تشكيلات صهيونية قبل عام 1948

أولاً: تشكيلات سياسية

١- أحباء صهيون

"أحباء صهيون" أو "هواة صهيون"، ترجمة للاسم العبري "حوفيفي تسيون"، وهو اسم يطلق على جمعيات صهيونية نشأت في روسيا سنة 1881م؛ بعد صدور قوانين أيار التي فرضت قيوداً على الأقلية اليهودية هناك بين عامي 1881ـ1883م، وعلى حركة المهاجرين اليهود من روسيا وبولونيا ورومانيا إلى فلسطين "الهجرة الأولى 1881ـ1904". وكان هدف حركة أحباء صهيون محاربة اندماج اليهود في المجتمعات التي يعيشون فيها، و"العودة إلى صهيون".

واتخذت لها شعاراً "إلى فلسطين" ودعت إلى الاستعداد للهجرة لشراء الأراضي فيها، ومساعدة الاستيطان اليهودي هناك. وكانت حركة أحباء صهيون همزة الوصل بين ما أطلق عليه "طلائع الصهيونية" في منتصف القرن التاسع عشر، وبداية الصهيونية السياسية مع ظهور تيودور هرتزل وانعقاد المؤتمر الصهيوني الأول سنة 1897م.

وسبق هذه الحركة أفكار ومشاريع مختلفة، من جانب أشخاص بشكل فردي، مثل الحاخام تسفي "هيرش كليشر" و"يهودا الكلعي" و"موشيه هيس"، والأدباء: "دافيد غوردون"، و"بيرتس سمولينسكين"، و"اليعيزر بن يهودا"، وآخرين. كما قامت في تلك الفترة أيضاً جمعيات يهودية تعمل من أجل الاستيطان في فلسطين، أطلقت عليها في البداية أسماء مختلفة. وكان القاسم المشترك بينها فكرة أنه لا خلاص لليهود في أماكن وجودهم، والحل هو العودة إلى "صهيون".

وقد انتشرت حركة "أحباء صهيون" بين اليهود في روسيا ورومانيا وغربي أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، وإن كان بعض أعضائها قد راودتهم المخاوف من الشك في وطنيتهم ومن ازدواج الولاء. وكان يغلب على الحركة في دول أوروبا الوسطى والغربية طابع ثقافي نظري، غير أنها ساهمت بدور كبير في مكافحة الاندماج، ووضعت الأساس للحركة الصهيونية السياسية وظهور هرتزل على منبر الصهيونية.

وحاولت الحركة صياغة أفكارها صياغة علمية، وإعطاءها صفة قومية: حلم التخلص من المنفى، بعث الحياة القومية، الثقافة العبرية، العودة إلى الأرض والطبيعة، إقامة حياة اقتصادية لها جذورها في التربة لوضع نهاية للذوبان اليهودي في العالم.

وتطورت حركة أحباء صهيون على يد "ليو بنسكر" في كتابه "التحرر الذاتي" ليؤكد أن اليهود ليسوا جماعة دينية فقط، بل هم أمة مستقلة بذاتها، وخلاصهم من حياة الاضطهاد لا يكون إلا بتحرير أنفسهم بأنفسهم باستقلالهم في أرض يعيشون فيها عيشة قومية حرة، ولم تكن هذه الأرض بالضرورة فلسطين.

مع ظهور هرتزل وإقامة المنظمة الصهيونية العالمية، انضمت معظم جمعيات "أحباء صهيون" ونشيطوها إلى الحركة الصهيونية. وواصل أحباء صهيون نشاطهم العملي في إقامة المستعمرات في فلسطين، وتقديم المساعدات للمدارس العبرية وغير ذلك.

وفي سنة 1900م سافر وفد خاص من أحباء صهيون برئاسة الكاتب "آحاد هاعام" إلى فلسطين؛ لبحث وضع المستعمرات هناك. كما اقترح وفد آخر على البارون روتشيلد إلغاء وصاية الموظفين على اليشوف (الاستيطان) اليهودي في فلسطين، وإدخال تغييرات في إدارة شؤون المستعمرات.

