وفقاً لاتفاقيات أوسلو الثانية، يجب أن تستخدم المنشآت الإسرائيلية في "رمات حوفيف" للتخلص من النفايات الخطرة الفلسطينية ومعالجتها. إلا أن ما حصل فعلياً، أن المستوطنين الإسرائيليين هم الذين يدفنون نفاياتهم الخطرة، الصلبة والسائلة والغازية، في أراضي الضفة والقطاع، فضلاً عن دفن النفايات النووية.
وعلى صعيد آخر لا توجد عمليات فصل للنفايات الخطرة وغير الخطرة في الأراضي الفلسطينية، حيث تختلط النفايات الخطرة بالمياه العادمة والنفايات الصلبة المتدفقة؛ الأمر الذي يفاقم كثيراً المخاطر البيئية والصحية.
ولا يوجد نظام لجرد وتشخيص النفايات الخطرة، علماً أن مثل هذا النظام يستطيع التمييز بين السمات الفيزيائية للنفايات (الحالة الصلبة، الحالة السائلة، مياه عادمة أو غاز)، وفيما إذا كانت النفايات عضوية أو غير عضوية. ولعملية التمييز هذه صلة بتحديد الطريقة الآمنة والضرورية لمعالجة النفايات أو التخلص منها. ومن المؤشرات الهامة الأخرى التي تحدد كيفية وآلية نقل المخلفات الخطرة وتخزينها ومعاملتها: نقطة الوميض، المحتوى الحراري، المحتوى المائي ومحتوى الرماد.
وحالياً لا توجد في الضفة الغربية منشآت لمعالجة النفايات الخطرة، أو تخزينها المؤقت، أو طويل الأمد. أما في قطاع غزة، فيوجد مكب عامل للنفايات الكيماوية الخطرة، السائلة والصلبة، ويستخدم للأدوية المنتهية صلاحيتها ونفايات المختبرات الكيماوية، ويبلغ مدى عمره ثمان سنوات فقط. إلا أن هذه النفايات لا يتم معالجتها قبل التخزين الدائم.
التقديرات المتوفرة حول كميات النفايات الخطرة المتولدة في الضفة الغربية وقطاع غزة قليلة جداً، وذلك؛ بسبب غياب عمليات الفصل والجرد. وتقدر كمية النفايات الخطرة في الضفة بنحو 2500 طن سنوياً. وتتضمن هذه الكميات النفايات التي تم تشخيصها بوضوح بأنها خطرة. وقد تكون الكمية الحقيقة أكبر بكثير من ذلك، ولكنها غير واضحة، حيث لا توجد عمليات فصل وجمع، أو جرد للنفايات الصناعية في الضفة الغربية بشكل عام، فإن المعلومات المتوفرة حول النفايات الخطرة في الضفة الغربية أكثر من تلك المتعلقة بقطاع غزة، وخاصة النفايات الصناعية الخطرة، إلا أن العديد من المعطيات المتصلة بالضفة تنطبق أيضاً على قطاع غزة.
أولاً: الصناعات الغذائية:
تولّد الصناعات الغذائية تدفقاً من المخلفات العضوية السائلة والصلبة التي تسهم في رفع محتوى الأكسجين المستهلك حيوياً (BOD)، والمواد المعلقة في السوائل. وقد يحوي هذا التدفق آثاراً من المبيدات الكيماوية الناتجة من غسل الفواكه والخضار. كما أن التدفقات السائلة عالية الملوحة، الأمر الذي يؤثر على إمكانية إعادة استعمالها وخاصة في الزراعة.
يمكن استعمال نفايات المسالخ في تصنيع الأسمدة، علف الحيوانات والصموغ. إلا أن الطرق التقليدية المتمثلة في التجفيف الشمسي، تكسير العظام يدوياً، التدبيل في الحفر(وأحياناً بإضافة مواد عضوية بيتية) وغير ذلك من الممارسات، قد تتسبب في بعض المخاطر الصحية. ويمكن إنتاج الأسمدة من خلال التدبيل الهوائي للنفايات الحيوانية، بما في ذلك الأزبال، النشارة، المدابغ ونفايات المسالخ، إلا أن هذه الممارسة تنطوي على مخاطر نشر الأمراض. كما تولد هذه الممارسات عصارة وروائح كريهة، فضلاً عن أنها تتسم بظروف عمل سيئة، وتتضمن مخاطر على صحة من يمارسها، إلا أنها قد تكون مربحة وتولد دخلاً جيداً. وبدلاً من إلغاء هذه الممارسات، يمكن جعلها أكثر بيئية وصحية من خلال إدخال بعض التحسينات التقنية والصحية عليها.
