الاقتصاد الفلسطيني خلال الانتداب البريطاني

محددات التطور الاقتصادي في فلسطين وحصاده في ظل الانتداب البريطاني حتى عام 1948

يستهدف هذا الفصل تحديد الملامح العامة لاتجاهات التطور الاقتصادي وإبراز مجموعة الحقائق والبيانات التي تلخص نتائج هذا التطور، وذلك فيما يتعلق بمجموعة المؤشرات الأساسية التي قادت فلسطين باتجاه التحول الجذري الهيكلي اللازم لبناء مقومات الدولة اليهودية – الصهيونية التي أعلن عن قيامها في 15 أيار / مايو 1948.

ونختتم هذا الفصل بالخلاصة العامة التي تتولى، من خلال استرجاع الذاكرة المتعلقة بجميع جوانب التحليلات التي تضمنتها هذه الدراسة، تحديد مجموعة المحددات التي قادت التطور الاقتصادي الفلسطيني مع الإشارة إلى أهم انعكاساتها.

 

أولاً: الملامح العامة للتطور الاقتصادي واتجاهاته:

يستعرض الجزء التالي الملامح العامة للتطور الاقتصادي الذي شهدته فلسطين أثناء الانتداب البريطاني، وذلك خلال ثلاث مراحل رئيسية كانت كما يلي:

1. التطور الاقتصادي خلال فترة ما بين الحربين العالميتين:

ساهمت قوة التدفق الصهيوني (البشري والتمويلي) بشكل مباشر في التأثير في اتجاهات النمو الاقتصادي في فلسطين خلال فترة ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية (1918 – 1939)، كما لعبت هذه القوة دورها في توجيه الاقتصاد الفلسطيني توجيهاً معاكساً للتطورات في الاقتصاد العالمي خلال هذه الفترة.

ومما لاشك فيه أن الاقتصاد الفلسطيني حقق معدلاً عالياً من النمو خلال فترة ما بين الحربين، سواء قيس ذلك بالاستناد إلى مؤشرات التجارة الخارجية أو المالية العامة (عائدات الحكومة) أو إلى الانتاج الصناعي، فازداد حجم التجارة الخارجية ثلاث مرات المدة الواقعة بين 1922 و 1939، وازدادت الإيرادات العامة بحوالي 6 أضعاف خلال نفس الفترة. ولكن لوحظ في الوقت نفسه أن هذا النمو المتحقق كان عائداً بالدرجة الأولى إلى الهجرة اليهودية والتحويلات اليهودية الكبرى التي اتجهت إلى المجتمع اليهودي في فلسطين، وأدت إلى تحسين مستوى معيشته، بفارق صارخ عن فرص تحسين مستوى معيشة المجتمع العربي.

ويؤكد ذلك المؤشرات المتعلقة بمتوسط الدخل الذي ازداد بالنسبة إلى اليهود من 20 جنيهاًِ في عام 1923/1924 إلى 50 جنيهاً في عام 1935، مع ملاحظة أن أول تقدير لمعدل الدخل الفردي العربي بلغ 17 جنيهاً خلال عام 1936.

ويلاحظ أن التطور الاقتصادي الذي شهدته فلسطين في منتصف العشرينات ومطلع الثلاثينات سار في الاتجاه المعاكس لأوضاع الاقتصاد العالمي الذي كان يسجل تراجعاً. وارتبط ذلك بموجات الهجرة اليهودية وما صاحبها من تحويلات مالية. وبنفس الاتجاه المعاكس سارت تطورات فترة نهاية العشرينات وأواخر الثلاثينات التي اتسمت بحدوث بطالة مرتفعة وتراجع في النشاط التجاري والاستثماري، وهيمنت نفس الاتجاهات على الاقتصاد العربي الذي حقق بعض الفائدة من الرواج الذي تحقق في منتصف العشرينات ومنتصف الثلاثينات، ولكن الاقتصاد الفلسطيني بمجملة، بالإضافة إلى تأثره بالتوترات السياسية الناجمة عن تتابع موجات الهجرة اليهودية إلى فلسطين. وقد كان هذا الاتجاه واضحاً من عام 1936 إلى عام 1939.

والاستثناء الوحيد الذي سجله الاقتصاد الفلسطيني فيما يتعلق بالاتجاهات السابقة تمثل في تراجع النشاط الزراعي العربي خلال السنوات الأولى من عقد الثلاثينات متأثراً بالظروف الاقتصادية العالمية، ولا سيما ما يتعلق بانخفاض مستويات أسعار السلع الزراعية.

وتجدر ملاحظة أن فترة الثلاثينات التي سبقت اندلاع الحرب العالمية الثانية (1932-1939) شهدت تحولاً هيكلياً في الاقتصاد الفلسطيني، إذ تمت خلالها عملية استكمال الجزء الأكبر من قاعدة البنيان التحتي للاقتصاد اليهودي، وهيأته لمرحلة الانطلاق باتجاه إقامة مؤسسات الدولة، كما عمقت الفجوة بين مستويات إنجاز كل من الاقتصادين العربي واليهودي لصالح الأخير، ونجم ذلك عن التغيير الذي تحقق في التوازن الديمغرافي بسبب تدفق الهجرة اليهودية التي وافقت صعود النازية إلى الحكم في ألمانيا، وهي الهجرة التي زادت نسبة السكان اليهود إلى حوالي ثلث سكان فلسطين.

ونتيجة لما رافق الهجرة اليهودية من تدفق رأي المال المستورد وتصاعد ملكية الحركة الصهيونية للأرض وقيام المؤسسات الصناعية والمالية، فقد ترسخت قاعدة البناء الاقتصادي والصناعي اليهودي.

 

2- التطور الاقتصادي خلال الحرب العالمية الثانية:

كان للظروف التي نجمت عن اندلاع الحرب العالمية الثانية تأثيراً كبيراً على الاقتصاد الفلسطيني. وقد كان ذلك أكثر ما يكون وضوحاً في قطاعات التجارة والصناعة والعلاقات الاقتصادية الدولية. ومن حيث المبدأ فقد لوحظ أن اندلاع الحرب العالمية الثانية في أيلول/سبتمبر 1939 أنقذ الاقتصاد الفلسطيني من الركود الذي هيمن عليه خلال مرحلة ما قبل الحرب (النصف الثاني م الثلاثينات)، إذ تم دمج الاقتصاد الفلسطيني في المجهودات العسكرية البريطانية في منطقة الشرق الأوسط ضمن إطار من التعبئة الرامية إلى تقليص الاعتماد على الواردات من الخارج وتأمين المنتجات الاستهلاكية للسوق الإقليمية التي انقطعت شبكة اتصالاتها الدولية (خاصة فيما يتعلق بالأسواق الأوروبية والأمريكية).

يضاف إلى ذلك توجيه الاقتصاد الفلسطيني لتأمين الاحتياجات العسكرية البريطانية. وقد عاد ذلك بالفائدة على الاقتصادين اليهودي والعربي، و لاسيما الاقتصاد اليهودي في مجال الصناعة.

وقد لعبت ظروف الحرب العالمية الثانية دوراً بالغ الأهمية في تحقيق النمو الاقتصادي الذي شهده قطاع التجارة الدولية فحققت تجارة فلسطين الخارجية نمواً كبيراً، سواء بالنسبة إلى الجانب الاستيرادي أو إلى الجانب التصديري. وذلك عائد إلى دمج الاقتصاد الفلسطيني بالمجهود الحربي لبريطانيا ودول الحلفاء، وما ارتبط به من توليد مصادر للطلب العام على الإنتاج الفلسطيني بسبب انقطاع خطوط الاتصال مع الدول الأجنبية، كما لعبت منطقة الشرق الأوسط دوراً هاماً، وكونت ثقلاً واضحاً في حركة تجارة فلسطين الخارجية، وتأثرت اتجاهات التجارة الخارجية الفلسطينية بظروف الحرب، وتغيرت تركيبة الأهمية النسبية لمختلف مناطق التعامل التجاري مع فلسطين، وارتفعت الأهمية النسبية للتجارة الفلسطينية مع الشرق الأوسط.

- اتجاهات الاقتصاد خلال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية 

 

ثانياً- انعكاسات التطور الاقتصادي ونتائجه:

نستعرض فيما يلي مجموعة المؤشرات الهيكلية الأساسية التي تعكس نتائج التطور الاقتصادي، ولا سيما ما يتعلق بتطورات ملكية الأرض في جانبها الكمي والنوعي والتطورات الديمغرافية، بالإضافة إلى تلك التطورات المتعلقة بحسابات الدخل القومي.

1- ملكية الأرض وتطوراتها:

جاءت التطورات المتعلقة بملكية الأراضي في فلسطين انعكاساً لتأثيرات المحددات السياسية والقانونية والمؤسسية التي ترجمها التحالف بين قوى الحركة الصهيونية وحكم سلطات الانتداب البريطاني الاستعماري. وقد أدى هذا إلى خلق ظاهرة الثنائية في الاقتصاد الفلسطيني، وجعل لكل من الاقتصادين العربي واليهودي هيكلاً إنتاجياً وتمويلياً وتسويقياً مختلفاً. ونجم هذا التطور عن غياب إدارة التنمية الوطنية التي يفترض أن ترعى تنمية الاقتصاد الوطني للشعب العربي الفلسطيني في جميع مراحل العملية الإنمائية، أنتاجاً وتسويقاً، وأن تؤمن كافة الخدمات اللازمة، وذلك في الوقت الذي توفرت فيه للاقتصاد اليهودي كافة أسباب الدعم والتأييد اعتباراً من عملية تمكينه من استغلال موارد فلسطين الطبيعية (أنظمة الملكية وانتقالها.... الامتيازات، مراكز الإدارة... إلخ) وزرع الوجود الصهيوني ضمن الدوائر والمؤسسات صاحبة القرار النافذ في ملكية الموارد الوطنية، ومروراً بعملية تبني السياسات المالية التي من شأنها دعم فرص نمو الزراعة اليهودية، بالإضافة إلى مجال السياسة الضريبية والجمركية.

وبفضل هذا كله اتسعت دائرة ملكية اليهود لأراضي فلسطين، وذلك من الناحيتين الكمية والنوعية. ورغم أن العرب كانوا يملكون 80% من مجموع الأراضي الزراعية فإن نسبة ما امتلكوه من الأراضي المروية بلغ 50% فقط، الأمر الذي يعكس التركيز في السياسة الاستيطانية الصهيونية المعومة بمختلف سياسات حكومة الانتداب على الأراضي ذات المصادر المائية.

وتترجم الحقائق المؤشرات التالية حصاد ما يتعلق بمسألة ملكية الأراضي في فلسطين خلال الانتداب:

(أ‌) تطورت مساحة الأراضي التي وقعت تحت السيطرة الصهيونية من 650,000 دونم قبل عام 1920، عندما فتح باب التسجيل للأراضي، إلى 1,650,000 دونم في عام 1948. وينبغي، كما سبقت الإشارة، أن نذكر أن الصهاينة ركزوا على ملكية الأراضي الزراعية الخصبة. فعلى الرغم من أنهم لم يتمكنوا من امتلاك سوى 5.9% من مساحة الأراضي الزراعية.

كما تطورت مساهمات الزراعة اليهودية حسب فروع الإنتاج المختلفة، الأمر الذي أدى إلى بلوغها ما نسبته 50% من مجموع ملكية المساحات المزروعة بالحمضيات، وما نسبته 12.2% من مجموع المساحة المزروعة حبوباً وما نسبته 8.3% من مجموع المساحات المزروعة خضراً.

(ب‌) ازداد عدد المستوطنات اليهودية بخاصة في الريف الفلسطيني من 73 مستوطنة في عام 1922 إلى 123 مستوطنة في عام 1931، ثم إلى 287 مستوطنة في عام 1945، وذلك فضلاً عن ست مستوطنات ارتفعت درجتها إلى مدينة منذ عام 1942، وبنهاية عهد الانتداب بلغ عدد المستوطنات 363 مستوطنة.

(ج) كان الاستيطان الصهيوني إحلالياً (الوجود الصهيوني محل الوجود العربي) فقد بلغ عدد القرى العربية التي اندثرت قبل نهاية الانتداب لتقوم محلها مستوطنات صهيونية 61 قرية، وتم تشريد كثير من العشائر العربية.

(د) أسهمت هذه العملية الإحلالية في التأثير على هيكلية اليد العاملة العربية واليهودية في مختلف قطاعات الاقتصاد الفلسطيني فتراجعت اليد العاملة الزراعية لصالح القطاع الثالث (الحكومة والدوائر البلدية والأشغال العامة).

(هـ) خلقت السياسات الصهيونية –البريطانية المشتركة المتعلقة بملكية الأراضي الزراعية مشكلة كبرى للنشاط الزراعي نجمت عن الضغط السكاني المستمر على موارد فلسطين الطبيعية، وذلك بنتيجة الهجرة اليهودية، الأمر الذي حرم فلسطين من فرصة تحقيق الاستغلال الأمثل لمواردها الطبيعية والمائية لمصلحة شعبها نفسه ورفع مستوى معيشته. كما نجم عن غياب إدارة التنمية الوطنية  إتباع سياسات تمييزية أسهمت في بروز ظاهرة الثنائية في الاقتصاد الزراعي، بالإضافة إلى تبني نمط محصولي زراعي غير مستقل وموجه للمصلحة الزراعية اليهودية.

(و) من المفيد كذلك استذكار نجاح الحركة الصهيونية في تجاهل الاعتبارات الاقتصادية والمنطقية المتعارف عليها فيما يتعلق بمسألة الطاقة الاستيعابية نتيجة لتراخي حكومة الانتداب البريطاني في الالتزام بمتطلبات الطاقة الاستيعابية لفلسطين، وتجاهلها للاعتبارات الفنية والاقتصادية التي تستلزمها  عملية ضمان مصالح السكان الأصليين ولا سيما ما يتعلق بحدود ملكية الأرض الزراعية، وما تفرضه من حد أدنى مناسب لمستوى المعيشة اللائق، كما أظهرت تحليلات بعض الباحثين العرب.

نتيجة لذلك كله تركت أبواب فلسطين مشرعة، وبمختلف الوسائل، للهجرة اليهودية، الأمر الذي أحدث خللاً كبيراً في نمط الوجود الديمغرافي بين المجتمعين العربي واليهودي.

 

2- التطور الديمغرافي:

تعكس البيانات التالية تطور نسبة السكان اليهود خلال فترة حكم الانتداب البريطاني من 8% عام 1948 إلى 33% في عام 1948(قبل إعلان الدولة الصهيونية).

(أ‌) تطور نسبة الوجود الديمغرافي العربي واليهودي في فلسطين:

  

1918

1948

مجموع السكان

700,000

2,116,000

العرب

644,000

1,416,000

اليهود

56,000

700,000

نسبة السكان العرب

92%

67%

نسبة السكان اليهود

8%

33%

 

(ب‌) الهجرة الفلسطينية نتيجة قيام إسرائيل:

ومع اقتراب نضوج عناصر ومقومات انطلاق الوجود الصهيوني في فلسطين، وعلى طريق إعلان قيام الدولة الصهيونية، تصاعدت موجات الإرهاب الصهيوني للمواطنين العرب من أبناء فلسطين واقتراف المذابح الجماعية على أيدي العصابات الصهيونية المسلحة، وذلك بهدف خلق خالة عامة من الذعر والهلع تسوق الشعب العربي الفلسطيني، بدافع التخلص من التعرض للإفناء الجماعي، اتجاه هجرة جماعية قسرية.

ونجم عن ذلك كله أن نزح عن فلسطين المحتلة حوالي 750,000 مواطن عربي فلسطيني (55% من مجموع السكان العرب عام 1948) وذلك على أربع موجات توزعت كما يلي:

. الموجة الأولى سبقت مذبحة دير ياسين (9/4/1948) وشملت 60,000 نسمة.

.الموجة الثانية فيما بين مذبحة دير ياسين وقيام الدولة، وكانت من مواطني مدن طبرية وحيفا ويافا وبيسان وعكا والقدس وعشرات القرى، وشكلت 350,000 نسمة.

.الموجة الثالثة، وقد حدثت فور قيام الدولة، وتحققت في تموز/يوليو 1948 على أثر سقوط اللد والرملة وعشرات القرى العربية، وشملت 160,000 نسمة.

.الموجة الرابعة، وقد امتدت بين الهدنة الثانية في تشرين الأول/أكتوبر 1948 وتوقيع أول اتفاق هدنة في شباط/ فبراير 1949، وشملت 175,000 نسمة من لواء غزة.

وتنبغي ملاحظة وجود خلافات في تقديرات عدد النازحين بين وجهات النظر الصهيونية والعربية والدولية، فبينما تدعى الأوساط الصهيونية أن عدد النازحين يقدر بحوالي 550,000 نسمة فإن التقديرات العربية والدولية متقاربة تراوح بين 726,000 نسمة حسب تقدير أوساط الأمم المتحدة و 750,000 أو 800,000 حسب التقديرات العربية.

وقد توزع معظم الفلسطينيين العرب على الضفة الغربية وقطاع غزة والضفة الشرقية ولبنان وسوريا ومصر والخليج العربي والعراق.

 

3- تطورات الدخل القومي:

(أ‌) رغم أن البيانات المتوفرة لا تمكن من تحديد دقيق لحدود التطور المتحقق في الدخل القومي والفردي في فلسطين، فإن البيانات الواردة في الجدول الملحق رقم (1/8) تظهر أن الدخل الفردي شهد بين عام 1936 وعام 1945 نمواً، بلغت جملته 212.5% للفرد اليهودي، وذلك بالأسعار الجارية. وقد تفوقت نسبة النمو في الدخل الفردي اليهودي على نسبة النمو في الدخل الفردي العربي، كما تفوق مستوى هذا الدخل للفرد اليهودي بالمقارنة مع مستوى الدخل الفردي العربي خلال جميع المراحل (تحرك مستواه للفرد اليهودي من 44 جنيهاً في عام 1936 إلى 54 جنيهاً في عام 1945، بأسعار 1936، بينما تحرك المستوى للفرد العربي من 16 جنيهاً في عام 1936 إلى 19 جنيهاً في عام 1945، بأسعار 1936 أيضاً).

(ب‌) أظهرت البيانات القليلة المتوفرة المتعلقة بتقديرات الدخل القومي تسجيلها لنمو ملحوظ بالنسبة إلى القطاع اليهودي نتيجة تصاعدها من 1,6 مليون جنيه فلسطيني في عام 1922 إلى 88,2 مليون جنيه في عام 1945.

 

ثالثاً – محددات التطور الاقتصادي في فلسطين / الخلاصة العامة:

أبرزت دراسة التطور الاقتصادي في فلسطين خلال فترة الانتداب مجموعة من الملامح الرئيسية لهذا التطور، كما أسهمت في التعريف بالمحددات الرئيسية التي قادت التطور الاقتصادي وأسهمت في صياغة ملامحه الهيكلية، وكانت كما يلي:

(أ) انطلق التطور الاقتصادي الفلسطيني في مطلع حكم الانتداب من قاعدة إنتاجية وخدمية وبشرية ضعيفة وهشة، وذلك نتيجة ضعف السياسات التنموية للحكم العثماني، بالإضافة إلى تأثيرات الحرب العالمية الأولى التي اتخذت من فلسطين ومواردها الطبيعية والبشرية محوراً رئيسياً للمعارك الضارية التي شهدتها صراعات الحرب بين مجموعة دول الحلفاء من جهة وتركيا وألمانيا القيصرية من جهة أخرى.

(ب) أديرت دفة الاقتصاد الوطني الفلسطيني منذ حكم الانتداب وفق مجموعة من الأطر السياسية والقانونية والمؤسسية التي ارتبطت بهدف إحلال  الوجود الديمغرافي الصهيوني (بمقوماته السياسية والاقتصادية والايديولوجية) محل الوجود الديمغرافي العربي (بكافة مقوماته السياسية والاقتصادية والايديولوجية) في فلسطين، رغم أن هذا الهدف اتخذ من عبارة الوطن القومي اليهودي في فلسطين غلافاًَ أقل إثارة من الهدف الأول الذي يتسم بصراحته ووضوح معالمه ومتطلباته.

وقد تضمن الاستعراض التحليلي للتطور الاقتصادي تحديداً للكيفية التي أسهمت بها مختلف الأطر السابقة في توجيه التطور الاقتصادي لفلسطين وفق متطلبات خدمة مصالح حكومة الاحتلال البريطاني من ناحية، ومتطلبات إقامة مختلف القواعد الإنتاجية والمؤسسية الصهيونية من ناحية ثانية، وقد تمثل ذلك كله في مختلف السياسات الديمغرافية، ولا سيما ما يتعلق منها بسياسة الهجرة الصهيونية، وسياسات استغلال موارد فلسطين الطبيعية واستثمارها، وبشكل خاص ما يتصل منها بتشجيع الاستيلاء على الأرض الفلسطينية واستيطانها من قبل القطاع اليهودي، بالإضافة إلى منح حقوق امتياز استغلال موارد فلسطين الطبيعية وإدارة خدماتها العامة إلى مؤسساته أو إلى شركات إما صهيونية وإما تتميز بهيمنة النفوذ الصهيوني عليها.

وقد أسهمت سياسات حكومة الانتداب التمييزية لصالح السكان اليهود والمجتمع الصهيوني في إسقاط المحاولات العربية لتطوير القدرات الذاتية والتطوير المالي والزراعي والصناعي، الأمر الذي أدى إلى استحالة قيام صناعات عربية ناشئة وبرأسمال صغير لمزاحمة الصناعة الصهيونية المؤسسة برأسمال كبير وتتمتع باقتصاديات الحجم الكبير، هذا كله بالإضافة إلى منح حكومة الانتداب الحماية الجمركية القوية للصناعة اليهودية، وتكبيد المستهلك العربي نفقات تشجيع الصناعة اليهودية، ونتيجة لذلك فقد تعرض الوجود المؤسسي العربي للانكماش التدريجي، الأمر الذي مهد الطريق للتفوق المؤسسي اليهودي، والإعلان عن قيام الدولة الصهيونية في أيار / مايو 1948.

 

ج. أسهم التزام الحكم البريطاني لفلسطين، من خلال إدارة الانتداب العسكري في البداية، ومن ثم الإدارة المدنية من عام 1920 إلى عام 1948، بوعد بلفور لإقامة الوطن القومي اليهودي في تكييف نمط خاص لسياسات الانتداب والتزاماته بشكل اختلف عن جميع انتدابات دول الحلفاء التي نجمت عن توزيع الأقاليم التركية السابقة في مؤتمر سان ريمو في 25 نيسان / ابريل 1920 (قبل ثلاث سنوات من إنهاء حالة الحرب مع تركيا في معاهدة لوزان).

نجم عن مؤتمر سان ريمو منح إدارة سوريا ولبنان لفرنسا ومنح إدارة فلسطين وشرق الأردن وبلاد ما بين النهرين (العراق) لبريطانيا العظمى، ورغم أن جميع هذه الانتدابات على البلدان العربية تقرر لها أن تعامل على أنها انتدابات من الفئة (أ) التي تسري على الأقاليم التي اعترف مؤقتاً باستقلالها في عهد عصبة الأمم، فإن صكوك الانتداب التي خضعت بالدرجة الأولى لتأثير الدولة المنتدبة جرى تعديلها وتكييفها بحيث تخدم توجهات ومصالح هذه الدول، ونتيجة التزام بريطانيا بإقامة الوطن القومي اليهودي في فلسطين فقد ترتب على ذلك حرمان فلسطين العربية من فرصة الاستقلال الذي تمتعت به مجموعة الدول العربية الأخرى التي خضعت للانتداب، فقد نال العراق استقلاله الرسمي في 3 تشرين الأول / أكتوبر 1932، ونال لبنان استقلاله الكامل في 22 تشرين الثاني / نوفمبر 1943، وحصلت سوريا على استقلاله الكامل في 1 كانون الثاني / يناير 1944، وحتى شرق الأردن (كما سمي آنذاك) الذي أدرج مع فلسطين في صك انتداب واحد (مع أنهما عوملا بوصفهما إقليمين منفصلين) حصل على إدارة مستقلة بناء على طلب من الحكومة البريطانية التي جعلت مجلس عصبة الأمم يصدر قراراً بالموافقة على وجود إدارة مستقلة في شرقي الأردن إلى أن نال الإقليم الاستقلال بوصفه المملكة الأردنية الهاشمية في 22 آذار / مارس 1946.