وقدم أحباء صهيون مساعدات للمستعمرات القائمة، وشجعوا وساعدوا في إقامة مستعمرات أخرى جديدة. كما هاجر كثيرون منهم إلى فلسطين، وأقاموا مستعمرات "ريشون لتسيون" في آب 1882م، و"روشبينا" بعد عدة أسابيع، ثم تلتها في العام نفسه مستعمرة "زمارين"، التي أطلق عليها فيما بعد اسم "زخارون يعقوب"؛ تخليداً لوالد البارون روتشيلد، بعد أن تعهد بتقديم المعونة المالية لها. كذلك أقيمت مستعمرة "يسود هامعلا" غربي بحيرة الحولة في شمال فلسطين.

وبلغ مجموع ما صرفته جمعيات "أحباء صهيون" على إقامة المستعمرات الصهيونية في فلسطين حتى نهاية الهجرة الأولى، سنة 1903م، نحو 87 ألف جنيه إسترليني.

 

٢- المنظمة الصهيونية العالمية

نجحت جهود ثيودور هرتزل في عقد المؤتمر الصهيوني الأول الذي افتتح أعماله في مدينة بال (بازل) بسويسرا في 29/8/1897م، وأسفر ذلك المؤتمر عن تحقيق أمرين رئيسين هما:

1. وضع البرنامج الصهيوني المعروف ببرنامج (بازل).

2. إقامة المنظمة الصهيونية العالمية لتنفيذ البرنامج الموضوع الذي نص على: "أن هدف الصهيونية هو إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، يضمنه القانون العام".

ونجحت المنظمة في تأسيس "الصندوق القومي اليهودي" (الكيرين كايميت) عام 1901م، ونجحت في نهاية عام 1901م في إنشاء بنك صهيوني عرف باسم "صندوق الائتمان اليهودي للاستعمار"، الذي تفرعت عنه بنوك أخرى هدفها جميعاً تمويل النشاطات والمشاريع الصهيونية.

بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى؛ أعيد تنظيم وتطوير المنظمة، لاسيما في مجال استكمال الجهاز المالي، بتأسيس "الصندوق التأسيسي لفلسطين" (الكيرين هايسود) المختص بنشاطات الهجرة والاستيطان.

ضعضع نشوب الحرب العالمية الثانية عام 1939 أوضاع المنظمة الصهيونية. ولكنها نجحت مع ذلك في تنفيذ برامجها بصورة فعالة، ولقد نجحت المنظمة الصهيونية ـ بفضل الدعم والتشجيع البريطاني والأمريكي رغم النضال الفلسطيني ـ في زيادة عدد اليهود في فلسطين من 80 ألفا "أي ما يعادل 11.1% من مجموع السكان في عام 1922م" إلى 650 ألفا "أي ما يعادل 33.3% من مجموع السكان في عام 1948".

ومع تسارع التطورات السياسية في أروقة الأمم المتحدة وفي فلسطين بعد عام 1947، قامت المنظمة الصهيونية بتأسيس "مجلس وطني" كان بمثابة البرلمان للدولة الصهيونية المزمع إقامتها، و"إدارة وطنية" كانت حكومة للدولة المرتقبة.

 

٣- جمعية الاستعمار اليهودي

تأسست جمعية الاستعمار اليهودي عام 1891م على أنها جمعية خيرية يهودية؛ هدفها "مساعدة وتطوير عملية تهجير اليهود الفقراء والمحتاجين من أي مكان في أوروبا وآسيا؛ حيث يعانون القهر والحرمان من الحقوق السياسية (حسب رأي الجمعية في ذلك الوقت)، إلى أي مكان آخر في العالم يمكن سكانه التمتع بحقوق الإنسان.

وقد تأسست بمبادرة من البارون موريس دو هرش، وهو مصرفي ورجل أعمال يهودي من أصل ألماني، كان يعيش في فرنسا مختلطاً بالأوساط الاحتكارية والاستعمارية التي كانت تقف وراء المشروع الصهيوني، وكان واجهة يهودية لها.

سجلت الجمعية عام 1893م في لندن كشركة مساهمة رأسمالها الأولى مليونا جنيه إسترليني، رفع فيما بعد إلى ثمانية ملايين جنيه إسترليني. وتشكل مجلس إدارتها من الشخصيات اليهودية المرتبطة بالاحتكارات الرأسمالية في بريطانيا وبلجيكا وفرنسا وألمانيا برئاسة البارون دو هرش.