ثانياً: صناعة النسيج:
يوجد في الضفة الغربية 71 منشأة نسيج وصباغة، تنتج أقمشة مصبوغة ومطبوعة. وتختلف عمليات التصنيع المستخدمة من منشأة لأخرى. وتنبع مصادر التلوث البيئي الأساسية في هذه الصناعة من مرحلة التصنيع الأخيرة (ما قبل المعالجة، الصباغة، الطباعة، وغيره)، والمعالجة الحرارية (الجفيف، التشبيك وغيره).
وتحوي التدفقات السائلة والصلبة الناتجة من هذه الصناعات تراكيز مرتفعة من المواد الأيونية، الألوان العضوية وصبغات تفاعلية. كما تستعمل المعادن الثقيلة لتثبيت الألوان في الصبغات. وتقدر النفايات الخطرة الصلبة والسائلة المتولدة سنوياً بـ290 و600 طن على التوالي. علاوة عن أن التدفقات السائلة الناتجة تعد مرتفعة الملوحة؛ الأمر الذي يؤثر على إمكانية إعادة استعمالها وخاصة في الزراعة.
ثالثاً: المدابغ:
يوجد في الضفة الغربية 19 منشأة دباغة صغيرة الحجم، منها 10 في الخليل. تستهلك هذه الصناعة كميات كبيرة من المياه العذبة النادرة، وتولد وتطلق كميات مماثلة من المياه العادمة المحملة بتلوث خطير، وأحياناً مع درجات حموضة حادة.
إن التخلص من المياه العادمة، التي تحوي نفايات المدابغ السائلة غير المعالجة، في الوديان المفتوحة- تشكل خطراً كبيراً على تلوث المياه الجوفية، حيث تتسرب المياه العادمة إلى المياه الجوفية، علماً أن تدفقات مياه المدابغ العادمة ذات محتوى ملحي مرتفع، لا يمكن إزالته بواسطة المعالجة البيولوجية. وعندما يعاد تدوير تلك التدفقات إلى الزراعة، فقد تؤثر تلك الأملاح على بنية التربية، وبالتالي تقلص الإنتاج المحصولي.
ويعد الكروم، بشكل خاص مشكلة جدية، إذ أنه يتراكم في حمأة المياه العادمة المتبقية في محطة المعالجة؛ ما يجعل التخلص من الحمأة أمراً أكثر صعوبة، والمقصود بالحمأة هنا، المواد الصلبة العضوية وغير العضوية الممزوجة بنسب عالية من المياه، والتي تنتج عن معالجة المياه العادمة في محطات المعالجة. ومن المعروف أن أملاح الكروم تعد من المواد الكيماوية الخطرة، لأنها شديدة السمية ومسرطنة وتذوب في الماء. كما ينتج عن أعمال الدباغة غازات سامة، مثل كبريتيد الهيدروجين (H2S) المنبعث إلي البيئة لدى تفريغ صفائح الدباغة.
يضاف إلى ذلك، أنه وبهدف المحافظة على جلود الحيوانات، فقد تستعمل مبيدات حشرية وبكتيرية قد يتم اجتزافها إلى الخارج أثناء عمليات النقع، وتنساب فيما بعد إلى نظام المياه العادمة. وإزاء هذا الوضع، فإن إعادة استعمال المياه العادمة قد يؤدي إلى امتصاص النباتات لهذه المبيدات، ما يؤدي إلى دخولها إلى السلسلة الغذائية.
وتقدر كمية النفايات السائلة والصلبة الخطرة المتولدة سنوياً من المدابغ بـ30000 طن و 690 طن على التوالي.
رابعاً: صناعة الأحذية:
توجد مجموعة من المواد الخطرة المستعملة في صناعة الأحذية، بما في ذلك تحضير نعال الأحذية (مثل التنظيف اليدوي، وتكييف أسطح النعال باستعمال العديد من المنظفات المذيبة)، دهانات لاصقة (مثل استعمال خليط من المذيب المكلور الذي ينتج انبعاثات ethyl acetate)، ورشوش وطلاءات كيماوية، أو الصب بواسطة "البولي يوريثان". كما ينتج عن هذه الصناعة مجموعة من النفايات الخطرة، ابتداءً من مركبات الأمونيا ووصولاً إلى مركبات الزرنيخ والبوريك والفينول والكروم. وتقدر كمية النفايات الصلبة الخطرة الناتجة سنوياً من هذه الصناعة بنحو 100 طن.
