البيئة الفلسطينية بين مطرقة الاستيطان وسندان ازدياد، السكان الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، 2009

أصدر الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني بياناً صحفياً عشية يوم البيئة العالمي الذي يصادف الخامس من حزيران/ يونيو من كل عام، الذي أعلنت عنه الجمعية العامة للأمم المتحدة العام 1972م، وذلك في ذكرى افتتاح مؤتمر استكهولم حول البيئة الإنسانية. كما صادقت الجمعية العامة في اليوم ذاته على قرار تأسيس برنامج الأمم المتحدة للبيئة “UNEP”، والاحتفال بهذا اليوم يهدف إلى جذب الاهتمام العالمي إلى أهمية البيئة، والتحفيز والترويج لأهمية دور المجتمعات المحوري في تغيير المواقف تجاه القضايا البيئية، ومناصرة الشراكة التي تضمن أن تتمتع كل الأمم والشعوب بمستقبل أكثر أماناً وازدهاراً.

وأشار الإحصاء الفلسطيني أن استنزاف الموارد البيئية في الأراضي الفلسطينية وتدميرها ناجم عن عدد من المسببات، أهمها إقامة المستعمرات التي تركت آثاراً مدمرة طالت جميع عناصر البيئة الفلسطينية، فبالإضافة إلى أعمال مصادرة الأراضي ومنع المواطنين الفلسطينيين من دخولها وممارسة أنشطتهم المختلفة، فإن هناك الكثير من مظاهر التدمير للبيئة الفلسطينية، من أبرزها استنزاف المياه الفلسطينية، والمياه العادمة، والنفايات الصلبة، وتلوث الهواء، والضجيج، وتدمير التراث الحضاري، وتدمير القطاع الزراعي. كما أن الكثافة السكانية العالية والإدارة الخاطئة المتمثلة بتصميم المدن الصناعية وقربها من التجمعات السكانية، والإدارة غير الممنهجة لكل من: القطاع المائي، وقطاع الصرف الصحي، والنفايات في الهيئات المحلية جميعها تلعب دوراً محورياً في التدمير والاستنزاف للبيئة الفلسطينية.

واستعرض الإحصاء الفلسطيني واقع البيئة الفلسطيني على النحو التالي:

قطاع غزة أكثر بقاع العالم اكتظاظا بالسكان واقلها موارد طبيعية:

إن الاستغلال والاستخدام الجائرين للموارد البيئية يؤثر سلباً على البيئة وينهكها، كما وأن زيادة السكان على حساب الموارد المتاحة يسبب تدهوراً في البيئة المحيطة، كما يسبب ضغطاً كبيراً على الموارد الطبيعية من حيث زيادة مشاكل الصرف الصحي، وتأمين مياه صالحه للشرب، وزيادة التلوث الصناعي والتلوث الناجم عن وسائط النقل.

تعاني الأراضي الفلسطينية من كثافة سكانية عالية وشح في الموارد الطبيعية، فقد بلغت الكثافة السكانية في نهاية العام 2008م حوالي 645 فرداً/كم2، بواقع 427 فرداً/كم2 في الضفة الغربية، و4,010 فرداً/كم2 في قطاع غزة، مقابل 334 فرداً/كم2 في إسرائيل، وفي مقابل هذه الكثافة السكانية العالية لا نجد مصادر طبيعية متجددة وإنما استنزاف لما هو موجود، الأمر الذي أدّى إلى تدهور الحياة الطبيعية والبيئة، وتردي جودة المياه وندرتها، وازدياد المناطق السكنية المكتظة على حساب الأراضي الزراعية والغابات.

أكثر من 177 ألف نسمة لا يتمتعون بخدمات المياه في الأراضي الفلسطينية:

تتعدد مصادر المياه الفلسطينية بين المصادر السطحية والمصادر الجوفية، ويمكن حصر أهم تلك المصادر في الأمطار، والجريان السطحي، والمياه الجوفية، والينابيع. ومن أجل توفير إدارة مثلى لهذا القطاع يجب أن تتوفر شبكات مياه عامة، ذات مواصفات وجودة عالية، تضمن عدم هدر أي قطرة مياه. تشير بيانات العام 2008م إلى أن 123 تجمعاً سكانياً في الأراضي الفلسطينية لا يوجد فيها شبكة مياه عامة، تمثل ما نسبته 22.9% من التجمعات السكانية، بعدد سكان يزيد عن 177ألف نسمة، (4.7% من السكان)، جميعها في الضفة الغربية.