 وكان من أبرز أعضاء مجلس إدارتها البارون إدموند دو روتشيلد، الذي تولى بين عامي 1886م و1890م الإشراف على شؤون المستعمرات اليهودية التي أقيمت في فلسطين، وأقام إدارة خاصة لهذا الغرض تحت إشرافه.

حاولت جمعية الاستعمار اليهودي في أول الأمر إسكان اليهود المهاجرين من روسيا وشرقي أوروبا في مستعمرات زراعية في أمريكا الشمالية والجنوبية، وخاصة في الأرجنتين حيث حصلت على 750 ألف هكتار من الأراضي، استغلت 500 ألف هكتار منها في إسكان نحو 3500 عائلة يهودية من مهاجري شرقي أوروبا يراوح عدد أفرادها ما بين 35 و40 ألف نسمة.

بدأ نشاط جمعية الاستعمار اليهودي في فلسطين منذ عام 1896م، حين حلت محل إدارة روتشيلد في الإشراف على المستعمرات اليهودية التي كانت قائمة في فلسطين آنذاك، وأنشئ لهذا الغرض صندوق تحت إشراف دو هرش، برأسمال مقداره 15 مليون فرنك فرنسي.

وأخذت الجمعية تقدم المساعدات لهذه المستعمرات على شكل قروض، وتشتري الأراضي وتقيم مستعمرات يهودية جديدة في فلسطين منذ عام 1900م؛ فأقامت عدداً من المستعمرات في منطقة الجليل الأدنى الشرقي ومنطقة طبريا.

استمرت الجمعية في نشاطها هذا حتى عام 1923م، إذ أصبحت تعمل تحت اسم "جمعية الاستعمار اليهودي في فلسطين "بيكا"، وبدأت تنسق جهودها في مجال الاستيطان مع مؤسسات الوكالة اليهودية "والمنظمة الصهيونية العالمية"، ثم عادت إلى العمل بشكل مستقل منذ عام 1929

ومنذ قيام "إسرائيل" ركزت جمعية الاستعمار اليهودي في فلسطين جهودها في مشاركة الحكومة الإسرائيلية والوكالة اليهودية في الأعمال الاستيطانية؛ فساهمت حتى عام 1968م في إنشاء وتقوية 41 مستعمرة. كما قدمت مساهمة لتشجيع الأبحاث الزراعية في الجامعة العبرية ومعهد وايزمن للعلوم.

ولتحسين التدريب الزراعي في مدارس "مكابي إسرائيل" الزراعية وغيرها، وتشارك الجمعية كذلك في أعمال جمعيتي "هياس"، و"جوينت" اليهوديتين الأمريكيتين، اللتين تتوليان تقديم المساعدات لليهود المرتدين عن الهجرة إلى "إسرائيل"، ولاسيما يهود الاتحاد السوفيتي، وتساعدانهم على دخول الولايات المتحدة.

 

٤- حالوتسيم

"الحالوتسيم" كلمة عبرية تعني "رواد" أو "طلائع"، ومفردها "حالوتس"، وقد أطلق المؤرخون الصهيونيون هذه التسمية على تيار من مهاجري الهجرة الثانية "1904م ـ1914م" من الشبان الصهيونيين المتحمسين الذين قدموا إلى فلسطين ليصبحوا عمالاً زراعيين في المستعمرات الصهيونية.

وكان كثير من هؤلاء المهاجرين، حسب المصادر الصهيونية أعضاء في جماعات ثورية روسية تأثروا بالأفكار الراديكالية والاشتراكية التي كانت مألوفة في أوساط المنظمات السياسية المختلفة في روسيا آنذاك. ويقال إن دوافع تكوين هذا التيار ترجع إلى أحداث سنة 1905م في روسيا، والاضطرابات ضد اليهود، وخيبة أمل قسم من الشباب اليهودي من إمكانية حل مشكلة اليهود في المهجر.

ويفترض المؤرخون الصهيونيون أن الحالوتس، أو الرائد، هو شخص تتجسد فيه مجموعة من العوامل المشتركة أوّلها عنصر التضحية بالذات، فهو على استعداد لحرمان نفسه والعيش حياة الزاهد الناسك، وليس هذا الحرمان من أجل الحرمان نفسه، وإنما من أجل القيام بواجب مهم للجماعة، ويتمثل العنصر الثاني في الاهتمام الشديد بالأعمال الزراعية، أو العمل اليدوي بصفة عامة، وهذا العنصر هو أمر جوهري وضروري لخلق إنسان يهودي جديد عن طريق العمل الجسماني.