خامسا: التعدين:
تستخدم بالعادة، معامل الفولاذ الصغيرة العاملة في الضفة الغربية أفران صهر الأسك الكهربائية لإنتاج الفولاذ من النفايات الفولاذية والحديدية. وستعمل هذه المنشآت مجموعة من المواد الخطرة، مثل المعادن الثقيلة، الفينول ومركباته الملحية، مركبات الديوكسين، السيانيد، وبعض أنواع الهيدروكوبونات المهلجنة الخطيرة. وينتج عن نقل هذه الصناعة الكثير من النفايات الخطرة المتنوعة، في حالتها الغازية، السائلة والصلبة. وتقدر كمية النفايات الصلبة والسائلة المتولدة سنوياً من هذه الصناعة، بنحو 1016 و 1200 طن على التوالي.
سادسا: الأثاث الخشبي:
يتضمن تصنيع الأثاث الخشبي الحفاظ على الخشب والطلاء. وهناك ثلاثة أنواع من المواد الحافظة المستعملة: ذات أساس مائي، ذات أساس مذيب عضوي، القطران والزيت، علماً أن أنواعاً مختلفة من الدهانات الزيتية، أو المذيبة تستعمل بالعادة للأثاث، والعديد من هذه المواد تعد خطيرة، مثل الفورمالدهيد والغراء. كما أو ورنيش "نيتروسيليولوز" (محلول اللك) و "التنر"، يعدان من النفايات الخطرة الناتجة في صناعة الأثاث. ولا تتوفر معطيات كمية عن النفايات الخطرة الناتجة من هذه الصناعة.
سابعاً: صناعة الألمنيوم:
تتمثل المواد الخام المستخدمة في الإنتاج الثانوي للألمنيوم في الخردة، والرقائق، والنفايات المعدنية. والعملية الرئيسية لهذا النوع من الإنتاج الثانوي عبارة عن الصهر في أفران دورانية تحت غطاء ملحي، وبهدف إزالة المغنيسيوم من الخليط المنصهر، تستخدم غالباً مواد خطرة، مثل: غاز الكلور و"هكسلوروإثان"، والتي يمكن أن ينتج عنها مركبات "ديوكسين" و "ديبنزرفيوران".
كما تستعمل في هذه الصناعة مركبات خطرة أخرى، فضلا عن تولد نفايات خطرة مثل المخلفات الملحية وثالث أكسيد الألمنيوم. وبالرغم من أن الألمنيوم يصنع في الضفة الغربية، إلا أنه لا تتوفر معطيات كمية عن إنتاج الألمنيوم، أو النفايات الخطرة الناتجة من هذا النشاط.
ثامناً: الصناعات الإلكترونية:
يتم إنتاج أشباه الموصلات من خلال معالجة المواد شبه الموصلة بواسطة البورون والفسفور، باستخدام السيليكون ومركبات سامة أخرى. أما لوح الدوائر الكهربائية المطبوعة (على أسطح عازلة) فيصنع بواسطة إنتاج قوالب من المواد الموصلة، تكون بالعادة من النحاس، على طبقة غير موصلة (قد تكون القاعدة من مادة الإبوكسي المضغوطة، أو التفلون، أو الزجاج). ويتكون تجميع شبكة الأسلاك المطبوعة من مكونات متصلة بأحد أو كلا جانبي لوح الدوائر الكهربائية المطبوعة. وقد تستخدم طائفة من المواد الخطرة في عملية الإنتاج ("فورمالدهيد"، حوامض متنوعة، الزرنيخ، بعض المعادن الثقيلة ومركباتها، وغير ذلك). كما ينتج عن هذه الورش نفايات خطرة متنوعة، في حالتها الصلبة أو السائلة (محاليل قاعدية، زيت سام، مواد تنظيف سائلة، زيوت هيدروليكية وغيرها، "البولي كلورينانيد باي فينيل"/PCBs، "البولي كلوريناتيد ترفينيل"/PC، مذيبات، معادن، سيانيدات، الكبرتيات وغيرها)، وينتج أيضاً منتجات جانبية غازية خطيرة، مثل: الأحماض، والمذيبات البخارية. ولا تتوفر في هذه الصناعة أيضاً معطيات كمية عن النفايات الخطرة الناتجة.
