تعتبر صناعة النسيج والملابس إحدى الصناعات المهمة، إن لم تكن الأكثر أهمية، في الاقتصاد الفلسطيني، من حيث العمالة والإنتاج وعدد المؤسسات. واحتلت صناعة النسيج أهمية كبيرة بالنسبة للاقتصاد الفلسطيني منذ بداية القرن الماضي، إذ انه حسب التعداد الصناعي الحكومي لسنة 1928م كان هناك 357 محل نسيج و813 محل ملابس في فلسطين عام 1927، وهي تمثل 10.2% و23.2% على التوالي من عدد المؤسسات الصناعية في فلسطين في ذلك العام. وقد كان معظم هذه المنشآت عبارة عن مشاغل حرفية صغيرة.
تطور صناعة النسيج والملابس في فلسطين: كان لصناعة النسيج والملابس دورًا مهمًا بالنسبة للاقتصاد الفلسطيني خلال العقود الماضية؛ ففي عام 1942 مثلًا، كان عدد مؤسسات صناعة النسيج والملابس يمثل حوالي 22% من عدد المؤسسات الصناعية، واحتلت بذلك المرتبة الأولى في قطاع الصناعة التحويلية؛ وفي عام 1960 شكلت مؤسسات هذه الصناعة 66% من عدد المؤسسات الصناعية في قطاع غزة، كما مثلت 13% من عدد المؤسسات الصناعية في الضفة الغربية عام 1966.
ولم يغير الاحتلال الإسرائيلي هذه الصورة بشكل جوهري؛ فقد ظلت صناعة النسيج والملابس تمثل إحدى الصناعات العظيمة الأهمية بالنسبة للاقتصاد الفلسطيني؛ حيث شكلت مؤسساتها حوالي 20-22% من عدد المؤسسات الصناعية في الضفة الغربية و33-37% في قطاع غزة خلال الفترة 1976- 1987، وكانت توظف حوالي 25 و43% من مجموع العمالة الصناعية في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة. وبعد توقيع "إعلان المبادئ" عام 1993 بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية ظهرت تحديات جديدة أمام هذه الصناعة تمثلت في ظهور منافسة جديدة من المؤسسات الأردنية، التي دخلت إلى الأسواق الفلسطينية والإسرائيلية بقوة؛ ما أوجب ضرورة تطوير البنية التحتية لمواجهة هذه المنافسة بكفاءة وفاعلية.
واقع الصناعة: بلغ عدد منشآت صناعة النسيج والملابس في الضفة والقطاع 1842 منشأة في العام 1994، ويشكل هذا الرقم أكثر من 18% من العدد الكلي للمنشآت الصناعية في الضفة والقطاع، وهي الثانية من حيث الترتيب بعد صناعة منتجات المعادن. ومن ناحية أخرى فإن صناعة النسيج والملابس توظف حوالي 13600 عامل، يمثلون حوالي 28% من مجموع الأيدي العاملة في القطاع الصناعي، وتعد بذلك أكبر مصدر للتوظيف في ذلك القطاع؛ كذلك فإن صناعة النسيج والملابس تساهم بنحو 22% من القيمة المضافة الصناعية، وتساهم بأكثر من 15% من الناتج الإجمالي الصناعي، وهي الثالثة من حيث الأهمية بعد صناعتي منتجات المعادن اللافلزية، والمنتجات الغذائية والمشروبات.
وحسب مجلس الوزراء الفلسطيني "الخطة الوطنية للتنمية 2021/ 2023" وهيئة تشجيع الاستثمار والمدن الصناعية "خارطة الطريق للاستثمار في فلسطين" يعد قطــاع المنســوجات والملابــس الجاهــزة أحــد أهــم القطاعــات الصناعيــة فــي فلسـطين على صعيد الإنتاج، والاسـتثمار، والتشـغيل، والتصديـر.
ويعدُّ وجـود الخبرة المتراكمـة للعامليـن فـي القطـاع، ووفـرة القــوى العاملــة، وقــدرة القطــاع علــى الاســتجابة لطلبــات واحتياجــات المنتجيــن والشـركاء مـن القطاعـات الأخـرى، والفهـم العميـق للقيمـة المضافـة مـن أهـم ميـزات القطــاع.
يتكـون قطـاع المنسـوجات والملابـس بشـكل أساسـي مـن: المنسـوجات والملابـس الجاهـزة، وإنتــاج الملابـس، والصباغــة، والملابـس الصوفيــة، وغيرهــا مــن المنتجــات ذات العلاقــة. وتكمـن الميـزة الرئيسـية لهـذا القطـاع بإمكانيـة التعاقـد مـن الباطـن. وقـد تمكـن القطـاع مـن إنتـاج منتجـات ذات جـودة عاليـة تلبـي المعاييـر الدوليـة.
يسـاهم القطـاع بنسـبة %3.6 مـن إجمالـي القيمـة المضافـة للقطـاع الصناعـي. ويبلـغ عـدد المنشآت العاملـة فـي هـذا المجـال حوالـي2009 منشـآت، غالبيتهـم يعملـون فـي صناعـة الملابــس الجاهــزة، وعــدد محصــور يعمــل فــي صناعــة المنســوجات. وتعدُّ المــرأة القــوة العاملـة الرئيسـية فـي هذا القطـاع، وتشـغل هـذه المنشآت مـا مجموعـه 11464عامـلًا وفقـاً لأرقــام الجهــاز المركــزي للإحصــاء الفلســطيني لعــام 2019. ينمــو هــذا القطــاع بشــكل مســتمر، حيــث تبلــغ قيمــة صــادرات القطــاع حوالــي 13 مليــون دولار أمريكــي، منهــا 98.4% تصــدر إلــى دول الجــوار، حيــث يصــدر إليهــا 82 صنــفًا مــن المنتجــات المحليــة، منهــا حوالــي 45% ملابــس جاهــزة.