وثالث العناصر هو إحياء اللغة والثقافة العبريتين، ويرتبط بهذا ارتباطاً وثيقاً التركيز على المساهمة الفعالة في أوجه النشاط الاجتماعي وفي حياة المجتمع.

وكان هذا المزيج من العناصر المختلفة هو الذي هيأ الأسس الديناميكية لصورة الرائد، فقد نادى الحالوتسيم برفض نمط حياة اليهودي في "الدياسبورا" أو الشتات، وبرفض اندماج اليهود في مجتمعاتهم الأصلية، وبالتمسك بفكرة العمل الذاتي وبعودة يهود العالم إلى فلسطين.

توجز أهداف الحالوتسيم في ثلاثة أمور: أرض عبرية، وعمل عبري، ولغة عبرية. وقد برزت في تلك الفترة، أي فترة الهجرة الثانية التي كان الحالوتسيم في عدادها، الدعوة إلى احتلال الأرض وممارسة العمل العبري. وساهم الحالوتسيم في ظهور فكرة الحراسة الذاتية للمستعمرات الصهيونية في فلسطين، ولهذا ارتبطت هذه الريادة بمزارع الكيبوتز، وهي الفكرة التي شكلت نواة التنظيمات العسكرية الصهيونية التي نشأت في فلسطين ابتداء من منظمة "هاشومير"، (الحارس) سنة 1909م، ومنظمة "الهاغاناه" سنة 1921م، وغيرها من المنظمات العسكرية التي انبثق منها سنة 1948م الجيش الإسرائيلي.

 

٥- الكيرين كايميت

الكيرين كاييميت هو الصندوق الدائم لإسرائيل، أو الصندوق القومي اليهودي. وقد اقترح تأسيسه عالم الرياضيات اليهودي هرمان شابيرا عام 1884م، وعرض الاقتراح على المؤتمر الصهيوني الأول 1897م، إلا أن الموافقة عليه لم تتم إلا في المؤتمر الصهيوني السادس 1903م، وقد نص قرار إنشائه على حصر استخدام أمواله في استملاك الأراضي أو أية حقوق فيها في المنطقة التي تضم فلسطين وسورية وأية أجزاء أخرى من تركيا الأسيوية وشبه جزيرة سيناء؛ بهدف توطين اليهود فيها؛ بحيث تعتبر هذه الأراضي ملكاً أبدياً لليهود؛ لا يجوز بيعها أو التصرف بها عن غير طريق تأجيرها.

كانت مدينة فيينا هي المقر الأول لهذا الصندوق، ثم أنشئت له فروع في مختلف أنحاء العالم، واتخذ من مدينة كولون الألمانية مقراً له. وفي عام 1907م تم تسجيل الصندوق كشركة بريطانية، ومع اندلاع الحرب العالمية الأولى؛ نقل مقره إلى مدينة هاغ البولندية، وفي عام 1922م نقل المكتب الرئيس للصندوق إلى القدس.

وكانت حصيلة نشاطاته حتى نهاية عام 1947م امتلاك أراض مساحتها 933,000 دونماً من أصل 1,734,000 دونماً كان يمتلكها اليهود في فلسطين آنذاك، أي ما يساوي 6.6% من مساحة فلسطين الكلية البالغة 26,305,000 دونم، حسب تقديرات "الكيرين كاييميت".

أعادت الكنيست في مطلع عام 1954م صياغة البند المتعلق بمنطقة عمل الصندوق؛ فحصرتها في الأراضي الخاضعة لقوانين حكومة إسرائيل، ثم جرى تعديل مهام الصندوق فحولت من شراء الأراضي إلى استصلاحها وتشجيرها؛ والمساعدة على استيعاب المهاجرين الجدد، وتوفير فرص العمل والخدمات الصحية لهم؛ والإسهام في بناء قرى الناحال بالتنسيق مع الجيش، وتمويل التعليم الصهيوني في إسرائيل وخارجها. وفي آب 1961م وقعت اتفاقية لتنظيم علاقة الصندوق بالحكومة الإسرائيلية، حددت فيها مهامه ومصادر تمويله، وهي تبرعات يهود العالم وريع العقارات المؤجرة.