تاسعاً: الطلاء بالكهرباء والطلاء السطحي:
يتضمن الطلاء الكهربائي وضع طبقة واقية رقيقة (بالعادة معدنية) على سطح معدني جاهز، وذلك باستعمال عمليات إلكتروكيماوية. وتشمل العملية معالجة مسبقة (تنظيف إزالة الشحم وخطوات تحضيرية أخرى)، طلاء بالكهرباء، غسل وتجفيف وفي مراحل التنظيف والمعالجة المسبقة يتم استعمال مذيبات متنوعة (وهي غالباً الهيدروكربونات المكلورة)، وعوامل مزيلة للأسطح (بما في ذلك الصودا الكاوية ومجموعة من الحوامض القوية). ومحاليل الطلاء عبارة عن حوامض أو قواعد قد تحتوي على سيانيدات. وتتطلب الكثير من هذه العمليات مذيبات عضوية وأنواع مختلفة من "التنر". وتستخدم في هذه العمليات العديد من المواد الخطرة(المركبات الكحولية، والديوكسنية، والفيورون، والمعادن، والمركبات العضوية، مثل: "إثيلينزين" و"تراي كلوروإثلين" وغيرهما).
وتحوي النفايات الخطرة الناتجة مركبات السيانيد، الحمأة، الحوامض والقواعد. وتقدر كمية النفايات الخطرة الصلبة والسائلة المتولدة سنوياً من جميع الصناعات الكهربائية بـ1.8 طن و 96 طن على التوالي.
عاشراً: الدهانات:
تتضمن عملية تصنيع الدهانات خلط عوامل كيميائية مختلفة، مثل: الأصباغ، والمذيبات. وتستعمل في عمليات التصنيع مجموعة من المواد الخطرة، مثل: "إثيل بنزين" ومركبات عضوية مشابهة، حوامض متنوعة، معادن، الأيزوميرات الخطرة، مركبات كحولية ودقائق. وتتضمن بعض النفايات الناتجة مخلفات من الدهانات والورنيش، مذيبات مهلجنة، حمأة (مائية وغيرها) ناتجة عن إزالة الدهان أو الورنيش، وتحوي مذيبات مهلجنة، مواد لاصقة وصمغية. وتقدر كمية النفايات الخطرة، الصلبة والسائلة، المتولدة سنوياً من هذه الصناعة بـ8 طن و201 طن على التوالي.
حادي عشر: الزيت المستعمل:
يتدفق سنوياً في الضفة الغربية نحو 2500 مليون م3 من الزيت المعدني المستعمل، دون أنظمة جمع. كما لا توجد أية منشأة لمعالجة هذه النفاية بشكل كاف. ولا تتوفر معلومات موثوق بها تذكر طرق التخلص من هذه المخلفات.
ويعاد تدوير الزيت المعدني المستعمل كمادة مشحمة في مصانع الحجر وعمليات التعدين، كما يستخدم كوقود حراري. وتعد الزيوت المستعملة من المركبات، أهم مصدر للزيوت المستنفذة في الضفة والقطاع. وتتم أيضاً عمليات استيرادها بشكل غير قانوني من إسرائيل.
ويعتمد التأثير البيئي للزيت المستعمل الذي يتم تصريفه، على خواصه الفيزيائية والكيماوية، وعلى الكميات التي يتم التخلص منها دون رقابة وملامح التربة السفلية، والسمات الهيدرولوجية المحلية.
وتكمن في عملية التخلص من زيت المحركات المستعملة، من خلال سكبها في مصارف مياه الأمطار والمجاري، أو إلقائها على الأرض، أو التخلص منها سوية مع النفايات المنزلية- مخاطر كبيرة على صحة الإنسان والبيئة.
تتأثر صحة الإنسان إذا ما حملت مياه الأمطار معها الزيوت الملوثة بالمعادن إلى باطن الأرض، ومن ثم إلى مياه الشرب. وإذا ما تلوثت المياه الجوفية، فيكاد يكون من غير الممكن تنظيفها.
كما أن المياه السطحية الجارية من النفايات الأرضية والزيوت المسكوبة في المصارف، قد تصل غالباً إلى محطات المعالجة، الجداول والأنهار، الأمر الذي يؤثر أيضاً على مياه الشرب. كمية الزيت المستعملة الناتجة عن غيار زيت السيارة لمرة واحدة، يمكن أن تدمر مليون لتر من مياه الشرب العذبة، وهي معدل الاستهلاك المائي السنوي لخمسين فرد فلسطيني.
كما أن الزيوت المستعملة الملوثة للمياه السطحية تؤذي الحياة البرية. فالزيوت تستنفذ الأكسجين اللازم للأسماك، وأشكال الحياة المائية الأخرى، وتعوق قدرة الطيور على الطيران. وعندما تنمو النباتات في التربة أو تروى بالمياه الملوثة بالزيت المستعمل، فإنها تمتص (أو تراكم بيولوجياً) تراكيز مرتفعة من المعادن الثقيلة؛ لذا يجب عدم زراعة النباتات المستخدمة للغذاء أو العلف، في تربة ملوثة بالزيت المستعمل.