وأما بالنسبة إلى فلسطين فلم يؤد صك الانتداب والممارسات المرتبطة به إلى منح الشعب العربي الفلسطيني الاستقلال، بل حصل العكس عبر خلق صراع مستمر كان من نتيجته رفض الحركة الوطنية العربية/ الفلسطينية كافة أشكال التعاون مع إدارة الانتداب، ومن ثم حرم الاقتصاد الفلسطيني، بفعل سياسات الانتداب التي سبق ذكرها وتفصيلها، من فرص النمو في ظل إطار موافق ومستقر، وترتب على ممارسات الانتداب المتحالفة مع ممارسات الحركة الصهيونية  في فلسطين أن فقد الشعب العربي الفلسطيني ثقته في إدارة الانتداب وفي كل الكتب والإعلانات الرسمية التي أصدرتها، بالإضافة إلى اللجان التي أوفدتها إلى فلسطين، وأصر الشعب العربي الفلسطيني على مطلب رئيسي يتعلق بحصوله على الاستقلال الوطني أسوة ببقية الشعوب العربية، ومن هنا وكما سبقت الإشارة، رفضت الحركة الوطنية الفلسطينية تأييد المشاركة في الهيئات والمؤسسات التشريعية (كالمجلس التشريعي) والإدارية (كالوكالة العربية على غرار الوكالة اليهودية) التي اقترحتها سلطات الانتداب، وذلك لعدم الرغبة في التعامل مع إقامة هيئات لا تملك السلطة لمعالجة مفاتيح الصراع في فلسطين كالهجرة اليهودية ومسألة أنظمة وقوانين ملكية وانتقال الأراضي والتمكن من تطوير مؤسسات الحكم الذاتي التي تقود إلى الاستقلال، وبدلاً من ذلك وجد الفلسطينيون العرب أنفسهم ومؤسساتهم الاقتصادية والاجتماعية تخضع لسياسة تمييزية أدت إلى خلق اقتصاد ثنائي (عربي ويهودي) يعمل في ظل إطار شامل وضعيف للاقتصاد الفلسطيني الذي أشرفت عليه سلطات الانتداب البريطاني.

وفي المقابل، وفي محاولة لاحتواء الشعب العربي الفلسطيني الرافض المشاركة في الأطر المؤسسية وفق الصيغ السابقة، لجأت سلطات الانتداب إلى إنشاء إدارة تهتم بالشؤون الإسلامية، فأقامت المجلس الإسلامي الأعلى برئاسة الحاج أمين الحسيني على أمل احتوائه والسيطرة عليه، كما قامت بتعيين الموظفين العرب في الدوائر المختلفة، ولا سيما في المواقع الروتينية غير الحساسة.

 

د. بينما سجل التاريخ الاقتصادي لفلسطين ظاهرة الثنائية في الاقتصاد، وقد تبلورت خلال فترة العشرينات فإن هذه الظاهرة بدأت تسجل خلال مرحلة الثلاثينات تفوقاً واضحاً لقواعد الوجود الاقتصادي الصهيوني وقواه المختلفة، وقد تم ذلك على حساب بداية ضمور الوجود المؤسسي الاقتصادي العربي، وتمثل في كثير من المؤشرات الديمغرافية والصناعية والزراعية، وقد لعبت الهجرة اليهودية التي حققت من خلال موجاتها الكبرى خلال مرحلة الثلاثينات دورها كأحد المحددات الرئيسية للتطور الاقتصادي اليهودي في فلسطين خلال حقبة الثلاثينات، ولا سيما في محتواها النوعي والفني والمالي والتسويقي، وما أن عبرت فلسطين إلى نهاية فترة الثلاثينات حتى خضعت لظروف الحرب العالمية الثانية التي أسهمت بدورها في تعميق فجوة النمو الاقتصادي المتحقق في الاقتصادين العربي واليهودي،  وبعبور فلسطين إلى مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية كانت الأرضية المؤسسية الاقتصادية قد أصبحت صلبة بشكل كاف لتحقيق الانطلاق صوب إعلان قيام الدولة الصهيونية، وتبلورت الملامح الهيكلية لقطاعات الاقتصاد اليهودي الصناعية والزراعية والأجهزة المصرفية والمالية والتجارية.

 

هـ. وبالنسبة إلى الاقتصاد العربي الفلسطيني فقد سقط ضحية ضعف العرب الذين كانوا المرشحين لإنقاذ الاقتصاد العربي الفلسطيني وإغاثته، وذلك في مواجهة زحف القوى الاستعمارية البريطانية المتحالفة مع كل من مجموعة دول الحلفاء، ولا سيما مع الولايات المتحدة الأمريكية من ناحية ومع الحركة اليهودية من ناحية ثانية، وقد ارتبط الضعف العربي العام بالدرجة الأولى بالظروف السياسية التي هيمنت على الأقطار العربية وتمثلت في خضوع تلك الأقطار للاستعمارين البريطاني والفرنسي، أو لنفوذ أحدهما (كمصر)، أي فقدان الإرادة القومية العربية المستقلة.

وقد نجم عن ذلك وقوف الشعب العربي الفلسطيني وحيداً في ساحة الغزو الاستعماري – الصهيوني لأرضه ووجوده، وسجل تاريخ نضاله السياسي ثورات متصلة منذ مطلع الانتداب حتى نهايته، وقد كان واضحاً أن الشعب العربي الفلسطيني أعطى الأولوية في جهوده إلى النضال السياسي والثورة الوطنية المسلحة على حساب بناء القواعد الإنتاجية والاقتصادية، وقد أدى الاختلال بين القوى العربية والقوى الاستعمارية الصهيونية إلى كسب التحالف الأخير لجولة الصراع الديمغرافي التي بدأت منذ مطلع عهد الانتداب البريطاني واستمرت حتى إقامة الدولة الصهيونية.

وما يجدر ذكره أن جزءاً من المسؤولية في تمكين التفوق الاقتصادي الصهيوني في النفاذ إلى فلسطين ترتب على بعض قيادات شعبنا التي مزقتها الخلافات السياسية، بالإضافة إلى عدم مثابرتها على رعاية المؤسسات التي أقامتها لإنقاذ الأراضي أو لبناء حركة تعاونية عربية، فكان العمر الزمني لكثير من المؤسسات العربية الفلسطينية قصيراً، يضاف إلى ذلك أن عنصر المبادرة في إقامة الإطار المؤسسي للنشاط الاقتصادي العربي اتسم بالغياب، وهو ما سجلته مسيرة الحركة التعاونية العربية، إذ انتظر الشعب العربي الفلسطيني حتى صدور القانون التعاوني في عام 1933 لممارسة أنشطته التعاونية، في الوقت الذي كانت فيه الحركة التعاونية اليهودية تشق طريقها منذ ما قبل حكم الانتداب البريطاني في فلسطين، كما أسهم التفوق النوعي للقوى البشرية اليهودية على القوى البشرية الفلسطينية في نفاذ التفوق الصهيوني، وهو ما ترجمته مؤشرات المستوى العلمي والثقافي لكل منهما.

 

و. لعبت الخبرة المتراكمة لدى الفئات اليهودية المهاجرة إلى فلسطين، بالإضافة إلى شبكة العلاقات المالية والمصرفية العضوية بكثير من المؤسسات المقيمة في الدول الغربية، دوراً رئيسياً في إنجاح مسعى تمتين قاعدة الوجود المؤسسي الصهيوني في فلسطين.

وقد تكاتفت السياسات المالية والنقدية والجمركية والتجارية لحكومة الانتداب مع الإمكانات التمويلية الوفيرة لقوى الحركة الصهيونية ومؤسساتها في دعم القطاع الإنتاجي اليهودي، ولا سيما فيما يتعلق بالقطاعين الصناعي والزراعي، وقد منحت هذه القوى التي تعود في جذور أنشطتها إلى ما قبل عهد الحكم الانتدابي إفرازاتها لحركة الهجرة اليهودية وتدفق الرأسمال اليهودي، وقد تملت نتائج ذلك في التطور الذي شهده النظام المصرفي من عام 1920 إلى عام 1943، كما أسهمت تلك القوى في إطلاق حرية السيولة المكبوتة أثناء فترة الحرب العالمية الثانية، وذلك منذ ما بعد الحرب حتى قيام الدولة الصهيونية.

وقد عوضت هذه الإمكانات الانخفاض في الإنفاق على قطاعات الصحة والتعليم والزراعة والصناعة لحساب الإنفاق على الشؤون الأمنية والعسكرية من قبل حكومة الانتداب، وقد تحقق ذلك في الوقت الذي حرم فيه الاقتصاد الفلسطيني من أية مصادر جدية للضخ التمويلي لأنشطته القطاعية.

ونجحت حكومة الانتداب البريطاني في تبني سياسة مالية تحقق مصالحها من ناحية وتجنب الحكومة البريطانية تحمل أية أعباء مالية جدية، باستثناء بعض الأعباء خلال فترات محدودة، وقد تم التعويض عنها على الأغلب من خلال الفوائض المالية التي تراكمت خلال معظم السنوات المالية لحكم الانتداب.

وخلاصة القول أن الاقتصاد الفلسطيني أدير طوال حكم الانتداب البريطاني في ظل هدف إحلال الوجود الصهيوني محل الوجود العربي في فلسطين، وقد نجم ذلك عن غياب السلطة الوطنية المولجة بإدارة التنمية الوطنية التي تمثل مصالح أغلبية السكان، الأمر الذي أدى إلى اتباع سياسات اقتصادية وإنمائية تمييزية كان من نتيجتها تطوير الهياكل الارتكازية الاقتصادية والاجتماعية وبناء القواعد المؤسسية والإنتاجية في ظل أطر سياسية وقانونية وإدارية تحكمت جميعها في توجيه مسارات التطور الاقتصادي الفلسطيني باتجاه إقامة الدولة الصهيونية.

 

التطور الصناعي في فلسطين خلال الانتداب البريطاني حتى عام 1948

ارتبط التطور الصناعي في فلسطين خلال مرحلة حكم الانتداب البريطاني بمجموعة من العوامل لعبت دوراً رئيساً تحديد اتجاهاته العامة وتمثلت أولاً في حجم الموارد الطبيعية والبشرية التي توفرت للاقتصاد الفلسطيني ونوعيتها، وقد تميزت الموارد الطبيعية، سواء ما تعلق منها بالنشاط الزراعي أو بالنشاط الصناعي، بضعفها العام، على مستوى مصادر الطاقة والمواد الخام اللازمة للصناعة وعلى مستوى تنوع هذه المصادر ووفرتها، يضاف إلى ذلك صغر حجم الأسواق الفلسطينية، وأما بالنسبة إلى الموارد البشرية فقد تحكمت إلى حد بعيد في بلورة مسارات التطور الصناعي العربي واليهودي تبعاً لنوعية هذه الموارد ومستوى تأهيلها، ومن هنا فقد لعبت الهجرة اليهودية إلى فلسطين دوراً بارزاً في قيادة التطور الصناعي اليهودي وأسهمت في تأمين مجموعة العوامل اللازمة لتدعيم فرص نموه، تمثلت هذه العوامل في الخبرات الصناعية المتراكمة وما صاحبها من تدفق رأس المال اليهودي الذي كان يبحث عن مجال للاستثمار الآمن في الرقعة التي خطط لها أن تكون ملاذاً للتجمع اليهودي العالمي، يضاف إلى ذلك ما وفرته تلك الهجرة من توسيع لدائرة السوق المستهلكة للإنتاج الصناعي اليهودي.

وقد ارتبطت عوامل النمو الصناعي أيضاً بمجموعة الأطر السياسية والقانونية والمؤسسية، بدءاً بالأرضية التي خلفتها السياسة العثمانية التي لم تسع لتوفير فرص النمو الصناعي لفلسطين وبالوضع الصناعي الذي كان قائماً في نهاية الحرب العالمية الأولى ومتسماً بالتخلف الشديد، وانتهاء بسياسات سلطات الانتداب وتشريعاتها المالية والتجارية والصناعية الإدارية الهادفة إلى تنمية الصناعة اليهودية وتسهيل ازدهارها بإضعاف الصناعة العربية والعمل على ضمورها.

ولعبت المؤسسات الصهيونية كذلك دوراً كبيراً في تأمين الدعم اللازم للصناعة اليهودية في فلسطين، ولا سيما في المجال التمويلي، ونظراً لخضوع التطور الصناعي الفلسطيني لتأثير الحقب الزمنية المتعاقبة بما رافقها من ظروف، ولا سيما حقيقتين أساسيتين هما حقبة ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية وحقبة الحرب العالمية الثانية، فقد رئي إجراء العرض التحليلي للتطور الصناعي الفلسطيني وفق المراحل الأساسية التي تبدأ بمرحلة ما بعد الحرب العالمية الأولى ومطلع حكم الانتداب البريطاني وتمر بمرحلة ما بين الحربين العالميتين، ثم بمرحلة الحرب العالمية الثانية تليها مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية إلى قيام الدولة اليهودية.

وبعد عرض التطور الصناعي العام حسب تلك المراحل الزمنية ومؤثراتها العامة يجري تحليل للعوامل المواتية والأخرى المعوقة للنمو الصناعي العربي واليهودي والفوارق الأساسية في اتجاهات التطور لكل منها.

 

أولاً: خلاصة الوضع الصناعي في مطلع حكم الانتداب البريطاني:

لم تشهد فلسطين حتى مطلع حكم الانتداب البريطاني وجود قطاع صناعي بالمفهوم والمقاييس العصرية الحديثة، فقد كان المجتمع الفلسطيني مجتمعاً زراعياً ريفياً اتسمت فيه مجموعة الصناعات التي أمكن إقامتها بأنها صناعات صغيرة حرفية عائلية أنشئت في ظل حاجات المجتمع القروي بدءاً بالعائلة الريفية، واعتمدت بالدرجة الأولى على المواد الأولية المتوفرة محلياً، وحاولت تلبية بعض الحاجات التي ولدتها متطلبات العائلة أو القرية.

وعليه فقد كانت الصناعات المنتشرة في فلسطين منذ مطلع هذا القرن من الصناعات التحويلية التي تعتمد على تصنيع الإنتاج الزراعي كطحن الحبوب واستخراج الزيوت النباتية وبعض الصناعات الكيماوية المستندة إلى الإنتاج الزراعي كصناعة الصابون، بالإضافة إلى مجموعة الصناعات التي تشكل حاجة أساسية لكل المجتمعات الريفية الزراعية كالنسيج ودباغة الجلود والحدادة والصناعات الخشبية.

ولم يتضح وجود ميزة صناعية لفلسطين بالمقارنة مع البلدان المجاورة، فقد كان معظم الإنتاج الصناعي يستهلك محلياً، باستثناء صناعة الصابون التي كانت تصدر إلى الأقطار المجاورة، ولا سيما مصر والعراق.

ومن المفيد التعرف على مجموعة الصناعات التي أقيمت في فلسطين خلال المرحلة السابق ذكرها، وهي كما يلي:-

1. صناعة الطحين:

كانت مطاحن فلسطين في معظمها يدوية أو تدار بقوة الماء وأما المطاحن الآلية فقد كانت في المدن وحدها منذ عام 1912، فكان منها 10 مطاحن آلية في يافا معظمها للدقيق، والقليل منها لصناعة المعكرونة.

2. استخراج الزيوت:

كانت معظم المعاصر خشبية تدار بالطاقة الحيوانية، ويدار بعضها بقوة المياه، وكانت هناك معامل لاستخراج زيت الزيتون وزيت السمسم، وراح معدل إنتاج المعامل الصغيرة بين 150 و 200 كغ/يومياً، والمعامل الكبيرة بين 2000 و 3000 كغم/يومياً، كما قدر الإنتاج السنوي بحوالي 7000 طن.

3. صناعة الصابون:

اشتهرت بها نابلس بالدرجة الأولى وكان فيها 30 مصنعاً تلتها في الشهرة مدينتا حيفا ويافا، وقد قدر الإنتاج لمعامل نابلس قبل الحرب العالمية الأولى ما بين 500 و 1000 طن، ومعامل حيفا بـ 300 طن، ومعامل يافا بما بين 200 و 300 طن وبلغت قيمة صادرات الصابون في عام 1913 حوالي 200.000 جنيه، وقد تم إدخال بعض الوسائل الحديثة على هذه الصناعة في مطلع القرن العشرين بواسطة شركة يهودية روسية كانت تنتج 200 طن سنوياً.

4. صناعة المشروبات الروحية:

أدخل اليهود هذه الصناعة إلى فلسطين، وكان معظم إنتاجها للتصدير، وقد تركزت هذه الصناعة في مدينة الخليل وكانت عمليات تصنيعها أول الأمر بدائية.

ونشير فيما يلي إلى أقدم إحصائية صناعية متوفرة:

الجدول (1/6)

أهم الصناعات وعدد المؤسسات الصناعية في فلسطين (1918)

الصناعة

عدد المصانع

النسبة المئوية لعدد المنشآت في كل صناعة

المعادن

101

8.2

الصباغة

20

1.6

النسيج

168

13.6

الملابس

166

13.4

المأكولات

178

14.4

الصناعات الكيماوية (تشمل الزيوت والصابون)

395

32.0

الورق والطباعة

27

2.2

صناعة الجلود

29

2.3

الخشب

90

7.3

الخزف والطوب

52

4.2

صناعات أخرى

10

0.8

 

1,236

100

المصدر: يونس الحسيني، التطور الاجتماعي والاقتصادي في فلسطين، ص 125.

 

وفيما يتعلق بالتحديد الجغرافي للصناعة فقد تركزت أهم الصناعات التي سبق ذكرها في القدس (167 مصنعاً) ويافا (119 مصنعاً) وحيفا (82 مصنعاً). ولقد احتلت الصناعات الكيماوية المرتبة الأولى من حيث عدد المنشآت (32.0 %) تليها صناعة المأكولات (14.4%) فالنسيج (13.6 %) فالمعادن (8.2 %) فالأخشاب (7.3%).

وخلاصة القول أن القاعدة الصناعية للاقتصاد الفلسطيني لم تكن متوفرة في مطلع حكم الانتداب، وان القطاع الصناعي اتسم بالتخلف الشديد، وقد ارتبط ذلك بسوء الإدارة العثمانية وعدم توفر وسائل النقل والمواصلات، وعدم وجود التمويل الصناعي، وقلة عدد المهندسين، وعدم وفرة اليد العاملة المدربة لغياب التعليم الفني الصناعي، ثم بتخلف القطاع الزراعي وضعف حجم رأس المال المتاح للاستثمار في الصناعة.

 

ثانياً- التطور الصناعي العام في حقبة ما بين الحربين:

1- التطور الصناعي خلال عقد العشرينات:

شهدت العشرينات بداية ظهور الطابع الصناعي في الاقتصاد الفلسطيني، إلى جانب منح مجموعة من الامتيازات، ولا سيما في مجال إنتاج الطاقة الكهربائية وإقامة مصفاة حيفا لتكرير النفط.

وبدأت دائرة المشاريع الصناعية تتسع مع ظهور اليد العاملة الصناعية، كما برزت حركة نشيطة لاستيراد الآلات وبعض المواد الأولية اللازمة للصناعة، ومن ثم بدأ التخلي عن التمركز ضمن دائرة القطاع الزراعي الفلسطيني. وقد اعتمدت الصناعة العربية في البداية على اليد العاملة في القطاع الزراعي في الوقت الذي كان فيه المجتمع الصناعي اليهودي يستخدم اليد العاملة المهنية المدربة. ولعبت الهجرة اليهودية الوافدة إلى فلسطين دوراً رئيسياً في النهوض الصناعي اليهودي انعكس في إدخال مجموعة صناعات جديدة عام 1928 مثل الطباعة والأسنان الاصطناعية والمصنوعات الجلدية الزخرفة وأنواع متطورة من المنسوجات.

ولقد قدر عدد العاملين في المهن اليدوية والمصانع عام 1921 بحوالي 10 آلاف شخص، وزاد هذا العدد في عام 1925 حوالي 5 آلاف شخص، وفي عام 1926  حوالي 6 آلاف شخص وفي عام 1927 حوالي 7 آلاف شخص وخمسمائة شخص.

وفي عام 1928 أجرى إحصاء للصناعة في فلسطين شمل كل المعامل ودكاكين الصناعة وورشها التي تنتج مختلف السلع سواء كانت يدوية أو آلية  ولم يشمل الصناعات البيتية وأعمال المنافع العامة كالبناء والنقل، كما أنه كان انتقائياً.وقد بلغ عدد المنشآت التي شملها الإحصاء 3,505 مصانع منها 2269 مصنعاً أسست بعد الحرب العالمية الأولى.ويذكر أحد المصادر أن نسبة حصة العرب بلغت في ذلك الوقت 65% تقريباً رغم أن ذلك الإحصاء لم يميز بين الصناعات العربية واليهودية.

ونشير فيما يلي إلى أهم الصناعات التي أحصيت في عام 1928:

الجدول رقم (2/6)

أهم الصناعات وعدد المنشآت (1928)

الصناعة

عدد المنشآت

النسبة المئوية

المقالع

132

3.8

الأدوات المعدنية

327

9.3

الصباغة

60

1.7

المنسوجات

357

10.2

الملابس وأدوات الزينة

813

23.2

المأكولات والمشروبات والتبغ

473

13.5

المواد الكيماوية والصناعات المتعلقة بها

581

16.6

الورق والقرطاسية والطباعة

103

2.9

الجلود والأحذية

67

1.9

النجارة

397

11.3

القرميد والحجارة والطين

148

4.2

صناعات متفرقة

37

1.1

الكهرباء

10

0.3

المجموع

3,505

100

المصدر: عنان العامري، التطور الزراعي والصناعي الفلسطيني، ص105.

 

 ويمكن تقديم الملاحظات التالية على الوضع الصناعي العام في عام 1928 من خلال واقع الإحصاء الصناعي:

(أ‌)  ارتكز التطور الذي تحقق في الصناعة على ادخال التحسينات على الصناعات القائمة بالدرجة الأولى، بما في ذلك استخدام القوة الآلية. ورغم ازدياد عدد المنشآت الصناعية فإن الصناعات التي استحدثت انحصرت في عدد قليل شمل الورق والقرطاسية والطبعة والطاقة الكهربائية.

(ب‌)  حافظت صناعة المأكولات والمشروبات والتبغ والصناعات الكيماوية على المرتبتين الأولى والثانية في الإنتاج بين الصناعات.

أما فيما يتعلق لعدد المنشآت فقد احتلت صناعة الملابس وأدوات الزينة المرتبة الأولى (23.2%) تليها الكيماويات والحرف المتعلقة بها (الصابون والزيت)  (16.6%) ثم المأكولات والمشروبات والتبغ (13.5%)  فالنجارة (11.3%) فالمنسوجات (10.%) فالأدوات المعدنية (9.3%) وسجل مجموع هذه الصناعات الست ما نسبته 84% من مجموع عدد المنشآت القائمة.