 

٦- الكيرين هايسود

هو الصندوق التأسيسي الذي أقره المؤتمر الصهيوني المنعقد في لندن "تموز 1920م"، والذي أنشئ بغرض استعمار فلسطين.

يعود التفكير الفعلي في هذا الصندوق إلى تاريخ صدور وعد بلفور في 2/11/1917م، حيث تأسس على أثر هذا الإعلان "صندوق تحضيري" جمع 130,000 جنيه إسترليني في سنتين، ولكن الصندوق التأسيسي، أو "الكيرين هايسود"، هذا لم يتشكل فعلياً إلا في المؤتمر الصهيوني العالمي الذي انعقد في لندن.

 وكان الهدف من تأسيسه، جمع الأموال لتمويل الهجرة والاستيطان في فلسطين؛ باعتبارهما الوسيلة الرئيسة لتطوير البلاد واستعمارها باتجاه خلق "الوطن القومي اليهودي". وعلى هذا اعتبر التبرع للـ"كيرين هايسود" ضريبة سنوية إلزامية ملقاة على عاتق كل يهودي، وأنيط أمر انتخاب إدارة الصندوق رسمياً بالمنظمة الصهيونية العالمية، ومن بعدها بالوكالة اليهودية.

ومن هنا صب هذا الصندوق ما يجمعه من أموال في مؤسستي الهستدروت (النقابات) والوكالة اليهودية، بل إن هذا الصندوق كان اليد اليمنى في جمع النقود لحساب الوكالة اليهودية، فقد بدأ الجمع الفعلي منذ نهاية عام 1921م، وسمي المشروع آنذاك "صندوق الإنقاذ" الذي تمكن من جمع 760 ألف جنيه إسترليني، وقد أطلق على هذا الصندوق اسم "الجباية اليهودية الموحدة".

 ومنذ الحرب العالمية الثانية قام هذا الصندوق بإنشاء 203 مستعمرات زراعية كانت تمتد على مساحة 661 ألف دونم ويسكنها 77 ألف نسمة، وأنشأ شركات مياه الأقاليم وشركة المياه القطرية "مكوروت"، وساهم في تطوير ميناء تل أبيب، وشركة الملاحة "تسيم"، وشركة الطيران، التي أطلق عليها في البداية اسم "أفيرون" ثم أصبح اسمها "إل عال".

يضاف إلى ذلك كله مساهمات الصندوق الأخرى في شركة الكهرباء وشركة البوتاس وغيرهما، فضلاً عن تمويل التعليم والصحة والعمل الاجتماعي في المستعمرات، عن طريق الوكالة اليهودية.

يعد الكيرين هايسود أكبر مؤسسة يهودية لجباية الأموال في العالم، وتدل الأرقام على أهميته وعلى نشاطه الكبير في مجال الجباية قبل قيام إسرائيل وبعده، فقد جمع الكيرين هايسود حتى عام 1948م ما قيمته 26,716,000 جنيه إسترليني، ثم جمع بعد قيام "الدولة" ما قيمته 1.620,000,000 دولار، وهذا المبلغ يشكل 92% من مجمل ما جمعه منذ التأسيس.

 

٧- المجلس الوطني اليهودي

المجلس الوطني اليهودي "المعروف بـ "فاعد ليئومي" أو "اللجنة القومية"، هو المجلس الذي قام بدعم الوجود الصهيوني في فلسطين خلال الفترة الممتدة بين تاريخ إنشاء المجلس في 10/10/1920م، وإقامة الحكومة المؤقتة لإسرائيل في أيار 1948م.

ورغم أن المجلس الوطني اختارته أول جمعية منتخبة للييشوف عام 1920م ، واعترف به ممثلاً رسمياً لها بموجب رسالة من أول مندوب سام بريطاني "هربرت صموئيل"، إلا أنه لم يكتسب صفة مركز قانوني رسمي إلا في 1/1/1928م

وقد تعاون المجلس بشكل وثيق مع الوكالة اليهودية، التي كانت مسؤولة عن رسم السياسة العامة للهجرة والاستعمار الاستيطاني، والتطور الاقتصادي والشؤون العسكرية لليهود.