ومن بين المخاطر غير المباشرة لهذا النوع من التلوث البيئي تسميم السلسلة الغذائية، ما يؤثر في نهاية المطاف على صحة الإنسان. وتتميز التضاريس الجيولوجية والهيدرولوجية والتربة في معظم مناطق الضفة الغربية بنفاذية "جيدة"؛ إذ لا توجد عوائق طبيعية تذكر، وبالتالي هناك حماية ضئيلة للمياه الجوفية.
وحاليا، يتم إعادة تدوير الزيت المعدني المستعمل بعدة طرق، أهمها: إلقائه في الأراضي الخالية، أو في أنظمة المجاري، أو بيعه لشركات الإنشاء لاستخدامه في طلاء الأخشاب المستخدم في البناء، أو حرقه في أفران المخابز وفي أفران الطبخ التقليدية، أو بيعه للصناعات الفخارية والغذائية لأغراض استعماله كوقود.
ثاني عشر: المستعمرات الإسرائيلية:
بالرغم من التعتيم على نوعية الصناعات الإسرائيلية ونشاطاتها وكميات إنتاجها ومخلفاتها في المناطق الفلسطينية، فإن التقديرات تشير إلى وجود نحو 250 مصنعاً إسرائيلياً في الضفة الغربية وحدها، معظمها صناعات شديدة التلويث للبيئة وللصحة العامة، مثل الألمنيوم، الأسمنت، المعلبات الغذائية، الفيبرجلاس، المطاط، الكحول، السيراميك، الرخام، مواد تنظيف كيماوية، الدهان، تشكيل المعادن، طلي المعادن، صناعة البطاريات، صناعات المبيدات والأسمدة الكيماوية، الغازات، الصناعات البلاستيكية، دباغة الجلود، صباغة النسيج، مصانع ذات طابع عسكري سري وغيرها. وتحوي النفايات الناتجة عن هذه الصناعات عناصر سامة كالألمنيوم، والكروم، والرصاص، والخارصين، والنيكل.
وغالباً ما يتم إلقاء ودفن النفايات الصناعية الصلبة الناتجة عن تلك المجمعات الصناعية في المناطق المجاورة والمحيطة بالقرى الفلسطينية. وبشكل عام، هناك شح في المعلومات المتعلقة بكميات إنتاج تلك الصناعات، وحجم القوة العاملة فيها والنفايات التي تخلفها.
ومن المعروف أن إسرائيل تتخلص من نفاياتها الخطرة في المناطق الفلسطينية بدفنها سراً في باطن الأرض. وتشير الدلائل إلى أن الدولة اليهودية تعمل على تدمير البيئة الفلسطينية؛ وبالتالي إلحاق الأذى الصحي بفلسطيني الضفة والقطاع، عبر تسهيل عمليات تهريب النفايات الكيماوية والطبية وغيرها من النفايات السامة من إسرائيل إلى أراضي الضفة والقطاع. كما تعمل إسرائيل على دفن مخلفات الصناعات العسكرية في الأراضي الفلسطينية. وبالرغم من اكتشاف العديد من الحالات، إلا أن حالات كثيرة لم يتم الكشف عنها.
النفايات الصناعية في قطاع غزة
تنتج النفايات الخطرة في غزة من محلات التصوير والطباعة، واستعمال الحبر في الطابعات، الكيماويات والأفلام المستهلكة. كما تنتج الورش الميكانيكية وكراجات إصلاح السيارات النفايات من الزيوت، والشحم، وزيوت الفرامل، والبطاريات.
وتنتج أيضاً صناعة النسيج والملابس نفايات من الأصباغ، والكيماويات، والزيوت، والشحوم، والكيماويات المساعدة. وتستعمل مصانع الورق مواد كيماوية للتبييض، وأنواعاً من الغراء، ومواد كيماوية مساعدة. ومن بين أهم الصناعات الأخرى التي تنتج نفايات خطرة: مواد البناء، الأعمال الخشبية، البلاستيك، البطاريات، دباغة الجلود، الأعمال المعدنية والصناعات الغذائية.
النفايات الطبية
تشمل النفايات الطبية مجموعات مختلفة، منها: النفايات المعدية، النفايات المرضية، نفايات صيدلية، النفايات الكيماوية، نفايات ذات محتوى مرتفع من المعادن الثقيلة، والنفايات المشعة. وقد تنتج هذه النفايات في المستشفيات والعيادات ومنشآت أخرى للعناية الصحية، فضلاً عن مختبرات الأبحاث، معارض الجثث (بانتظار دفنها) وبنوك الدم.
