الرُبط في القدس

الرباط:

هو الإقامة في الثغور، وهي الأماكن التي يخاف على أهلها من الأعداء، والمرابط: هو المقيم فيها المعد للدفاع عنها، وقد أسست أول الرُبط العسكرية في فلسطين، في القرن الثاني للهجرة؛ ولكن أهميتها قلت بعد القرن الثالث؛ عندما استتب الأمر للمسلمين؛ ولكنها عادت بقوة بعد دحر الفرنجة؛ فأنشىء الكثير منها في القرن السابع الهجري وما تلاه، كأبراج للمراقبة. 

والرُبط لم تكن كلها عسكرية بعد دحر الفرنجة، وخاصة في القدس والخليل؛ بل كان الهدف الأساسي منها، توفير أماكن لإقامة الزوار والحجاج.  والكتابات الباقية على بعض هذه الربط تدل على أنها أنشئت لهذا الغرض. 

وكانت الرُبط تغذي الوافدين إليها بالتعليم الديني.  وفي العصر العثماني أصبح كثير من الرُبط ملاجىء للفقراء من نساء ورجال، يقدم لهم فيها الطعام، وتصرف المساعدات المختلفة. 

وكانت الرُبط مراكز للتعليم الصوفي، بالإضافة إلى مهامها الاجتماعية والسياسية، وكان في بعضها مكتبات؛ فكان للرُبط بفلسطين بشكل عام، وفي بيت المقدس بشكل خاص، أثر علمي أكاديمي عظيم.  وأشهر رُبط القدس هي:

رباط ومسجد علاء الدين البصير

يقع بالقرب من باب الناظر (المجلس)؛ وتحديداً غرب المدرسة الحسنية وشمال رباط الكرد؛ أي في المكان المعروف حالياً بـ"حبس الدم"، بالقرب من باب الناظر.  وهو أقدم ربط القدس ينسب إلى الأمير علاء الدين أيدغدي، المعروف بـ"البصير"، الذي أنشاه في سنة (666هـ/ 1268م) حسب ما يدل عليه نقش التأسيس الذي يعلو مدخله. 

يتألف من ساحة مكشوفة يحيط بها عدد من الغرف والخلاوي ومسجد، ويتوصل إليه عبر مدخل جميل ومعقود.  ويؤدي هذا المدخل إلى دركاة "موزع" مسقوفة بطريقة القبو المتقاطع.  وتؤدي الدركاة (الموزع) إلى ساحة مكشوفة، ومجموعة الغرف والخلاوي حولها، إضافة إلى المسجد الذي يقوم في الجهة الجنوبية الغربية من الساحة المكشوفة، والمسقوف بأقبية متقاطعة.  ويوجد في منتصف واجهة المسجد الجنوبية محراب عبارة عن حنية مجوفة داخلة فيه.  وتمت زيادة عدد الغرف مؤخراً في الساحة المكشوفة ليتسع لعدد أكبر. 

خصص الربط لإقامة المتصوف والفقراء والمجاورين في القدس، وقد حول العثمانيون وظيفته فيما بعد إلى سجن لتوقيف المتهمين، ريثما تتم محاكمتهم؛ لذا عرف باسم "حبس الدم".  وفي أواخر عهدهم استعمل داراً تسكنها عائلات من الأفارقة المقدسيين؛ باستثناء المسجد الذي بوشر بإعادة تعميره وتأهيله لأداء الصلاة فيه في سنة 1969م؛ حيث تم تأمين تزويده بالتيار الكهربائي، وتم إجراء أكثر من عملية تعمير في الفترة الممتدة بين عامي 1975 و1986. 

وتبين الحجج الشرعية تسجيل وقفه في (18 ربيع الآخر 742هـ/ 7 تشرين الأول 1341م) وإدارته، ومخصصات نزلائه الماليه والعينية، والوظائف فيه وأصحابها وكثيراً من شؤونهم اليومية. 

الرباط المنصوري

 يقع على بعد عدة أمتار من باب الناظر ( المجلس)؛ حيث يقابل رباط علاء الدين البصير من الجنوب.  ينسب إلى السلطان المملوكي المنصور قلاوون الصالحي، الذي وجه مملوكه الأمير علاء الدين أيدغدي (البصير) لإنشائه في سنة (681هـ/ 1282م)، ووقفه على الفقراء وزوار القدس، كما يفيد نقش التأسيس الذي يعلو مدخله. 

