صناعة الزيوت النباتية

تزداد الأهمية الاقتصادية لمحاصيل الزيوت النباتية في العالم؛ نظرا لتزايد الحاجة اليومية لمنتجاتها من البذور والزيوت المستخلصة منها، بحيث شملت مختلف مجالات الحياة؛ ما حتم ضرورة الارتقاء بها إلى مستوى تزايد الطلب عليها؛ إذ لم تقتصر فائدة هذه المحاصيل على الحصول على الزيوت المستخرجة من بذورها، والتي تعتبر مصدرًا غذائيًا للإنسان والحيوان، بل تعدت فوائدها ذلك إلى دخول منتجاتها في الأغراض الصناعية المختلفة، كصناعة الصابون ومستحضرات التجميل، وصناعة بعض المستحضرات الطبية، وصناعة حبر المطابع، ومواد التشحيم والتزييت.

تحتل صناعة إنتاج الزيوت النباتية في فلسطين أهمية قصوى؛ لكونها سلعة من السلع الغذائية الإستراتيجية؛ تستخدم في العديد من مجالات الحياة.  وترجع الأهمية الغذائية للزيوت النباتية إلى أنها تحتوى على الفيتامينات الضرورية الذائبة في الدهون، وعلى العديد من الأحماض الدهنية الأساسية، كما أنها تشكل مصدرًا مهمًا للطاقة.

تأسست أول شركة لصنع الزيوت النباتية عام 1953، تحت اسم "شركة مصانع الزيوت النباتية الأردنية م.ع.م."،  في المنطقة الصناعية الشرقية لمدينة نابلس على مساحة 38 دونمًا من الأرض؛ بهدف تكرير زيت الزيتون و تعبئته للاستهلاك المحلي والتصدير للخارج.

وتعمل هذه  الشركة على  تصنيع الزيت والسمن النباتي. وقد بدأت في عام 1961 بإنتاج السمن النباتي بإشراف شركة "زويفر" الهولندية؛ حيث قام الخبراء الهولنديون بتحديث المصنع، وتدريب الأيدي العاملة والفنيين، في المصانع الهولندية، إلى أن أصبح الإنتاج بأيد عربية وفقًا لأحدث المعايير الدولية؛ وفي العام 1985 بدأت الشركة بتكرير الزيوت النباتية السائلة، بعد أن تم تطوير المصنع وتزويده بالآلات الحديثة المتطورة.

وأصبحت الشركة قادرة على سد حاجة السوق المحلي والتصدير للخارج، واكتسبت منتجاتها شهرة واسعة نالت رضا واستحسان المستهلك؛ لما تميزت به من جودة عالية شملت النكهة والطعم الفريدين؛ ما جعلها تحافظ على مكانتها في الأسواق المحلية والعربية على مدى سنوات طوال.

وانتقلت شركة الزيوت النباتية نقلة نوعية عام 1985؛ إذ بدأت بإنتاج أكثر من 35 ألف طن من السمنة والزيوت سنويًا؛ فتصدر ما نسبته 85% من الإنتاج إلى الأردن؛ و15% إلى الأسواق الفلسطينية.

وتمر عملية إنتاج الزيوت بعدة مراحل، وتشمل:

• استلام الزيت الخام وفحصه ومطابقته للمواصفات الفلسطينية، وتفريغ الزيوت وتخزينها.

• عملية التكرير، بإزالة الأصماغ والحموضة واللون والعوالق، وقد تتم عملية التكرير أكثر من مرة، حتى الحصول على نتائج ذات مواصفات عالية. وقد تستمر هذه المرحلة ساعات طويلة قبل يتم تعبئتها بعبوات وأحجام مختلفة.

• معالجة مخلفات التصنيع؛ لإنتاج زيوت تستخدم في صناعة الصابون والأعلاف.

وتصل منتجات صناعات الزيوت النباتية الفلسطينية إلى المستهلك بأسماء مختلفة منها:

سمنة "الغزال" المخصصة للطبخ؛ وسمنة "الكواكب" المخصصة لأطباق الحلويات والمعجنات؛ وسمنة "نباتين" ذات الطعم المميز، بعد إضافة النكهات الخاصة إليها؛ وسمنة "يارا"؛ وسمنة الأصيل؛ وريم؛ والغزالين؛ إضافة إلى العديد من منتجات الزيوت تحت ذات الأسماء.

ورغم كل الظروف الصعبة التي مرت بها الأراضي الفلسطينية؛ استمرت صناعة الزيوت النباتية بإنتاج أصناف ومنتجات عديدة تنافس العديد من المنتجات الأجنبية بشكل لافت.

المشكلات التي واجهت قطاع صناعة الزيوت النباتية في فلسطين:

واجه عموم القطاع الصناعي في فلسطين خلال سنوات الاحتلال ظروفاً صعبة، ما أدى إلى زيادة ارتباطه بعجلة الاقتصاد الإسرائيلي وتعميق تبعيته له. وعملت سلطات الاحتلال على إصدار العديد من الأوامر العسكرية والتشريعات من أجل تحقيق هذا الهدف. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل إنها لجأت إلى فرض مزيد من التدابير والإجراءات لحصار الصناعة الفلسطينية، من خلال إحكام السيطرة على المعابر والمنافذ التي تربط الأراضي الفلسطينية بالعالم الخارجي، وقد واجه قطاع صناعة الزيوت النباتية في فلسطين ذات الصعوبات التي عانى منها عموم القطاع الصناعي.

