الصناعات الاستخراجية

صناعة الحجر والرخام في فلسطين 

 
 

مفهوم المحاجر والمقالع والكسارات:

عرًّف قانون المصادر الطبيعية رقم 1 سنة 1999 في المادة رقم (1) المحجر على أنه "اي مكان يجري فيه العمل بقصد استخراج الحجارة ومشتقاتها"، كما عرف القانون ذاته وفي المادة رقم (1) أيضًا المقالع على أنها "أي مكان يجري فيه العمل بقصد استخراج الرمال أو الطين، أو الكركار أو الزلط أو الصخر الزيتي أو ما يتعلق بالرسوبيات."، وتكون مخرجات المقالع هي مدخلات للمحاجر والكسارات، والكسارة: "هي منشأة صناعية تحويلية تقوم بتحويل الكتل الصخرية إلى أجزاء صغيرة الحجم، وتضم إضافة إلى المنشآت الثابتة الخاصة بالتكسير والنقل، جميع الآليات المتحركة والعمليات المختصة بنقل الصخور وتكسيرها وتفريغها وتحميلها داخل المنشأة؛ إضافة إلى التخزين والصيانة. ويمكن أن تكون الكسارة ثابتة أو متحركة".

 

مقدمة:

تعتبر صناعة الحجر والرخام، الصناعة الاستخراجية الرئيسية في فلسطين؛ وتعد إحدى الصناعات الفلسطينية التي تلعب دوراً هاماً في تلبية الطلب المحلي لقطاع الإنشاءات من جهة، وفي الصادرات التقليدية الفلسطينية من جهة أخرى.

وتحتل  فلسطين في المرتبة 12 عالميًا من حيث إنتاج الحجر؛ حيث تنتج 22 مليون متر مربع من منتجات الحجارة سنويًا؛ وإنتاجية العامل في هذا القطاع تبلغ 5 أضعاف القطاعات الأخرى، حسب تقرير أعدته وزارة الاقتصاد الفلسطينية عام 2014م.

غير أن هذه الصناعة واجهت في الآونة الأخيرة مجموعة من التحديات والصعوبات، بعضها ناجم عن السياسات والممارسات الإسرائيلية؛ والبعض ناجم عن وجود جزء كبير منها في مناطق لا تزال تحت سيطرة سلطات الاحتلال؛ كما يرجع العديد من هذه الصعوبات إلى استمرار سيطرة الاحتلال على خطوط الاتصال بين الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس، وكذلك على منافذ الاتصال الفلسطيني مع العالم الخارجي؛ فضلًا عن المعيقات الاقتصادية، وخاصة التسويقية الناجمة عن امتداد مشكلة المنافسة لمنتجات هذه الصناعة في الأسواق المحلية والخارجية، وفضلاً عن المشكلات المتعلقة بالبيئة.

 

تطور صناعة المحاجر والكسارات:

خذت صناعة المحاجر والكسارات تنتشر في فلسطين في مختلف محافظات الضفة الغربية بعد عام 1948م؛ حيث بلغ عددها 111 منشأة عام 1965؛ أي ما نسبته 2.9% من عدد المنشآت الصناعية في ذلك الوقت. وتركزت هذه الصناعة بشكل أساسي في محافظات نابلس، والقدس، والخليل ؛ أما المنشآت التي توظف 10 عمال فأكثر، فقد بلغ عددها 61 منشأة عام 1965، منها 59% في محافظة نابلس، و34.4% في القدس، و6.6% في الخليل؛ وبلغت قيمة الإنتاج لهذه المنشآت 291 ألف دينار أردني، والناتج الصافي 224 ألف دينار.