 

الجدول رقم (3/6)

الإنتاج الصناعي في فلسطين عام 1928

الصناعة

الإنتاج القائم (بالجنيه)

المواد الأولية المستهلكة (بالجنيه)

الناتج الصافي بالجنيه

نسبة الإنتاج الصافي إلى الإنتاج القائم

المقالع

30,628

2,465

28,163

92

الأدوات المعدنية

174,027

46,951

127,076

73

الصباغة

19,476

10,355

9,121

46.8

المنسوجات

112,922

60,646

52,276

46.3

الملابس وأدوات الزينة

246,852

108,944

137,908

55.9

المأكولات والمشروبات والتبغ

2,036,272

544,381

491,891

24.2

المواد الكيماوية والصناعات المتعلقة بها

649,523

471,523

178,000

27.4

الورق والقرطاسية والطباعة

113,777

35,285

78,492

69

الجلود والأحذية

47,615

27,447

20,168

42.4

 حرف النجارة

149,370

56,688

92,682

62

حرف صنع القرميد والحجارة والطين

209,994

106,680

103,314

49.2

صناعات متفرقة 

19,444

7,730

11,714

60.2

كهرباء

67,249

7,750

68,499

89.8

المجموع

3,886,149

2,486,845

1,399,304

36

 

(ج) ازداد عدد المصانع العربية التقليدية، ولا سيما مصانع الصابون والزيت والتبغ. ورغم ذلك فقد بدأت تظهر نتائج الهيمنة الصناعية اليهودية على الصناعات الكبيرة والآلية خلال هذه الفترة، فاحتكر اليهود امتياز شركات الكهرباء، وقاموا بتأسيس مصنع الإسمنت في حيفا خلال عام 1925 بطاقة إنتاجية سنوية قدرها 300 ألف طن. وبلغ عدد عماله 700 عامل. وقد أسهم المصنع في مرحلة متأخرة من عام 1943 في تأمين 70% من حاجات البلاد.

كما تم تأسيس مصنع لإنتاج الزيوت النباتية والحيوانية في حيفا خلال عام 1929، وأسست مطاحن فلسطين الكبرى في مدينة حيفا على يد البارون أدمون روتشليد، وبدأت بالعمل عام 1923.

(د) بلغ مجموع قيمة الإنتاج الصناعي خلال عام 1928 حوالي 3,886,149 جنيهاً فلسطينياً، واستحوذت منتجات الأغذية والمشروبات والتبغ على ما نسبته 52.4% من هذا الإنتاج، تلاها في الأهمية المواد الكيماوية والصناعات المرتبطة بها، وبلغت نسبة مساهمتها في الإنتاج الصناعي القائم حوالي 16.7%.

كما بلغت قيمة الناتج الصناعي الصافي 1,399,286 جنيهاً ونسبة الناتج الصافي العام إلى الإنتاج القائم 36%. وقد لوحظ بأن منتجات كل من المقالع والكهرباء والأدوات المعدنية والورق والقرطاسية والطباعة سجلت أعلى نسبة للناتج الصافي إلى الإنتاج القائم (92%، 89.8%، 86.4%، 69% على التوالي). انظر الجدول رقم (3/6).

 

(هـ) بلغ مجموع العاملين في الصناعة 17,955 عاملاً كان توزيعهم على الشكل التالي:

العدد

التصنيف

النسبة المئوية

5,547

أصحاب عمل

30.9%

408

كتّاب

2.3%

373

مستخدمون فنيون

2.1%

10,186

عمال مياومون

56.7%

1,441

عمال بالاتفاقية

8.0%

 

وبلغت نسبة الإناث العاملات 10% وهكذا يعكس تصنيف اليد العاملة الصناعية وضآلة نسبة المستخدمين الفنيين تخلّف القطاع الصناعي.

ويلاحظ أن صناعة المأكولات والمشروبات والتبغ والصناعات الكيماوية وصناعة الملابس وأدوات الزينة قد احتلت المراكز الرئيسية في استيعابها لليد العاملة الصناعية (20.6%، 19.7%، 13.7% على التوالي). انظر الجدول رقم(4/6)

2-الصناعة الفلسطينية خلال عقد الثلاثينات:

(أ) اتجاهات الصناعة العامة: مع عبور فلسطين إلى عقد الثلاثينات بدأت تتبلور ملامح نهضة صناعية تركزت في القطاع الصناعي اليهودي وارتبطت بموجات الهجرة المتعاقبة التي اتسمت بكثافتها خلال تلك الفترة. وقد أمنت هذه الهجرة معها رأس المال الخبرة الفنية والمهارات المطلوبة للصناعة، ورافقها استيراد كبير للآلات الصناعية، وبدأت تسلخ عن فلسطين طابعها الزراعي الرئيسي، كما عمقت ظاهرة الثنائية في الاقتصاد الفلسطيني، وبخاصة ما يتعلق بقطاعه الصناعي، وأدت إلى تراجع الأهمية النسبية للصناعة العربية في الصناعة الفلسطينية وإلى بروز التفوق الصناعي اليهودي على العربي، حتى في مجال الصناعات العربية التقليدية.

وبرز كبر حجم المشروعات واتساع دائرة المشاريع في كل صناعة من الصناعات، وبدأت تتضح  ملامح التمركز الجغرافي للصناعة. ورغم هذا النهوض الصناعي فقد استمرت فلسطين في استيراد المنتجات الصناعية والغذائية على نطاق واسع.

وبالنسبة إلى أقسام الصناعة الفلسطينية العامة فقد استمرت في الثلاثينات الأقسام الرئيسية التي كانت خلال مرحلة  العشرينات، مع ملاحظة اشتمالها على نوع من التطور الذي أثّر في أحجامها واتساع شبكة منشآتها المتعددة التي تشمل كل صناعة من هذه الصناعات.

جدول رقم (4/6)

العاملون في الصناعة والمهن عام 1928

الصناعة

العمال المستخدمون

النسبة المئوية في كل صناعة

متوسط العاملين في المحل الواحد

المقالع

854

4.7

6.5

الأدوات المعدنية

1,484

8.3

4.5

الصباغة

136

0.8

2.2

المنسوجات

1,494

8.3

4.2

الملابس وأدوات الزينة

2,464

13.7

3.0

المأكولات والمشروبات والتبغ

3.700

20.6

7.8

صناعة المواد الكيماوية والصناعات المتعلقة بها

3.536

19.7

6.1

الورق والقرطاسية والطباعة

992

5.5

9.6

الجلود والأحذية

236

8.3

3.5

النجارة

1,355

7.6

3.4

صنع القرميد والحجارة والطين

1,349

7.5

9.1

صناعات متفرقة

169

0.9

4.6

الكهرباء

186

1.1

18.6

المجموع

17,955

100

5.1

 

 وعليه فقد شملت أقسام الصناعة إنتاج الطاقة الكهربائية، وقد أنتجت من خلال شركتين: الأولى الكهرباء الفلسطينية التي منحت امتياز إنتاج الطاقة في فلسطين وشرقي الأردن ما عدا منطقة القدس والثانية شركة كهرباء القدس، وكانت ذات رؤوس اموال انكليزية بصورة رئيسية، وشملت منطقة امتيازها دائرة نصف قطرها 20 كم ومركزها قبة الصخرة (أي أنها شملت القدس وبيت لحم ورام الله والبيرة).

  كما شملت الصناعة المنتجات الغذائية والكحول والتبغ. وقد احتلت هذه الصناعة المركز الأول بين الصناعات، سواء فيما يتعلق بقيمة الإنتاج أو بعدد العمال، وتمثل أهم فروع هذه الصناعة في إنتاج الطحين والبسكويت والمعكرونة والمخبوزات والزيوت، مع ملاحظة بروز صناعة المعلبات خلال فترة الثلاثينات، ولاسيما معلبات عصير الحمضيات التي كانت تصدر إلى أوروبا، وعصير البندورة، والمربيات، بالإضافة إلى الحلويات والشوكولاتة المعتمدة صناعتها على الكاكاو المستورد، والألبان والملح والكحول والسجاير والتبغ الذي تركز إنتاجه في الشركات العربية.

أما القسم الثالث من الإنتاج الصناعي فقد شمل صناعة الغزل والنسيج. وقد شهد القطاع العربي في هذه الصناعة تطوراً ملحوظاً فوصل عدد الأنوال في مدينة المجدل إلى 700 نول رغم أن مساهمة الصناعة العربية بلغت ما نسبته 20% فقط من مجمل صناعة النسيج.

وأما القسم الرابع فقد شمل صناعة الآلات والمعادن التي ارتبطت مباشرة بازدهار صناعة البناء نتيجة الهجرة اليهودية. وقد تنوعت فروع صناعة الآلات والمعادن فظهرت صناعة الأسرة والأواني المعدنية والأثاث الفولاذي والحمامات والأدوات الصحية وخزانات المياه والكراسي والنوافذ والأسلاك الشائكة والألمنيوم والمسامير والبراغي والأقفال، وكان معظم هذه الصناعات يتم في الورش الصغيرة.

وشمل القسم الخامس الصناعات الخشبية كالنوافذ والأبواب والأثاث وصناديق الحمضيات.

(ت‌)التجارة الخارجية في المنتجات الصناعية: لعبت التجارة الخارجية الفلسطينية دوراً سلبياً فيما يتعلق بالصناعة، وارتبط ذلك بالمنافسة التي خضعت لها الصناعة الفلسطينية بسبب عدم فرض أية رسوم حماية، ولاسيما أن المادة الثامنة عشرة من صك الانتداب حظرت فرض تعريفات جمركية مختلفة على البلدان الأعضاء في عصبة الأمم، الأمر الذي أدى إلى إغراق السوق الفلسطينية بالمنتجات الصناعية المستوردة.

 

الجدول رقم (5/6)

تطورات قيمة الصادرات الفلسطينية (1930-1939) (بالجنيه الفلسطيني)

السنة

قيمة الصادرات

الإجمالية

السنة

قيمة الواردات

الإجمالية

الصادرات من منتجات البحر الميت (ولا سيما البوتاس والبروتين)*

1930

365,000

1935

370,000

99,000

1931

280,000

1936

417,000

168,000

1932

312,000

1937

559,000

217,000

1933

306,000

1938

640,000

323,000

1934

294,000

1939

765,000

428,000

 

* لا تتوفر الإحصاءات عن الفترة التي سبقت عام 1935، وقد بدأت الصادرات بكميات كبيرة من منتجات البحر الميت خلال عام 1935.

وتنبغي ملاحظة أن الصادرات الصناعية الفلسطينية لم تشكل سوى 5% أو 6% من مجمل الإنتاج الصناعي العربي واليهودي، إذ كانت الصناعة الفلسطينية تتجه في معظمها إلى السوق المحلية.

ويشير الجدول رقم (5/6) إلى تطور الصادرات الصناعية الفلسطينية خلال مرحلة الثلاثينات.

ولعبت الهجرة اليهودية من ألمانيا دوراً رئيسياً في بروز نشاط ملحوظ للواردات من الآلات الصناعية إلى فلسطين خلال المدة الواقعة بين 1933 و 1938، وقد نجم ذلك من مجموعة اتفاقات قامت بتوقيعها أجهزة الحركة الصهيونية مع السلطات الألمانية، وترجمت من خلالها طبيعة التعاون الذي تحقق أثناء تلك المدة بين الحركة الصهيونية والنظام النازي في ألمانيا.

وقد تم بموجب تلك الاتفاقات تسهيل عملية تصدير المعدات والآلات الصناعية الألمانية إلى فلسطين وتوفير التسهيلات اللازمة لتمويلها، وذلك لتغذية الأنشطة الصناعية للمهاجرين الألمان إلى فلسطين.

ونجم عن ذلك كله ارتفاع معدل نصيب الفرد في فلسطين من واردات الآلات الصناعية بالمقارنة مع الدول العربية المجاورة، فبلغ 9%، بينما بلغ معدل نصيب الفرد في سوريا 7.9% وفي العراق 11.9%.

وبالنسبة إلى الصادرات الفلسطينية فقد شملت بالدرجة الأولى منتجات البحر الميت (إنتاج شركة البوتاس الفلسطينية) من البوتاس والبرومين، وقد بلغت صادراتها خلال عام 1935 حوالي ربع قيمة الصادرات الإجمالية، وارتفعت حصة هذه المنتجات خلال عام 1937 إلى حوالي نصف الصادرات الفلسطينية، وسجلت صادرات الصابون ما نسبته 13.6% من قيمة الصادرات الإجمالية خلال نفس العام.

وبالنسبة إلى الواردات الصناعية فقد شملت قائمة واسعة كان أهم مكوناتها الصناعات الغذائية كالطحين والألبان والبسكويت والحلويات والمعكرونة، بالإضافة إلى السجاير والأقمشة والأنسجة الصوفية والملابس والجوارب والمواد الخام اللازمة لصناعة الآلات، هذا كله بالإضافة إلى وسائل النقل والآلات والمعدات.

(ج) تطور الصناعة اليهودية خلال فترة الثلاثينات: ساعد الدعم الكبير الذي قدمته الهجرة اليهودية وكافة أشكال الدعم الذي قدمته سلطات الانتداب البريطاني في فلسطين من خلال مختلف السياسات المالية والجمركية والصناعية، بالإضافة إلى الأطر القانونية والمؤسسية، ولا سيما المتصلة بالمؤسسات التمويلية الصهيونية، على بلورة نوعية التطور الصناعي اليهودي الذي تحقق في فلسطين خلال الثلاثينات وأسهمت ظروف الحرب العالمية الثانية في تعزيزه كما سنذكر في جزء لاحق من هذا الفصل.

وقد لوحظ تركز التوسع والتطور في النشاط الصناعي اليهودي خلال الثلاثينات في صناعة النسيج والمغازل والملح الذي جرى إنتاجه في أسدوم برأسمال صهيوني، وتطور حتى وصل إنتاجه في عام 1943 إلى حوالي 13 ألف طن، كذلك توسع إنتاج الكحول فتمت إقامة 44 مصنعاً لتقطيره، وجدت منتجاتها طريقها إلى التصدير، كما ازدهرت صناعة البناء في مختلف فروع النشاط المتصل بها كالمقالع والبلاط والقرميد والأنابيب الفخارية والإسمنت، بالإضافة إلى الصناعات الخشبية المتصلة بها كالصناعة النوافذ والأبواب والأثاث، والصناعات المعدنية كصناعة الأسرة والأواني والأثاث، والحمامات والأدوات الصحية وخزانات المياه والكراسي والنوافذ والأقفال والأسلاك الشائكة والمسامير والبراغي.

أما اليد العاملة اليهودية فقد بلغت عام 1942، 37,773 عاملاً (أي ما نسبته 75.6% من اليد العاملة الصناعية في فلسطين)، وتركزت في صناعة المعادن (بنسبة 21.4%) والأغذية (15%) والملابس (13.9%) والمجوهرات (9.8%)، وأما الإناث فقد تركزت أعمالهن في صناعة الملابس (29.4%)، والأغذية (20.9%) والنسيج (13.8%)، وقد عملت النساء في مختلف الصناعات اليهودية وأسهمت بما نسبته 25.3% من مجموع اليد العاملة الصناعية، الجدول الملحق رقم (6/6)

وقد احتكرت القوى الصهيونية هذه الصناعات فلم يتعد عدد العمال العرب فيها ما نسبته 12% من مجموع اليد العاملة.

 وأما صناعة الملابس فقد أقيمت برؤوس أموال صهيونية وأخرى أمريكية، كما أدخل المهاجرون الصهاينة من تشيكوسلوفاكيا صناعة غزل القطن في عام 1935، وأقاموا في ضواحي حيفا 5500 مغزل، وكان الجزء الأكبر من هذا الإنتاج يصدر إلى الخارج، ولا سيما إلى سوريا والعراق.

ولقد تطورت قيمة الإنتاج الصناعي اليهودي فارتفعت من 2.079.733 جنيهاً في عام 1929 إلى ما قيمته 7.308.940 جنيهاً في عام 1937، كما ازداد متوسط مساهمة العامل من 146 جنيهاً في عام 1929 إلى 184 جنيهاً في عام 1937.

 

ثالثاً: الصناعة الفلسطينية والحرب العالمية الثانية:

1. الوضع الصناعي في عام 1939:

نشير فيما يلي إلى الملامح العامة لهيكل القطاع الصناعي في فلسطين فبل نشوب الحرب العالمية الثانية للتعرف على تأثير محددات التطور الصناعي للمرحلة السابقة، ولفرز الدور الذي أسهمت به ظروف الحرب العالمية الثانية ومختلف العوامل المرتبطة بها في التطور الصناعي الذي تحقق بعد ذلك وأسهم في تحديد مسار النشاط الصناعي خلال المرحلة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية وسبقت قيام الدولة الصهيونية.

 وتجدر الإشارة المبدئية إلى أنه بحلول عام 1939 كانت الصناعة اليهودية تسهم بأكثر من 80% من مجموع إنتاج فلسطين الصناعي وأن هذه النسبة ارتفعت إلى 85% خلال سنوات الحرب العالمية الثانية.

وقد بلغ عدد المؤسسات الصناعية في فلسطين خلال عام 1939 (1211) مؤسسة، منها 339 مؤسسة امتلكها العرب، أي بنسبة 28% من المجموع، بينما امتلك اليهود 872 مؤسسة، وبلغ الإنتاج الصناعي الصافي ما قيمته 2.768.131 جنيهاً استرلينياً، وقد أسهمت الصناعات العربية فيه بما قيمته 313.149 جنيهاً استرلينياً، أو ما نسبته 11% فقط، ومن هنا يلاحظ تراجع الأهمية النسبية للصناعة العربية في الصناعة الفلسطينية بشكل عام، وذلك خلال نهاية الثلاثينات بالمقارنة مع عقد العشرينات.

وبلغ مجموع اليد العاملة الصناعية في فلسطين، طبقاً للتعداد الصناعي الذي أجرته دائرة المكوس عام 1939، حوالي 20,414 عاملاً (نسبة الذكور فيهم 80.4%) وبلغ عدد العمال العرب 4117 عاملاً، أو ما نسبته 20% من مجموع العمال الصناعيين في فلسطين.

أما هيكل الصناعة الفلسطينية في القطاعين العربي واليهودي فقد اشتمل على الأمور التالية:

(أ) عدد الصناعات: بلغ مجموع عدد المصانع في فلسطين عام 1939 حوالي 1211 مصنعاً منها 339 عربية (بنسبة 28%) تركز نشاطها في صناعات الأغذية (22.4%) والمعادن (19.2%) والأخشاب (12%) بينما بلغ عدد المصانع اليهودية 872 مصنعاً (72%) تركز نشاطها في الصناعات المعدنية (22.6%) والأغذية (18.6%) والملابس (14%)، الجدول الملحق رقم (3/6).

الجدول رقم (6/6)

أبرز الصناعات اليهودية (1933 – 1937)

أبرز الصناعات

عدد المنشآت

عدد العاملين

قيمة الإنتاج السنوي

رأس مال المستثمر (جنيه فلسطيني)

الصناعات الغذائية

383

3,929

2,305,000

1,651,000

صناعة الملابس

1,207

3,450

546,000

386,000

الصناعات المعدنية

600

2,765

788,000

710,000

صناعة الأخشاب

657

3,011

806,000

482,000

الصناعات الكيماوية

91

2,054

888,000

1,600,000

الأحجار والاسمنت

251

3,286

1,069,000

1,322,000

 

المصدر: ماهر الشريف، تاريخ فلسطين الاقتصادي والاجتماعي، ص104.

 

(ب) الإنتاج الصناعي: بلغت قيمة الإنتاج الصناعي القائم 8,841,797 جنيهاً فلسطينياً، سجلت قيمة الإنتاج العربي فيها 1,545,413 جنيهاً (أو ما نسبته 17.5%)، بينما بلغت قيمة الإنتاج اليهودي 6,045,715 جنيهاً (أو ما نسبته 68.4%)، أما الرصيد فكان من نصيب صناعات يمتلكها أجانب غير يهود.

وأما الإنتاج الصناعي لشركات الامتياز فقد شمل كلاً من:

* شركة كهرباء فلسطين، شركة القدس للكهرباء والخدمات العامة.

* شركة البوتاس المحدودة، شركة الملح المحدودة.

* شركة شكري ديب وأولاده للملح، شركة الكبريت (توقفت عام 1940).

أسهمت شركات الامتياز في الإنتاج الصناعي  بما قيمته 1,250,669 جنيهاً، أو ما نسبته 14.1%،علماً بأنها شركات موجهة بالدرجة الأولى لاستغلال موارد فلسطين الطبيعية. وكان لليهود النصيب الأكبر من رأسمالها، إذ كانوا يهيمنون على ثلاث شركات هي شركة كهرباء فلسطين وشركة البوتاس المحدودة وشركة الملح المحدودة. وقد شكلت رؤوس الأموال هذه الشركات ما نسبته 90% من مجموع رؤوس أموال شركات الامتياز.

وبالنسبة إلى مستوى النمو الصناعي وكفاءة الإنتاج فقد لوحظ تفوق الصناعة اليهودية على الصناعة العربية كما تظهر المؤشرات التالية:

بلغت قيمة الأرباح العربية الصافية 191,515 جنيهاً فلسطينياً أي بنسبة 8.7% من مجموع الربح الصافي للصناعة (بينما كانت تسهم بنسبة 17.5% من مجمل الإنتاج الصناعي).

لقد حققت الصناعة اليهودية أرباحاً صافية بلغت قيمتها 1,110,000 جنيهاً فلسطينياً أو ما نسبته 58.6% من مجموع الربح الصناعي الصافي.

* أسهمت شركات الامتياز بتحقيق ربح صاف بلغت قيمته 832,003 جنيهات فلسطينية أو ما نسبته 33.6%.

* بلغ متوسط قيمة الإنتاج الصناعي للمؤسسة الواحدة:

العربية: الإجمالي 4,559 جنيهاً والصافي 924 جنيهاًُ.

اليهودية: الإجمالي 6,933 جنيهاًِ والصافي 1,658 جنيهاً.

* بلغت نسبة الناتج الصافي إلى الناتج القائم (وهي مقياس مباشر للكفاءة الإنتاجية): 40.6% للصناعة اليهودية و20.3 للصناعة العربية.

وقد لوحظ التفوق الصناعي اليهودي حتى في الصناعات العربية التقليدية (كالصابون والزيوت)، وذلك عائد إلى استمرار الطابع الحرفي التقليدي للصناعة العربية. فقد بلغ متوسط قوة الآلات في المؤسسة اليهودية 188 حصاناً مقابل 47 حصاناً في الصناعة العربية (ما نسبته 25% من الصناعة اليهودية).

(ج) رأس المال المستثمر: بلغت قيمة رأس المال المستثمر في الصناعة الفلسطينية العامة في عام 1939 حوالي 10,893,179 جنيهاً فلسطينيا وكانت موزعة كما يلي:

703,565 جنيهاً فلسطينياً للصناعة العربية أو ما نسبته 6.5%.

4,390,552 جنيهاً فلسطينياً للصناعة العربية أو ما نسبته 40.3%.

5,799,062 جنيهاً فلسطينياً لشركات الامتياز أو ما نسبته 53.2%.