قد مثل المجلس الوطني المستوطنين اليهود في علاقاتهم بالسلطة المنتدبة، وعالج المسائل الداخلية التي أناطتها به الوكالة اليهودية، كما مثل يهود فلسطين أمام لجنة الانتدابات التابعة لعصبة الأمم، وأمام كثير من لجان التحقيق وتقصي الحقائق التي أرسلت إلى فلسطين، بما فيها لجنة الأمم المتحدة التي اقترحت تقسيم البلاد عام 1947م.

وتتمثل الأهمية التاريخية للمجلس الوطني اليهودي في أنه حدد معالم النشاط الصهيوني لإقامة دولة على أراضي فلسطين العربية، من خلال برنامج سياسي اقتصادي عسكري واسع النطاق نفذ بإشراف الوكالة اليهودية.

 

٨- الوكالة اليهودية

أنشئت الوكالة اليهودية في فلسطين عام 1922م استناداً إلى المادة الرابعة من صك الانتداب البريطاني، الذي تضمّن وعد بلفور، القاضي بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، وقد نصت المادة المذكورة من صك الانتداب على أن "وكالة يهودية مناسبة سوف يعترف بها كهيئة استشارية لإدارة فلسطين والتعاون معها في المسائل الاقتصادية والاجتماعية وغيرها، مما قد يؤثر في إقامة وطن قومي يهودي وحماية مصالح السكان اليهود في فلسطين".

حدد المؤتمر الصهيوني السادس عشر أهداف الوكالة اليهودية في النقاط التالية:

1.  تطوير حجم الهجرة اليهودية إلى فلسطين بصورة متزايدة.

2.  شراء الأراضي في فلسطين كملكية يهودية عامة.

3.  تشجيع الاستيطان الزراعي المبنى على العمل اليهودي.

4.  نشر اللغة والتراث العبريين في فلسطين.

 كانت الوكالة اليهودية خلال فترة الانتداب البريطاني أشبه بحكومة بالنسبة للمستوطنين اليهود في فلسطين، وعملت تحت حمايته على إنشاء الوطن القومي لهم.

بعد قيام دولة إسرائيل عام 1948م تحولت معظم الاختصاصات التي كانت تمارسها الوكالة اليهودية والمنظمة الصهيونية العالمية إلى الحكومة الإسرائيلية، وتكرس الفصل بين مهام المنظمة والوكالة في القانون الذي أقره الكنيست عام 1952م وتحدد بموجبه، واعترفت فيه الحكومة بالوكالة ذات صلاحية للاستمرار في العمل في إسرائيل؛ من أجل "تطوير واستيعاب المهاجرين، والمشاركة في ذلك مع المؤسسات اليهودية التي تنشط في هذه المجالات".

 

ثانياً: تشكيلات عسكرية

١- هاشومير

تعني هذه اللفظة العبرية بالعربية "الحارس"، وهي من أوائل المنظمات الصهيونية المتخصصة بأعمال الدفاع وحراسة المستعمرات والممتلكات اليهودية في فلسطين.

أسستها عام 1909م مجموعة من المهاجرين اليهود من أعضاء الجمعية اليهودية السرية "بارغيورا"، التي أوجدها اسحق بن زفي، والكسندر زيد، وإسرائيل شوحط عام 1907م؛ لأغراض الحراسة والأعمال المسلحة.

عنيت "هاشومير" منذ تأسيسها بأعمال الحراسة، ثم تحولت إلى قوة محاربة منظمة؛ كانت مهمتها بادئ الأمر تتمثل في الدفاع عن المستعمرات الصهيونية في الجليل، ثم عن هذه المستعمرات في مختلف أنحاء فلسطين. كما أنها أقامت بعض المستعمرات، وكانت "مرحابيا" أول مستعمرة تقيمها هاشومير في غور بيسان، تلتها مستعمرتا "تل حدشيم" في غور بيسان، و"كفار جلعادي" قرب المطلة في الجليل الأعلى.

تعرضت "هاشومير" إبان الحرب العالمية الأولى لمطاردة الأتراك، لاسيما بعد اعتقال ليسانسكي، وهو أحد أعضاء مجموعة التجسس الصهيونية "نيلي"، وكشفه أسرار تنظيم هاشومير؛ الأمر الذي أدى إلى اعتقال 12 من أعضائها.

أثناء الانتداب البريطاني على فلسطين؛ واصلت هاشومير القيام بمهامها العسكرية ضد العرب والبريطانيين، واشتركت في صد الهجمات عن المستعمرات الصهيونية في القدس وتل حاي في الجليل.