من جهة أخرى، فإن 116 تجمعاً سكانياً في الأراضي الفلسطينية تعتمد على شركة المياه الإسرائيلية (ميكروت) في الحصول على مياه شبكاتها العامة، ويسكنها حوالي 454 ألف نسمة، أي ما نسبته 12.1% من السكان في الأراضي الفلسطينية، وتتوزع هذه التجمعات بواقع 110 تجمعات سكانية في الضفة الغربية، و6 تجمعات في قطاع غزة.

أما بالنسبة لبقية القطاعات في الأراضي الفلسطينية فتتراوح نسب الاتصال بشبكات المياه العامة بين 87.5% للمنشآت الاقتصادية، و87.8% للقطاع التعليمي، و94.0% لمراكز الرعاية الصحية، وذلك للعام 2008م.

142.7 مليون لتر من المياه تستنزف يومياً من قبل المستعمرين من مجموع كميات المياه في الضفة  الغربية:

تعتبر المستعمرات الإسرائيلية من أبرز مظاهر التدمير الإسرائيلي للبيئة الفلسطينية في الضفة الغربية، حيث يرافق عملية الامتداد الأفقي للمستعمرات مجموعة من النشاطات المدمرة بشكل مباشر على البيئة في الأراضي الفلسطينية، والتي تشمل تجريف ومصادرة الأراضي الزراعية لأغراض شق الطرق،  وتوفير الحماية للمستعمرين.

هيمنت المستعمرات في الضفة الغربية على المياه الفلسطينية، ويتضح ذلك جلياً من خلال تقرير البنك الدولي الأخير الصادر في شهر نيسان من العام 2009م، والذي أورد أن كمية المياه المستهلكة من قبل المستعمر الإسرائيلي في الضفة الغربية تعادل أربعة أضعاف ما يستهلكه الفلسطيني، حيث قدر عدد المستعمرين في الضفة الغربية بنحو نصف مليون مستعمراً، وذلك في نهاية العام 2008م، يستنزف هؤلاء 142.7 مليون لتر يومياً من مجموع كميات المياه في الضفة الغربية، الأمر الذي أدى إلى عجز في الأحواض المائية في الضفة الغربية.

وقد أصبح هذا العجز يلقي بظلاله على نوعية المياه، حيث أصبحت المياه معرضة للتلوث خصوصاً في قطاع غزة الذي بلغت فيه نسبة التلوث درجة كبيرة، فنسبة الكلورايد تتراوح بـ 250 مليمتراً – 2000 مليمتراً/لتر في أكثر من 90% من مياه القطاع، علماً بأن النسبة المسوح بها دولياً هي 250 مليمتراً/ لتر.

جدار الضم والتوسع يلتهم 23 بئراً، و51 نبعاً في الضفة الغربية:

أدت إقامة جدار الضم والتوسع إلى خسارة كبيرة في مياه الحوض الغربي للفلسطينيين، حيث خسرت 23 بئراً، و51 نبعاً تنتج بمجموعها خسارة 7 ملايين متر مكعب من المياه، (3,5 ملايين في قلقيلية، و2,1 مليون في طولكرم). كما ساهم الجدار في تجزئة الأنظمة الأيكولوجية والتأثير على الواقع الطبيعي على جانبي الجدار، حيث أن إقامة مناطق العزل، سواء على شكل جدار إسمنتي، أو أسلاك شائكة، أو مناطق مغلقة، ستؤدي إلى خلق فاصل فيزيائي يمنع التواصل الجغرافي للأرض، وواقع مناخي بيئي جديد مثل تجمع مياه الأمطار خلف الجدار، مما سيسهم في انجراف التربة والغطاء النباتي. هذا بالإضافة إلى عمليات التجريف، واقتلاع الأشجار المتعمد من قبل الاحتلال خلال عملية إقامة الجدار، والأسلاك الشائكة، والطرق الفاصلة التي تطال الأغطية النباتية الزراعية والبرية، هذا إلى جانب الآثار الاجتماعية، والتربوية، والصحية، الناجمة عن إنشاء الجدار.