(د) اليد العاملة: توزعت اليد العاملة الصناعية كما يلي: في الصناعة العربية 4117 عاملاًً أو ما نسبته 20% من مجموع اليد العاملة الصناعية، مع تركز هذه اليد في صناعة الأغذية (23.9%) والنسيج(16.7%). وسجلت مساهمة الإناث العربيات العاملات في الصناعة ما نسبته 5.6% من المجموع، علماً بأن معظمهن كن يعملن في صناعة النسيج (73.7%) وفي صناعة التبغ (بنسبة 19%).

وفي الصناعة اليهودية 13,678 عاملاً أو ما نسبته 76.9% من مجموع اليد العاملة الصناعية، وقد تركزت هذه اليد في صناعات الأغذية (21.2%) والمعادن (18%) والملابس (14%)، علماً بأن مساهمة الإناث في الصناعة اليهودية بلغت 26.6% أو ما نسبته 91% من مجموع الإناث العاملات في الصناعات الفلسطينية.

 

2-   تأثير الحرب العالمية الثانية في الصناعة الفلسطينية:

لعبت الحرب العالمية الثانية دوراً بالغ الأهمية في نمو الصناعة الفلسطينية بمجملها إي بالنسبة إلى كل من القطاع الصناعي العربي والقطاع الصناعي اليهودي، وقطاع شركات الامتياز. وقد نجم ذلك عن كثافة الطلب العام الذي ولدته ظروف الحرب لسد حاجات ثلاث أسواق رئيسية: قوات الحلفاء، وفلسطين نفسها، وبقية بلدان الشرق الأوسط، بما فيها تركيا. وقد انعكس ذلك في توسع الطاقة الإنتاجية للصناعات القائمة، بالإضافة إلى زيادة فروع الصناعات المختلفة وإدخال صناعات جديدة. على أن استفادة الصناعة اليهودية من ذلك تفوقت على الصناعة العربية، وقد تركز اهتمام الصناعة اليهودية أثناء الحرب على تأمين احتياجات الحلفاء من ناحية وبناء المؤسسات الصناعية لتأمين قاعدة النمو الاقتصادي من ناحية ثانية.

ورغم وجود نقص رئيسي في البيانات المتوفرة عن التطور الصناعي أثناء الحرب، ورغم تضارب بعض البيانات، فإنه يمكن ذكر بعض المؤشرات العامة التي توفرت حول ذلك، على النحو التالي:

. في الصناعة اليهودية تم توجيه ما نسبته 35% من الإنتاج الصناعي لخدمة قوات الحلفاء. وقدرت زيادة الانتاج الصناعي اليهودي خلال المدة الواقعة بين 1939 و1942 بما نسبته 200% مقابل ما نسبته 77% للصناعة العربية. كما ازداد الدخل الصناعي اليهود بنسبة 285% مقابل زيادة في الدخل الصناعي العربي بنسبة 200% وذلك من عام 1939 إلى عام 1945.

. قّدر نمو استهلاك الطاقة الكهربائية خلال الحرب بثلاثة أضعاف ما كان عليه سنة الأساس. كما ارتفع حجم اليد العاملة الصناعية من 40 أو 50 ألف عامل إلى 70 أو 80 ألف عامل.

. بالنسبة إلى استفادة الصناعة اليهودية من فرص النمو التي خلفتها ظروف الحرب فقد شمل ذلك مجموعة كبيرة من الصناعات ضمت بشكل خاص كلاًَ من صناعة الآلات، والأدوات الصناعية، وقطع غيار السيارات، والمعدات، والأدوات الطبية، والأدوات الكهربائية والمواد الصيدلانية. كما استفادت الصناعات اليهودية من الدعم العلمي الذي قدمته المؤسسات العلمية اليهودية التابعة للجامعة العبرية وغيرها كالمعهد  التقني اليهودي في حيفا ومعهد دانيال سيف في رحوبوت، وتمثل ذلك الدعم بتحسين المنتجات أو زيادة كفاية استخدام المواد الخام المحلية.

. تطورت صناعة الآلات والأدوات تطوراً واضحاًِ أثناء الحرب وذلك لسد حاجات جيوش الحلفاء. وقد قّدر عدد المصانع التي أنشئت أثناء الحرب بحوالي 400 مصنع.

. سجلت  إحصاءات عام 1942 نمواً سريعاً شهده القطاع الصناعي الفلسطيني. فقد قّدرت زيادة الإنتاج الصناعي خلال السنوات الثلاث الأولى من الحرب بما نسبته 416.5%. وبلغت قيمة الإنتاج الصناعي القائم في عام 1942 حوالي 36,830,368 جنيهاً  فلسطينياً، بينما بلغت قيمة الإنتاج الصناعي الصافي 14,844,110 جنيهات، أي بزيادة  383%. وأما الأرباح الصافية فقد ازدادت بنسبة 327%.

. ازدادت بفعل الحرب أهمية المنتجات الكيماوية للبحر كالبوتاس والبرومين فشهدت نمواً كبيراً.

. تضاعفت قيمة رؤوس الأموال المستثمرة في الصناعة بين عام 1939 وعام 1945 فبلغت في عام 1942 (20,518,917) جنيهاً منها 2,131,307 جنيهات للصناعة العربية (بنسبة 10.3%) و12,093,929 جنيهاًُ للصناعة اليهودية (بنسبة 58.9%) و 6,293,681 جنيهاً لشركات الامتياز (بنسبة 30.6%).

. بلغ مجموع اليد العاملة في الصناعة الفلسطينية عام 1942 حوالي 49,977 عاملاً منهم 37,773 عاملاً يهودياً (بنسبة 75.6%) و8,804 عمال عرب (بنسبة 17.6%) وقدر عدد اليد العاملة العربية في صناعات النسيج (20%) ثم الأغذية (19.4%) فالملابس (15.1%) فالصناعات المعدنية (12.9%) فالتبغ (9.5%).، في حين تركزت اليد العاملة اليهودية في الصناعات المعدنية (21.4%) والأغذية (15%) والملابس (13.9%) والمجوهرات (9.8%). ويلاحظ أن صناعة النسيج استوعبت ما نسبته 56.4% من مجموع الإناث العاملات العربيات، يليها صناعة التبغ بنسبة 25.6% فالأغذية بنسبة 7.2%.

وبالنسبة إلى الإناث اليهوديات فقد تركزت أعمالهن في الملابس (29.4%)، والأغذية (20.9%)، فصناعة النسيج (13.8%). وقد عملت النساء في مختلف الصناعات اليهودية وأسهمن بما نسبته 25.3% من مجموع اليد العاملة الصناعية.

هذا وقد اتسعت فجوة النمو بين الصناعتين العربية واليهودية رغم استفادة كل منهما من ظروف الحرب. ففي الصناعة اليهودية ارتفع الإنتاج الصناعي بنسبة 100%، كما تم تطوير وسائل الإنتاج وأساليبه، وبرزت صناعة يهودية جديدة هي صناعة الماس، فشهدت تطوراً سريعاً، وسجلت صادراتها خلال عام 1943 ما قيمته 2,620,600 جنيه ثم ارتفعت إلى ما قيمته 5,502,900 جنيه في عام 1946. وقد صدر إلى الولايات المتحدة الأمريكية ما نسبته 70% من مجموع صادرات الماس خلال عام 1943.

وارتفعت مساهمة الصناعة اليهودية في مجموع الإنتاج الصناعي الفلسطيني كما سبقت الإشارة من 80% في عام 1939 إلى 85% خلال الحرب العالمية الثانية.

وتعكس البيانات السابقة تركز الصناعة الفلسطينية في القطاع اليهودي، إذ بلغت نسبة اليد العاملة اليهودية في الصناعة 76.9% من مجموع العاملين في الصناعة بعد استبعاد العاملين في شركات الامتياز، بينما لم تزد نسبة اليهود من السكان في ذلك الوقت عن 33% من مجموع السكان.

كما لوحظ كبر حجم الوحدات الإنتاجية  اليهودية فيما يتعلق بعدد العاملين فيها بالمقارنة مع الوحدات الإنتاجية العربية، وكذلك فيما يتعلق بحجم رأس المال وعدد الأحصنة في الآلات المستخدمة.

ويعكس نمط اليد العاملة الذي توفر في المؤسسات الصناعية العربية الخاصة طابعها الحرفي، إذ بلغت نسبة العرب العاملين في المؤسسات الخاصة 18.3% من المجموع، بينما لم تزد هذه النسبة عن 9.7% بين العمال اليهود، كما ارتفعت نسبة الإناث العربيات العاملات في المؤسسات الخاصة فبلغت 22% بالمقارنة مع 4.7% للنساء اليهوديات العاملات في مؤسسات خاصة.

ونتيجة للتطور السريع الذي شهدته الصناعة اليهودية خلال الحرب فقد ازداد الإنتاج القائم خلال السنوات الثلاث الأولى من (1939 إلى 1942) بنسبة 219%، وازداد الإنتاج الصافي بنسبة 213%، كما ارتفعت الأجور المدفوعة بنسبة 255%، والربح الصافي بنسبة 284%.

وازدادت القوة الآلية التي يستعملها اليهود في الصناعة فأصبحت 57,410 أحصنة في عام 1942 بينما انخفضت عند العرب إلى 3,812 حصاناً. وبينما كانت القوة الآلية تشكل عند العرب 9.6% مما عند اليهود عام 1939، انخفضت إلى ما نسبته 6.6% في عام 1942.

ورغم التفوق الصناعي اليهودي الذي استمر حتى عام 1942 فقد استطاع العرب أن يتفوقوا على اليهود في بعض الصناعات كالتبغ والزيوت النباتية والأخشاب والورق والجلود والنسيج.

وقد لوحظ تفوق الزيادة في كل من الناتج الصافي والأرباح الصافية للصناعة العربية بالمقارنة مع الصناعة اليهودية، إذ ازداد الناتج الصافي العربي خلال المدة الواقعة بين 1939 و1942 بنسبة 550.7% مقابل 467.8% لليهود، كما ازداد الربح الصافي لقطاع الصناعة العربية بنسبة 663.7% بالمقارنة مع 404.1% عند اليهود. وتشير هذه المعطيات في الأساس إلى انخفاض الفرق بين الكفاية الإنتاجية في كل من الصناعة العربية والصناعة اليهودية، كما تشير إلى الفرق بين مستويات الأجور.

الجدول رقم (7/6)

قائمة بمنتجات بعض الصناعات المهمة

التاريخ

الأغذية

المنسوجات

المواد المعدنية

الآلات

الكيمائيات

الأدوات الكهربائية

آب/ أغسطس (1939)

110

110

111

106

105

101

أيار/ مايو (1941)

132

192

129

161

101

201

تشرين الثاني/ نوفمبر (1941)

221

214

259

218

156

299

كانون الثاني/ يناير(1942)

200

222

229

200

161

374

تشرين الثاني/ نوفمبر (1943)

258

246

512

257

175

248

 

ولقد انعكست نتائج التطور الصناعي والاقتصادي الذي ساد فلسطين خلال الحرب العالمية الثانية على تحقيق نمو في مستوى الدخول. فبينما ارتفع معدل تكاليف المعيشة بنسبة 154% بين عام 1939 وعام 1945 فقد ارتفع الدخل الصناعي بنسبة 200% للعرب و285% لليهود، وارتفع الدخل الزراعي أربع مرات خلال المدة نفسها. وقدر ارتفاع صافي الدخل القومي الحقيقي للمجتمع اليهودي بنسبة الضعف أي من 16.7 مليون جنيه فلسطيني. (بأسعار عام 1936 الثابتة) إلى 29.9 مليون جنيه فلسطيني.

 

رابعاً – محددات التطور الصناعي الفلسطيني:

1-  محددات التطور الصناعي العربي:

واجهت الصناعة العربية الحرمان من فرص النمو التي توفرها في العادة إدارة التنمية الوطنية. وقد لوحظ أن الزيادة السكانية العربية شكلت مصدراً أساسياً كسوق للإنتاج الصناعي العربي، كما ساعدت ظروف الحرب العالمية الثانية الصناعة العربية نتيجة انخفاض الاستيراد فأدت إلى نمو كثير من فروعها. ويمكن الاستشهاد بما حدث لصناعة التبغ العربية.

كما انعكست عملية غياب إدارة التنمية الوطنية على فرص نمو صناعة صابون زيت الزيتون التي شهدت أزمة خانقة في مطلع الثلاثينات من جراء المزاحمة التي واجهتها من صناعة صابون الزيوت الحامضة اليهودية، ومن جراء القيود الجمركية التي وضعتها مصر، وهي السوق الرئيسية الخارجية، الأمر الذي أدى إلى هبوط صادرات الصابون من 4,577 طناً عام 1927، وبقيمة 200,430 جنيهاً فلسطينياً إلى 792 طناً وبقيمة 34,983 جنيهاً فلسطينياً عام 1939، ولم تحرك السلطات الانتدابية ساكناً لتدارك ذلك. وهكذا أظهر إحصاء عام 1939 الصناعي تراجع عدد مصانع الصابون العربية من 40 مصنعاً في عام 1936 إلى 27 مصنعاً في عام 1939، وفي عام 1943 ظهرت الهيمنة اليهودية على هذه الصناعة العربية التقليدية، إذ أن مصانع الصابون اليهودية قد أنتجت في ذلك العام 6,154 طناً مقابل 4,179 طناً للصناعة العربية. وفيما يتعلق بعوامل نمو الصناعة العربية فإنه بالإضافة إلى النمو السكاني العربي اعتمد التصنيع العربي الفلسطيني على مستويات الخبرة الفردية والمتراكمة.

وواجهت الصناعة العربية كذلك مشكلة أساليب الإنتاج التقليدي واليدوي الأسري فخضع كثير من الصناعات العربية التقليدية لضغوط العوامل السابقة. ونذكر منها على سبيل المثال صناعات النسيج التقليدية في المجدل، وصناعة الفخار في غزة، وصناعة الصدفيات وخشب الزيتون في القدس وبيت لحم. فلم تستطع هذه الصناعات مقاومة المنافسة الخارجية لافتقارها إلى رأس المال لتنويع إنتاجها، بالإضافة إلى مستوى اليد العاملة التي كانت تتأرجح بين فرص العمل المأجور والدائم ما أثر على كثير من العاملين في الصناعة، الأمر الذي عرض أنشطتها للتقلص. وعليه فقدت الصناعة العربية فرصة الاستفادة من تراكم الخبرات الصناعية التي أكسبتها اليد العاملة العربية الحرفية من خلال المدارس المهنية القليلة التي توفرت، أو عن طريق العمل السابق في المشاغل الأجنبية. تلك هي الخبرات التي مكنت بعد الحرب العالمية الأولى من إنشاء حرف ومشاغل عربية حديثة مثل صهر الحديد وتصليح الآلات الزراعية وتركيب التجهيزات اللازمة في الأبنية.

ومما يجدر الذكر أن الاضطرابات والانتفاضات الوطنية التي شهدتها فلسطين أثرت في فرص نمو الصناعة العربية، فكان وقوع أحداث 1936 و 1937 على سبيل المثال سبباً مباشراً في وقف التفكير في إنشاء كثير من الصناعات العربية. وقد وجد القطاع الصناعي العربي فرصته مجدداً عند انتهاء الحرب العالمية الثانية في نشاط البناء، فأنشأ كثيراً من صناعات المواد غير المعدنية لصناعة البناء فبلغ عددها 17 مصنعاً في عام 1947 عمل فيها 192 شخصاً، كما تبلورت فكرة إنشاء مصنع إسمنت وقد كان في طور التشييد حين وقوع النكبة.

وقد تشابكت تأثيرات كثيرة من الأنشطة الزراعية والصناعية كشبكة الفروع الصناعية المختلفة التي انعكست في قطاع البناء كما سبق الإشارة إلى ذلك، كما أوجدت زراعة الحمضيات نشاطاً صناعياً على الأرض الفلسطينية مثل إعداد صناديق الخشب والتعليب وشجعت صناعة المعادن على صناعة علب الكرتون 199 اللف حيث أنشئ مصنع في مدينة حيفا عام 1935 عمل فيه أكثر من 50 عاملاً.

كذلك لعب التحدي في مواجهة المنافسة من قبل الصناعات الأجنبية المماثلة دوراً هاماًِ في تطوير بعض الصناعات العربية كمطاحن القمح العربية التي اضطرت إلى تطوير تقنيتها وإنشاء مطاحن حديثة. ونجم عن سرعة النمو السكاني والمدني زيادة الاعتماد على الطحين المصنع والرغيف المصنع فارتفع عدد الأفران من 50 فرناً في عام 1921 إلى 295 فرناً في عام 1939. وقد كانت شركة المطاحن الفلسطينية برأسمالها البالغ 50 ألف جنيه أهم مشروع لصناعة الطحين.

وقد نجم عن التطور السريع الذي شهد كثيراً من الصناعات نتيجة الحرب العالمية الثانية بلوغ عدد المؤسسات العربية في قطاع المعادن 49 مؤسسة تستخدم 825 عاملاً،  وقد توزعت هذه المؤسسات كما يظهر من الجدول التالي:-

 

عدد المؤسسات

عدد العمال الأجراء

صب المعادن

2

144

إنتاج سلع معدنية أخرى

3

42

مشاغل صنع آلات أو مشاغل ميكانيكية

19

402

مشاغل تصليح سيارات

25

237

المجموع

49

825

 

هذا وقد واجهت صناعة النسيج مشاكل متناقضة في طريق النمو والتراجع، فيما أسهمت عمليات الانحسار بسبب استخدام أساليب الإنتاج التقليدية وعدم مواجهة متطلبات تنامي الأذواق الاستهلاكية في تراجع هذه الصناعة وهجر اليد العاملة لصناعتها.

غير أن ظروف الحرب العالمية الثانية أدت إلى استئناف عمليات تطوير هذه الصناعة فكان الانتقال سريعاً من المصانع الصغيرة إلى الصناعة والتوسع فيها. وفي عام 1947 كان في منطقة اللد معمل نسيج حديث التشييد يضم 6,200 نول ويستخدم 104 عمال. وكان العمل جارياً في إنشاء معملين آخرين يضمان معاً 29 ألف نول، الأمر الذي كان سيضاعف عدد العمال العرب في صناعات النسيج.

وللتدليل على التطور الذي تحقق للصناعة العربية خلال فترة الحرب العالمية الثانية يمكن الإشارة إلى البيانات التالية:

. ارتفع عدد مؤسسات الألبسة والأحذية من 30 مؤسسة في عام 1939 إلى 315 مؤسسة في عام 1942، وازداد عدد العاملين من 230 عاملاً إلى 1278 عاملاً.

. ازداد عدد المؤسسات الصناعية في مجال الأخشاب من 42 مؤسسة في عام 1939 إلى 277 مؤسسة في عام 1942، وارتفع عدد العاملين من 303 عمال إلى 643 عاملاً.

. ازداد عدد مؤسسات صناعة النسيج من 65 مؤسسة في عام 1939 إلى 204 مؤسساته في عام 1942، وارتفع عدد العاملين من 663 عاملاً إلى 1,750 عاملاً.

. تطور عدد مؤسسات صناعة  المعادن والآلات من 46 مؤسسة في عام 1939 إلى 192 مؤسسة في عام 1942، وارتفع عدد العاملين من 403 عمال إلى 804 عمال.

. ارتفع عدد مؤسسات صناعة المأكولات والمشروبات والتبغ من 120 مؤسسة في عام 1939 إلى 159 مؤسسة في عام 1942، وازداد عدد العاملين من 1349 عاملاً إلى 2079 عاملاً.

 

الجدول رقم (8/6)

توزيع المؤسسات الصناعية العربية الواردة في العينة الخاصة بدراسة الأجور عام 1947 على المناطق الجغرافية

القدس

108

31.9

1,334

27.6

حيفا

50

14.7

1,292

26.7

اللد*

111

32.7

1,493

30.8

غزة

40

11.8

386

8.0

نابلس

30

8.9

336

6.9

المجموع

339

100.0

4,841

100.0

 

* تدخل اللد والرملة ويافا ضمن منطقة اللد.

المصدر: نبيل بدران، نشوء وتطور الطبقة العاملة الفلسطينية.

 

وتجدر ملاحظة بقاء بعض الصناعات دون تطور مثل صناعة المنتجات الجلدية والزجاج، وتراجع بعض الصناعات الأخرى مثل صناعة المواد الكيماوية والورق والطباعة.

ويشير الجدول رقم (8/6) إلى توزيع المؤسسات الصناعية العربية الجغرافي خلال عام 1947. والذي يلاحظ فيه عدة مناطق من أهمها اللد والقدس وحيفا وغزة.

ويدل تاريخ التطور الصناعي الفلسطيني على نجاح الجهد الصناعي العربي الفلسطيني المثابر في تطوير نواة قاعدة صناعية عربية قابلة للانطلاق. وقد اعتمد هذا على تراكم الخبرات الفردية والعائلية، واستفاد من الظروف التي وفرتها الحرب العالمية الثانية، بالإضافة إلى الاستفادة من مراكز التدريب واكتساب الخبرات من العمل في الصناعات الأجنبية وأنشطة الاستيراد ذات المساس بالأنشطة التكنولوجية. قد توج كل تلك الجهود نجاح القدرة على مواجهة التحدي للصناعة اليهودية المحلية والصناعة الأجنبية المستوردة، وهو ما سجلته مؤشرات ارتفاع الكفاية الإنتاجية في الصناعة العربية وتقلص الفجوة في الصناعات العربية واليهودية.

وهكذا قامت صناعات معدنية وصناعة الآلات والمعدات التي ارتبطت بأنشطة مواد البناء والنسيج والملابس، والصناعات الغذائية، ولا سيما المطاحن وغيرها. إلا أن وقوع كارثة 1948 أوقف هذه المسيرة وأصابها بصدمة كانت جزءاً من الصدمة الكبرى التي نجمت عن ضياع الوطن الفلسطيني العربي.

 

2-  محددات التطور الصناعي اليهودي في فلسطين:

لعب الإطار السياسي والمؤسسي لحكومة الانتداب والحركة الصهيونية دوراً مركزياً كمحدد رئيسي من محددات النمو الصناعي للقطاع اليهودي في فلسطين، كما بينا في مواقع سابقة. ففيما يتعلق بالإطار السياسي والمؤسسي لحكومة الانتداب شجعت الحكومة الهجرة اليهودية بمكوناتها الفنية والمالية والتسويقية. ويمكن الإشارة في هذا السياق إلى قوانين الهجرة اليهودية التي صدرت عام 1920 وعام 1928 وعام1931، وهي القوانين التي اعتمدت الوضع للمهاجر أساساً والحالات المسموح لها بالهجرة إلى فلسطين كما يلي:

(1) الأشخاص الذين يملكون وعائلاتهم مبلغاً لا يقل عن ألف جنيه.

(2) ذوو المهن والحرف الذين يملكون 500 جنيه على الأقل.

(3) الصناع الماهرون الذين يملكون 250 جنيهاً على الأقل.

(4) الأشخاص الذين لهم إيراد ثابت لا يقل عن أربعة جنيهات في الشهر.

(5) الأيتام القادمون إلى ملاجئ في فلسطين.

(6) الرجال والنساء الذين يتعاطون الأعمال الدينية والمضمونة معيشتهم ومعيشة عائلاتهم.

(7) الطلبة المضمونة معيشتهم.

(8) العمال من الرجال والنساء.

(9) الأشخاص الذين يعتمدون في معيشتهم على أقرباء لهم في فلسطين.

وأدى تشجيع هجرة العمال الصناعيين والمهنيين والحرفيين المهرة إلى البلاد إلى قيام منافسة شديدة للصناعة العربية.