يتألف من ساحة مكشوفة يحيط بها عدد من الغرف والخلاوي ومسجد موزعين على صفين متقابلين: أحدهما شمالي؛ والآخر جنوبي؛ ويتوصل إليه عبر مدخل معقود يؤدي إلى دركاة (أو موزع) مسقوفة بطريقة القبو المتقاطع.  وتؤدي الدركاة إلى الساحة المكشوفة ومجموعة الغرف والخلاوي والمسجد؛ كما يشتمل على حواصل (مخازن) لتخزين الحبوب فيها.  وتمت زيادة عدد الغرف مؤخراً في الساحة المكشوفة ليتسع لعدد أكبر. 

خصص لإقامة المتصوفين رجال ونساء.  وقد وصل عدد المجاورين فيه مطلع العقد السابع من القرن العاشر الهجري/السادس عشر الميلادي 86 مجاوراً.  وقد حول العثمانيون وظيفته فيما بعد إلى سجن لتوقيف المتهمين ريثما تتم محاكمتهم؛ لذا عرف باسم حبس الرباط.  وفي أواخر عهدهم استعمل داراً يسكنها عائلات الأفارقة المقدسيين. 

وتبين الحجج الشرعية الأوقاف التي حبست عليه في كل من عكا وغزة ونابلس وصفد والقدس، وطرق استغلالها وإدارتها وجباية ريعها وتوزيعه على المستفيدين، ومخصصات نزلائه المالية والعينية، والوظائف فيه وأصحابها الذين كثيراً ما كانوا من عائلتي أبي اللطف والديري والفتياني.  ومما يلفت النظر في شؤونه، أن عائدات القطن من أوقافه في عكا فقط بلغت في سنة (976هـ/ 1568م) (4068) رطلاً.  وقد فاق ريعه من جل أوقافه في نهاية هذا القرن مبلغ (15000) أقجة.  هذا ولم تستبعد المرأة من تولي بعض الوظائف فيه. 

رباط الكرد

يقع في باب الحديد ملاصقاً لسور الحرم الغربي؛ وتحديداً على يمين الخارج من الحرم من هذا الباب؛ أسفل المدرسة الجوهرية، ومقابل المدرسة الأرغونية.  ينسب إلى منشئه وواقفة الأمير المقر السيفي كرد (صاحب الديار المصرية) في سنة (693هـ/ 1294م)، الذي كان من مماليك السلطان قلاوون (741-709هـ/ 1340-1309م)، وتقلب في عدة مناصب ووظائف في الدولة المملوكية، أبرزها نيابة طرابلس، قبل أن يستشهد في معركة مع التتار سنة (699هـ/1300م). 

يتوصل إليه عبر مدخل صغير.  يقوم على كل جانب من جانبيه مقعد حجري يعرف بـ"المكسلة"، ويؤدي إلى ممر ضيق، غطي جزؤه القريب من المدخل؛ ثم يتسع الممر قليلاً ليؤدي إلى ساحة مكشوفة توصل إلى مجموعة الخلاوي أو الغرف حولها. 

واستمر هذا الرباط يؤدي وظيفته الاجتماعية والثقافية حسب شروط الواقف عدة قرون؛ حتى عد مدرسة من مدارس بيت المقدس.  وتشير بعض الحجج الشرعية ووثائق مؤسسة إحياء التراث والبحوث الإسلامية إلى رعايته وتعميره، وتخصيص ريع أوقافه في القدس لإيواء الفقراء والحجاج والوافدين إلى مدينتنا المباركة، وإلى غلبة عائلة ابن الدويك على وظائفه، قبل أن يتحول إلى دار سكن يقطنها جماعة من آل الشهابي.  أخطر ما يواجهه هذا المعلم التاريخي، أعمال الحفر التي يجريها الاحتلال الإسرائيلي خلف سور الحرم الشريف الغربي؛ إذ أدت إلى خلل في أساساته، وسوط أجزاء منه، وتصدع جدرانه. 