حوالي 54% من عدد الأسر الفلسطينية غير متصلة بشبكات الصرف الصحي:

إن المياه العادمة المتدفقة عبر الأودية والأراضي الزراعية الفلسطينية تلحق أضراراً بالبيئة الفلسطينية، والمتمثلة في تلوث مياه الخزان الجوفي بعد تسربها إليه، وزيادة نسبة النترات والأملاح، مما يؤدي إلى عدم صلاحية المياه للاستخدام الآدمي، بالإضافة إلى أنها تتسبب في إحداث أضرار بيئية كبيرة، حيث تزيد من ملوحة التربة، وهذا يؤدي إلى انسداد مساماتها، وعدم قابليتها للإنتاج، ومن ثم تؤدي إلى التقليل من الغطاء النباتي، وانتشار ظاهرة التصحر التي تؤدي إلى تدهور التنوع الحيوي، بالإضافة إلى تركها لآثار بيئية ضارة، مثل: الروائح الكريهة المزعجة، وانتشار الأوبئة، والحشرات.

تعتبر المياه العادمة المشكلة الثانية التي تتعرض لها المياه الفلسطينية بعد مشكلة تناقص وشح المياه، إذ تعتبر المياه العادمة من أبرز الملوثات للمياه الفلسطينية، وتقوم إسرائيل بتلويث المياه الفلسطينية بطرق مباشرة وغير مباشرة، فمستعمراتها المنتشرة في أرجاء الأراضي الفلسطينية تقوم بضخ ملايين الأمتار المكعبة من المياه العادمة في الأودية، والأراضي الزراعية الفلسطينية، فقد بلغت كمية المياه العادمة التي تضخها المستعمرات الإسرائيلية في الضفة الغربية حوالي 40 مليون متر مكعب، وهي كمية أكبر مما ينتجه الفلسطينيون، إذ بلغت كمية المياه العادمة المنتجة 33 مليون متر مكعب، كما أن 90% من المياه العادمة الناتجة عن المستعمرات هي مياه عادمة غير معالجة، وتصرف في الأودية الفلسطينية والأراضي الزراعية، مثل: وادي النار، ومنطقة شرق مدينة الخليل، ووادي قانا بين نابلس قلقيلية، وتتدفق فيها المياه العادمة الناتجة عن مستعمرة أريئيل، ومجموعة المستعمرات حولها.

كما لعبت إسرائيل دوراً غير مباشر في تلويث المياه الفلسطينية بالمياه العادمة عن طريق إهمالها لإدارة المياه العادمة طوال سنوات احتلالها للأراضي الفلسطينية، حيث لم تعمل على مد شبكات جديدة للصرف الصحي لمواجهة تزايد السكان، لدرجة أصبح فيها أكثر من 54% من الأسر الفلسطينية غير متصلة بشبكات الصرف الصحي.

معدل إنتاج الفرد الفلسطيني من النفايات الصلبة يقدر بحوالي 700 غم:

مشكلة إدارة النفايات الصلبة في فلسطين معقدة ويصعب السيطرة عليها للعديد من الأسباب، أبرزها تزايد عدد السكان، وضعف الخبرات الفنية لإدارة هذا القطاع، وعدم توفر الإمكانيات المادية اللازمة للاهتمام بهذا الجانب، وسيطرة الاحتلال على الطرق الداخلية بين المدن والنقاط الحدودية مع الدول المجاورة، بالإضافة لسنوات الاحتلال الطويلة التي تركت أثارها على هذا الجانب.