وفي عام 1934، على سبيل المثال، دخل إلى البلاد 42,359 يهودياً منهم 5,182 شخصاً، أو ما نسيته 12.3%، من العمال الصناعيين المهرة، كما ساعد تركيز الوكالة اليهودية، وهي الإطار المؤسسي الرئيسي للوجود اليهودي في فلسطين، على تهجير أصحاب رؤوس الأموال إلى فلسطين في شبه احتكار يهودي للصناعة،وقدرت رؤوس الأموال اليهودية التي أدخلت إلى فلسطين في عام 1936 بما يراوح بين 90 و95 مليون جنيه.

كذلك استفادت الصناعة اليهودية من المعاملة التفضيلية لسلطات الانتداب التي اعترفت في تقريرها الذي رفع إلى مجلس عصبة الأمم في عام 1935 بأنها قدمت المساعدات للصناعات اليهودية من خلال الإعفاء من رسوم الاستيراد على مواد أولية معينة، وبزيادة الرسوم الجمركية على الاستيراد بقصد حماية بعض المواد المصنعة. وقد تم رفع الرسم المفروض على الإسمنت المستورد مثلاً من 4 شلنات إلى 16 شلناً للطن الواحد عندما أسس اليهود مصنع الإسمنت فبلغ الرسم الجديد ما نسبته 32% من ثمن الإسمنت. وقد أثبت التمويل اليهودي للصناعة اليهودية قدرته على المساهمة في تطوير هذه الصناعة من خلال مؤسسات التمويل المتاحة المتعددة التي رعت الورش والصناعات من مختلف الأحجام، الأمر الذي شكل قاعدة الانطلاق الصناعي للاقتصاد الصهيوني لاحقاًِ بعد قيام الدولة، وهناك نماذج كثيرة في مجال صناعة الآلات الزراعية وورش الإصلاح والماس.

ويستشهد على أنشطة الكيرين هايسود في تأمين التمويل اللازم وتوفير الضمانات للقروض التي قدمتها مؤسسات التمويل الأخرى كالبنك الأنكلو- الفلسطيني للصناعة اليهودية، الأمر الذي انعكس على تطوير الصناعة اليهودية، ولا سيما خلال الحرب العالمية الثانية عندما ازداد الطلب على الصناعات المحلية نتيجة تعقد ظروف المواصلات. وقد تركز التمويل أثناء تلك الحرب على تمويل استيراد المواد الخام ونصف المصنعة، وأثبتت المؤسسات التي حصلت على التمويل أنها نشطت ونمت نمواً ملحوظاً بالمقارنة مع بقية فروع الصناعة اليهودية، ولا سيما الوكالة اليهودية والكيرين هايسود، عندما ارتبطت بتخصيص الرأسمال اليهودي لتمويل المشاريع الصناعية التي تعتبر مهمة لامتصاص المهاجرين اليهود وتحقيق التنمية الاقتصادية لمجتمعهم.                                                                    

ولقد أسهمت الوكالة اليهودية بما نسبته 40% من التمويل اليهودي الصناعي الذي بدأ أنشطته الفعلية في عام 1938، بينما أسهم البنك الأنكلو – الفلسطيني بما نسبته 50% من التمويل الصناعي، والبنك الصناعي بما نسبته 10% في المشاريع العمالية. وكان الكيرين هايسود يتحمل المخاطر الأولى، بينما تحمل البنك الصناعي وبنك العمال المخاطر الثانية.

يمكن الاستشهاد على دور صندوق الدعم وإعادة البناء الذي بدأ بممارسة أنشطته الأزمة الصناعية في فلسطين، وقد تركز اهتمامه في تلك المرحلة على إعادة تنظيم المشاريع وتمتين قاعدة الصناعات المهددة بالإفلاس. وتم تحقيق كثير النشاطات الناجحة في هذا المجال. ويعكس الجدول رقم (9/6) أنشطة هذا الصندوق خلال المدة الواقعة بين 1938 و1943.

الجدول رقم(9/6)

القروض الممنوحة من صندوق الدعم وإعادة البناء

السنة

عدد المشاريع

المبلغ بالجنيهات الفلسطينية

1938

54

46,514

1939

26

15,024

1940

29

19,931

1941

33

30,320

1942

31

22,090

1943

14

17,650

المجموع

187

151,529

 

 ولعبت القروض التي قدمها الصندوق دوراً بالغ الأهمية في تحقيق الترابط الصناعي اليهودي مع المجهود الحربي، إذ جرى تحويل كثير من المشاريع الصناعية صوب الإنتاج الحربي. ومن المشاريع التي تحققت لها الفائدة نتيجة تلك الأنشطة المشاريع المتعلقة بتركيب الآلات وإنتاج السلع المعدنية والكيماويات المتعلقة بالصيدلة... الخ.

وفي عام 1943 أظهرت الأبحاث أن المصانع التي تسلمت قروضاً من هذا الصندوق الخاص كانت قد باعت عام 1942 من السلع ما قيمته 5 ملايين جنيه وشغلت 6,000 عامل تقريباً. وقدرت قيمة المبيعات السنوية من المنتجات الصناعية عام 1942 بحوالي 35 مليون جنيه. وبلغت مساهمة المتلقين للقروض من 1/6 إلى 1/7 قيمة الإنتاج الصناعي الذي تم تسويقه. ومما جعل هذه النتيجة مذهله أن قيمة القروض الحقيقية في ذلك الوقت كانت قد وصلت إلى 130,000 جنيه،. وإذا أخذ في الاعتبار مبيعات الفروع فإن النسب المذكورة أعلاه تزداد ارتفاعاً.

بالنسبة إلى 52 مشروعاً جرى تحليل أوضاعها وتحديد انعكاسات تمويلها من أصل الـ187 مشروعاً التي قام الصندوق بدعمها، فقد حجم المبيعات السنوية من 400,000 جنيه في سنة تلقي القروض إلى 2,750,000 جنيه فلسطيني عام 1942، أي بنسبة سبعة أضعاف، بينما ازدادت المبيعات من الصناعة ككل بنسب أقل من ذلك بكثير.

وتبرهن هذه البيانات صحة اختبار المشاريع التي لقيت التشجيع عن طريق الصندوق، وتدل على أن نشاطات هذا الصندوق تفسر لنا العامل المهم في استعمار البلاد من خلال الصناعة اليهودية، ودورها في المجهود الحربي في فلسطين.

 

3-  صندوق القروض متوسطة الأجل:

أسس هذا الصندوق بهدف تقديم القروض للمشاريع المتوسطة والصغيرة لمدة تزيد على ثلاثة سنوات. وقد كان مفيداًِ في مساعدة المشاريع الصغرى غير القادرة على العثور على مصادر أخرى من الدعم المالي بهدف تخطي فترة الأزمات، ومساعدتها كذلك على تكييف ظروف إنتاجها وفقاً لمتطلبات الإنتاج الحربي.

وقد تركزت أنشطة الصندوق في تمويل استيراداً لمواد الخام والسلع نصف المصنعة المستوردة من الخارج، وقد كان من المتعذر تأمينها أثناء الحرب لاضطراب حركة المواصلات. كما وافقت الوكالة اليهودية في فلسطين، بالاستناد إلى القوة المالية للكيرين هايسود، على تقديم الضمانات بنسبة 25% لجميع القروض الممنوحة من قبل البنك الأنكلو- الفلسطيني والبنك الصناعي، وذلك لتمويل المواد الخام، ولضمان جزء من الفائدة.

وقد أسهمت هذه القروض في تحقيق زيادة استثنائية في الواردات من المواد الخام وكان لها تأثير كبير وحاسم في الأنشطة الصناعية أثناء الحرب. ولعب الكيرين هايسود دوراً مهماً في ضمان ما نسبته 25% من القروض المقدمة للصناعات الصغيرة التي ارتبطت بعقود تقديم المنتجات الصناعية المطلوبة إلى القوات العسكرية لتشجيع المؤسسات التمويلية والمصرفية على تقديم مثل هذه القروض إلى الصناعات الصغيرة التي لم تكن قدرتها على تنفيذ العقود المرتبطة بها مؤكدة.

ولعب التمويل اليهودي كذلك دوراً واضحاً في تشجيع كثير من الخبرات اليهودية التي أمنتها الهجرة إلى فلسطين لإقامة الورش الصغيرة في البداية ورعايتها حتى تتحول إلى مصانع حقيقية تستوعب كثيراً من الأيدي العاملة، وذلك بفضل تزاوج المهارات الصناعية والموارد التمويلية اليهودية. وقد سجل تاريخ الصناعة اليهودية كثيراً من النماذج التي أظهرت تحول كثير من الورش الصناعية صغيرة الحجم التي أقامها المهاجرون اليهود ذوو الكفاية والخبرة الصناعية إلى مصانع كبيرة، وذلك بفضل قروض بمبالغ لم تكن كبيرة الحجم.

وقد أدى التفوق الكبير وفعالية الدور الذي لعبته الأطر السياسية والمؤسسة والتمويلية المؤيدة للنمو الصناعي اليهودي، بالمقارنة مع تواضع دور الأطر التي أتيحت للصناعة العربية، إلى تمكين القطاع اليهودي من احتكار الصناعات الأساسية في البلاد، فارتفعت نسبة الملكية اليهودية للمصانع من 24% في عام 1928 إلى 54.9% في عام 1942، مع ملاحظة أن معظم المنشآت العربية كانت مشاغل حرفية أو مصانع يدوية بسيطة، بينما احتكر اليهود المصانع الآلية ذات الإنتاج الكبير. هذا وقد بلغت رؤوس الأموال اليهودية المستثمرة في الصناعة ما نسبته 88.2% في عام 1939 وما نسبته 86.5% في عام 1942 من مجموع الأموال المستثمرة في الصناعة الفلسطينية.

 

تجارة فلسطين الخارجية في ظل الانتداب البريطاني حتى عام 1948

 أسهمت في تكييف مكونات تجارة فلسطين الخارجية وتشكل هيكلها واتجاهاتها خلال عهد الانتداب البريطاني مجموعة من العوامل الرئيسية كان على رأسها طبيعة الموارد الطبيعية والبشرية، ثم طبيعة الموقع الجغرافي لفلسطين وسط الخارطة العالمية، فالتنمية التي مرت بها فلسطين، بما في ذلك محتوى الإنتاج وشبكة المواصلات التي جرت إقامتها، يضاف إلى ذلك كله السياسة التجارية والجمركية التي انتهجتها سلطات حكومة الانتداب البريطاني، والأهداف التي سعت إلى تحقيقها.

ونشير فيما يلي إلى طبيعة التأثير الذي مارسته المحددات السابق ذكرها، وانعكاساتها على هيكل التجارة الخارجية واتجاهاتها.

 أولاً- هيكل الموارد الطبيعية والبشرية وانعكاساتها:

لعبت الموارد الطبيعية في فلسطين دورها كمحدد للتطور الاقتصادي في البلاد من خلال حجم الموارد الطبيعية ونوعيتها، وما هيأته من فرص ساعدت على تطور الإنتاج الزراعي والصناعي، وتشكيل حدود التجارة الخارجية استيراداً وتصديراً في ضوء قدرات هذا الإنتاج على تأمين حاجات السوق المحلية، بالإضافة إلى تأثير حجم هذه السوق في تكييف التجارة التصديرية لبعض المنتجات التي لم تكن مجدية إلا باتساع دائرة تسويقها لتشمل الأسواق الخارجية.

1-موقع فلسطين الجغرافي:

انعكس موقع فلسطين الجغرافي المركزي (مع الأقطار العربية المحيطة بها) بين قارات آسيا وأفريقيا وأوروبا على قيام تجارة خارجية نشيطة نسبياً، بالإضافة إلى قيام فلسطين بدور المركز لإعادة تصدير المنتجات المستوردة من جنوبي شرقي آسيا إلى أوروبا. وكانت فلسطين تقوم في عهد المماليك باستيراد التوابل واللبان والطيب عن طريق المحيط الهندي وتعيد تصديرها عبر الموانئ الفلسطينية إلى أوروبا. وكانت حتى قيام دولة إسرائيل في عام 1948 تلعب دوراً مهماً كمركز لعبور التجارة العربية إلى أوروبا. وقد قامت بخدمة كل من الأردن والعراق والسعودية، وأسهم موقعها المركزي في العالم العربي في قيام تجارة نشيطة بينها وبين الدول العربية. وازدادت أهمية فلسطين بعد حفر قناة السويس وفتحها للملاحة باعتبارها ممراً مائياًً حيوياً ربط الشرق بالغرب. وعليه فقد برز دور فلسطين كمركز تجاري دولي من كونها تقع على ملتقى الطرق التجارية في العالم، ويضاف إلى ذلك اعتبارها مركزاً لتجمع السياح والحجاج القادمين إليها لزيارة أماكنها المقدسة. وخلال الانتداب كانت موانئ فلسطين الرئيسية على البحر المتوسط تضم كلاً من حيفا ويافا وتل أبيب وعكا وغزة. وفي عام 1930 بلغ مجموع البضائع التي أفرغت في هذه الموانئ 308,558 طناً، وارتفعت أوزان هذه البضائع في عام 1939 إلى 929,541 طناً. وبلغت البضائع التي حملت من موانئ فلسطين في عام 1930 حوالي 183,212 طناً ارتفعت إلى 545,384 طناً في عام 1939.

وكان ميناء يافا محطة لنزول الحجاج والسياح القادمين بحراً لزيارة الأماكن المقدسة، ولا سيما أن مدينة يافا ارتبطت بالقدس بسكة الحديد. وكان يصدر عبر ميناء حيفا اللوز والمسابح والمواد الخزفية والمنتجات السياحية المصنوعة في القدس وبيت لحم، كما تم عبرها استيراد المواد الغذائية كالدقيق والأرز والبن والخشب والفحم الحجري والبترول، بينما كانت غزة الميناء الرئيسي في فلسطين لتصدير الشعير الفلسطيني إلى الخارج، ولا سيما إلى بريطانيا، بالإضافة إلى تصدير البطيخ إلى مصر.  وأما ميناء حيفا فقد اشتهر كميناء تجاري بعد افتتاح خط الحجاز الحديدي. وكان أهم الحاصلات الزراعية المصدرة عبر ميناء حيفا الحنطة والفاصوليا والسمسم والعدس والذرة وزيت الزيتون والصابون.

وكانت الأهمية النسبية لأنشطة التفريغ والتحميل للبضائع موزعة بين حيفا ويافا في عام 1930. وإذ استحوذت حيفا على ما نسبته 56% من مجمل البضائع التي تم تفريغها في الموانئ الفلسطينية فقد استحوذت يافا على ما نسبته 55% من مجمل البضائع المحملة إلى الخارج. وأما في عام 1939 فقد هيمن ميناء حيفا على بقية الموانئ الفلسطينية من حيث حجم النشاط الذي قام به، وبات يستحوذ على ما نسبته 70.3% من مجمل حركة التفريغ، وما نسبته 62.9% من مجمل حركة التحميل. وكان لإيصال خط أنابيب النفط العراقي إلى ميناء حيفا وتطوير طرق المواصلات وتحسينها، بما في ذلك مد الخط الحديدي إلى مصر وفتح الطريق الصحراوي إلى العراق عبر الأردن، أثر هام في تنشيط الحركة التجارية الداخلية والخارجية لفلسطين.

3- الموارد الطبيعية وتشكيل تركيبة التجارة الخارجية:

كان لمحدودية موارد فلسطين الطبيعية أثر في تشكيل المجال الإنتاجي، وبالتالي التصديري الفلسطيني. فقد أدت تلك الموارد التي تركزت بالدرجة الأولى على الإنتاج الزراعي ومستخرجات البحر الميت الكيماوية إلى جعل هيكل الصادرات الفلسطينية يعتمد على سلعة واحدة هي الحمضيات، بالإضافة على تصدير متواضع لمنتجات البحر الميت الكيماوية (ولا سيما البوتاس والبرومين) وبعض المواد الخام كالجلود والصوف الخام وأمعاء الماشية.

وقد انعكس ذلك على إقامة حركة متصاعدة للمستوردات لتغطية حاجات فلسطين الرئيسية من المنتجات الزراعية والصناعية.

ونتيجة لمحدودية الموارد الطبيعية وطبيعة المرحلة الإنمائية المتواضعة التي كانت عليها فلسطين في ظل الانتداب، ومع تزايد عدد السكان وحدوث بعض التحسن في مستويات المعيشة، فقد سجل الميزان التجاري عجزاً كبيراً ومتصاعداً، فبعد أن تساوت قيمة الصادرات والواردات في عام 1913 بدأت الفجوة بينهما فبلغت الواردات في عام 1937 ما قيمته 15 مليون جنيه فلسطيني، بينما بلغت قيمة الصادرات 5.8 ملايين جنيه فلسطيني فقط، أي بعجز بلغت قيمته 9.2 ملايين جنيه فلسطيني، وقد ارتفعت قيمة العجز التجاري أثناء الحرب العالمية الثانية إلى ما قيمته 20.6 مليون جنيه في عام 1944 و 19.5 مليون جنيه في عام 1945 و 42.8 مليون جنيه في عام 1946 (الجدول الملحق رقم 1/7) .

الجدول رقم (1/7) *

الحمولات المفرغة والمحملة في موانئ فلسطين

السنة

حيفا

يافا

تل أبيب

عكا

غزة

المجموع

التفريغ بالطن

التحميل بالطن

التفريغ بالطن

التحميل بالطن

التفريغ بالطن

التحميل بالطن

التفريغ بالطن

التحميل بالطن

التفريغ بالطن

التحميل بالطن

التفريغ بالطن

التحميل بالطن

1939 طن

174,862

61,425

133,241

100,862

-

-

211

3,969

244

16,956

308,558

183,212

%

56

33.5

43.2

55

-

-

0.06

2.17

0.08

9

100

100

1939 طن

653,171

343,161

112,711

153,856

161,856

48,192

762

175

1,071

-

929,541

545,384

%

70.3

62.9

12.1

28.2

17.4

8.8

0.1

0.1

0.1

0

100

100

 

* لا يشمل الزيت الخام

 

ثانياً: تركيبة التجارة الخارجية والتخلف الاقتصادي:

بالإضافة إلى عامل الموارد الطبيعية المتاحة، عكست مكونات التجارة الخارجية السلعية طبيعة الاقتصاد الفلسطيني الذي اتسم بالتخلف، وتوزعت صادرات فلسطين خلال عهد الانتداب على الأقسام الرئيسية التالية: المنتجات الزراعية والمواد الغذائية، والمواد الأولية والبضائع غير المصنعة، البضائع المصنعة.

وقد سيطرت المجموعة الأولى على مكونات تجارة فلسطين التصديرية، وراوحت مساهماتها بين ما معدله السنوي 75.2% خلال المدة الواقعة بين 1927 و 1931 وما معدله 86.3% خلال المدة الواقعة بين 1932 و 1937، ولعبت الحمضيات الدور الأول في قائمة الصادرات فأسهمت بما نسبته 95% من مجموع الصادرات الزراعية، مع ملاحظة أن فلسطين كانت تصدر بالإضافة إلى الحمضيات زيت الزيتون والبطيخ الأحمر والخمور والحلويات والمربيات وعصير الفواكه والشعير والذرة في أوقات غير منتظمة، وشملت سلع القسم الثاني الجلود الخام والمجففة والصرف الخام والكبريت، ومنذ عام 1936 بدأت صادرات الجلود تحتل مكاناً ملحوظاً فارتفعت مساهمتها من 1.7% في عام 1934 إلى 6.5% في عام 1937، ويجدر ملاحظة ظهور منتجات فلسطينية جديدة على قائمة صادرات المجموعة الثانية خلال فترة الأربعينات، وقد تركزت هذه السلع في منتجات مصفاة حيفا من البنزين والمازوت والماس المصقول، وأدى ذلك إلى تعويض الانتكاسة التي أصابت صادرات الحمضيات الفلسطينية خلال الحرب العالمية الثانية، وإلى ارتفاع قيمة الصادرات الفلسطينية من 5,100,000 جنيه فلسطيني في عام 1939 إلى 24,400,000 جنيه فلسطيني في عام 1946 (بلغت الصادرات النفطية منها 3,6 ملايين جنيه فلسطيني و 5,5 ملايين جنيه فلسطيني من الماس المصقول، أو ما نسبته 37% من القيمة الإجمالية لمجموع الصادرات الفلسطينية).

ونتيجة لتخلف فلسطين الاقتصادي وانفتاحها على التجارة الحرة مع الدول الأجنبية بدون قيود أو سياسات تجارية وطنية بقيت صادرات القسم الثالث تمثل نسبة ضئيلة، وقد تكونت سلع هذا القسم من الصابون ومنتجات شركة البوتاس الفلسطينية من البوتاس والبرومين منذ مطلع الثلاثينات، ومن الأملاح المعدنية، كما صدرت الصناعة اليهودية في فلسطين الألبسة الجاهزة والجوارب والأسنان الاصطناعية وبعض العقاقير الطبية والعطورات ومنتجات الورق وبعض الصناعات الغذائية كالبسكويت والشيكولاتة والمربيات والمشروبات الروحية وغزل القطن والخيوط والمجوهرات والإسمنت، ونلاحظ هنا هيمنة الصناعة اليهودية على صادرات القسم الثالث، الأمر الذي يعكس تقدم القطاع الصناعي اليهودي النسبي بالمقارنة مع القطاع الصناعي العربي في فلسطين.

وفيما يتعلق بالعجز في الميزان التجاري وتطوراته، فقد ارتبط بالدرجة الأولى بمحدودية الموارد المتاحة وتواضع المرحلة الإنمائية المتحققة طوال عهد الانتداب البريطاني، ولوحظ ارتباطه بزيادة عدد السكان بمعدل مرتفع، ويضاف إلى ذلك اعتماد الإنتاج الصناعي المحلي على المواد الأولية المستوردة، ولجوء القطاع اليهودي إلى تأمين حاجاته من خلال المستوردات.

وقد تميز الميزان التجاري بتسجيله عجزاً متواصلاً خلال المدة الواقعة بين 1927 و 1946، كما سجل اتجاهاً عاماً تصاعدياً من 4,1 ملايين جنيه في عام 1922 إلى 42,8 مليون جنيه في عام 1946، مع ملاحظة أن العجز كان يسجل تصاعداً في فترات السلم الداخلي والخارجي، وانخفاضاً في فترات القلاقل الداخلية (كعام 1937 مثلاً)، وفي فترات الاضطرابات الدولية (عام 1943 مثلاً)، وقد لعبت العوامل المتعلقة بغياب إدارة التنمية الوطنية وإحلال إدارة استعمارية محلها وما نجم عن صك الانتداب من نصوص تمييزية ضد مصلحة فلسطين دوراً في تحقيق هذا العجز.

وقد تم تمويل العجز في ميزان التجارة بفعل الصادرات غير المنظورة وتحرك رأس المال الوافد إلى فلسطين مع المهاجرين اليهود، ويلاحظ أهمية مساهمة التحويلات من رؤوس الأموال اليهودية في تمويل عجز ميزان التجارة الذي انعكس في ميزان المدفوعات نفسه خلال المدة الواقعة بين 1934 و 1945.