رباط المارديني


 يقع الرباط المارديني في الجانب الغربي من طريق باب حطة إلى الشمال من التربة الأوحدية.  يتكون الرباط من مدخل يعلوه عقد مدبب يؤدي إلى دركاة (ممر موزع) توصل إلى قاعتين كبيرتين معقود كل منها بقبو؛ وإلى الغرب منهما يوجد غرفتان تستخدمان اليوم حانوتًا.  وأما مُؤسستا الرباط فهما سيدتان من مدينة ماردين (من عتقاء الحاكم الارتقي صالح بن غازي الذي حكم 712-765/1321-1363).  وقد اطلع مجير الدين على كتاب وقف الرباط الذي خصص لاقامة الزوار القادمين من الجزيرة الفراتية من مدينة ماردين.  ومبنى الرباط بسيط، تغلب عليه العمارة المحلية، وهو الآن دار سكن.  وتوجد وثيقة تثبت أن الرباط كان عامرا ببعض نساء أهل ماردين في عام 795/1392. 

الرباط الزمني

يقع في باب المطهرهة( المتوضأ قديماً)؛ مقابل المدرسة العثمانية؛ حيث يفصل بينهما ممر مكشوف يؤدي إلى المطهرة.  ينسب على منشِئِه (الخواجا شمس الدين محمد بن عمر بن محمد بن الزمن الدمشقي)، المعروف بـ"ابن الزمن"، الذي وقفه في سنة (881هـ/1476م) كما يفيد نقش التأسيس الذي يعلو بابه.  أي أنه أنشأه ووقفه قبل وفاته في سنة (897هـ/1491م).  وقد عرف أيضاً بالمدرسة الزمنية. 

ويتألف هذا الرباط من طبقتين، يتوصل إليهما عبر مدخل مملوكي تتجلى فيه سمات العمارة المملوكية؛ فو ضخم، يشمل ارتفاعه طبقتي الرباط، ومبنى وفق طراز الأبلق، الذي تتناوب في مداميكه الحجارة البيضاء والحمراء، ومزخرف بشريط مكتوب عليه بالخط النسخ، وتعلوه صفوف جميلة الشكل ومتقنة التكوين من الحنيات المجوفة والمقببة التي تتدلى خلال تتابعها وتدرجها المتناسق والتي تعرف أيضا بـ"المقرنصات".  ويلي المدخل دركاة (أو موزع)، مسقوف بطريقة الأقبية المتقاطعة، التي تفضي إلى ساحة مكشوفة؛ وهناك سلم حجري تؤدي عتباته إلى الطبقة الثانية، ثم ساحة مكشوفة، أقيم حولها عدد من الخلاوي. 

ولا تبخل الحجج الشرعية ووثائق مؤسسة إحياء التراث والبحوث الإسلامية في الكشف عن وظيفة هذا الرباط الاجتماعية المتمثلة في إيواء الغرباء والفقراء الوافدين إلى بيت المقدس وإطعامهم، أو في تدريس فقه المذهب الشافعي، أو إقامة الحفلات في المناسبات والأعياد الدينية وتوزيع الحلوى والطعام المكون من اللحم والملح والقمح والزيت فيها، أو الأوقاف التي أفاد منها الرباط التي شملت حصصاً في قرى حبله وكفر إيبا وكفر حبش؛ حيث بلغ ريعها في منتصف القرن العاشر الهجري/السادس عشر الميلادي 6598 أقجة، إضافة إلى طريق إدارتها واستغلالها، أو الموظفين فيه وشؤونهم ودورهم في الحياة المقدسية اليومية الذين غالباً ما كانوا من بني جماعة الكناني وآل العفيفي. 

كما تكشف تلك الوثائق عن تعمير الرباط عبر تاريخه الحافل، ومن ذلك؛ حجة الكشف على تعميره في (12 جمادى الثاني 1093هـ/18 حزيران 1682م)؛ ما يساعد على وضع تصور عام عن مخططه المعماري العام؛ حيث يرد ذكر لثلاث عشرة غرفة فيه؛ إضافة إلى المنافع والمرافق والدهليز.  وفي سنة 1912م تداعت أحوال الرباط وأمرت البلدية بإخلائه؛ فأعادت الأوقاف في القدس ضبطه وتعميره.  ورغم تقاعس ولاته عن تعميره؛ إلا أن جماعة منهم اتخذوه مسكناً لهم (في إشارة إلى تحول جذري في وظيفته التي حددها الواقف). 

