونيين.

الثالث مشروع صندوق الأمة الذي طرحته الهيئة العربية العليا، والذي ينص على أن يكون البيع والشراء بإشراف الهيئة العربية العليا فقط.

2- تحديد موقف الحركة العمالية من قضية فلسطين والمناقشات الجارية آنذاك في هيئة الأمم المتحدة حول قرار تقسيم فلسطين، قرر المؤتمر بهذا الشأن:

أولاً: رفض مبدأ مشروع تقسيم فلسطين.

ثانياً: إقامة دولة فلسطينية ديمقراطية.

ثالثاً: اعتبار اليهود العرب الذي كانوا يقطنون فلسطين قبل العام 1918، ومن تناسل منهم، مواطنين لهم حقوق وعليهم واجبات.

رابعاً: يجلى عن فلسطين كل من دخل إليها دون رغبة أهلها.

 
قامت جمعية العمال العربية الفلسطينية بنشاط نقابي واسع للدفاع عن حقوق العمال، تمثل في سلسلة من الإضرابات في الأعوام 1927، 1933، و1935. واستطاعت الجمعية أن تحقق مجموعة من الانجازات النقابية للعمال، أبرزها:

1- زيادة أجور العمل.

2- تنظيم الإجازات المرضية والدينية وإجازات الأعياد، وكان بعضها بأجور كاملة وبعضها بنصف أجر.

3- جعل يوم العمل 8 ساعات في جميع الشركات الكبرى، و9 ساعات في الميناء التابع للحكومة.

4-  قامت الجمعية بنشاط كبير في إضراب 1936،  فأسست لجاناً تولت تنظيم الجماهير وتقديم الاعانات والرد على الدعايات المضادة، وكان سامي طه يمثل الجمعية في “اللجنة القومية العربية العليا” في القدس، في حين كان بعض أعضاء الجمعية يمثلونها في اللجان القومية العربية الفرعية في المدن.

وقد عاشت الحركة النقابية مرحلة ضعف عام إثر اندلاع الإضراب عام 1936 حتى عام 1939، ثم دبت الحياة من جديد في مكاتب جمعية العمال العربية الفلسطينية، وتألفت نقابات جديدة انضمت إلى مجموعة النقابات السابقة، منها: نقابة عمال معسكرات الجيش البريطاني، ونقابة عمال البرق والبريد والهاتف، ونقابة عمال دوائر الأشغال العامة، ونقابة عمال شركة “سبني” التجارية البريطانية، ونقابة عمال شركة تكرير البترول.  ونظمت الجمعية في هذه المرحلة سلسلة من الاضرابات الشاملة أبرزها:

1- الإضراب من أجل مساواة الأجور بين العمال العرب واليهود. وهي سلسلة إضرابات عمالية على امتداد عامي 1942 و1943. وقد نجحت في تحقيق أهدافها.

2- الإضراب العمالي العام الذي أعلنته الحركة العمالية الفلسطينية في 10/4/1946، ودام حتى 20/4/1946، احتجاجاً على رفض رئيس دائرة البريد والبرق والهاتف البريطاني في يافا الاعتراف بجمعية العمال العربية الفلسطينية ممثلة للعمال، وقد تعطلت نتيجة هذا الإضراب وسائل المواصلات، والدوائر الحكومية، والمؤسسات الرسمية.

3- إضراب عمال محاجر الصادق على شركة “سوليل بونيه” الصهيونية وتميز هذا الإضراب باعتصام العمال وتهيئة عناصر مسلحة للدفاع عنهم.

5- استطاعت الجمعية أن تمنع الهستدروت من تنظيم اضراب لعمال معسكرات الجيش البريطاني في 10/4/1943؛ حتى لا يمكنه ذلك من إثبات ادعائه بأنه الممثل الشرعي للطبقة العاملة في فلسطين.