ومشكلة النفايات الصلبة تتصدر أولى المشاكل البيئية في فلسطين، حيث أن آلية التخلص منها صعبة في ظل المعطيات الحالية، إذ يتم التعامل مع هذه النفايات عن طريق الحرق العشوائي، مما ينجم عنه العديد من المشاكل البيئية، مثل: انتشار الحشرات، والقوارض، بالإضافة إلى انتشار الغازات السامة، وتلويث المياه السطحية، والجوفية نتيجة عدم إدارة هذه النفايات، وعدم التعامل معها بشكل صحيح، علماً بأن حجم نفايات المستعمرات في الأراضي الفلسطينية يقدر بـ 250 ألف طن سنوياً.

إن الاحتلال الإسرائيلي وسيطرته على معظم الأراضي الفلسطينية، يشكل حاجزاً في وجه إقامة مكبات مركزية صحية، الأمر الذي يؤدي إلى إقامة مكبات عشوائية وغير منظمة في مناطق التجمعات السكانية، مما يترتب عنها تأثيرات سلبية واضحة على حياة المواطن الفلسطيني. ويذكر أن الضفة الغربية تحتوي على مكب صحي واحد يغطي جزءاً من تجمعات شمال الضفة الغربية، في المقابل تخلو باقي المناطق (وسط الضفة الغربية، وجنوب الضفة الغربية، وقطاع غزة) من أي من المكبات الصحية، والموجود عبارة عن مكبات عشوائية توجد في المدن والقرى والتجمعات السكانية، كما قدر متوسط إنتاج الفرد عام 2008م في الأراضي الفلسطينية يومياً من النفايات بـ 0.7 كغم، وقد قدرت كمية النفايات المنزلية المنتجة في الأراضي الفلسطينية بما يزيد عن 2,861 طناً يومياً لعام 2008م.

إسرائيل تلوث البيئة الفلسطينية بواسطة اليورانيوم المستنفذ والفسفور الأبيض والنفايات الخطرة:

استخدمت إسرائيل الأراضي الفلسطينية طوال سنوات احتلالها كملجأ للتخلص من نفاياتها الخطرة، واستخدمت في ذلك أكثر من 50 موقعاً، الأمر الذي يعرض الأراضي الفلسطينية لأخطار هذه النفايات بشكل مباشر، وغير مباشر، إذ تتعرض الأراضي الفلسطينية للغازات السامة المنبعثة من المصانع الإسرائيلية القريبة من الحدود بفعل الرياح، وقد سجلت العديد من حالات تهريب وتسرب النفايات الخطرة إلى الأراضي الفلسطينية. إن مثل هذه النفايات الخطرة المهربة، والمدفونة في الأراضي الفلسطينية تعطي مؤشراً لتزايد بعض الأمراض الغامضة، وأمراض السرطان التي تزايدت بشكل ملحوظ في المناطق التي تم الكشف عنها. بمعدل يزيد عما هو موجود في البلدان المجاورة.

تقوم إسرائيل بتطوير أسلحتها وذخائرها باستخدام مادة اليورانيوم، حيث تقوم بتجربة الذخائر المحتوية على اليورانيوم المستنفذ على المواطنين الفلسطينيين. وقد كشفت بعض المنظمات الدولية مثلInternational Action Center Organization of Lake Foundation استخدام إسرائيل الذخائر، وقذائف الدبابات المحتوية على مادة اليورانيوم ضد المواطنين الفلسطينيين، حيث تلحق أضراراً بالصحة العامة، وتسبب أمراض السرطان بأنواعه، والتشوهات الخلقية عند الأجنة، والأمراض المزمنة.

كذلك وخلال حربها الأخيرة على قطاع غزة، فقد استخدمت إسرائيل الفوسفور الأبيض، حيث أن استنشاق 50 مللغراماً منه يؤدي إلى الوفاة، وقد تسبب الفسفور الأبيض في قطاع غزة في نفوق الحيوانات، نتيجة الاستنشاق، أو تغذيتها بحشائش ملوثة بالفسفور الأبيض. كما أدّى إلى إحداث حفر طالت المياه الجوفية، وتم تلويثها بهذا الملوث الخطير، كما أدّى القصف إلى تلويث البيئة البحرية، والقطاع الزراعي، ومنشآت معالجة المياه العادمة.