رباط ومكتب بايرام جاويش

يقع ضمن مجمع يقوم عند ملتقى تقاطع طريق متعرجة تعرف بـ"عقبة التكية" مع طريق الواد وطريق باب الناظر (المجلس) المؤدية إلى الحرم الشريف.  ينسب إلى واقفه ومنشئه (الأمير بايرام جاويش بن مصطفى في سنة (947هـ/ 1540م) في عهد السلطان سليمان القانوني)، كما يظر في نقش تأسيسه الذي يعلو مدخله.  وقد عرف في العصر العثماني المتأخر باسم "المدرسة الرصاصية)؛ لاستخدام الرصاص في ربط مداميكه بسبب قلة الجير وقت البناء.  وتظهر دراسات خبير الآثار المقدسي د.  يوسف النتشة أن تعمير هذا الأثر وترميمه جرى أكثر من مرة،  وتميز بروعة فن العمارة العثمانية في القدس؛ حيث بات ايوم يشكل وحدة معمارية معقدة، نتيجة تداخل مبناه مع المباني المجاورة، مثل المدرسة البارودية؛ ما يجعل تحديد أجزائه المعمارية أمرًا صعبًا. 

ويشتمل مبنى رباط بايرام جاويش على مسجد ومكتب لتعليم الأولاد القراءة والكتابة مجانًا( كُتّاب).  وهو يتألف من طبقتين يتوصل إليهما عبر مدخل شمالي، يرتفع مقدار علو طبقتي البناء؛ وهو من أجمل المداخل العثمانية في القدس؛ فهو مزخرف بالأحجار الملونة المبنية بطريقة الصنج المعشقة، تعلوه الحنيات المتقنة التجويف، والقباب الصغيرة التي تتدلى خلال تتابعها المتناسق، والتي تعرف بالمقرنصات.  وفي وسطه من العلو محارة حجرية مركزية تنبثق من وسطها عدة شعاعات؛ فتظهر كالشمس عند شروقها.  ويؤدي المدخل إلى دركاة تفضي إلى صحن مكشوف في الطابق الأول من الجهة الشرقية.  وفي الجهة الغربية درج يسير باتجاه الجنوب، ثم ينعطف غرباً للوصول إلى مختلف أجزاء الطابق الثاني وملحقاته.  ويضم الطابق الثاني عدداً من الساحات المكشوفة، وأكبرها الساحة المركزية؛ كما يضم مسجداً جميلاً وغرفاً وقاعات عديدة، ويتخذ المكتب شكل المربع، وهو مسقوف بأقبية متقاطعة.  وفي وسط ضريح الواقف. 

خصص الواقف هذا الرباط للسكن وإيواء الأيتام.  وتشير بعض الحجج الشرعية ووثائق مؤسسة "إحياء التراث والبحوث الإسلامية" إلى رعايته وتعميره، وتخصيص ريع أوقافه في القدس وقرية بني نعيم التابعة إلى ذلك.  وقد حافظ على وظيفته حتى أواخر العهد العثماني؛ حيث أخذت وظيفة التعليم تغلب على دوره؛ ما يفسر معرفته بالمدرسة الرصاصية، خاصة بعد إخلاء مستأجرين يهود أخلوا في شروط استخدام أحد مراقفه المؤجرة لهم في عام (1309هـ/ 1891م).  ومن المعروف أن السلطات الإسرائيلية سارعت بعد استكمال احتلالها للقدس في سنة 1967م إلى فرض مناهجها التعليمية في القدس؛ ما أدى إلى تعزيز الدور الوظيفي لهذا الأثر التعليمي وفق المنهاج التربوي الأردني، تحت مظلة مدرسة ثانوية لتلعيم الذكور في الطابق الثاني من البناء، ومكتبة في طابقه الأول. 

الرباط الحموي

 يقع عند باب القطانين، ولا يعرف مؤسسه، ولا تاريخ تأسيسه، وكان مؤلفًا من رباطين: أحدهما للرجال، والآخر للأرامل من النساء. 

 

المصدر:  دائرة شؤون القدس