6-  نجحت الجمعية في الوصول إلى المجال الدولي، فشاركت لأول مرة في مؤتمر النقابات الدولي بلندن الذي عقد في الفترة من 6-22/2/1945. وترأس وفد الجمعية إلى المؤتمر سامي طه يرافقه المستشار القانوني حنا عصفور. وبذل جهده في تفنيد فكرة الوطن القومي لليهود في فلسطين، وفي تفنيد حجج ممثل الهستدروت الذي حاول التكلم باسم عمال فلسطين العرب واليهود. كما شاركت الجمعية للمرة الثانية في مؤتمر النقابات الدولي الذي عقد في باريس في شهر أيلول 1945، ومثلها فيه سامي طه وحنا عصفور.

بعد نكبة عام 1948 تحطمت الحركة النقابية، ولم يبق من فروع جمعية العمال العربية الفلسطينية إلا مجلس النقابات في نابلس؛ وكان من أبرز أعضائه: حسني صالح الخفش، الذي حاول مع زملائه الإبقاء على راية الحركة النقابية، ودعوا جميع النقابيين الفلسطينيين أينما وجدوا إلى الحضور إلى مقر مجلس النقابات في نابلس لعقد مؤتمر يكون بمنزلة مجلس أعلى لجمعية العمال العربية الفلسطينية.  وقد لبى هذه الدعوة عشرون نقابياً بالإضافة إلى نقابيي نابلس، واتخذوا قرارات منها:

1- اعتبار مدينة نابلس المركز الرئيسي المؤقت للحركة العمالية بدلاً من حيفا.

2- انتخاب حسني صالح الخفش أميناً عاماً بالوكالة.

3- العمل على تنظيم العمال في مدن الضفة الغربية والضفة الشرقية للأردن.

فتحت الجمعية على أثر ذلك فروعًا لها في رام الله وبيت لحم وعمان. وحضر الدكتور عمر الخليل اجتماعاً للمجلس الأعلى في أريحا؛ ولكنه لم يمارس مهماته بسبب وضعه الصحي ووفاته السريعة بعد ذلك. وفي عام 1952 قررت الحكومة الأردنية إقفال جميع فروع جمعية العمال العربية الفلسطينية ومصادرة أموالها وممتلكاتها. وانتهت بذلك أبرز تجربة عمالية فلسطينية.

 

2) جمعية العمال العرب (1934 – 1937):

مؤسسة نقابية عمالية عربية فلسطينية، أسسها عمال الميناء والتجارة والبناء في مدينة يافا، في أول أيلول 1934، واستمرت في نشاطها النقابي والسياسي حتى أواخر 1937.  ويعود الفضل في تأسيسها إلى ميشيل متري، المهندس الفلسطيني الذي عاد من البرازيل في عام 1934، وبدأ يدعو إلى إقامة مؤسسة نقابية للعمال العرب الفلسطينيين، تتجاوز ضعف جمعية العمال العربية الفلسطينية، وتواجه نشاط الصهيونية ومؤسساتها في فلسطين. ونجح ميشيل متري في إقامة المؤسسة النقابية التي دعا إليها، في القدس وحيفا ويافا.

ترأس هذه الجمعية في البداية فخري النشاشيبي، لكن الخلاف سرعان ما دب بين ميشيل هنري وفخري النشاشيبي، فانفرد ميشيل هنري بقيادة الجمعية، وتولى جورج منصور منصب سكرتير الجمعية، منذ 17/8/1935 حتى أوائل عام 1937.

وعندما اشتد نشاط المؤسسات الصهيونية، وأكثرت من طرد العمال العرب الفلسطينيين من مختلف الأعمال، اقترح الشيوعيون في جمعية العمال العرب تشكيل “الحاميات العربية” في مواجهة “الحاميات اليهودية”.

