إن التوجهات العنصرية للإسرائيليين كانت بالتأكيد تهدف لتدمير البيئة في الضفة الغربية وقطاع غزة. وتؤكد الشواهد الكثيرة أن الفلسطينيين الذين يعيشون في حالة من المضايقات والتهديدات على حياتهم وفي عقر دارهم، لم يتعاملوا مع مسألة حماية التراث الثقافي والطبيعي باعتباره من أولويات عملهم.
وتتضمن الانتهاكات التي اقترفها الاحتلال من قطع الأشجار، وضم الأراضي الفلسطينية والاستيلاء عليها، وبناء المستوطنات على الأراضي المصادرة، ومنع حرية الحركة والتنقل، والتحكم في مواقع المكبات وعددها، وبناء الجدار الفاصل العنصري. كل هذه الممارسات أثّرت ليس فقط على الحياة اليومية للفلسطينيين بل أيضاً على أماكن سكناهم. ولسوء الحظ إن هذا الدمار ليس من السهل إعادته إلى طبيعته ثانية، ويتطلب جهداً كبيراً ومثابرة لإيقافه.
وعلى سبيل المثال، بناء الجدار اعتبر قراراً غير قانوني في محكمة العدل الدولية. وهذا الموضوع بحد ذاته يحتاج إلى توثيق مكون من مئات الصفحات لتحليله، وتوضيح أثره اجتماعياً واقتصادياً، والنتائج الصحية المترتبة عليه. لكن هنا سوف أركز على تأثير بناء الجدار على البيئة.
لقد تم تحديد ودراسة بناء هذا الجدار من قبل الإسرائيليين الذين يهدفون إلى مصادرة الأراضي الفلسطينية التي تحوي العديد من الآبار والمياه الجوفية وضمها إليهم. وذلك يعني أن الفلسطينيين سيحصلون على كمية قليلة ذات جودة متدنية من المياه. وهذا الجدار أيضاً يضم الكثير من الأراضي الزراعية الخصبة والغابات، مدمراً بذلك القطاع الزراعي الفلسطيني لصالح الإسرائيليين. وباستمرارية هذه الأفعال فإن أي مستقبل للدولة الفلسطينية سوف يكون معدوماً مع أراضٍ جافة غير خصبة، وكمية قليلة من المياه هي أيضاً ملوثة من مياه مجاري المستوطنات الإسرائيلية.
كما أن للجدار آثار سلبية على الحياة البرية؛ فنتيجةً لهذا الجدار أصبحت حركة الحيوانات الأرضية مقيدة وفي بعض الحالات ممنوعة. وليس غريباً الآن أن تشاهد الضباع والثعالب والحيوانات البرية المختلفة في داخل المناطق السكنية؛ وذلك لأن الجدار قطع خطوط تنقلها الداخلي. بالإضافة إلى كوننا حالياً نقوم بقتل هذه الحيوانات البرية وملاحقتها وليس حمايتها؛ مما سيؤدى إلى تناقص أعداد كبيرة من الحيوانات بسبب فقدان أماكن تعايشها وسوف تتغير مناطق توزيعها، والقسم القليل المتبقي منها سوف يتعرض لخطر التهديد وربما الانقراض، وبالتالي سيؤدي إلى تناقص عدد النباتات. وبالتأثير على هذه الكائنات الحية سيتأثر التوازن البيئي أيضاً، وسيزداد عدد الحشرات والأعشاب الضارة، كما يمكن أن تحدث تغييرات جينية.
إن التأثير السلبي لبناء الجدار وقع أيضاً على النباتات، فالكثير من الأشجار تم قطعها مثل أشجار الزيتون، والكرمة، واللوز، والخوخ، والبرتقال، والتين، والموز. كل هذا يهدف إلى تدمير القطاع الزراعي الفلسطيني. وكذلك دمّر الجدار العديد من المواقع الأثرية والتاريخية الموجودة في القرى المحيطة بشرقي القدس، وجنين ونابلس وقلقيلية وغيرها، كما تم ضم العديد من هذه المواقع إلى الجانب الإسرائيلي.
إن التنمية الممكنة بوجود المصادر المتوافرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة قد تأثرت كثيراً وتكاد تكون معدومة، وما يزيد الأمور صعوبة حتى بوجود هذه المصادر أنه لا يمكن للفلسطينيين السيطرة عليها أو التحكم فيها كنتيجة للاحتلال الإسرائيلي. وفي النهاية أعتقد أن الحل الأساسي يعتمد على دعم المجتمع الدولي للشعب الفلسطيني ليحصل على حقوقه المسلوبة. لكن من دون النضال والإصرار المستمر لشعبنا الفلسطيني لحماية التراث الثقافي والطبيعي الفلسطيني من ذاتنا ومن أعدائنا لن يتحقق النصر.
----------------------------------------------------------------------------------------
آفاق البيئة والتنمية، سيمون عوض - المدير التنفيذي لمركز التعليم البيئي/ الكنيسة الإنجيلية اللوثرية.