وينتج سنوياً، في الضفة الغربية، نحو 330 طن من النفايات المعدية، 65 طن من النفايات البيولوجية، و2 طن من المواد الحادة. بينما قدرت الكميات الناتجة في قطاع غزة بـ0.2 طن. ويكمن سبب صغر الرقم الأخير في أنه يتضمن كميات النفايات التي يتم جمعها، وليس الكميات الكلية التي تتضمن النفايات التي تختلط بتدفقات النفايات المنزلية، علماً أن هذه التدفقات يتم التخلص منها في مكبات النفايات المفتوحة.
وفي حالات قليلة، تنفذ بعض المعالجات الحرارية والكيماوية. حيث مستشفيي نابلس والخليل يستعملان موقع المعالجة بالترميد (حيث تحرق النفايات لتقليل حجمها إلى أقل قدر ممكن، والتخلص من جراثيم الأمراض)، إلا أن هذه المراكز غير مجهزة كما ينبغي للمعالجة بغاز الحرق. كما تتم معالجات الترميد في خانيونس، غزة وأريحا. ويستخدم بعضهم عمليات المعالجة الحرارية، مثل: أجهزة تعقيم نفايات بيولوجية خاصة. وتنبعث من منشآت المعالجة هذه ملوثات هواء خطرة، مثل: حامض الكلورودريك الناتج من معدات البولي فينيل كلوريد (PVC) الطبية، أو الغازات الضارة بالصحة الناتجة عن الحرق غير الكامل.
نفايات خطرة خاصة
المقصود بالنفايات الخاصة، النفايات الخطرة غير المرتبطة مباشرة بأحد الفروع الصناعية. وتشمل هذه النفايات المبيدات الزراعية، "البولي كلوريناتيد باي فينيل" / PCBs في التجهيزات الكهربائية، مركبات الديوكسين، الأسبيستوس في مواد البناء، النفايات المنزلية، النفايات الإشعاعية والإطارات المستعملة.
أولاً: المبيدات الكيماوية:
باستثناء خمسة مبيدات منعت وزارة الزراعة الفلسطينية تداولها وبيعها في السوق الفلسطيني، وهي: "الفوليدول"، "الجاوتشو"، "تميك"، "د.د.ت"و"أميتراز"، فإن سائر المبيدات السامة والممرضة والقاتلة، بما فيها عشرات المبيدات المحظورة عالمياً والتي تتضمنها "الدزينة الوسخة" لمنظمة الصحة العالمية، "مسموح" تسويقها واستعمالها!
وتقدر كمية المبيدات الإجمالية المستخدمة سنوياً في الضفة الغربية، والمسجلة رسمياً، بنحو 730 طن. أما في قطاع غزة فتقدر الكمية السنوية بأكثر من 900 طن. إلا أن هناك كميات كبيرة غير محددة من المبيدات غير المسجلة، تدخل الضفة والقطاع، من خلال بعض التجار الذين يعملون على تهريب المبيدات من "إسرائيل" والمستعمرات الصهيونية.
وتقدر الحصة السنوية من المبيدات للفرد في قطاع غزة، بنحو 0.4-0.5 كغم/ الفرد. ولو قارنا هذه الأرقام، على سبيل المثال، بحصة الفرد الهولندي، وهي نحو 0.15 غم سنوياً، فسيتضح لنا مدى خطورة الكميات المستعملة في قطاع غزة بشكل خاص، علماً أن المساحة الزراعية في قطاع غزة صغيرة جداً ولا تقارن بالمساحات الشاسعة في هولندا التي بلغ معدل استخدام المبيدات فيها، في أواخر التسعينيات، نحو 2.5 طن فقط! ناهيك أن عدد سكان غزة يبلغ حوالي 1.3 مليون نسمة بالمقارنة مع 16 مليون نسمة في هولندا.
وتعد الشركات الصهونية ووكلاؤها المصدر الوحيد للمبيدات الزراعية الكيماوية المستخدمة في الضفة والقطاع. وتبين بأن مناطق أريحا، والأغوار، وشمال الضفة الغربية (خاصة طولكرم وجنين)، وقطاع غزة، من أكثر المناطق استخداماً للمبيدات في الضفة والقطاع، وغالباً ما تستعمل بشكل فوضوي وعشوائي وغير متحكم به، حيث نجد الإفراط في استخدام الكيماويات الزراعية، دون مراعاة للإجراءات الوقائية. وكميات المبيدات الخطيرة التي تدخل المناطق الفلسطينية عامة، وخاصة أريحا والأغوار، غير مراقبة، إذ أن المراقبة شكلية وغير جدية.