وفي بداية العشرينيات، وحين أصبحت الحاجة ماسة إلى تأسيس قوة صهيونية محاربة كبيرة وموحدة؛ قررت هاشومير حل نفسها وإعلان تأسيس الـ “هاغاناه"، إلا أن عدداً من أعضائها المتطرفين رفضوا الانضمام إلى "هاغاناه" وأسسوا مجموعة محاربة صغيرة أطلقوا عليها اسم "كتائب العمل" وظلوا كذلك حتى ثورة 1929م وأحداثها الدامية؛ فاضطروا للانضمام إلى الـ"هاغاناه".

 

٢- هاغاناه

"هاغاناه"، هي كلمة عبرية تعني "الدفاع"، وهي منظمة عسكرية صهيونية استيطانية، أسست في القدس عام 1921م، وقادت معركة إنشاء إسرائيل في فلسطين منذ 1921م حتى 1948م، وشكلت مع غيرها من المنظمات الصهيونية العسكرية المماثلة قوام الجيش الإسرائيلي.

أرسلت الـ “هاغاناه" أثناء الحرب العالمية الثانية عدداً كبيراً من أفرادها إلى البلدان الأوربية التي كانت واقعة تحت احتلال القوات النازية؛ لدعم حركات المقاومة اليهودية، وتهجير اليهود إلى فلسطين.

وحينما اقترب موعد إعلان قيام إسرائيل في 15/5/1948م؛ كانت "هاغاناه" قد بلغت حداً من التنظيم والتسليح والإعداد، سمح لها بأن تتحول إلى ما أطلق عليه "جيش الدفاع الإسرائيلي"، وهذا ما فعله رئيس وزراء "إسرائيل" ووزير الدفاع آنذاك "بن غوريون"؛ فقد أصدر فور إعلان قيام "إسرائيل" قراراً حل بموجبه الإطار التنظيمي للـ"هاغاناه"، وغيرها من المنظمات العسكرية الصهيونية، ودمجها في إطار الجيش الإسرائيلي.

 

٣- إرغون، "إتسل"

اسمها العبري الكامل هو "إرغون تسفاي ليئومي بآرتس يسرائيل"، أي المنظمة العسكرية القومية في أرض إسرائيل، وأطلق عليها أيضاً اسم "إتسل".

تأسست هذه المنظمة السرية عام 1931م بالاشتراك مع جماعة مسلحة من حركة "بيتار" الإرهابية والهاغاناه؛ احتجاجاً على ما اعتبر "سياسة الهاغاناه الدفاعية"، وأصبحت الـ "إرغون" تحت إمرة "فلاديمير جابوتينسكي"، وكان شعارها يد تمسك بندقية مكتوباً تحتها "هكذا فقط".

في عام 1943م استلم مناحيم بيغن زعامة الـ "إرغون" التي صعدت عملياتها الإرهابية ضد العرب. وأهم تلك العمليات: نسف فندق الملك داود في القدس في 22/7/1946م، والهجوم الوحشي على قرية دير ياسين في 9/4/1948م.

وفي أيلول 1948م، دمجت الـ "إرغون" في الجيش الإسرائيلي بناء على أوامر الحكومة الإسرائيلية، وقد كرم رئيس الدولة العبرية قيادات الـ "إرغون" في تشرين الثاني 1968م؛ "لدورهم القيادي" (حسب تعبيره ) في خلق "دولة إسرائيل".

 

٤- ليحي، "شتيرن"

بعد موت جابوتينسكي عام 1940م؛ حدث انشقاق في منظمة الـ"إرغون" (المنظمة العسكرية القومية ـ إتسل)؛ فخرج منها ابراهام شتيرن، وأسس عصابة أطلقت على نفسها اسم "ليحي حيروت إسرائيل"، أي "المحاربون من أجل حرية إسرائيل" وتسمى اختصاراً "ليحي Lehi"، وقد عرفت، أكثر ما عرفت، باسم "شتيرن"؛ نسبة إلى مؤسسها.

وقد نفذت ليحي بالتعاون مع العصابات الصهيونية الأخرى عمليات إرهاب وتخريب واسعة ضد العرب والمعسكرات البريطانية، ومن بين هذه العمليات جريمة نسف سرايا يافا في تشرين الثاني 1947م.