وقد أصدرت الجمعية بياناً في أيلول 1934، وكانت لا تزال في طور التأسيس، دعت فيه العمال العرب الفلسطينيين إلى تشكيل الحاميات العربية لمقاومة “اعتداءات الحاميات اليهودية عن العمال العرب، والتهديد والوعيد والاضطهاد التي يلاقيها أخواننا العمال العرب في كافة أنحاء فلسطين، من دخلاء البلاد الأجانب، الذين اغتصبوا لقمة عاملنا العربي”.

وحدث أن أخذت مؤسسة “سوليل بونيه” الصهيونية تعهداً لبناء مدرسة لحساب حكومة الانتداب البريطاني مقابل المستشفى البلدي في مدينة يافا؛ فهاجمت الحاميات العربية العمال اليهود، وأخرجتهم من المدرسة، وقتلت جندياً بريطانيًا، وانتزعت تعهد بناء المدرسة من سوليل بونيه.

وفي بداية عام 1936، قدمت الجمعية للمندوب السامي البريطاني مذكرة من اثني عشر بندًا حول البطالة والهجرة الصهيونية.  وقد انتقدت الجمعية في المذكرة اعتماد حكومة الانتداب في فلسطين على إحصاءات الهستدروت لتحديد قدرة فلسطين على استيعاب المزيد من المهاجرين، ومدى حجم البطالة بين العمال اليهود.  ورأت مذكرة الجمعية أن تقديرات الهستدروت لحجم البطالة بين العمال اليهود هي أقل من حجمها الحقيقي، وأن حجم البطالة بين العمال العرب الفلسطينيين قد تم تجاهله.  وكشفت المذكرة أساليب محاياة حكومة الانتداب للهستدروت، ولا سيما في مجال إعطاء المقاولات، وفي تشغيل العمال اليهود على حساب العمال العرب. وبنيت المذكرة أن “قوة الاستيعاب لا تسمح بدخول مهاجر واحد” بسبب البطالة الواسعة التي بلغت معها أعداد العمال العاطلين عن العمل قرابة ستة آلاف عامل يهودي وثلاثة وعشرين ألف عامل عربي.

نجحت جمعية العمال العرب في بناء إحدى عشرة نقابية عمالية، وفي مد نشاطها إلى ضواحي يافا وحيفا وبعض المدن الفلسطينية الأخرى، وبلغ عدد العمال المنتسبين إلى هذه الجمعية نحو 4.700 عامل عربي فلسطيني.  وقد سيطرت الجمعية على إضراب الأشهر الستة الشهير في مدينة يافا (نيسان 1936 إلى تشرين الأول 1936).

تمكن شخصان من قتل ميشيل هنري في نهاية عام 1936، في حي ارشيد في مدينة يافا؛ ولم تنجح محاولة تنصيب الشيخ سليمان التاجي الفاروقي رئيساً لجمعية العمال العرب، خلفاً له.  وقد انتخبت الجمعية هيئة إدارية جديدة ضمت كلا من: نديم طه، ومحمود سعسع، وبشارة السفري، وسعيد قبلان. وتولى محمود سعسع رئاسة الجمعية. على أن الجمعية أخذت تنوي، منذ موت ميشيل هنري، إلى أن توقفت نهائياً عن ممارسة نشاطها في أواخر عام 1937.

 

3) اتحاد نقابات العمال العرب:

تأسس هذا الاتحاد عام 1942 في مدينة حيفا، وكان على رأسه بولس فرح وعدد من الشيوعيين. ولكنه ما لبث أن انضم إلى جمعية العمال العربية الفلسطينية.