 

ثالثاً: السياسة البريطانية التمييزية وانعكاساتها التجارية:

انعكست السياسة الاقتصادية البريطانية التمييزية التي ارتبطت بتوجيه تجارة فلسطين الخارجية لمصلحتها، بالإضافة إلى دعم الاقتصاد اليهودي ودعم فرص توطين الهجرة اليهودية في فلسطين وإضعاف فرص نمو الاقتصاد العربي وما ترتب على ذلك من إجراءات لحماية الإنتاج اليهودي وتحقيق الدخل التعويضي لخزينتها العامة، انعكس كل ذلك على اتجاهات التجارة الخارجية في جانبيها التصديري والاستيرادي، وفيما يتعلق بأهمية بريطانيا وممتلكاتها النسبية في تجارة فلسطين الخارجية فقد ارتفع نصيبها من الواردات الفلسطينية فيما بين عام 1933 و 1940 من 21.5% إلى 33.7%، وقد احتلت بريطانيا المركز الأول في تجارة فلسطين الخارجية طوال الانتداب، يليها في الأهمية ألمانيا التي احتلت مركزاً مهماً في تجارة فلسطين الاستيرادية بعد عام 1936 نتيجة نشاط الهجرة اليهودية التي صاحبها تصدير الآلات والمعدات الصناعية بسبب منع اليهود من حمل أموالهم المنقولة معهم إلى فلسطين.

واستوردت فلسطين من بريطانيا معظم مستوردات الحكومة (المدنية والعسكرية) والمستوردات البحرية ومستوردات الجيش والقوى الجوية، كما كانت معدات شركة النفط العراقية ومخازنها تستورد من بريطانيا، وكذلك جميع حاجات مشاريع الامتياز التي أقيمت برؤوس أموال بريطانية – يهودية مشتركة كمشروع روتنبرغ، وشملت المستوردات الفلسطينية من بريطانيا فيما شملته المنسوجات القطنية والصوفية والأدوات الكهربائية والأسمدة والشاي والسكر والملح والسمك المجفف والمحفوظ والدواجن.

 وبالنسبة إلى الصادرات الفلسطينية إلى بريطانيا فقد تكونت من السلع الزراعية والمواد الخام اللازمة للصناعة كالحمضيات والبوتاس والكروم، واستوعبت بريطانيا قبل الحرب العالمية الثانية (1939 تحديداً) ما نسبته 51.1% من قيمة الصادرات الفلسطينية، وبسبب ظروف الحرب وتحول التجارة إلى منطقة الشرق الأوسط تراجعت المستوردات البريطانية. وفي أعقاب الحرب مباشرة عادت الصادرات الفلسطينية صوب أسواقها التقليدية فارتفعت نسبة الاستيعاب البريطاني للصادرات الفلسطينية من 14.5% في عام 1943 إلى 28% في عام 1946.

ولوحظ بروز الولايات المتحدة خلال مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، كسوق لصادرات فلسطين، ولا سيما الماس المصقول الذي استوعبت ما يزيد عن 70% منه (وهو إنتاج يهودي). وارتفعت نسبة ما استوردته الولايات المتحدة من 1.6% خلال السنوات 1936-1939 إلى 18.3% خلال عام 1943، وإلى 16.3% خلال عام 1944.

هذا وقد جرى تكييف السياسة الجمركية البريطانية بحيث تخدم متطلبات دعم الصناعة اليهودية وحمايتها وإضعاف الصناعة العربية. ففي آب/أغسطس 1924 أصدرت سلطات الانتداب البريطاني قانون الرسوم الجمركية بديلاً عن النظام الجمركي الذي كان متبعاً في ظل العهد العثماني وكان يفرض رسوماً جمركية بلغت نسبتها 11% على البضائع المستوردة و 1% على الصادرات، ويقدم معاملة تفضيلية للصادرات من تركيا ومصر وسوريا إلى فلسطين.

وقد تضمن قانون الرسوم الجمركية الذي أصدرته سلطات الانتداب ما يلي:

- زيادة الرسوم الجمركية عل بعض المواد بهدف زيادة دخل الحكومة، وقد شملت الزيادات الشاي والسكر والبنزين والكبريت والمشروبات الروحية والمربيات والروائح العطرية.

- خفض رسوم الاستيراد على بعض مواد البناء كالحديد والخشب والقرميد من 11% إلى 3%، وذلك لدعم أنشطة الإسكان اليهودية في فلسطين.

- إعفاء المقتنيات الشخصية والآلات الزراعية التي كان المهاجرون اليهود يأتون بها إلى فلسطين من الرسوم الجمركية.

- إلغاء المعاملة الخاصة التي كانت تتمتع بها البضائع التركية والمصرية والسورية في فلسطين.

وقد أدخلت من وقت إلى آخر تغييرات في معدلات الرسوم الجمركية لدعم الصناعة اليهودية وضرب الصناعة العربية. فبينما رفعت الرسوم الجمركية على السكر إلى درجة عالية وصلت إلى 100% لإضعاف مصانع الشيكولاته العربية، إذا بها تلغي عندما أسس اليهود شركة لتعليب الفواكه في عام 1930.

وفيما يتعلق بهدف تحقيق الحماية للصناعة اليهودية يمكن الاستشهاد على قيام سلطات الانتداب برفع الرسوم الجمركية على الكبريت إلى 135% لحماية إنتاج مصنع عيدان الثقاب اليهودي الذي أنشئ في تل أبيب، وقيامها كذلك بإلغاء الرسوم الجمركية على السمسم المستورد عندما أسس اليهود مصانع شيمن لاستخراج الزيوت النباتية. وقد أتبعت سلطات الانتداب ذلك بزيادة الضريبة على الزيوت المستوردة من الخارج.

وقد كان لهذه الإجراءات أثر سلبي بالغ في الإنتاج العربي، ولا سيما أنتاج الصابون والبطيخ اللذين كانا يصدران إلى مصر، وبسبب فرض هذه الأخيرة رسوماً جمركية عالية، رداً على رفع سلطات الانتداب الرسوم الجمركية على زيت بذر القطن المستورد. ويستشهد كذلك على إعفاء سلطات الانتداب المواد الخام المستوردة للصناعة اليهودية من الرسوم ورفع الرسوم الجمركية على الواردات المصنعة لحماية الإنتاج اليهودي بالنسبة إلى مطاحن الدقيق. وقد أدى إلغاء الرسوم الجمركية على القمح المستورد عندما أسس اليهود مطاحن الدقيق في حيفا إلى إغراق السوق الفلسطينية بالقمح المستورد، الأمر الذي خفض سعره من 12 جنيهاً للطن الواحد في عام 1929 إلى 6 جنيهات للطن الواحد في عام 1930.

وأعفت سلطات الانتداب كذلك جميع الآلات المستوردة لمصنع نيشر اليهودي للإسمنت من الرسوم الجمركية، ورفعت في الوقت نفسه الرسوم الجمركية على طن الإسمنت المستورد من 4 شلنات إلى 16 شلناً (بنسبة 32% من الثمن)، كما دعمت عملية تصديره إلى الأسواق العربية المجاورة فأعفته من رسوم التصدير ليتمكن من منافسة الإنتاج العربي.

ويمكن الاستشهاد في المقابل على رفض سلطات الانتداب الاستجابة لمتطلبات دعم بعض الصناعات العربية من خلال حمايتها من المستوردات، وذلك ما حصل على سبيل المثال بالنسبة إلى صناعة الأحذية، إذ رفضت السلطات وضع رسوم جمركية على الواردات. كما يسرت للجانب اليهودي السيطرة على دوائر التجارة الخارجية فسلمته رئاستها. وبلغ نصيب المؤسسات اليهودية حوالي 90% من رخص الاستيراد والتصدير، وتمثل كل ذلك في هيمنة القطاع اليهودي على قطاع التجارة الخارجية لفلسطين تصديراً واستيراداً (الجدول رقم 3/7). ويشهد سجل النضال الوطني والاقتصادي العربي الفلسطيني على رفض هذه السياسات البريطانية التمييزية والمطالبة بتصحيحها.

 

رابعاً- التجارة مع منطقة الشرق الأوسط وتأثير الحرب العالمية الثانية:

شهدت تجارة فلسطين الخارجية أثناء فترة الحرب العالمية الثانية تنامياً ملحوظاً فازدادت من 20مليون جنيه في عام 1939 إلى 50 مليون جنيه في عام 1944. كما سجل ميزان المدفوعات عجزاً متواصلاً جرى تمويله من خلال المشتريات العسكرية البريطانية التي زادت قيمتها عن مائة مليون جنيه، وأسهمت تحويلات الأموال اليهودية التي بلغت قيمتها 46.3 مليون جنيه بدورها في تغطية العجز التجاري الذي بلغ 72.6 مليون جنيه خلال المدة الواقعة بين 1939 و1944. وأدت ظروف الحرب إلى إحداث تغيير في تركيبة الصادرات الفلسطينية واتجاهاتها، إذ اتجهت في معظمها إلى أسواق الشرق الأوسط التي أصبحت بدورها المصدر الأساسي للتصدير. وارتفعت نسبة الصادرات إلى الشرق الأوسط من 10% في عام 1939 إلى 75% في عام 1942، بينما ارتفعت نسبة الواردات من 18% في عام 1939 إلى 60% في عام 1943. ولوحظ بشكل خاص استفادة الصادرات الصناعية من فرص تنامي الصادرات الفلسطينية أثناء الحرب، إذ ارتفعت قيمة صادراتها من 750,000 جنيه في بداية الحرب إلى أكثر من 7 ملايين جنيه في نهايتها.

ومما يجدر ذكره أن الأهمية النسبية للتجارة الفلسطينية مع أقطار الشرق الأوسط سبق أن سجلت تراجعاً واضحاً بين الحربين فانخفضت نسبة الصادرات الفلسطينية الموجهة إلى اسواق الشرق الأوسط من 60% في عام 1924 إلى 46% في عام 1928، ثم بلغت 10% فقط في عام 1939. وكانت عملية إعادة توجيه صادرات الحمضيات إلى الأسواق اِلأوروبية، بالإضافة إلى تزايد إجراءات الحماية على الواردات المصرية من فلسطين وغيرها، من جملة أسباب هذا التحول. كما سجلت الواردات الفلسطينية من دول الشرق الأوسط تراجعاً رئيسياً، بينما استمرت أهمية سوريا بالنسبة إلى الواردات الفلسطينية من الحبوب والمواد الغذائية الأخرى.

ويلاحظ أن التجارة مع كل من مصر وسوريا استحوذت على النصيب الأكبر من تجارة فلسطين الخارجية مع منطقة الشرق الأوسط، وبلغت الواردات والصادرات من مصر وإليها عام 1933 ما نسبته 10.9% و 2.9% على التوالي ومن سوريا وإليها ما نسبته 8.5% و 8.2% على التوالي.

وفيما يتعلق بالتركيب السلعي لتجارة فلسطين مع أقطار الشرق الأوسط فقد لوحظ استيراد المواد الغذائية من سوريا وبذور القطن من مصر والمنتجات الحيوانية والسمكية من العراق. وقد ساعد إنشاء ميناء حيفا وتطويره وتجهيزه بأحدث المنشآت على فتح الطريق الصحراوي إلى العراق وتنشيط تجارة التراتزيت مع سوريا والعراق.

 

الجدول رقم (2/7)

الأهمية النسبية لتجارة فلسطين مع أقطار الشرق الأوسط

القطر

1933

واردات    صادرات

1938

واردات     صادرات

1940

واردات    صادرات

مصر

10,86

2,78

3,57

2,03

12,47

8,08

إيران

0,21

-

1,01

1,01

0,26

0,12

العراق

0,73

0,21

1,52

0,16

3,60

0,72

سوريا

8,48

8,22

8,94

8,22

4,55

11,53

تركيا

3,27

0,01

0,69

0,88

2,88

0,49

المجموع

23,55

11,22

15,73

12,30

23,76

20,94

التجارة مع بريطانيا

وممتلكاتها

21,6

62,5

19,6

52

33,7

52

التجارة مع ألمانيا

10,7

14,4

14,5

1,5

1,5

-

 

النظام المصرفي والمالي وتطوراته في ظل الانتداب البريطاني حتى عام 1948

أولاً- النظام المصرفي في فلسطين وتطوراته:

 لم يكن في فلسطين في ظل الحكم العثماني حتى عام 1917 نظام مصرفي وفق التحديد العلمي المتعارف عليه. كما ساد نفس الوضع في مطلع الاحتلال البريطاني لفلسطين وبداية حكم سلطات الانتداب البريطاني، ولعبت الهجرة اليهودية، ولا سيما من ألمانيا دوراً رئيسياً في تشكيل الجهاز المصرفي وتنشيطه إذ سعت إلى بناء القاعدة المصرفية اللازمة لممارسة النشاط الاقتصادي الصهيوني في فلسطين. ولذا فقد كان إنشاء المؤسسات المصرفية عائداً بالدرجة الأولى إلى الجهد اليهودي لا إلى الإدارة الانتدابية.

وينبغي ملاحظة أن بداية النشاط المصرفي الصهيوني الحقيقي ترافقت مع إقامة الشركة البريطانية - الفلسطينية (وهي أول مؤسسة مالية تابعة للمنظمة الصهيونية في فلسطين) فرعاً لها (بنك) في يافا. وقد أسس هذه الشركة أصلاً الصندوق الاستعماري اليهودي بعد المؤتمر الصهيوني الأول في بازل عام 1897. وعندما فشل البنك في دعم عمليات الهجرة وتسهيلها قام بإنشاء الشركة البريطانية- الفلسطينية لتشجيع نشاط اليهود التجاري والزراعي والصناعي. ولعبت هذه الشركة دوراً مهماً حتى تحولت في عام 1950 إلى بنك ليئومي لإسرائيل.وقد أنشأ هذه الشركة الصندوق القومي اليهودي (كيرين) في عام 1901 والصندوق التأسيسي (كيرين هايسود) في عام 1920.

 

1-    تطور الجهاز المصرفي في ظل الانتداب البريطاني:

أسفرت إقامة الإدارة البريطانية في عام 1917 عن عهد جديد في تنمية البلاد والسكان اليهود، كما حدثت تغييرات عميقة في النظام المصرفي، وصدر القانون المصرفي الأول في عام 1921/1922 فلم يضع قيوداً عملية على فتح البنوك الجديدة، بل أنشأ رقابة غير جدية (محدودة) انحصر في العمليات المصرفية. وحتى جمعيات التسليف التعاونية خضعت لتعليمات سطحية، فقام معظمها بممارسة أعمال البنوك رغم أنها لم تنشأ أصلاً لهذه الغاية.

وقد أدت هذه السياسة المصرفية، بالإضافة إلى الهجرة اليهودية وتدفق رأس المال على نطاق واسع في ذلك الوقت، إلى نمو سريع في عدد البنوك والجمعيات التعاونية للتسليف، ولا سيما خلال المدة الواقعة بين 1920 و 1943، كما يظهر الجدول رقم (1/8).

 

2-    تطور النظام المصرفي خلال المدة الواقعة بين 1932 و1945:

بدأ عهد جديد بالنسبة إلى المجتمع اليهودي في فلسطين منذ عام 1932 حتى عام 1945 وهي المدة التي شهدت الممارسات النازية أثناء الحرب العالمية الثانية، الأمر الذي أدى إلى تدفق المهاجرين اليهود إلى فلسطين بإعداد مضاعفة بالمقارنة مع معدلاتها أثناء السنوات الخمس السابقة (1927-1931). فقد رافقت هذه الهجرة عملية تدفق منتظم لرؤوس الأموال، وازدهرت البنوك ازدهار سائر فروع الاقتصاد، وشكل النشاط المؤسسات القائمة في السابق والمؤسسات التي فتحت أبوابها خلال هذه المدة. وقد كان لهجرة اليهود الألمان دور رئيسي في ذلك، إذ قاموا بإنشاء كثير من المنشآت الاقتصادية والصناعية والمصرفية المهمة.

 

الجدول رقم (1/8)

عدد المؤسسات المصرفية وفروعها في نهاية يعض السنوات (1920-1944) في فلسطين

 

1920

1930

1934

1938

1944

البنوك التجارية

5(8)

32(15)

73(22)

45(31)

25(37)

جمعيات التسليف التعاونية

-

34(3)

50(5)

62(11)

66(12)

المجموع

5(8)

75(18)

123(27)

107(42)

91(49)

 

ملاحظة:عدد الفروع موضح بين الأقواس.

 وبحلول عام 1953 كان قد تم تأسيس 80 بنكاً وأكثر من 50جمعية تسليف تعاونية يهودية. ونتيجة للزيادة السريعة في عدد البنوك وانعكاسات الحرب الأثيوبية –الايطالية على معظم البنوك الصغيرة فقد تحركت سلطات الانتداب لوقف الحرية شبه الكاملة التي كانت تسود النشاط المصرفي حتى ذلك التاريخ، فتم إصدار تشريع مصرفي لتدعيم الوضع المالي للبنوك المحلية، وتقوية رأسمالها، والحد من عدد البنوك والمؤسسات المالية الصغيرة، وأصبح التشريع نافذاً في تشرين الأول/أكتوبر 1937، بحيث اشترط حصول أي بنك على رخصة من المندوب السامي، بينما كان على المؤسسات التي تمارس نشاطاً تمويلياً أن تظهر سجلاتها رأسمالاً مسجلاً لا يقل عن 50,000 جنيه فلسطيني ورأسمالاً مدفوعاً لا يقل عن 25,000 فلسطيني (بلغ الحد الأدنى للمصالح الأجنبية 100,000).وأعطيت البنوك والمؤسسات التي يقل رأسمالها عن ذلك مهلة لتسوية أوضاعها وزيادة رأسمالها (حتى تشرين الأول/أكتوبر 1939).وتم استحداث وظيفة مراقب البنوك، وطلب من جميع البنوك أن تقدم بيانات مالية شهرية بموازناتها، بالإضافة إلى تقارير نصف سنوية حول قروضها وتوزيعها.

ولكن لا يمكن إرجاع الانخفاض الشديد الذي حدث في عدد البنوك خلال المدة الواقعة بين عام 1936 واندلاع الحرب العالمية الثانية إلى التعليمات الجديدة وحدها لأن فترة من الركود الاقتصادي بدأت في عام 1936 وتمثلت في انخفاض مستوى الهجرة وتراجع تدفقات رؤوس الأموال وحجم الاستثمارات بالإضافة إلى أعراض الكساد الأخرى. وتأتي في مقدمة الأسباب المحلية الثورة الفلسطينية العربية من عام 1936 إلى عام 1939.

وقد أدى ذلك كله إلى توقف كثير من البنوك عن العمل، بل إن بعض البنوك المسجلة لم تمارس أي نشاط، كما تراجع كثير من البنوك. ويظهر الجدول رقم (2/8) تطور عدد البنوك التجارية خلال المدة الوقعة بين 1935 و1945.

وقد أسهم في خروج البنوك الضعيفة من النظام المصرفي السحوبات بمعدلات عالية للودائع مع انفجار الحرب، الأمر الذي أثر بشكل أعمق في البنوك الصغيرة. وعبرت البنوك التي بقيت على قيد الحياة  إلى مرحلة نشاط وحيوية جديدة خلال المدة الوقعة بين 1942 و1945، وتمت بلورة هيكلية النظام المصرفي وفق التصنيف التالي:

(أ‌)    البنوك الأجنبية التي يمكن تقسيمها إلى المجموعات التالية:

. البنك الانكلو- فلسطيني وكان أكبر بنك في البلاد نظراً لاتصالاته الوثيقة بالمنظمة الصهيونية، وقد تركزت أنشطته في فلسطين.

. بنك باركليز والبنك العثماني في الترتيب الثاني بعد البنك الانكلو- فلسطيني، مراكزها الرئيسيان خارج فلسطين. وقد عملا وفق الأصول التجارية (رغم أن بنك باركليز عمل كبنك للحكومة وكوكيل لمجلس النقد).

.بنك الاتحاد الهولندي، والبنك البولندي الذي كان مرتبطاً ببنوك الادخار التابعة لمصلحة البريد البولندية، وكانت أنشطة البنكين على نطاق بسيط. وقد أنهى البنك البولندي أعماله في فلسطين عام 1932 بعد أن قام بتسهيل عمليات تحويل مدخرات المهاجرين اليهود من بولندا.

(ب‌)      البنوك المحلية التي تصنف كما يلي:-

-المؤسسات ذات النشاط العام والاهتمام الخاص بحقول معينة. وكان من أهمها بنك هبوعليم، والمؤسسة الفلسطينية، والبنك المركزي للجمعيات التعاونية في فلسطين، وبنك فلسطين الصناعي.

 

الجدول رقم (2/8)

تطور عدد البنوك التجارية وفروعها (1935-1945)

 

المراكز الرئيسية

الفروع

1935

80

26

1937

68

30

1939

38

35

1941

27

36

1943

26

37

1945

24

39

 

- المؤسسات الخاصة ذات الصفة التجارية، وقد شملت بنك الخصم الفلسطيني، بنك إليرنز وغيرهما من البنوك.

- البنوك العربية، وقد وصل حجم نشاطها إلى حد واضح ومعتبر بين السكان العرب.

(أ‌) جمعيات التسليف التعاونية:

مارست الجمعيات اليهودية وحدها الأعمال المصرفية ووصلت إلى منتصف حجم البنك، ورغم اختلاف هذه الجمعيات عن البنوك التجارية فإنها مارست نفس وظائفها فيما يتعلق بقبول الودائع وتقديم القروض.

ويلقي الجدول رقم (3/8) الضوء على تطورات الودائع والقروض في هذه المؤسسات التي يلاحظ فيها نتيجة لافتة مرتبطة بأن نصيب البنوك الأجنبية من القروض كان ضئيلاً في الوقت الذي استحوذت فيه على معظم أموال الودائع خلال الحرب (من 4/3 إلى 5/4). فبينما كان نصيب البنوك المحلية من الودائع لا تعدى 20% سجلت هي ما يزيد على 50% من قيمة القروض المقدمة.

 

الجدول رقم (3/8)

توزيع الودائع والقروض على المجموعات المصرفية الرئيسية

(بالنسب المئوية)

 

31/12/1936

ودائع   قروض

31/12/1940

ودائع     قروض

31/10/1945

ودائع      قروض

البنوك الأجنبية

65

44

79

51

67

35

البنوك المحلية

19

32

15

35

23

54

جمعيات التسليف التعاونية

16

24

6

14

10

11

المجموع

100

100

100

100

100

100

المجموع(مليون جنيه فلسطيني)

17,0

13,4

15,7

11,4

85,0

25,1

 

 وقد أسهمت عملية ارتفاع نسبة السيولة لدى البنوك الأجنبية، وكانت تفضل استثمار فوائضها في لندن، في خروج رأس المال من البلاد. وترك وجود بنوك أجنبية عريقة وجمعيات تسليف متطورة مجالاً ضيقاً لإقامة بنوك محلية خلال العقد الأول بعد الحرب. ومع ذلك فقد تم خلال سنوات الرواج (1933-1935) إنشاء عدة بنوك صغيرة. وفي نهاية آذار/مارس 1936 كان هناك 6 بنوك أجنبية، و 100 جمعية تعاونية للتسليف، ومالا يقل عن 70 بنكاً محلياً صغيراً، وبلغ متوسط رأسمالها هذه البنوك المحلية واحتياطيها 21,277 جنيهاً في آذار/مارس 1936، وبنهاية الحرب العالمية الثانية استطاعت البنوك أن تستخدم فوائضها المالية في توسيع مجالات إقراضها، وارتفعت نسبة الائتمان الممنوح إلى مجموع الودائع بنهاية عام 1947 إلى 46% في البنوك و 58% بالنسبة إلى جمعيات التسليف، بعد أن كانت النسبة قد انخفضت إلى أكثر من 70% في نهاية عام 1938 إلى أقل من 30% في نهاية 1945 بالنسبة إلى البنوك، ومن 109% إلى 32% بالنسبة إلى جمعيات التسليف.