بعد الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة في العام 1967، فرضت سلطات الاحتلال سياسة الحصار العسكري والاقتصادي على الاقتصاد الفلسطيني؛ للاستمرار في إعاقة النمو والتنمية الاقتصادية بشكل عام، والقطاع الصناعي بشكل خاص، من خلال خلق ظروف منافسة غير متكافئة بين الصناعة الفلسطينية الناشئة من ناحية، والصناعات الإسرائيلية المتطورة من ناحية أخرى. وفي هذا الإطار، واجهت صناعة المحاجر والكسارات قيود الترخيص الإسرائيلية، ومصادرة الأراضي. وعلى الرغم من كل هذه السياسات الإسرائيلية، فقد ارتفع عدد المنشآت العاملة في صناعة المحاجر والكسارات إلى 144 منشأة عام 1989.

 

أوضاع المحاجر في ظل السلطة الوطنية الفلسطينية:

ازدهرت صناعة المحاجر والكسارات ظل السلطة الوطنية الفلسطينية، واصبحت تلعب دوراً كبيراً في الاقتصاد الفلسطيني، سواء من حيث الإنتاج أو التوظيف أو التصدير؛ لذلك حرصت الجهات الفلسطينية المختصة على تنظيم هذه الصناعة، من خلال أصدار التشريعات (قانون المصادر الطبيعية رقم 1 سنة 1999) والرخص اللازمة:

عدد رخص المحاجر والكسارات الصادرة عن وزارة الاقتصاد الوطني

السنة

رخص جديدة

تجديد رخص

المجموع

2011

12

31

43

2012

7

41

48

2013

11

38

49

2014

4

51

55

2015

1

60

61

2016

0

33

33

2017

0

38

38

2018

0

34

34

2019

3

37

40

2020

0

31

 31

2021 

51  53 
2022 - - 52

المصدر: التقارير الاحصائية السنوية لوزارة الاقتصاد الوطني

أماكن الانتشار المحاجر والكسارات في فلسطين: تنتشر صناعة المحاجر والكسارات في معظم المحافظات الفلسطينية، حيث تتوفر المواد الخام الأولية على سلسلة جبلية تمتد من شمال فلسطين إلى جنوبها، وتتركز هذه الصناعة في المحافظات الشمالية ويظهر ذلك من خلال توزيع المحاجر المرخصة من قبل وزارة الاقصاد الوطني في الجدول الآتي: 

توزيع رخص المحاجر الصادرة في الضفة الغربية حسب المحافظة، 2021

 

المحافظة

العدد

الخليل

19

بيت لحم

4

جنين

5

رام الله والبيرة

11

طولكرم

6

نابلس

7

المجموع

52

نطاق سوق الحجر الفلسطيني:

 تعد إسرائيل المستهلك الأول للحجر الفلسطيني؛ حيث تحظى بنحو (65%) من مبيعات هذا القطاع؛ يليها المحلى السوق المحلي بنسبة 20%، ثم السوق العالمي بنسبة 15%.

بعض الشركات الفلسطينية الرائدة عملت على اختراق الأسواق الأمريكية والأوروبية بنجاح فائق؛ فالحجر الفلسطيني لديه إمكانيات تصديرية عالية؛ كما إن الرخام يتبادل حاليًا في الأسواق العالمية بمجموعة متنوعة من الألوان والخصائص المختلفة.

 

عائدات صناعة الحجر

قطاع صناعة الحجر في فلسطين وحسب اتحاد صناعة الحجر والرخام في فلسطين يساهم في (5%) من إجمالي الناتج المحلي، وهذه الصناعة توفر آلاف فرص العمل حيث تشغل أكثر من 20000 شخص بشكل مباشر بالإضافة إلى آلاف فرص العمل في القطاعات المساندة لهذا القطاع.

