تصنيع المعادن الثمينة في فلسطين

يشكل الذهب أهمية كبيرة في الدول كافة؛ نظرًا لاستعماله في دعم قيمة النقد، ونظرًا لاستخداماته المتعددة لما يتمتع به من خصائص فريدة يتميز بها عن العديد من المعادن؛ فهو يمتاز بالليونة، والقابلية للسحب والتشكيل، ويقاوم التآكل، ويمكن مزجه بالعديد من الفلزات كالنحاس أو الفضة أو النيكل؛ للحصول على سبائك أكثر متانة؛ كما يمزج مع البلاتين لصنع الألياف الصناعية اللازمة لفصل المواد الكيميائية؛ إضافة إلى استخداماته الصناعية المتعددة.

وقد أصبحت للذهب قيمة سلعية عالية؛ نظرًا لارتفاعات أسعاره المستمرة، ما جعل منه وسيلة استثمار مضمون ومدخرًا أساسيًا يعتمد عليه كوسيلة آمنة ضد التضخم والاضطرابات الاقتصادية الأخرى.
وتعد صياغة الذهب والمجوهرات والأحجار الكريمة من الصناعات التي عرفها الفلسطينيون منذ القدم، وتفنن الصائغون في إظهار براعتهم وذوقهم الفني في إضفاء العديد من العناصر الجمالية عليه، ورصعوه بالزجاج والمعادن الثمينة الأخرى ليبدو أكثر جمالًا وإبهارًا.

وقد استخدم الذهب في فلسطين في صناعة الزينة والمجوهرات؛ نظرًا لجمال مظهره، وبريقه الأخاذ، وغلاء أسعاره. وشاع استخدامه كمهر يدفعه العريس لعروسه، أو كهدية تدل على مدى تقدير العريس ومحبته لها.

وتشير المصادر التاريخية إلى أن هذه الصناعة مارستها أسر بعينها؛ فارتبطت أسماؤها بهذه الصناعة.

وانتشرت هذه الصناعة في معظم المدن الفلسطينية، وتتركز حالياً في مدن: القدس، والخليل، ونابلس. ويمكن التعرف على واقع هذه الصناعة من خلال استعرض بعد المراحل التي مرت بها على النحو التالي:

إبان الانتداب البريطاني: اتسم تصنيع المعادن الثمينة في عهد الانتداب البريطاني باستخدام الطرق اليدوية البدائية، واعتمدت صياغة الذهب بشكل رئيسي على الذهب "الكسر" (المأخوذ من أيدي الناس)؛ أما الذهب الخام، فقد كانت سلطات الانتداب هي من تتولى توفيره وبكميات قليلة. ولم يكن هناك أي ضمانة للجودة سوى "الششنة" الشخصية للصائغ.

العهد الأردني والمصري منذ 1948 – 1967: لم تشهد تصنيع المعادن الثمينة في الضفة الغربية في عهد الحكم الأردني؛ أو في قطاع غزة في عهد الحكم المصري؛ أي تطور يذكر عما كانت عليه في عهد الانتداب البريطاني، باستثناء الارتقاء بالعمل اليدوي، الذي أصبح أكثر تطورا.

عهد الاحتلال الإسرائيلي منذ 1967 – 1994: ارتقى تصنيع المعادن الثمينة، والذي يكاد تنحصر في صياغة الذهب، بدخول الآلات في عملية التصنيع؛ وعمل الحاكم العسكري على ضبط السوق بتوفير "ذهب الحلة" للصياغ، وكذلك ضبط الجودة بواسطة "اختبار المحك" للمشغولات، وإعطائها وسمًا حسب العيار؛ ولكن هذه العملية لم تدم أكثر من ثلاث سنوات؛ إذ عادت الفوضى إلى هذا المجال؛ فإن الاحتلال لم يكن معنياً بالمحافظة على هذه المدخرات، ولم يكن ليترك سوق الذهب مفتوحاً للتلاعب بدون رقابة أو محاسبة؛ فظل الاعتماد في الثقة بجودة الذهب مرهونًا بمصداقية التاجر والصائغ.

عهد السلطة الوطنية الفلسطينية منذ 1994: سعت السلطة الوطنية الفلسطينية إلى تنظيم هذا القطاع، الذي يمثل أحد أعمدة الاقتصاد الفلسطيني؛ فسارعت على إنشاء "مديرية دمغ ومراقبة المعادن الثمينة"، بموجب القانون رقم (5 ) لسنة 1998 وتعديلاته، الصادر عن المجلس التشريعي الفلسطيني؛ بهدف مراقبة حركة تداول المعادن الثمينة والأحجار الكريمة في فلسطين، ورفع مستوى الجودة والكفاءة، وتطوير القوانين والأنظمة بما يخدم الوطن والمواطن، وحماية الاحتياط التجاري والمنزلي من المعادن الثمينة، وخاصة الذهب.

وشرعت السلطة الوطنية الفلسطينية، من خلال "مديرية دمغ ومراقبة المعادن الثمينة" في فحص ودمغ المعادن الثمينة، وفحص وتثمين الأحجار الكريمة، والرقابة والتفتيش على صناع وتجار المعادن الثمينة، وإصدار تراخيص للصناع والتجار، وتحصيل الرسوم والضرائب حسب اللوائح الصادرة بهذا الخصوص، والتعاون مع الجهات الحكومية المختصة ذات العلاقة في تطبيق أحكام القانون؛ إلا أن سلطات الاحتلال لم يرق لها الأمر؛ فسعت جاهدة لضرب هذا القطاع، من خلال إفشال إقامة المناطق الصناعية الخاصة بهذه المهنة، وإعاقة إدخال المواد الخام اللازمة لأصحاب المصانع، وكبلت حرية الحركة التجارية اللازمة مع العالم الخارجي.

