قطاع الإسكان يبدأ بعد سنوات من التراجع

يعدّ الاستثمار العقاري وبخاصة في قطاع الإسكان، مؤشراً هاماً يعكس الحالة الاقتصادية ودرجة الاستقرار في الدول والمجتمعات. وفي الاقتصاد الفلسطيني، يحتل قطاع الإنشاءات والإسكان أهمية كبيرة، سواء في مدى مساهمته من الناتج المحلي الإجمالي وتشغيله للأيدي العاملة، أو ارتباطه وتأثيره المباشر على العديد من الأنشطة الاقتصادية الأخرى.

أولت السلطة الفلسطينية منذ نشأتها لقطاع الإنشاءات وخاصة للأغراض السكنية أهمية خاصة، وعملت على دعم إنشاء الوحدات السكنية وتوفير مرافق البنية التحتية، مار رفع حجم الاستثمار في هذا القطاع إلى أكثر من مليار دولار سنوياً خلال الأعوام الخمسة الأولى من عمر السلطة، بعد أن بلغ هذا الاستثمار 628 مليون دولار في العام 1993 وهو العام السابق لتأسيس السلطة.

في العام 2000 تدهور الوضع السياسي والأمني نتيجة تنصل الحكومات الإسرائيلية من الاتفاقات المبرمة مع منظمة التحرير، وتراجع الاقتصاد الفلسطيني؛ وهو ما انعكس بوضوح على القطاع العقاري، حيث تراجع الاستثمار في هذا القطاع بأكثر من النصف. وأدى رد قوات الاحتلال الإسرائيلي على انتفاضة الشعب الفلسطيني بالقتل والتدمير إلى إلحاق أضرار جسيمة بالمساكن والأبنية القائمة ومرافق البينة التحتية، وهو ما كبد الاقتصاد الفلسطيني خسائر فادحة.

ومع تتبع الأرقام والإحصائيات المتعلقة بأنشطة البناء ومقارنتها مع الظروف السائدة خلال الفترة المعنية، نجدها تسقط الواقع السياسي والأمني على الحالة الاقتصادية. من هذه الإحصائيات تلك المتعلقة برخص الأبنية الصادرة في الأراضي الفلسطينية. فبحسب بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فإن عدد هذه الرخص في عام 1999 كان  9918 رخصة، وتراجع إلى 8301 رخصة في العام 2000 وهي السنة التي انطلقت انتفاضة الأقصى في ربعها الأخير، فيما تراجع عدد الرخص الصادرة في عام 2001 إلى رخصة 5133 رخصة. أما العام 2002؛ فقد شهد تصعيداً خطيراً تمثّل في اجتياح الجيش الإسرائيلي للمدن الفلسطينية وتدمير جزء كبير من بنيتها التحتية ضمن عملية أطلق عليها (السور الواقي)، وفي ذلك العام تم إصدار 3325 رخصة بناء في الضفة الغربية وقطاع غزة وهو أدنى رقم لهذه الرخص منذ قيام السلطة الوطنية وحتى منتصف العام 2011.

بعد ارتفاع محدود ومستقر لعدد رخص البناء الصادرة في العامين 2003 و2004 بواقع 5235 و5008 على التوالي، شهد العام 2005 ارتفاعاً ملحوظاً بواقع 7108 رخصة بناء، وهو ما ينسجم وحالة الاستقرار النسبي الذي شهده ذلك العام، خاصةً بعد الانتخابات الرئاسية، وسعي الرئيس محمود عباس لتطبيق برنامجه الانتخابي الذي كان شعاره الأساسي الأمن والأمان.

أدى الحصار المفروض على الشعب الفلسطيني بعد الانتخابات التشريعية عام 2006 إلى تراجع الاستثمار العقاري وبالتالي عدد رخص الأبنية، حيث صدر في ذلك العام 6061 رخصة.

 وازداد الوضع سوءاً في العام التالي 2007، حيث تم تشديد الحصار خاصةً على قطاع غزة بعدما شهد انقلاباً عسكرياً نفذته حركة "حماس"، وبلغ عدد رخص البناء الصادرة في الأراضي الفلسطينية في ذلك العام 4488 رخصة فقط. ولم يكن هناك تغير يذكر في العام 2008 الذي سجل 4546 رخصة بناء كان معظمها في الضفة الغربية.

ومع التراجع الحاد في عمليات البناء في قطاع غزة نتيجة سوء الوضع الاقتصادي وعدم توفر مواد البناء بسبب الحصار المشدد، شهدت الضفة الغربية حركة عمرانية نشطة بفعل الجهود التي بذلتها حكومة تصريف الأعمال برئاسة الدكتور سلام فياض، والتي ركزت على تعزيز الاستقرار الأمني والاقتصادي وبناء المؤسسات، وانعكس ذلك عبر النمو المتحقق في عدد رخص البناء المسجلة في الأراضي الفلسطينية، حيث سجل العامين 2009 و2010 ما مجموعه 5383 و6332 رخصة صدرت معظمها في الضفة الغربية.

أما في العام 2011، فتشير البيانات الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني إلى صدور 4007 رخصة بناء خلال النصف الأول فقط من العام وهو ما يعكس نمواً كبيراً في هذا المجال. وتبلغ حصة قطاع غزة من هذه الرخص 92 رخصة فقط، رغم إدخال كميات محدودة من مواد البناء من مصر إلى القطاع عبر أنفاق التهريب.

وقد بلغ مجموع مساحة الأبنية السكنية المرخصة في الأراضي الفلسطينية خلال النصف الأول من هذا العام مليون و 346.7 ألف متر منها 5718 وحدة جديدة مساحتها مليون و 25.4 ألف متر مربع.

 وقد سجل عدد الوحدات السكنية الجديدة ارتفاعاً بنحو 60% خلال النصف الأول من عام  2011 مقارنةً بذات الفترة من العام 2010، وزيادةً في عدد الرخص الصادرة خلال النصف الأول من عام 2011 بنسبة 24.4% مقارنةً بعدد الرخص الصادرة في النصف الأول من العام 2010.

وفيما يتعلق بالتوزيع الجغرافي؛ سجلت محافظة الخليل أعلى عدد من الرخص الصادرة للأبنية السكنية خلال النصف الأول من عام 2011، بواقع 1003 رخصة، إضافة لما مجموعه 55 رخصة لأبنية غير سكنية. تليها محافظة نابلس، بواقع 764 رخصة سكنية و154 رخصة لأبنية غير سكنية.

ومن خلال الأرقام المتعلقة بحجم ا لبناء في الأراضي الفلسطينية يتضح أن العام الحالي 2011 حقق نمواً جيداً في هذا المجال في محافظات الضفة الغربية، وهو ما يشير إلى عودة النشاط العمراني لدوره المطلوب في الاقتصاد الفلسطيني، ما لم تضع إسرائيل العراقيل وتمارس الضغط والتضييق ضد الشعب الفلسطيني بعد خطوته السياسية في الأمم المتحدة. فيما لا يزال قطاع غزة بانتظار الخطوات العملية لتحقيق الوعود التي طالما سمع بها أهالي القطاع حول إعادة الإعمار وإطلاق عجلة البناء.