دور المصانع الإسرائيلية في تلوث البيئة الفلسطينية

تعمل إسرائيل على تلويث البيئة في الضفة الغربية وقطاع غزة بشكل خطير، وذلك عبر إقامتها للمناطق الصناعية داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967،. وقد صادرت إسرائيل من الفلسطينيين آلاف الدونومات لإقامة مناطق صناعية في الضفة الغربية التي يوجد فيها ما لا يقل عن سبع مناطق صناعية في المستعمرات.

وبالرغم من التعتيم على نوعية الصناعات الإسرائيلية ونشاطاتها وكميات إنتاجها ومخلفاتها في المناطق الفلسطينية؛ فإن التقديرات تشير إلى وجود أكثر من 300 مصنع إسرائيلي في الضفة الغربية وحدها، معظمها صناعات شديدة الخطر على البيئة والصحة العامة مثل: الألمنيوم، الأسمنت، المعلبات الغذائية، الفيبر جلاس، المطاط، الكحول، السيراميك، الرخام، مواد التنظيف الكيماوية، الدهان، تشكيل المعادن، طلي المعادن، صناعة البطاريات، صناعة المبيدات والأسمدة الكيماوية، الغازات، الصناعات البلاستيكية، دباغة الجلود، صباغة النسيج، مصانع ذات طابع عسكري سري، وغيرها.

وتحتوي النفايات الناتجة عن هذه الصناعات على عناصر سامة كالألمنيوم والكروم والرصاص والخارصين والنيكل. وعلى سبيل المثال فإن صناعة الألمنيوم تنتج نفايات الألمنيوم والحوامض، أما نفايات الصناعات الإلكترونية؛ فتتكون من النيكل، والكروم، والحوامض. وتعد جميع هذه المواد غير العضوية خطيرة وتؤثر بشكل سلبي على الصحة إذا ما تراكمت في جسم الإنسان.

 وتعد الأراضي الفلسطينية الواقعة عند سفوح المناطق الصناعية سريعة التأثر إلى حد كبير بتدفق النفايات الصناعية الإسرائيلية عليها، خاصة وأن المجمعات الصناعية اليهودية في الضفة والقطاع لا تتخذ الإجراءات اللازمة لمنع التلوث. وغالبا ما يتم إلقاء ودفن النفايات الصناعية الصلبة الناتجة عن تلك المجمعات الصناعية، في المناطق المجاورة والمحيطة بالقرى الفلسطينية. وبشكل عام هناك شح في المعلومات المتعلقة بكميات إنتاج تلك الصناعات، وحجم القوى العاملة فيها، والنفايات التي تخلفها.

وتعد محافظة سلفيت من الأمثلة الحية على التجاوزات الإسرائيلية الخطيرة في الموضوع البيئي؛ فيلاحظ أن نسبة الأمراض السرطانية التي تصيب الأطفال في قرى منطقة سلفيت (23 تجمعاً سكانياً)، تعد من أعلى النسب في المناطق الفلسطينية.

 وبالرغم من عدم إثبات العلاقة السببية المباشرة بين التلوث البيئي الناجم عن الصناعات الإسرائيلية في منطقة سلفيت، وبين ارتفاع حالات السرطان، إلا أن هناك احتمالاً كبيراً بأن إصابة سكان منطقة سلفيت بأمراض سرطانية وغيرها من الأمراض المستعصية، هي نتيجة للصناعات الإسرائيلية في تلك المنطقة؛ وذلك لأن عشرات المنشآت الصناعية الكبيرة تتركز في مستعمرة واحدة هي "بركان"، وهي ذات مساحة بناء صغيرة نسبياً (نحو 840 دونماً)، ولا يتجاوز عدد المستوطنين فيها بضع مئات، أغلبهم من العاملين في مصانع المستعمرة، وهي تنتج كميات ضخمة من النفايات الملوثة (الصلبة والسائلة) التي يتم التخلص منها بشكل خاص في أراضي قرى كفر الديك، سرطة، بروقين، ودير بلوط، التي يبلغ إجمالي عدد سكانها (أي القرى الأربع الأخيرة) نحو 11000 نسمة، منهم حوالي 4750 طفل، (بين يوم و14 عام)، بمعنى أنها بؤرة صناعية صهيونية مركزة ومكثفة تطلق نفاياتها السامة والمسرطنة في محيط سكاني فلسطيني صغير نسبياً، الأمر الذي يزيد من الخطورة الصحية على السكان الفلسطينيين، وخاصةً على الأطفال الذين هم الأكثر تأثرا بالمواد الكيماوية السامة.

 وبالإضافة لما تعانيه قرى منطقة سلفيت من التلويث البيئي الناتج عن الصناعات في مستعمرة "بركان"، فهي تعاني أيضا من التلويث الناتج من مستعمرات أخرى، ومن الأهمية بمكان التنويه إلى أن العديد من المصانع السابقة، تمنع من العمل في إسرائيل نفسها، نظراً لاحتجاج الإسرائيليين ضد هذه المصانع فيتم إقامتها أو نقلها إلى أراضي الضفة الغربية (داخل أو خارج المستعمرات).