ويمكن استعراض العيارات القانونية المعتمدة في فلسطين على النحو التالي:

1 - المصوغات الذهبية

 أ - عيار 24 قيراط: درجة النقاء 999,9 جزء في الألف من معدن الذهب.
ب - عيار 22 قيراط: درجة النقاء 916 جزء في الألف من معدن الذهب.
ج - عيار 21 قيراط: درجة النقاء 875 جزء في الألف من معدن الذهب.
د - عيار 18 قيراط: درجة النقاء 750 جزء في الألف من معدن الذهب.
هـ - عيار 14 قيراط: درجة النقاء 585 جزء في الألف من معدن الذهب.
و - عيار 12 قيراط: درجة النقاء 500 جزء في الألف من معدن الذهب.
ز - عيار 9 قيراط: درجة النقاء 375 جزء في الألف من معدن الذهب.

2 - المصوغات الفضية.

أ - عيار 90: درجة النقاء 900 جزء في الألف من معدن الفضة.
ب - عيار 80: درجة النقاء 800 جزء في الألف من معدن الفضة.
ج - عيار 70: درجة النقاء 700 جزء في الألف من معدن الفضة.
د - عيار 60: درجة النقاء 600 جزء في الألف من معدن الفضة.

3 - المصوغات البلاتينية.

أ - عيار 90: درجة النقاء 900 جزء في الألف من معدن البلاتين.
ب - عيار 80: درجة النقاء 800 جزء في الألف من معدن البلاتين.

مؤشرات إحصائية:

حسب التقرير السنوي لوزارة الاقتصاد الوطني دمغت مديرية دمغ ومراقبة المعادن الثمينة في الوزارة، خلال العام 2023، أكثر من 12 طن ذهب، بنسبة انخفاض 32% مقارنة بالعام 2022.

بلغ إجمالي الإيرادات المحصلة من مديرية دمغ ومراقبة المعادن الثمينة جراء عملية دمغ المصوغات الذهبية التي تحمل الدمغة الفلسطينية "قبة الصخرة" ما قيمته 13 مليون شيقل بنسبة انخفاض بلغت 24% مقارنة بالعام 2022.

عزت وزارة الاقتصاد الوطني الانخفاض إلى تداعيات العدوان الإسرائيلي على فلسطين منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، والذي تسبب بتراجع حاد في مختلف مؤشرات الاقتصاد الفلسطيني، علاوة على فقدان السوق لمصادر السيولة النقدية في ظل القرصنة الإسرائيلية لأموال المقاصة والبطالة في صفوف العمال، علاوة على التحويط المالي من المستهلك في ظل الوضع الاقتصادي الصعب.

وتركز الانخفاض في الأشهر الثلاثة من العدوان الإسرائيلي (أكتوبر- ديسمبر 2023)، بانخفاض الكميات الواردة إلى مديرية المعادن الثمينة بنسبة 58%، والتي بلغت 1.78 طن مقارنة بالفترة ذاتها من العام 2022 إذ سجل فيها الكميات 4.27 طن، كما انخفضت الإيرادات من 4.2 مليون شيقل إلى 1.6 مليون شيقل بنسبة انخفاض بلغت نحو 61%..

بلغت نسبة المنتج المحلي من الذهب المقدم إلى الدمغ في دوائر المديرية 96% من إجمالي كميات الذهب المدموغة في العام 2022، وهذا يؤكد موثوقية وجودة المنتج المحلي الذي لديه قدرة كبيرة على منافسة الذهب المستورد.

ودمغت مديرية المعادن الثمينة العام 2022 نحو 17.87 طن ذهب من المصوغات الذهبية، والتي تحمل الدمغة الفلسطينية (قبة الصخرة)، ويعمل في صناعة المعادن الثمينة وبيعها نحو 575 مصنعا وورشة ومحلا، تشغل 3 آلاف صانع وتاجر وتخضع لمراقبة طواقم الرقابة والتفتيش في مديرية المعادن الثمينة.

وتعد سبائك الذهب نقدا متداولا وليست سلعة في السوق الفلسطيني، وتكون ضريبة القيمة المضافة إليها بنسبة صفر، وتتولى مديرية دمغ ومراقبة المعادن الثمينة تحصيل رسوم خدمات عن المشغولات الذهبية بضرائب ورسوم عادلة تتناسب مع المصنعية والربحية على المشغولات، بمتوسط 1 شيقل لكل غرام ذهب.

ودعت مديرية دمغ ومراقبة المعادن الثمينة، المواطنين عند شراء الذهب إلى الحصول على فاتورة تحتوي على الصنف، والعيار، والوزن، والبيان، وسعر الصنف، والسعر الإجمالي، والعملة، واسم المحل التجاري واضحا، والتأكد من الدمغة الفلسطينية على المصوغات فقط والتي تحمل "قبة الصخرة"، إضافة إلى نوع صناعة المصوغ (محلي أو أجنبي).