 

3-   الجهاز المصرفي بين القطاعين العربي واليهودي:

أسهمت سياسات حكومة الانتداب التمييزية، وكثافة الوجود المصرفي الصهيوني، وغياب إدارة وطنية للنشاط الاقتصادي والمصرفي، وضعف الوجود المصرفي العربي، في تأمين القاعدة المصرفية المناسبة لانطلاق النشاط الاقتصادي الصهيوني في فلسطين. وقد لوحظ إتباع السلطة سياسة تمييزية بين البنوك الأجنبية والمحلية القائمة في فلسطين. فقد كانت تمنح البنوك الأجنبية امتيازات تفوق تلك المقدمة إلى البنوك المحلية. وقد ساعد ذلك معظم البنوك اليهودية على التغلغل في فلسطين، واستغلال مواردها، لأنها كانت مسجلة أصلاً في دول أجنبية، أو كانت فروعاً لها.

ولم يقتصر النشاط المصرفي الصهيوني على تنمية الزراعة اليهودية، بل تعداها إلى دعم القطاع الصناعي لتكتمل حلقة احتياجات الاستيطان الصهيوني لفلسطين.

ونشير فيما يلي إلى أبرز المؤسسات والأنشطة المصرفية الصهيونية والعربية:

* مؤسسة فلسطين المتحدة: جرى تأسيسها في لندن خلال عام 1922 من قبل المجلس الاقتصادي لفلسطين، وتحولت فيما بعد إلى بنك الاتحاد الإسرائيلي، وكان من أهم أهدافها تنمية الزراعة والصناعة اليهودية من خلال القروض القصيرة والمتوسطة الأجل.

 

4. التطورات النقدية في فلسطين:

تم خلال الحكم العثماني لفلسطين تداول عدة عملات أوربية، جنباً إلى جنب مع العملة التركية، ولوحظ أن الدوائر التجارية كانت تفضل التعامل بالعملة الفرنسية، ولا سيما قطعة نابليون الذهبية (20 فرنكاً)، وبعد انتصار الحلفاء على الجيش التركي في فلسطين دخلت العملة المصرية مع الجيوش، وأعلنت سلطات الاحتلال العسكرية في 23/11/1917 أن النقد المصري نقد قانوني إلى جانب عملات الحلفاء والعملة العثمانية، سواء كانت ذهباً أو ورقاً، وبعد اكتمال عملية احتلال فلسطين تم في شهر كانون الأول / ديسمبر 1918 وقف تداول العملة العثمانية.

ولدى تأسيس الإدارة المدنية البريطانية صدر بلاغ عام بتاريخ 1/2/1921 حصر النقد القانوني في العملة المصرية التي تشتمل على الليرة الذهبية والنقد الورقي والمسكوكات الفضية، وفي الليرة الانجليزية الذهبية بسعر 97.50 قرشاً مصرياً، وخلال عام 1924 بدأت سلطات الانتداب تفكر في إصدار نقد فلسطيني فجرى تأليف لجنة للبحث في إمكانية صكه وتحديد الخطة المناسبة لذلك، وقد اعترضت الهيئات العربية في فلسطين على هذه الخطة، وأوضحت أنها تمثل مشروعاً صهيونياً وضعه مدير البنك الانكلو – فلسطيني الصهيوني وقدمته "جمعية فلسطين الاقتصادية الصهيونية "، وقد أوضحت مذكرة اللجنة التنفيذية العربية أسباب اعتراضها على إصدار نقد فلسطيني في ذلك الوقت بالذات موضحة أن هذه الخطوة ستؤدي إلى عدم استقرار النقد، وأن الحكومة تستطيع أن تصدر من هذا النقد ما تشاء بلا ضوابط لعدم وجود غطاء ذهبي، وإلى عدم مناسبة التوقيت بسبب ظروف البلاد السياسية، الأمر الذي يترك أثراً سلبياً في الاقتصاد الفلسطيني.

ورغم ذلك فقد أنهت اللجنة تقريرها وأوصت بإصدار نقد فلسطيني مؤسس على الجنيه الإسترليني، وتأخرت الإجراءات التنفيذية المتعلقة بالإصدار لمدة سنتين فصدر

قانون العملة الفلسطينية رقم 907/53 بتاريخ 10/9/1926، وأصدر المندوب السامي قانوناً تم بموجبه منح الصفة الشرعية لمجلس النقد الفلسطيني الذي عينه وزير المستعمرات ومنحه سلطة إصدار النقد بالنيابة عن "حكومة فلسطين"، وتحددت طبيعة هذا النقد في مرسوم النقد الفلسطيني الذي صدر في 7/2/1927، وأعلن وزير المستعمرات البريطاني في 21/2/1927 بأنه سيستبدل بالنقد المصري النقد الفلسطيني، وأنه ستكتب على النقد اللغات الثلاث، الانكليزية والعربية والعبرية، وأنه سيضرب في لندن.

وتحدد الاحتياطي الذي يدعم النقد الفلسطيني من حصيلة استبدال العملات المصرية وحصيلة بيع النقود المتداولة في الاقتصاد الفلسطيني، يضاف إلى ذلك الدخل الناجم عن استثمارات مجلس النقد، وقد تشكلت في معظمها من سندات الحكومة البريطانية بالإضافة إلى سندات يوافق عليها وزير الخارجية البريطاني، وتم إبراز التزام الإدارة البريطانية بتحقيق هدف إقامة الوطن القومي اليهودي، وذلك بإلحاق الحرفين الأولين من عبارة أرض إسرائيل بكلمة فلسطين بالعبرية كما سبق البيان.

وقام مجلس النقد في لندن بإصدار العملة الفلسطينية ومراقبتها، ومثله في فلسطين ضابط العملة، وعين بنك باركليز في فلسطين وكيلاً لمجلس النقد.

 

2- خصائص النظام المصرفي في فلسطين:

تبلورت خصائص النظام المصرفي في فلسطين قبل قيام الدولة الصهيونية كما يلي:-

أ. كانت جميع البنوك، باستثناء البنك الأنكلو – فلسطيني وباركليز، وربما البنك العثماني، تتميز بصغر حجمها، وكان المركز الرئيسي لهذه البنوك الثلاثة في الخارج على الرغم من أن تسجيل البنك الأنكلو – الفلسطيني في لندن كان لمجرد استكمال متطلبات ممارسة النشاط في فلسطين.

ب. أدى غياب بنك مركزي وعدم وجود سياسة نقدية لمجلس النقد الفلسطيني إلى أن تلجأ البنوك إلى حماية نفسها والاعتماد على ذاتها في ظل ظروف متجددة من عدم الاستقرار، والبنوك الوحيدة التي كانت تستطيع الحصول على المساعدة كانت البنوك التي تلجأ عند حدوث الحاجة الفعلية إلى مراكزها الرئيسية في الخارج إذا كانت قادرة على تأمين تلك الحاجة.

ج. لعب البنك الأنكلو – فلسطيني دوراً مميزاً في النظام المصرفي، وحافظ على ذلك إلى أن تم إنشاء بنك إسرائيل، وقد حكم سياسات البنوك الأجنبية كـ (باركليز والعثماني)

في النشاط الاقتصادي في البلاد الاعتبارات التجارية من ناحية، وكونها مجرد فروع لمراكز أجنبية من ناحية ثانية.

د. كان انتشار فروع البنوك في نهاية فترة الانتداب محدوداً، فكان بنك باركليز والبنك الأنكلو – فلسطيني البنكين الوحيدين اللذين حافظا على وجود فروع خارج المدن الرئيسية، وقامت الجمعيات التعاونية للتسليف بتأمين حاجات المجموعات اليهودية في المدن اليهودية.

هـ. في غياب بنك مركزي وسياسة نقدية تركت نسب السيولة لتنظيم البنوك أنفسها، وبالرغم من إصدار بعض التعليمات أثناء الحرب العالمية الثانية فإنها لم تكن متناسقة.

و. كانت ودائع الجمهور تحت الطلب مصدراً أساسياً لأموال البنوك.

ز. نظراً لافتقار فلسطين إلى سوق مالية وإلى إصدارات للسندات لجأت معظم البنوك الكبرى إلى الاستثمار في سندات الخزينة البريطانية كأصول قابلة للتسييل. وكان الدخل الذي تحققه المؤسسات صغيراً ومتوسط الحجم يتأمن من مختلف أشكال الإقراض.

ح. مالت أسعار الفائدة التي كانت أعلى منها قبل الحرب في فلسطين بالمقارنة مع الدول الغربية إلى الانخفاض في ظل أحوال السيولة الزائدة التي سادت فترة الحرب العالمية الثانية، وقد كان سبب الارتفاع السابق في أسعار الفائدة نقص رأس المال، الأمر الذي أدى إلى التنافس عليه.

ط. لا يرتبط التخصص في طبيعة الأنشطة بين كل من البنوك وجمعيات التسليف التعاونية بتركيز أعمال الأخيرة في المناطق الريفية فقط، وإنما بتخصص البنوك في خدمة رجال الأعمال الصناعيين والتجاريين بينما تختص جمعيات التسليف بخدمة الصغار من رجال الأعمال.

ي. انعكست السياسة البريطانية السلبية تجاه التنمية الاقتصادية وعدم فرض رقابة جدية على النظام المصرفي في إتاحة الفرص لمبادرات المؤسسات المالية النشيطة، ولكن لوحظ أن غياب البنك المركزي حد من قدرة البنوك على القيام بالوظائف المطلوبة منها.

 

6. الخلاصة:

أظهرت اتجاهات التطور في النظام المصرفي و هيكليته في فلسطين خلال الانتداب، أن المحددات الرئيسية لتطوره وصياغة ملامحه الهيكلية كانت كما يلي:-

أ. قوى الحركة الصهيونية ومؤسساتها، وهي التي ارتبطت بحركة الهجرة اليهودية وتدفق الرأسمال اليهودي، والتي تعود في جذور أنشطتها إلى ما قبل عهد الانتداب، وقد أسهمت هذه القوى إسهاماً رئيسياً في التطور الذي شهده النظام المصرفي خلال المدة

الواقعة بين 1920 و 1943، كما أسهمت في إطلاق حرية السيولة المكبوتة أثناء الحرب العالمية الثانية، وقد تم ذلك بعد الحرب واستمر حتى قيام الدولة الصهيونية، وهي المدة التي شهدت تطوراً نوعياً انعكس على تسجيل نسبة القروض إلى الودائع تصاعداً ملحوظاً .

ب. الإدارة البريطانية، وهي التي أسهم ضعفها في البداية وعدم اتباعها سياسة نقدية ومصرفية حازمة في زيادة عدد البنوك والمؤسسات المالية، وهي زيادة أصبحت ممكنة كذلك بفعل تأثير القوى الصهيونية ومؤسساتها التي أشير إليها سابقاً، على أن حجم النشاط المصرفي في فلسطين تراجع، وعدد البنوك تقلص بسبب الإطار القانوني الذي استحدثته سلطات الانتداب في عام 1937، وبسبب تكثيف تدخلها.

ج. أسهم غياب إدارة وطنية للتنمية في غياب سلطة نقدية مركزية وبنك مركزي، الأمر الذي ترك المجال لمبادرات البنوك في تنظيم أنشطتها التمويلية وفقاً لاعتبارات السمة المالية، كما أنه أسهم في حدوث اختلال في دور البنوك الأجنبية والمحلية، إذ تناقص مستوى نشاطها بالنسبة إلى مستويات الودائع التي حققتها كل من الفئتين في السوق المحلية كما سبق الإشارة.

 

ثانياً - النظام المالي:

أظهر هيكل المالية العامة واتجاهاتها المتحققة في فلسطين خلال الانتداب البريطاني نمطاً متميزاً ترجم الهيمنة الاستعمارية البريطانية المتحالفة مع الإدارة المؤسسية الصهيونية، وقد نجم هذا النموذج عن غياب إدارة التنمية الوطنية التي تمثل الأغلبية السكانية العربية في فلسطين أثناء تلك الحقبة، وقد تمثلت معالم النظام المالي في كل من التركيبة الهيكلية لنظام المالية العامة والنظام الضريبي الذي جرى اتباعه، والتطورات المالية العامة، بالإضافة إلى هيكل النظام المالي للمؤسسات الصهيونية.

 

1. هيكل النظام المالي:

بينما كانت ميزانية فلسطين تعد في لندن وتجري الموافقة عليها واعتمادها من قبل وزير المستعمرات البريطاني بدون الرجوع إلى أية جهة تمثل أهل فلسطين، كانت ميزانية المجالس البلدية خاضعة لموافقة حاكم اللواء الذي كان يجري تعيينه بموافقة المندوب السامي البريطاني في فلسطين.

ونشير فيما يلي إلى الخصائص الرئيسية لهيكل المالية العامة:-

 

أ. الإيرادات:

تمثلت الإيرادات العامة في الضرائب المباشرة التي تكونت بشكل رئيسي من الضريبة على الدخول، والضرائب غير المباشرة التي اعتمدت أساساً على الرسوم الجمركية، وذلك بالإضافة إلى الرخص والرسوم والخدمات والمشاريع شبه التجارية ذات المردود وغيرها من الإيرادات.

* النظام الضريبي: اعتمد النظام الضريبي على الضرائب المباشرة والضرائب غير المباشرة، وتشكلت الأولى من الضرائب على الأملاك في القرى والمدن، وعلى الحيوانات.

* ضريبة الأملاك في القرى: استبدلت في عام 1935 ضريبتان هما ضريبة الأعشار وضريبة الويركو (ضريبة الأراضي في المناطق الريفية) بهذه الضريبة، وقد خضعت ضريبة الأعشار لعدة تطورات، إذ كانت تجنى في البداية نقداً بمعدل 12.5% من مجمل الغلة، وفي عام 1925 خفضت ضريبة الأعشار إلى 10% بطرح نسبة 2.5% وهي تعادل النسبة التي كانت الحكومة العثمانية قد أضافتها من أجل الاستعدادات الحربية والعجز في الميزانية وإنشاء المصرف الزراعي العثماني، وفي عام 1927 صدر قانون تعديل الأعشار وجعلت الضريبة مبلغاً سنوياً مقطوعاً.

أما ضريبة الوبركو فكان معدلها حسب القوانين العثمانية 4 بالألف من قيمة الأراضي الأميرية و 10 بالألف من قيمة الأراضي الملك. وكانت الحكومة العثمانية تزيد هذه المعدلات من وقت إلى آخر حسب حاجتها، للخدمات أو لسد العجز في الميزانية. ولهذا أصبحت المعدلات الحقيقية 6,24 بالألف من قيمة الأراضي الأميرية، و 16,1 بالألف من قيمة أراضي الملك، و 14,1 بالألف من قيمة الأملاك المبنية.

وقد استعاضت إدارة الانتداب عن ضرائب الأراضي (الأعشار والويركو) بضريبة واحدة، فسنت في عام 1928 قانون ضريبة الأملاك في المدن، وأصدرت في النصف الأول من عام 1935 قانون ضريبة الأملاك في القرى، وهو يشبه بوجه عام القانون الأول. وقد خمنت الضريبة على المباني المستغلة في القرى على أساس قيمتها السنوية الصافية، وأما الأراضي القابلة للزراعة فقد قسمت إلى أصناف حسب تقدير درجة خصبها، وحدد معدل للضريبة على كل دونم بالنسبة إلى غلته السنوية الصافية المقدرة.

وقد حددت الضريبة على الدونم الواحد بمعدل 10% من الغلة الصافية المقدرة , و قدرت الضريبة على الأراضي المزروعة أشجاراً حمضية بنسبة 12,5% من الدخل الصافي على أساس أن مالكي البيارات الحمضية أقدر مالياً على الدفع من مزارعي الحبوب , رغم أن الحوادث أثبتت عكس ذلك.

ضريبة الحيوانات: كانت تدعي ضريبة المواشي في العهد العثماني و كانت تجبي عيناً على شكل منتجات حية , ثم استبدلت بها ضريبة نقدية على الرأس الواحد , و استمرت الضريبة النقدية في عهد الإدارة العسكرية مع تحويل معدلها إلى العملة المصرية و كانت كما يلي:

الغنم و الماعز                       48 ملاً على الرأس الواحد.

الجمال و الجواميس               120 ملاً على الرأس الواحد.

الخنازير                             90 ملاً على الرأس الواحد.

ثم خفضت الضريبة عام 1937 \ 1938 فأصبحت 20 ملاً على الغنم و الماعز و 50 ملاً  على الجمال في اللواء الجنوبي.

ضريبة الأملاك في المدن: بعد الاحتلال البريطاني بدأ في عامي 1920 و 1921 تنفيذ الضريبة في المناطق البلدية في حيفا و عكا و شفا عمرو. و كان معدل الضريبة 8,5% من مجمل الدخل , وقسمت إيراداتها بين الحكومة و البلدية المختصة (بنسبة 3,5% للأولى و 5% للثانية). وكانت تجبي من صاحب المسكن لا من مستأجره يدفعون ضريبة السكن وظل الأمر على هذا الحال حتى عام 1925 عندما سن قانون ضرائب البلديات الذي خول البلديات كلها جباية ضريبة على السكن.

وضعت ضريبة الأملاك في المدن موضع التنفيذ عام 1928 , وفرضت على أساس صافي القيمة السنوية (قيمة الإيجار الصافي السنوي) للأملاك المبينة (بيوت السكن) و للأبنية الصناعية أو الأراضي التي ستستخدم للبناء. و تقرر أن لا يزيد معدل الضريبة عن 15% من مصافي القيمة السنوية , و يعين سنوياً بمرسوم يصدره المندوب السامي (كان هذا المعدل عام 1938 مثلاً 10% مع بعض الإعفاءات).

الضرائب غير المباشرة: تكونت هذه الضرائب من الرسوم الجمركية ورسوم المكوس ورسوم الرخص و الخدمات ورسوم الطوابع. وكانت الضرائب غير المباشرة ذات أهمية خاصة في هيكل النظام المالي في فلسطين , و يشير الجدول رقم (4/8) إلى تطور أهميتها النسبية.

 وسنشير فيما يلي إلى الرسوم الجمركية نظراً لأهميتها الخاصة: خضعت سياسة إدارة فلسطين التجارية , بما فيها الرسوم الجمركية , لبعض القيود و الشروط التي قررت بشكل مسبق حدود الرسوم الجمركية و الإجراءات المتعلقة بها. و يستشهد في هذا المجال بنص المادة الثانية عشرة من صك الانتداب البريطاني على فلسطين التي قيدت إدارة فلسطين بعدم التفرقة في المعاملة التجارية و الضريبية بين رعايا أية دولة من الدول الداخلة في عصبة الأمم (بما في ذلك الشركات المؤلفة بموجب قوانين تلك الدول) و رعايا الدولة المنتدبة أو رعايا أية دولة أجنبية أخرى.

كما حصرت المادة نفسها إمكانية قيام إدارة فلسطين بعقد أي اتفاق جمركي بالدول التي كانت جميع أملاكها في سنة 1914 داخلة في تركيا الآسيوية أو شبه جزيرة العرب.

و يتضمن الجدول رقم (5/8) بياناً بقيمة البضائع الخاضعة للرسوم و غير الخاضعة للرسوم التي تم استيرادها في عام1936.

و مما يجدر ذكره أن 17% تقريباً من مجموع البضائع غير الخاضعة للرسوم كان يمثل المستوردات من سوريا و لبنان حسب الاتفاقية الجمركية , كما سجلت مستوردات الحكومة و مخازن الجيش البريطاني ما نسبته 17% من مجموع البضائع غير الخاضعة للرسوم.

و لوحظ أن ما نسبته 72% من مجموع الأموال المحصلة في عام 1936 نجم عن رسوم مفروضة على عدد محدود من البضائع الاستهلاكية التي كان يدفع معظمها الفرد العادي (الجدول رقم 6/8).

أما رسوم المكوس فقد فرضت على عيدان الثقاب و الملح و التبغ و الخمور و المشروبات الروحية. و بالنسبة إلى رسوم النقل على الطرق فقد كانت حتى عام 1934 توزع بالتساوي بين الحكومة و البلديات (المسئولة عن إنشاء الطرق ضمن المناطق البلدية و صيانتها). و قد تميزت هذه الرسوم بثقل عبئها على أصحاب السيارات الذين كان عليهم أن يدفعوا رسوم استيراد مرتفع على البنزين , و قد احتفظت الحكومة لنفسها بجميع هذه الرسوم  , و عوضت خسارة البلديات بمساعدات سنوية من الأموال العامة.

الإيرادات الأخرى: و قد تكونت من الرخص و الرسوم على الخدمات و الإيرادات من المشاريع شبه التجارية و غيرها.

الجدول رقم (4/8)

أهمية الضرائب غير المباشرة بالنسبة إلى مجموع الإيرادات

 

1933-1934

1934-1935

1935-1936

1936-1937

1937-1938

المبلغ (بالجنيهات الفلسطينية)

النسبة المئوية إلى مجموع الإيرادات

المبلغ

النسبة المئوية

المبلغ

النسبة المئوية

المبلغ

النسبة المئوية

المبلغ

النسبة المئوية

الرسوم الجمركية

1,868,598

48,90

2,600,370

49,10

2,751,246

49,03

2,019,479

44,93

1,999,697

42,2

رسوم المكس (أ) على الثقاب (الكبريت)

17,740

0,47

23,817

0,46

30,933

0,55

28,136

0,63

28,552

0,6

رسم المكس على الملح

12,950

0,34

14,450

0,27

16,400

0,30

13,250

0,29

15,655

0,3

رسم المكس على التبغ

237,812

6,23

274,055

5,18

257,694

4,60

223,585

4,97

237,551

5,0

رسم المكس على الخمور و المشروبات الروحية

50,057

1,32

58,139

1,10

67,723

1,21

79,109

1,76

72,338

1,5

رسوم الطوابع

70,160

1,84

105,254

1,99

124,477

2,21

88,939

1,98

98,347

2,1

المجموع

2,257,317

59,10

3,076,085

58,10

248,473

57,90

2,452,498

45,56

2,451,140

51,7


 

جدول رقم (5/8)

قيمة البضائع الخاضعة للرسوم و غير الخاضعة للرسوم التي استوردت إلى فلسطين

عام 1936 (بالجنيهات الفلسطينية)

القسم

1936

غير الخاضعة للرسوم

الخاضعة للرسوم

1- المأكولات و المشروبات والتبغ

1,779,000

2,160,000

2- المواد الأولية و البضائع غير المصنوعة  بالأكثر

678,000

294,000

3- البضائع المصنوعة بتمامها أو أكثرها مصنوع

2,019,000

4,533,000

4- بضائع متفرقة

2,493,000

23,000

المجموع

6,969,000

7,010,000

 

المصدر: نفسه ص 78.

 

و أما الرخص و رسوم الخدمات فقد كانت مفروضة على رخص تعاطي المهن و خص النقل على الطرقات و على رخص التجارة و الصناعة و تربية الحيوانات, و شملت أيضاً رسوم الموانئ و المحاكم و تسجيل الأراضي و التجنس و الخدمات الاجتماعية كالصحة و التعليم.

و أما الإيرادات الناجمة عن المشاريع شبه التجارية فقد شملت البرق و البريد و الهاتف و سكة الحديد. و تجدر ملاحظة أن المستفيد الأكبر من هذه الخدمات كان الإدارة البريطانية أو القطاع اليهودي في فلسطين. فمن أصل 127 مكتباً للبريد كانت في فلسطين عام 1944 على سبيل المثال , كان في المدن العربية 33 مكتباً فقط , بينما انتشرت المكاتب الأخرى في مناطق التجمعات اليهودية في المدن و المستوطنات اليهودية. كما أنشئت سكة الحديد التي شملت خط حديد فلسطين (رفح – حيفا , يافا- القدس, بيت نبالا – صرفند – سيناء) و خط حديد الحجاز (حيفا- سمخ , حيفا – عكا , نابلس – طولكرم) لأغراض عسكرية بريطانية.