 

4) مؤتمر العمال العرب (1945):

بدأ التيار الشيوعي في جمعية العمال العربية الفلسطينية وفروعها يكتسب قاعدة عمالية كبيرة، ويرسخ نفوذه، وأصبح رؤساء بعض فروع الجمعية من الشيوعيين، وهي فروع القدس ويافا وغزة والناصرة وحيفا. وبدأ الخلاف يتزايد بينهم وبين القادة النقابيين التقليدين في الجمعية وعلى رأسهم سامي طه سكرتير الجمعية، وطالبوا بانتخابات وتمثيل أكثر ديمقراطية في الجمعية.  وفي خارج جمعية العمال العربية الفلسطينية زاد اهتمام الشيوعين بالعمل التنظيمي بين العمال العرب، بعد أن كان نشاطهم مقتصراً على صفوف المثقفين والطلبة. وفي خريف 1942 حصلت مجموعة شيوعية من “جمعية أشعة الأمل” على إذن بإنشاء “اتحاد النقابات ومجموعات العمل العربية”. واستطاع الاتحاد أن يضم إليه عدداً من النقابات في صناعة البترول ومرفأ حيفا ومخيمات الجيش.

ومنذ عام 1943 وضُح التياران المتعارضان داخل جمعية العمال العربية الفلسطينية: التيار الذي يمثل المنظمة النقابية التاريخية للطبقة العاملة؛ والتيار الشيوعي في الحركة العمالية (أطلق على الشيوعين العرب الذين انشقوا عن الحزب الشيوعي الفلسطيني اسم "عصبة التحرر الوطني" منذ أيلول 1943. وزادت حدة الشقاق عام 1944 حول مسألة تمثيل الحركة العمالية في المؤتمر التحضيري لإنشاء اتحاد عمالي عالمي في لندن (شباط 1945).  وحدث الخلاف مرة أخرى حول موضوع تعيين الوفد إلى مؤتمر النقابات في باريس (أيلول 1945)؛ فاعتبر الخلاف حول التمثيل الفلسطيني في المؤتمر سبباً لانفصال الشيوعيين عن الجمعية.

ودعا الرؤساء الشيوعيون لبعض فروع جمعية العمال العربية الفلسطينية إلى عقد اجتماع للجمعية في يافا في 19/8/1945 حضره ممثلون عن فروع يافا والقدس وغزة والناصرة وعكا بالإضافة إلى سبعة فروع أخرى صغيرة.  وقد أعلنوا في الاجتماع انسحابهم من الحماية وانضمامهم إلى اتحاد النقابات وجمعيات العمل العربية، وتسموا باسم “مؤتمر العمال العرب” وانتخبوا لجنة تنفيذية من ستة أشخاص هم: فؤاد نصار، وخليل شنير، ومخلص عمرو، وبولس فرح، وسليم القاسم، وحسني أبو عيشة.

تركزت مقررات هذا المؤتمر على مطالب سياسية ونقابية، أبرزها: تأكيد مقاومة الاستعمار والصهيونية، والمطالبة بإنهاء الانتداب، وتأكيد الديمقراطية في الحركة النقابية، والارتباط بالحركة العمالية العالمية. وطالب المؤتمر بالتشريع العمالي وبالأجر المقطوع، وبالضمان الاجتماعي للمسنين والمرضى، وبإلغاء التبادلات في العمل الخاص، وبإنشاء قسم للتوظيف تشرف عليه الدولة.

شعر شيوعيو عصبة التحرر الوطني بخطأ شق الحركة العمالية الذي لا يسوغه النقد الموجه إلى جمعية العمال العربية الفلسطينية أو إسهام الشيوعين على صعيد النقابات العمالية؛ فانتقدت العصبة الانشقاق، وطردت القادة المنتسبين إلى مؤتمر العمال العرب.  وقد ظهر التناقض في صفوف الشيوعيين إزاء القضية الوطنية، وقام بعض أعضاء مؤتمر العمال العرب بالإدلاء بشهادتهم أمام اللجنة الدولية للتحقيق عام 1947، خروجاً على إجماع الحركة الوطنية، واتخذ هذا المؤتمر موقعاً إيجابياً من قرار التقسيم (1947)، مشايعاً أحد جناحي عصبة التحرر الوطني.  وفي عام 1948 أصدر أحمد حلمي، أمراً بحل المؤتمر والعصبة؛ بوصفهما غير شرعيتين.