ثانياً: مركبات الديوكسين والفيورون:
قد تتكون المركبات التالية:
Poly chlorinated, dibenzo-p-dioxins,dibenzofuransو hexachlorobenzene polychlorinated biphenyls (PCBs) وتنبعث إلى البيئة، بشكل غير متعمد، وذلك نتيجة لعمليات الحرق المكشوف للنفايات (وخاصة إذا ما احتوت تلك النفايات على بولي فينيل كلوريد / PVC) وحرق نفايات الأحياء السكنية، ومحركات المركبات، وخاصة تلك التي تحرق البنزين المحتوي على الرصاص، وصباغة النسيج والجلود.
وعلى مستوى الضفة والقطاع، لم تجر أية قياسات لانبعاثات مركبات الديوكسين، علماً أن عمليات الحرق المكشوف تعد خطيرة جداً للبيئة، وتحديداً للهواء والتربة، وأخيراً، للمياه الجوفية.
ثالثاً: الأسبيستوس:
كثيراً ما استخدمت مواد البناء الأسمنتية المصنعة من الأسبيستوس في مباني الضفة والقطاع، وخاصة مواد للتغطية وما لم يمس أسمنت الأسبيستوس بأذى، فإنه لا يشكل تهديداً لصحة الإنسان، إلا أنه، عند قصف المباني المحتوية على الأسبيستوس، ينتج غبار يحتوي على ألياف الأسبيستوس، ما يشكل تهديداً صحياً للأشخاص القاطنين بجوار المباني المدمرة. وهذا ما حدث بالضبط في الضفة والقطاع، حيث أن العديد من المباني التي دمّرها جيش الاحتلال الصهيوني تحتوى على أسطح مغطاة بإسمنت الأسبيستوس، وخاصة في رفح ومحافظات غزة الجنوبية.
رابعاً: الإطارات المستعملة:
لا تخلق الأكوام الضخمة من الإطارات المستعملة مشاكل تتعلق باستخدام الأراضي فحسب، بل تولد أيضاً مخاطر بيئية. إذ أن هذه الأكوام قد تشتعل ذاتياً وتولد نيراناً تبقى لمدة طويلة، الأمر الذي يتسبب في آثار صحية سلبية للإنسان، وعندما يتم التخلص من الإطارات في مكبات النفايات، فإنها غالباً ما ترتفع إلى أعلى، بحيث يصعب الحفاظ على غطاء التربة في المكب. وتعد نيران الإطارات خطرة جداً، حيث يصعب إطفاؤها وتكون حرارتها عالية جداً، وتلوث الهواء بمركبات خطرة، وغازات سامة، منها: أكاسيد الرصاص، والكبريت، والكربون، مركبات الزنك، والكادميوم، مواد عطرية هيدرروكربونية، الزرينخ البنزين، وغيرها، كما تلوث الأرض بالرماد، وبالمواد الزيتية السائلة الناتجة عن بعض المركبات في الإطارات بسبب الحرارة العالية؛ ما يهدد المياه السطحية والجوفية. علاوة على أن مكبات الإطارات والإطارات التي تم التخلص منها عشوائياً، تشكل أرضيات خصية مثالية للبعوض، والقوارض الناقلة للأمراض.
خامساً: مخلفات البطاريات:
تكمن المخاطر الأساسية لنفايات البطاريات في معاملة الأخيرة والتخلص منها بشكل غير صحيح؛ الأمر الذي يتسبب في سيلان سوائل متآكلة قد تؤدي إلى حروقات كيماوية، وإتلاف تشكيلة كبيرة من المواد. وتعد المعادن الموجودة في البطاريات سامة، وهي تشمل الرصاص، الزئبق، والكادميوم.
إن التخلص غير الصحيح من البطاريات في المكبات يمكن أن يؤدي إلى إطلاق سوائل متآكلة، ومعادن ذائبة إلى المياه الجوفية والبيئة، وتبقى هذه المواد الكيماوية طويلاً في البيئة وتتراكم حيوياً في أنسجة وخلايا النباتات والحيوانات.