سلبيات صناعة الحجر في فلسطين:

تشكل المحاجر والكسارات ومناشير الحجر خطرًا محدقًا بالبيئة الفلسطينية من نواح عديدة؛(حسب مجلة آفاق البيئة والتنمية حزيران 2013 – العدد 55)؛ إذ تقتلع الغطاء النباتي، وتؤدي إلى انحسار رقعة الأراضي الرعوية والزراعية، وتعيق التنوع الحيوي في المناطق التي أنشئت بها والمناطق المحيطة، كما حدث في منطقة سعير التي تحتوي على 30 نوعاً من النباتات النادرة المهددة بالانقراض نتيجة انتشار المحاجر؛ كما تعمل المحاجر على تغيير المعالم الطبوغرافية للأرض بشق تلك التجاويف العميقة فيها والتي تتراوح مساحتها من دونم إلى عدة دونمات، وعلى أعماق شديدة تتراوح من 10 إلى 40 مترًا، محدثة تشويهًا لمنظر الأرض الطبيعي؛  كما أنه يؤدي إلى تجريف الأتربة والصخور، وتهديد البيوت المحيطة بالانهيار؛ يضاف إلى ذلك نشوء خطر سقوط المواطنين فيها، وبخاصة الأطفال، لا سيما إذا كانت المقالع في أماكن سكنية كما هو الحال في عدة مناطق فلسطينية.

كما يسبب التلوث الجوي الناجم عن الغبار والجسيمات العالقة وانبعاثات الآلات المستخدمة والضجيج المستمر أمراضاً مزمنة، كما هو الحال في منطقة بيت فجار بالقرب من بيت لحم التي تحوي أكثر من 120 محجراً وكسارة، وبلدة جماعين جنوب نابلس والتي أقيم فوق أراضيها 70 مقلع حجر و35 منشارًا و7 كسارات؛ وبات أكثر من نصف سكانها يعانون من أمراض الربو والقصبات الهوائية، كما زادت نسب الإصابة بسرطانات الرئة بشكل كبير؛ ويشتكي السكان والمزارعون من أنّ الغبار المتراكم بسبب أعمال التحجير والكسارات يؤدي إلى تأخير نمو المحاصيل والأشجار المثمرة وانخفاض إنتاجيتها، خاصة أن المقالع تستخدم غالبًا الطرق الزراعية لنقل أحمال شاحناتها، ما يزيد انتشار الغبار في كل مكان. ويؤثر الغبار الناتج عن المحاجر على المواصفات الكيميائية والفيزيائية للتربة، ويؤدي إلى تغيير قوام التربة ونسب الحموضة فيها؛ أما المياه المحمّلة بهذه العوالق فتقوم بتلويث المياه الجوفية والآبار وأحواض المياه القريبة.

 

المشاكل التي تواجه قطاع المحاجر بصورة عامة:

1-عدم اتباع شروط السلامة البيئية في معظم مرافق صناعة الحجر والرخام، وعدم مراعاة وشروط السلامة بالنسبة للعاملين؛ ما يؤدي إلى تعرضهم للكثير من الأمراض وإصابات العمل القاتلة في معظم الأحيان؛ إذ تكرر وجود حوادث ووفيات في العديد من الكسارات والمحاجر؛ نظرًا للنقص الحاد في إجراءات السلامة المتبعة فيها.

2-عدم وجود رقابة على طرق الاستغلال والتشغيل للكسارات، واستخراج الحجر دون رقابة على الكميات، والتي من المفروض أن تكون محددة مسبقًا؛ رغم أن قانون المصادر الطبيعية رقم 1 لسنة 1999 يطلب تحديد الكميات التي يجب استخراجها من الموقع.

3-الانتشار العشوائي لصناعة الحجر على جميع أشكالها في جميع أنحاء فلسطين، والغالبية العظمى من المنشآت لا تملك التراخيص القانونية اللازمة.

4-عدم استخدام التقنيات الحديثة في الحفر والتفجير لتفادي الكثير من المشاكل المتعلقة بالسلامة الشخصية واالبيئة.

وأخيرا يبقى الاحتلال الإسرائيلي هو المشكلة التي تشكل العقبة الرئيسية أمام تطوير صناعة الحجر والرخام وأمام قدرتها على النمو واستخدام التقنيات الحديثة، وأمام حركتها التجارية على المعابر والحدود؛ علما بأن معظم المحاجر تقع في المنطقة (c) التي تسيطر عليها سلطات الاحتلال؛ ما جعلها هدفًا دائمًا لعلميات الدهم ومصادرة المعدات بحجج وذرائع واهية.