ويمكن تصنيف المشاكل والمعوقات التي تواجه قطاع صناعة الزيوت النباتية بما يلي:

• افتقار الأراضي الفلسطينية للمواد الخام اللازمة  لهذه الصناعة؛ ما يعمق الاعتماد على السوق الإسرائيلية والأجنبية في توفير المواد الخام، ما أدى إلى تحكم الجانب الإسرائيلي برفع أسعارها وتأخير استلامها؛ بذريعة الفحص الأمني على المعابر؛ والعمل على إغلاق المعابر بشكل مستمر.

• القيود الإسرائيلية على إدخال الآلات والمعدات الحديثة اللازمة لصناعة الزيوت النباتية، وتشمل فرض الرسوم الجمركية، ووضع عراقيل التخليص والفحص الأمني؛ ما يترتب عليه تحجيم تطور المصانع والشركات، وتقييد دخول منتجين جدد.

• انعدام تحديث البنى التحتية الكفيلة بتحديث هذه الصناعة.

• ضعف التمويل الهادف إلى إقامة مصانع وشركات جديدة أو تطوير القائمة منها؛ ما ترتب عليه قلة حجم الاستثمارات في هذا القطاع.

• مشكلات التسويق؛ حيث إن إسرائيل تسيطر على المعابر، والتي من خلالها يتم تسويق وتصدير المنتجات المصنعة.

• صغر حجم السوق المحلية وعجزها عن استيعاب الإنتاج المحلي، وإغلاق الاحتلال لمنافذ التسويق الداخلية والخارجية (بين الضفة والقطاع).

• المنافسة غير العادلة وغير المتكافئة بين منتجات الصناعة المحلية وبين منتجات الصناعة الإسرائيلية؛ حيث فتحت إسرائيل القطاع والضفة على مصراعيها لمنتجات الزيوت الإسرائيلية.

• ضعف التنظيم والتخطيط الصناعي للمراحل المستقبلية؛ لمواكبة التقدم الذي يحدث في مجال إنتاج الزيوت النباتية.

• نقص مؤسسات التعليم التقني والفني التي كان يمكن الاعتماد عليها في تخريج الكوادر المدربة اللازمة لمواكبة التقدم التقني في هذا المجال.

• الاعتماد على مصادر خارجية لتمويل مثل هذه المصانع.

هذه صورة لأهم المشاكل التي تواجه قطاع إنتاج الزيوت النباتية في فلسطين، والتي ترتبط في معظمها بسياسات الاحتلال؛ الذي يسعى إلى تهميش القطاع الصناعي الفلسطيني ومنع تطويره وتنميته.

تطوير قطاع تصنيع الزيوت النباتية:

متطلبات تطوير قطاع تصنيع الزيوت النباتية:

• الأخذ بالحسبان الظروف والواقع والمشاكل التي يعانيها هذا القطاع من جانب؛ وعموم فروع الاقتصاد الفلسطيني من جانب آخر؛ سعيًا للتكامل الكفيل بتطوير هذا القطاع.

• التعاون مع المؤسسات والشركات العاملة في نفس المجال في الدول الأخرى؛ للإفادة من خبراتها في التزود بمعلومات تخص سبل تطوير هذه الصناعة.

• ربط تنمية هذا القطاع بإستراتيجية التنمية الشاملة، وبشكل وطبيعة وفلسفة الاستراتيجية المناسبة للتصنيع في ظل الفترة الانتقالية والفترة الدائمة.

• تهيئة المناخ الاستثماري المناسب الذي يعمل على جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية، عن طريق  تقديم التسهيلات.

• تقديم القروض الميسرة لرجال الأعمال والصناعيين لتمويل هذه الصناعة، ودعم الشركات القائمة لتطوير أدائها وزيادة إنتاجها.

• فك الارتباط والتداخل القائم مع الهياكل الاقتصادية والصناعات الإسرائيلية؛ ما يخفف بصورة تدريجية من الاعتماد على الصناعات الإسرائيلية؛ للانعتاق من نير التحكم الإسرائيلي بالصناعة الفلسطينية؛ ما يشكل فرصة ترفع إمكانية تعاون مختلف المصانع الفلسطينية مع مصانع الزيوت النباتية.

• دعم المراكز المهنية والمعاهد الصناعية لتوفير الكوادر الفنية والإدارية اللازمة.

• إقامة مراكز للدراسات والاستشارات، وتقديم الاستشارات الصناعية للمصانع، وتوفير التدريب المهني والإداري للعاملين في قطاع الصناعة، والقيام بكل ما من شأنه رفع جودة منتجات الزيوت لزيادة قدرتها على المنافسة.

• البحث عن أسواق خارجية عربية ودولية.

• إنشاء مناطق صناعية يتم تأجيرها بأسعار مشجعه وتقديم التسهيلات الجمركية والضرائبية لتشجيع عملية الاستثمار في هذا المجال.