يمثــل قطــاع صناعــة المنســوجات والملابـس الجاهـزة اتحاديـن تخصصييـن: الأول هـو "اتحـاد صناعـة الملابـس الجاهـزة"، والثانـي هو "اتحــاد صناعــة الأقمشــة والنســيج".
تتوفــر فــرص اســتثمارية ضمــن قطــاع صناعــة المنســوجات والملابـس الجاهــزة؛ فهــو أحــد القطاعــات الصناعيــة الفرعيــة التــي تشــير إلــى النمــو الســريع، وينعكــس ذلــك على حجــم الإنتاج المتنامـي فـي ظـل توفـر القـوى العاملـة الماهـرة ذات الخبـرة الطويلـة، وفـي ظـل القـدرة المتزايـدة على الدخـول إلـى أسـواق تصديريـة جديـدة والتوسـع فـي حجـم الصـادرات.
القطاعــات الصناعيــة الفرعيــة التــي تشــير إلــى النمــو الســريع، وينعكــس ذلــك فــي حجــم الإنتاج المتنامـي فـي ظـل توفـر القـوى العاملـة الماهـرة ذات الخبـرة الطويلـة، وفـي ظـل القـدرة المتزايـدة فـي الدخـول إلـى أسـواق تصديريـة جديـدة والتوسـع فـي حجـم الصـادرات.
التوزيع الجغرافي: تتركز معظم صناعة الملابس في قطاع غزة وفي المحافظات الشمالية للضفة الغربية في (نابلس، طولكرم، جنين، وقلقيلية). وفي الواقع فإن حوالي 42% من المنشآت والعمالة في صناعة الملابس توجد في قطاع غزة، ونسبة قريبة من ذلك توجد في المحافظات الشمالية. ومعظم أصحاب المنشآت في المدن الحدودية مثل: طولكرم، وجنين، وقلقيلية. وهم متعاقدون من الباطن؛ إذ يستفيدون من موقعهم القريب من المصانع الإسرائيلية وما يحققه ذلك من اختصار تكاليف المواصلات، إضافة إلى سهولة الاتصال واستلام المواد الخام وتسليم المنتجات النهائية.
التسويق: تنقسم أسواق صناعة الملابس والنسيج إلى: أسواق محلية، وأسواق خارجية، والمتعاقدون من الباطن.
أ. السوق المحلي: هناك حالات يتم الإنتاج بكامله فيها للسوق المحلي، سواء بواسطة المنتج مباشرة أو بواسطة تجار الجملة أو التجزئة المحليين. وتصل نسبة ما تستوعبه السوق المحلي من الإنتاج حوالي 15%.
ب. الأسواق الخارجية: هناك حالات يقوم فيها المنتج المحلي بتوزيع جزء من إنتاجه في الأسواق الإسرائيلية، والأردن، والأسواق الأخرى مثل: أوروبا، والولايات المتحدة. ولكن البيع في الأسواق الخارجية يتم عادة من خلال وكيل إسرائيلي يقوم ضمن أشياء أخرى بتسهيل إجراءات النقل والشحن والتسليم.
ج. التعاقد من الباطن: إن ترتيبات التعاقد من الباطن تمثل حوالي 80% من إنتاج الملابس في الضفة الغربية، وحوالي 90% من إنتاج الملابس في قطاع غزة. ولا يقع تسويق المنتجات النهائية عادة ضمن مسئولية متعاقدي الباطن؛ إذ ينصب اهتمامهم الرئيس على الحصول على العقود من الشركات الإسرائيلية، تم تنفيذ تلك العقود على أفضل وجه وبأقل تكلفة ممكنة. وهناك تنافس كبير بين متعاقدي الباطن الفلسطينيين مع متعاقدي الباطن الأردنيين والمصرين.
المشاكل والعقبات التي تواجه صناعة الملابس والنسيج: إن صناعة النسيج والملابس تواجه عددًا كبيرًا من المشاكل والتحديات خلال هذه المرحلة الانتقالية. ويتعلق معظم هذه المشاكل بالوضع الحالي الذي يتسم بعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي الذي يمكن أن يتلاشى إذا تم التوصل إلى سلام حقيقي. ويمكن حصر أهم المشاكل والعقبات بما يلي:
1- إغلاق الحدود والمناطق الفلسطينية المتكرر من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي: فقد كان لهذه الإغلاقات أثرًا مدمراً على هذا القطاع؛ بالإضافة إلى تأثيرها على فرص الاستثمار.
2- صعوبة الحصول على تصاريح لدخول إسرائيل لشراء المواد الخام والإكسسوارات، أو للحصول على طلبيات من المقاولين الإسرائيليين.
3- التكلفة الإضافية التي يتم دفعها للوسيط الإسرائيلي لضمان وصول المواد الخام وتوزيع المنتجات.
4- عدم وجود بنية تحتية سليمة؛ فحالة الطرق غير مرضية، والمطارات والموانئ غير متوفرة فعليًا في الوقت الحاضر.
5- عدم توفر مصادر لتمويل هذا القطاع؛ إذ إن البنوك التجارية لا تستجيب للاحتياجات المالية لقطاع الصناعة بصفة عامة؛ بما في ذلك صناعة النسيج والملابس.