في أيار 1948م، انضمت قوات ليحي إلى الجيش الإسرائيلي، وفيما بعد اعترفت الحكومة الإسرائيلية بأن الخدمة العسكرية في صفوف ليحي خدمة خاضعة للتقاعد؛ فصرفت لجميع الذين خدموا فيها رواتب التقاعد المستحقة لهم، ومنحت بعضهم وسام محاربي الدولة.

 

٥- اللواء اليهودي

ما إن اشتعلت الحرب العالمية الثانية؛ حتى لجأت الحركة الصهيونية إلى أسلوب جديد لتحقيق غايتها في إنشاء دولتها فوق أرض فلسطين، فإذا كانت القوى السياسية والدبلوماسية والمالية الصهيونية هي التي قامت بالدور الرئيس أثناء الحرب العالمية الأولى وبين الحربين الأولى والثانية؛ فإن القوة العسكرية الصهيونية أصبحت أداة ضرورية لفرض الوجود الصهيوني في فلسطين، وإقامة كيان سياسي له، ولهذا؛ اتجهت جهود الصهيونية إلى إنشاء هذه القوة العسكرية.

تبلور هذا الاتجاه أثناء انعقاد المؤتمر الصهيوني الحادي والعشرين في جنيف، في آب 1939م، وكانت الحرب العالمية الثانية وشيكة الوقوع، فتوجه حاييم وايزمان إلى لندن، وعرض على رئيس الحكومة البريطانية وضع جميع القوى البشرية والكفاءات الفنية الصهيونية تحت تصرف الحكومة البريطانية؛ لاستخدامها في الصراع المقبل.

وحتى تقرن الصهيونية عرضها هذا بالتطبيق أنشأت الوكالة اليهودية مكتباً لتسجيل المتطوعين اليهود. كما دعت يهود فلسطين إلى التطوع في صفوف القوات البريطانية هناك.

ركزت الصهيونية جهودها بعد ذلك على إنشاء وحدات يهودية مقاتلة مستقلة؛ فقدم بن غوريون ووايزمان في شهر أيار 1940 إلى رئيس الحكومة البريطانية طلباً بتشكيل قوتين عسكريتين إحداهما من يهود فلسطين والثانية من اليهود المقيمين في البلاد الأخرى.

 وفي 13/9/1940م وافقت الحكومة البريطانية على إنشاء "قوة مقاتلة يهودية" من عشرة آلاف رجل منهم3ـ4 آلاف من يهود فلسطين.

غير أن الحكومة فضلت تأجيل تشكيل هذه القوة فترة من الزمن حتى إذا حل شهر آب 1942، أعلنت موافقتها على إنشاء كتائب مشاة يهودية للخدمة في الشرق الأوسط.

لم ترض هذه النتيجة قيادة الحركة الصهيونية التي كانت تهدف إلى تشكيل وحدات يهودية مقاتلة، ذات تدريب وخبرة قتالية جيدة، تشترك في العمليات الحربية، وتكون نواة للجيش الصهيوني النظامي، فضاعفت الصهيونية مساعيها وضغوطها حتى قبلت الحكومة البريطانية في 19/9/1944م بإنشاء "لواء يهودي" يشترك في العمليات الحربية ويعتبر وحدة قتالية مستقلة، لها علمها الخاص "هو علم إسرائيل".

تشكل اللواء اليهودي من الأفواج اليهودية الثلاثة التي كانت جزءاً من القوات البريطانية في فلسطين، وكان كل فوج مؤلفاً من خمس سرايا، تدرب اللواء. وقد بلغ ملاكه خمسة آلاف رجل في مصر، ثم رحل إلى إيطاليا حيث أكمل تدريبه، والتحق بالقوات البريطانية المقاتلة في أوروبا؛ فاشترك في القتال في شمالي إيطاليا ثم في هولندا وبلجيكا.

 وبعد انقضاء عام على انتهاء الحرب العالمية الثانية حلت الحكومة البريطانية اللواء اليهودي فعاد أكثر ضباطه وجنوده إلى فلسطين، والتحقوا بالهاغاناه وغيرها من المنظمات الصهيونية العسكرية الإرهابية، وشكلوا جزءاً هاماً من قوات الاحتلال الصهيوني ثم من الجيش الإسرائيلي.