سادسا: حمأة مياه المجاري ومخلفات الحفر الامتصاصية:
تتكون حمأة مياه المجاري في محطات معالجة مياه المجاري، بينما تشكل مخلفات الحفر الامتصاصية المواد التي يتم ضخها من الحفر الامتصاصية، وتحوي كلتا المادتين كميات كبيرة من الكائنات الحية مسببة الأمراض للإنسان، وغالباً ما تحوي أيضاً ملوثات كيماوية. لذا، لابد أن تتم معالجة هذه المواد والتخلص منها بشكل مناسب بيئياً. الجدير بالذكر أن حمأة محطة معالجة المياه العادمة في مدينة البيرة يتم التخلص منها بجوار المحطة، وذلك بسبب إغلاق مكب البيرة. أما مخلفات الحفر الامتصاصية في بلدة دير دبوان فيتم التخلص منها في الوديان؛ لأن إجراءات منع التجول والإغلاقات، تحول دون عملية التخلص العادية.
سابعاً: النفايات المشعة:
لا توجد في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967م منشآت نووية، إلا أن هناك بعض مصادر النفايات النووية الفلسطينية المحدودة جداً والهامشية، بما في ذلك النفايات المشعة من المستشفيات، موانع الصواعق، ومواد مشعة من مصادر عسكرية.
إن التركيز الخاص الذي يجب وضعه على النفايات النووية، نابع من آثار هذه النفايات الخطيرة جداً على صحة الإنسان، والبيئة. وهنا لابد من التشديد، بشكل خاص، على تسرب الإشعاعات النووية من مكبات النفايات النووية الصهيونية في قرى جنوب الخليل، والتي نشر عنها حقائق مرعبة في تقريري ملحق البيئة والتنمية (العددين السابع والتاسع)، فضلاً عما نشرته، بعد ذلك، بعض وسائل الإعلام المحلية والعالمية.
وقد أثارت سلطة جودة البيئة، في حينه، مخاوف من ثلاث أنواع محددة من المواد المشعة، وهي: نفايات الإنشاءات المشعة المحتملة، ومكونات مشعة من المروحيات الصهيونية، واستخدام الصهاينة للذخائر المصنوعة من اليورانيوم المستنفد. وبالنسبة للذخائر الأخيرة يدور الحديث عن آلاف الفلسطينيين من جرحى الانتفاضة، وغالبيتهم من الأطفال دون سن التاسعة عشر، ممن أصيبوا بذخائر وقذائف ورصاص "الدمدم" المتفجر المصنوعة من اليورانيوم المستنفذ، الذي وكما اليورانيوم الطبيعي، يمتاز بدرجة عالية من السمية والإشعاعية، والقدرة على الاختراق.
وهنا لابد من تشكيل قوة ضاغطة باتجاه فرض تدخل المجتمع الدولي؛ لإرسال فريق فني دولي إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967م؛ لفحص مستويات الإشعاعات التي خلفها الاحتلال في تلك الأراضي بشكل عام؛ بسبب استهدافه لبعض المناطق باليورانيوم المستنفد، وفي مناطق جنوب الخليل بشكل خاص، وآثارها المرضية الخطيرة على السكان.
ولابد من تصعيد الضغوط الدولية الجدية على إسرائيل، لإرغامها على الانضمام إلى معاهدة عدم الانتشار الأسلحة النووية، وإخضاع برنامجها النووي للرقابة الدولية، وخاصة من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية. ولابد من استشارة الأخيرة حول كيفية عزل المواد المشعة في الضفة والقطاع، والتخلص منها بطريقة آمنة.
ومن المعروف أن اليورانيوم المستنفد، هو عبارة عن المخلفات الناتجة من عملية إنتاج اليورانيوم المشبع المستخدم في الأسلحة النووية، وفي مفاعلات الطاقة النووية، ويعد اليورانيوم المستنفد من المعادن الثقيلة غير المستقرة والمشعة التي تطلق إشعاعات "ألفا"، "بيتا"، "جاما" المؤينة. وللذخائر المصنعة من اليورانيوم المستنفد القدرة على تفجير كامل للدماغ.
ولا تكمن الخطورة في عدد الضحايا الذين سقطوا حتى الآن فحسب، بل أيضاً في الآثار المستقبلية لليورانيوم المستنفد المشع التي قد تصل إلى ملايين السنين وتؤدي، بشكل خاص، إلى إصابة الأطفال بأمراض سرطانية، فقدان الذاكرة وتشوهات خلقية، فضلاً عن دخول المواد المشعة إلى السلسلة الغذائية، وبالتالي تواصل الآثار الصحية المدمرة للإشعاعات لفترات زمنية طويلة جداً.
-----
ملحق البيئة والتنمية، صحيفة الأيام 4/1/2005م