الجدول رقم (6/8)

أهم البضائع الخاضعة للرسوم التي استوردت في سنة 1936

 

القيمة بالجنيهات الفلسطينية

الرسوم

النسبة المئوية إلى مجموع الرسوم الجمركية

(أ) السيارات والبنزين والإطارات وقطع السيارات الإضافية

524,021

575,348

109,8

28,6

(ب) السكر وطحين القمح وورق التبغ والسائر والزبدة والسمك (من جميع الأنواع والثمار الطازجة والرز والبن)

1,509,338

480,674

31,8

23,9

(ج) الكيروسين

189,230

104,325

55,1

5,2

(د) الألبسة، بما فيها الأقمشة القطنية والأنسجة الحريرية والصوفية

1,047,598

191,162

18,9

9,8

(هـ) مواد البناء

625,604

93,282

14,9

4,6

المجموع

3,895,791

1,444791

37,3

72,1

 

 المصدر: الموسوعة العلمية الفلسطينية، القسم العام، المجلد الثالث، ص 78.

 

و أما الإيرادات الأخرى فقد شملت الممتلكات الحكومية، والأموال المستثمرة،  قبل مجلس النقد، بالإضافة إلى الحكومة البريطانية. وشكلت المساعدات المالية الأخرى كذلك مساعدات الحكومة البريطانية للحكومة المحلية. و قد ازدادت هذه المساعدات من 139,686 جنيهاً في عام 1936/1937 إلى 1,689,516 جنيهاً في عام 1938/1939.

يضاف إلى ذلك المساعدات التي قدمها صندوق تنمية المستعمرات، من أجل تمويل المشاريع التي تهم بالدرجة الأولى الإدارة البريطانية، وبعض الهبات المشروطة التي قدمت من بعض الأشخاص والمؤسسات الأجنبية.

(أ‌)    المصروفات:

تكونت المصروفات بشكل رئيسي من المصروفات العسكرية ومصروفات الإدارة والدوائر القضائية والخدمات الاجتماعية (خاصة التعليم والصحة) ومصروفات المصالح الاقتصادية والعمرانية (الزراعية والغابات والبرق والبريد والهاتف وسكة الحديد والأشغال العامة).

وشملت المصروفات العسكرية البوليس والسجون وقوة حدود شرقي الأردن ونفقات الجيش البريطاني. والجدير بالذكر أن الصرف على قسم البوليس البريطاني استمر بشكل تراجعي حتى عام 1928، ثم تلاشت مخصصاته من الميزانية الفلسطينية.

ويلاحظ تصاعد أهمية هذه البنود، لاسيما في الفترات التي كانت تندلع فيها الثورة الفلسطينية، وذلك بهدف تعبئة كافة الطاقات المتاحة لضرب هذه الثورة وإجهاض المقاومة العربية، على حساب الإنفاق على الشؤون الاجتماعية والاقتصادية.

وأما نفقات الإدارة فقد شكلت راتب المندوب السامي وهيئة السكرتارية ودوائر حكام الألوية بالإضافة إلى نفقات التقاعد، مع ملاحظة أن معظم هذه المخصصات قد تركزت في أيدي الكوادر البريطانية والصهيونية. كما اتسمت مستويات مخصصاتها بالارتفاع بالمقارنة مع مثيلاتها في الأقطار الأخرى في المنطقة.

وبالنسبة إلى مخصصات الدوائر القضائية فقد شملت المحاكم القضائية والمحاكم الشرعية والمجلس الإسلامي الأعلى بالإضافة إلى محاكم الصلح والاستئناف التي كانت تحت الهيمنة البريطانية. وقد لوحظ انخفاض المخصصات التي منحت للدوائر الشرعية، الأمر الذي أدى إلى انخفاض حجم الخدمات الإسلامية ومستواها، كانخفاض عدد الوعاظ والمدارس الشرعية وقلة الاهتمام بالممتلكات الوقفية.

ويلاحظ فيما يتعلق بقطاع التعليم، أنه في حين اعتمد القطاع اليهودي على تبرعات المؤسسات الصهيونية المختلفة لدعم مؤسساته التعليمية التي كانت مستقلة منذ العهد العثماني وطوال عهد الانتداب، لم يتح للقطاع العربي سوى تبرعات محدودة.

وقد اتسم الإنفاق على قطاع الصحة العامة بالمحدودية، وكذلك الإنفاق على المصالح الاقتصادية والعمرانية الذي شكل القروض الزراعية المحدودة (خاصة للقطاع العربي) والبريد والبرق والهاتف والسكة الحديدية (التي كانت موجهة أصلاً، كما سبق القول، لخدمة المصالح البريطانية والصهيونية).

وبالنسبة إلى الأشغال العامة فقد شكلت المباني والدوائر الحكومية، بما فيها قصر المندوب السامي في القدس، وإقامة شبكة طرق عسكرية وشبكة طرق أخرى تربط بين التجمعات والمستعمرات اليهودية.

 

التطورات المالية العامة:

يلاحظ من البيانات المتوفرة عن الإيرادات والمصروفات العامة منذ تاريخ تشكيل الحكومة المدنية (1/7/1920) حتى عام 1939/1940 ما يلي:

(أ) عدم انتظام اتجاهات الإيرادات والنفقات العامة سواء نحو الزيادة أو النقصان، مع ملاحظة عدم تحقق النمو المطرد في مستويات الإيرادات والنفقات العامة، وهو الطابع الأغلب لأي اقتصاد يتمتع بإدارة وطنية في الأوضاع العامة العادية.

 (ب) بينما اقتربت الموازنة العامة من التوازن في بعض السنوات، راوحت في اتجاهها الغالب بين فائض أو عجز، مع ملاحظة أن النتيجة النهائية لمجمل حركة الإيرادات والنفقات العامة سجلت خلال المدة الواقعة بين 1920/1921 و 1939/1940 فائضاً بلغت قيمته 3,396,754 جنيهاً فلسطينياً.

(ج) شهدت المدة الواقعة بين 1935/1936 و 1939/1940 أعلى مستويات في الإيرادات والمصروفات، ويعود ذلك إلى ضخامة الإنفاق الأمني والعسكري بسبب الثورة العربية الفلسطينية.

وقد استحوذت الرسوم الجمركية على الترتيب الأول بين مصادر الإيرادات العامة المختلفة وتلتها في الأهمية الرخص والضرائب ثم رسوم المحاكم والمكاتب فالإيرادات من البريد والتلغراف.

(د) لوحظ تأثر مستويات الإيرادات من مبيعات الأراضي بكل من كثافة الهجرة اليهودية التي انعكست في شراء المزيد من الأراضي من ناحية، وكثافة المقاومة العربية للنشاط الصهيوني في فلسطين، وقد توجته الثورة العربية الفلسطينية خلال 1936-1939، من ناحية ثانية.

فقد سجل عام 1934/1935 أعلى مستوى لهذه الإيرادات إذ بلغت 31,640 جنيهاً فلسطينياً، ثم انخفضت في عام 1936/1937 انخفاضاً كبيراً إلى 2,441 جنيهاً فلسطينياً أو بما نسبته 92%، واستمر تراجع المستوى العام للإيرادات من مبيعات الأراضي حتى عام 1940.

(هـ) راوحت الإيرادات السنوية خلال السنوات الأولى العشر من عمر الإدارة المدنية بين 1,675,000 جنيه فلسطيني و 2,500,000 جنيه سنوياً وازدادت خلال السنوات الأربع (1932/1933 -1935/1936) زيادة سريعة محققة ما قيمته 5,770,457 جنيهاً في عام 1935/1936. ونتيجة للاضطرابات التي حدثت خلال عام 1937/1938 إلى 4,897,456 جنيهاً، لكنه عاد فارتفع إلى 6 ملايين جنيه في عام 1938/1939 وإلى 6,868,000 جنيه في عام 1939/1940، وإلى 8,436,000 جنيه في عام 1940/1941. والزيادة المتحققة في الإيرادات قبل عام 1935/1936 رافقها تغيرات رئيسية في الأهمية النسبية لمصادر الإيراد، إذ احتلت الرسوم الجمركية مركزاً أكثر أهمية عن ذي قبل (من 27% في عام 1921/1922 إلى 47.7% في عام 1935/1936). وليس هذا الأمر مستغرباً إذا ما أخذ في الاعتبار التنمية السريعة التي تحققت في البلاد خلال الخمس عشرة سنة السابقة لعام 1935/1936، ولا سيما بالنسبة إلى الاقتصاد اليهودي في فلسطين.ثم انخفضت نسبة مساهمة الإيرادات الجمركية في مجموع الإيرادات العامة من 40.8% في عام 1937/1938 إلى 32.1% عام 1938/1939 وإلى 29.4% عام 1939/1940 وذلك بسب ارتفاع نسبة المعونات المقدمة من الحكومة البريطانية، مع ملاحظة أن مساهمة الإيرادات الجمركية بلغت 43.6% من مجمل الإيرادات المحلية خلال عام 1939/1940.

(و) لعبت الإيرادات من الضرائب على النشاط الزراعي دوراً أقل أهمية منذ الحرب العالمية الثانية، وقد شكلت ضرائب العشر، والضريبة على الحيوانات والبيوت الريفية، وضرائب الأراضي، المصدر الأساسي للإيرادات في العهد التركي وخلال السنوات الأولى للإدارة المدنية في فترة ما بعد الحرب.

ولقد سجلت ضرائب العشر على الحيوانات في عام 1922/1923 ما قيمة 249,399 جنيهاً أو ما نسبته 13.8% من مجموع الإيرادات، وفي عام 1939/1940 حققت ما قيمته 33,828 جنيهاً (0.5% من مجموع الإيرادات)  ويعود هذا الانخفاض إلى المحصول الزراعي السيئ بالإضافة إلى التغيير الذي تحقق في نظام الضرائب على الأراضي والبيوت الريفية وضرائب العشر في عام 1935، وتم استبدالها بضريبة الملكية الريفية. وتم فرض الضريبة الأخيرة على ضوء المسح الطبوغرافي للمناطق الريفية، واختلفت الضريبة حسب تصنيف الأراضي التي قسمت إلى 16 صنفاً حسب نوعية الأرض.

ففي أعلى الضرائب على الأراضي المزروعة بالحمضيات، ثم انخفضت مستويات الضرائب بشكل تدريجي حسب أصناف الأراضي. ولم تفرض ضريبة على الأراضي غير المزروعة.وجرى تخفيض الضريبة على الحمضيات في عام 1939/1940 من 400 مل للدونم إلى 150 ملاً للدونم. وفي منطقة عكا بقي المعدل 40 ملاً للدونم. وفي عام 1940/1941 ألغيت الضريبة على الأرض المزروعة بالحمضيات.

(ز) المصروفات: تقارب مستوى المصروفات من مستوى الإيرادات بين 1920 و 1932، بينما تخلف مستوى المصروفات عن مستوى الإيرادات المتزايد بسرعة بعد ذلك، الأمر الذي أدى إلى تراكم فوائض مالية بلغت في عام 1935/1936 ما قيمته 6,627,810 جنيهات. وقد تزايد مستوى المصروفات خلال فترة الاضطرابات بسبب الإنفاق على الأمن والشؤون العسكرية وكذلك انخفضت الإيرادات بحدة، الأمر الذي أدى إلى تخفيض فائض الميزان المالي إلى 2,533,265 جنيهاً في 31/3/1939. وفي عام 1939/1940 زاد مستوى الإيرادات عن مستوى المصروفات بحوالي 863,489 جنيهاً بسبب الهبات الواضحة من الحكومة البريطانية. وبلغت قيمة الفوائض المالية المتراكمة في 31/3/1940، بما فيها إعادة تقييم الأصول الاستثمارية صعوداً، 3,396,754 جنيهاً. كما أوضحت البيانات المالية المتوفرة عن الموازنة العامة لعام 1944/1945 حدوث عجز بسيط بلغت قيمته 669,912 جنيهاً فلسطينياً، بينما سجلت بيانات عام 1946/1947 فائضاً مالياً بلغت قيمته 3,169,611 جنيهاً.

(ح) هيكل النظام المالي للبلديات والمجالس المحلية: أظهرت بيانات الموقف المالي المتعلقة بإيرادات المجالس البلدية والمحلية في فلسطين ومصروفاتها خلال المرحلة الواقعة بين عام 1931 وعام 1940 ما يلي:

. تفوقت بلدية تل أبيب في مستوى إيراداتها ومصروفاتها تفوقاً كبيراً على مستوى البلديات الأخرى: بلغت إيراداتها 670,699  جنيهاً خلال عام 1940 بينما وصلت إيرادات بلدية القدس إلى حوالي 149,797 جنيهاً، ثم جاءت في الترتيب الثالث في الأهمية بلدية حيفا (133,575 جنيهاً) ثم بلدية يافا (67,636 جنيهاً) فبلدية غزة (21,686 جنيهاً) ونابلس (14,369 جنيهاً) مع ملاحظة حدوث بعض التغيير على الأهمية النسبية لبلديتي القدس وغزة، وذلك خلال عام 1940 بالمقارنة مع عام 1931، إذ كانت بلدية القدس تحتل المرتبة الثالثة بعد حيفا وكانت غزة تحتل المرتبة السادسة.

. في حين سجلت ميزانيات المجالس البلدية والقروية فائضاً مالياً أحياناً وعجزاً أحياناً أخرى، فإن الطابع العام كان الاقتراب من الموازنة بين الإيرادات والمصروفات باستثناء فائض كبير أظهرته بيانات عام 1931.

.ازدادت أو تضاعفت مستويات إيرادات جميع المجالس البلدية والمحلية، إلا أن بلدية نابلس سجلت في عام 1940 ارتفاعاً قارب ستة أضعاف مقارناً بمستوى عام 1931.

 

3- هيكل النظام المالي للمؤسسات الصهيونية:

لعبت المؤسسات الصهيونية ذات النشاط العام الموجة لخدمة استيطان فلسطين من قبل المجتمع اليهودي دوراً رئيسياً في هيكل النظام المالي العام خلال فترة الانتداب. وقد ارتبطت تلك المؤسسات فيما يتعلق بإيراداتها بالمساهمات الطوعية الخارجية، ولا سيما من المنظمات والجمعيات الصهيونية، بالإضافة إلى الإيرادات الناجمة عن الخدمات والأقساط المستردة من قروضها المقدمة إلى المؤسسات اليهودية في فلسطين.

واستناداً إلى المعلومات المتوفرة أمكن حصر المؤسسات الصهيونية التي شكلت الهيكل الرئيسي للنظام المالي الصهيوني في فلسطين في ما يلي: صندوق إعادة البناء، الكيرين هايسود، الكيرين كايميت، مستشفى هداسا، المنظمة الصهيونية العالمية للنساء (w.i.z.o)، الجامعة العبرية، صندوق الطوارئ لفلسطين، صناديق اليهود الألمان والمهاجرين.

واستناداً إلى المعلومات التي ورد ذكرها آنفاً فإنه يمكن إيراد الملاحظات التحليلية التالية:

أ. أسهمت إيرادات التبرعات التطوعية بما قاربت نسبته 86.9% من مجموع الإيرادات العامة للصناديق والمؤسسات القومية اليهودية، بينما أسهمت إيرادات الخدمات وتحصيلات القروض التي قدمتها بما نسبته 13.1% وذلك من عام 1917 إلى عام 1940.

ب. استحوذ الكيرين هايسود والكيرين كيميت على النسبة الكبرى من مجمل الإيرادات المتحققة لمختلف الصناديق والمؤسسات اليهودية خلال الفترة المذكورة (بنسبة 69% تقريباً و 44.5% على التوالي).

ج. تكونت العناصر الرئيسية لأوجه الإنفاق المتكرر والإنمائي لهذه الصناديق والمؤسسات على التوالي حسب أهميتها النسبية: الاستيطان الزراعي، وقد استحوذ على 38.7% من مجمل الإنفاق، التعليم، وقد استحوذ على 19.4%، الصحة والعمل الاجتماعي، وقد استحوذ على 12.6%، الاستيطان المدني والصناعة والزراعة والاستثمارات، وقد استحوذت على 7.7%، التنظيم الوطني والمعونة الطارئة والضمان، وقد استحوذت على 6.2%، الأشغال العامة والعمل السكاني، وقد استحوذت على 5.5%.

كما لوحظ أن ما نسبته 57.7% قد تم توجيهه إلى أنشطة الهجرة والاستيطان والأنشطة المتصلة بها، بينما تم توجيه 42.3% إلى أنشطة التنمية الاجتماعية والإدارة العامة.

د. لوحظ تصاعد حجم التمويل الصهيوني للمؤسسات الصهيونية السابقة من عام 1940 إلى عام 1944، أي أثناء الحرب العالمية الثانية، وكذلك خلال فترة ما بعد الحرب وقبل قيام الدولة الصهيونية.

وارتفعت تقديرات الإيرادات في عام 1945 فوصلت إلى 164 مليون جنيه (منها 109 ملايين كممتلكات مهاجرين و 46 مليوناً تدفقت على المنظمات الصهيونية و 9 ملايين جنيه من البارون روتشيلد عن طريق "بيكا"، وارتفع تدفق الرساميل الصهيونية في نهاية فترة الانتداب فوصل إلى مائتي مليون جنيه).

 

4. خصائص النظام المالي المتبع في حكومة الانتداب:

أ. حتى اندلاع الثورة العربية الفلسطينية في عام 1936، لم تكن فلسطين تمثل بأي حال من الأحوال، أي عبء على الخزينة البريطانية، ورغم تعرض الموازنة العامة لعجز موسمي أحياناً في أوقات الكساد فإن العجز كان يغطي من الفوائض المتراكمة، ولكن عام 1936 شهد التحدي عندما بلغت الإيرادات 4/3 المصروفات وكان الإنفاق الذي وجه في معظمه نحو الأمن العام يغطي من الضرائب.

ولدى اندلاع الحرب العالمية الثانية تحملت سلطة الانتداب أعباء مصاريف كبرى، لا للأمن العام فحسب، بل كإعانات للمحافظة على تكاليف المعيشة أيضاً، وقد بلغت تلك المصاريف 3.353.525 جنيهاً استرلينياً من أصل مجموع المصاريف البالغ 14.819.250 جنيهاً استرلينياً، وذلك في عام 1943/1944، كما بلغت تلك المصاريف في عام 1944/1945 حوالي 4.703.148 جنيهاً استرلينياً من أصل مجموع المصاريف البالغ 18.196.594 جنيهاً استرلينياً.

ويقدر مجموع المساعدات المالية البريطانية التي قدمت إلى حكومة فلسطين بين عام 1937 وعام 1947 بمبلغ 12.613.759 جنيهاً استرلينياً.

وهكذا يلاحظ أن حكومة الانتداب نجحت إلى حد كبير في تجنب تحمل أية أعباء مالية كبرى، وذلك إذا ما أخذت الحصيلة الإجمالية لحسابات الميزانية العامة طوال حكم الانتداب البريطاني بالحسبان.

ب. السياسة الضريبة كانت مرهقة لكل من المواطن العربي والفلاح العربي، وقد جرى تصميمها وفق توجه استهدف خلع الوجود العربي من فلسطين، وهي سياسة اعتمدت على تحويل العبء الناجم عن تصاعد الإنفاق المرتبط بالسياسات الصهيونية في فلسطين، ولا سيما ما يتعلق بالهجرة وما ترتب عليها من اضطرابات متواصلة، تحويل ذلك العبء إلى المواطن العربي الذي تدنى دخله، وأصبحت الضرائب تصيب ما نسبته 25% من صافي دخله السنوي، ولا سيما بالنسبة إلى الفلاح الذي بلغ معدل دخله السنوي 23 جنيهاً و 370 ملاً، مع ملاحظة أن التجار وذوي المهن الحرة والمستخدمين الذين بلغ دخلهم ألف جنيه، ومعظمهم من اليهود، كانوا يدفعون في حدود 12.5% فقط من الدخل السنوي الصافي، وذلك يعكس أيضاً عدم عدالة توزيع العبء الضريبي في عهد الانتداب، وبينما كانت حكومة الانتداب تحصل الضرائب من الفلاح كانت تحرمه من حق الاستفادة من موارد الخزينة في شق طرق إلى قريته، إذ سنت قانوناً ألزمه بشق الطرق وإلا دفع رسماً خاصاً، بينما استرسلت حكومة الانتداب في سياستها لإقامة شبكة المواصلات التي تخدم أغراضها العسكرية وتعمل على اتصال التجمعات والمستوطنات اليهودية بشبكة مواصلات حديثة.

ج. ارتبطت السياسة الضريبة بهدف الضغط الاقتصادي على العرب، فمنذ الاحتلال البريطاني لفلسطين تشدد البريطانيون في جمع الضرائب المتراكمة، بالرغم من أن الاحتلال تزامن مع انتهاء الحرب العالمية الأولى التي عاشت فيها فلسطين أزمة اقتصادية عنيفة، وقد عانى منها الفلاحون بشكل خاص، وهم يشكلون أغلبية السكان.

د. وجهت السياسة الضريبية لدعم الاقتصاد اليهودي في فلسطين، فقد فرضت السلطات البريطانية رسوماً جمركية عالية على المستوردات، الأمر الذي أرهق المواطن العربي، وذلك بحجة حماية الصناعة المحلية التي كان كثير منها في أيدي الصهيونيين، وكان ذلك يعني إما أن يقوم العربي بالاستيراد ودفع الضريبة للخزينة البريطانية، وإما أن يضطر إلى شراء الانتاج الصهيوني.

وقد انعكس ذلك كله في النهاية على تشجيع فرص النمو في الاقتصاد الصهيوني، وفتح المجالات لاستيعاب أعداد كبيرة من المهاجرين اليهود، وتوفير فرص العمل لهم.

هـ. اتسمت السياسة المالية البريطانية المتعلقة بالمصروفات باتجاهها المباشر لخدمة المصالح البريطانية والصهيونية، وقد تمثل ذلك في ثقل الإنفاق العسكري والأمني لضرب الثورات الفلسطينية العربية، وإحكام السيطرة على البلاد، بالإضافة إلى كثافة الإنفاق على الدوائر والمؤسسات الاقتصادية والاجتماعية، ذات النفع العام للوجود البريطاني أو الصهيوني، بينما قل الاهتمام بمخصصات قطاعات الصحة والتعليم والقطاعات الإنتاجية العربية.

و. لوحظ تمتع القطاع اليهودي بإطار مؤسسي تمويلي فعال من حيث اتساع دائرة إيراداته وشمول أنشطته مختلف البنود اللازمة لتمتين قاعدة الوجود الصهيوني سواء في مجالات الاستيلاء على الأرض واستيطانها واستثمارها وإقامة المؤسسات الإنتاجية الزراعية والصناعية عليها، أو فيما يتعلق بإرساء قاعدة تنمية الموارد البشرية من خلال خدمات التعليم والصحة، كما سبق أن بينا.

 

-----------------------------------------------------------------------------------------------------

المصادر والمراجع

 1.   الموسوعة الفلسطينية، المجلد الأول، د.فؤاد حمدي بسيسو.

2 .  الموسوعة الفلسطينية، القسم العام، المجلد الثالث.

3 .  يو نس الحسني، التطور الاجتماعي والاقتصادي في فلسطين.

4 .  عن ان العامري، التطور الزراعي والصناعي الفلسطيني.

5 .    ماهر الشريف، تاريخ فلسطين الاقتصادي والاجتماعي.