وتتصرف المصانع الإسرائيلية في الضفة الغربية بمطلق الحرية، من ناحية تدمير البيئة المحلية وإلحاق الأذى الصحي بالفلسطينيين، فتعمد إلى إلقاء نفاياتها الصلبة والسائلة والغازية في الأودية، وإلى  جوار المناطق الفلسطينية المأهولة أو في داخلها؛ الأمر الذي يؤدي إلى نشر الأوبئة والأمراض لدى السكان الفلسطينيين، وتخريب أراضيهم وتدمير مزروعاتهم.

ومن الملاحظ أن السلطات الإسرائيلية المختصة وأصحاب المصانع لا يطبقون الطرق العلمية المتعارف عليها دولياً لمعالجة نفايات المصانع الإسرائيلية في الضفة والقطاع، وبالتالي يلقي الإسرائيليين نفاياتهم الصلبة في الأراضي الفلسطينية. وحينما يحتج المستعمرون الإسرائيليون ضد التلوث الذي تسببه بعض المصانع لمستعمراتهم في الضفة الغربية؛ كما هو الحال على سبيل المثال، في مستعمرة "حلميش" التي احتج المستعمرون فيها ضد التلوث الذي يسببه مصنع الجلود الكائن في تلك المستعمرة المقامة على أراضي قرية النبي صالح المصادرة- فإن استهتار المستعمرين الإسرائيليين بحياة الإنسان الفلسطيني يصل إلى درجة قيام أصحاب المصنع الإسرائيلي بإلقاء نفاياتهم على سكان قرية بني زيد الفلسطينية، بعيداً عن المستعمرة، حيث نجد أطفال القرية يتلهون بتلك النفايات الخطرة والممرضة.

وتتخلص إسرائيل من نفاياتها الخطرة في المناطق الفلسطينية بدفنها سراً في باطن الأرض، فعلى سبيل المثال، تم اكتشاف عشرات الحاويات والبراميل التي تحتوي مواد سامة مدفونةً بالقرب من قرية عزون القريبة من مدينة قلقيلية بالضفة الغربية، في منطقة غالباً ما يلعب فيها الأطفال.

 أما في قطاع غزة فقد أقيمت المصانع في مستعمرات "كفار داروم" و"نفي دكاليم" ومنطقة "إيريز" الصناعية، قبل الانسحاب الإسرائيلي منها في العام 2005. وبشكل عام، تتعامل هذه المصانع مع مواد كيماوية خطيرة، وتنتج مخلفات مؤذية للمجتمع الفلسطيني وللبيئة المحيطة بها. وحتى تلك المصانع التي لا تستخدم مواد كيماوية خطيرة فإنها تنتج كمية كبيرة من المخلفات التي يتم التخلص منها في الأراضي الفلسطينية. وقد شجعت الدولة العبرية المستثمرين الإسرائيليين على إقامة المصانع في الأراضي الفلسطينية المحتلة (منذ عام 1967)، من خلال تقديمها التسهيلات المالية المريحة كالتخفيضات في الضرائب وما شابه.

ويوجد نحو ثلث المصانع الإسرائيلية في الضفة الغربية في محيط قرى فلسطينية تقع في منطقة سلفيت (جنوب نابلس)، حيث تعد مستعمرة "بركان" في منطقة سلفيت مجمعاً صناعياً كبيراً، إضافةً إلى مستعمرة "أرئيل" واللتين تسبب منشآتهما الصناعية (زيوت الماكنات وغيرها) في تلويث أراضي قرى كفر الديك، بروقين، حارس سرطة ومردا، فضلاً عن تلويث مياه الينابيع في المنطقة.

وإجمالا تعاني سائر منطقة نابلس وسلفيت من الصناعات المسرطنة (وبشكل خاص الألمنيوم، دبغ الجلود، مواد تنظيف كيماوية، بلاستيك وفيبرجلاس)، وهذه الصناعات تتركز في مستعمرات "ألون موريه"، "معاليه أفرايم"، "إيتمار"، "أرئيل"، "حومش"، "مجداليم"، "كرني شومرون"، "قدوميم"، و "وشيلو". وتنتشر المخلفات الصلبة السامة في الأراضي المحيطة بتلك المناطق، وتنساب المياه العادمة إلى الحقول الفلسطينية المجاورة للمصانع الإسرائيلية التي تختلط مياهها العادمة مع المياه الجارية في الوديان والتي تستخدم للزراعة، وتلوث الينابيع المحلية.

 ويبلغ إجمالي عدد السكان المتضررين بيئياً وصحياً في التجمعات السكانية الفلسطينية أكثر من 70000 نسمة، منهم أكبر من 31000 طفل (من عمر يوم إلى 14 عام).

وتعاني منطقة طولكرم من العديد من المصانع الإسرائيلية الملوثة للبيئة والمسببة لأمراض خطيرة لسكان المنطقة، علما أن تلك المصانع كانت قد نقلت إلى منطقة طولكرم من داخل إسرائيل بسبب احتجاجات الشارع الإسرائيلي ضدها؛ لما تسببه من تلويث خطير للبيئة؛ فمصنع "غيشوري" مثلاً كان حتى عام 1982 في كفار سابا في إسرائيل، حتى أغلق في تلك السنة بأمر من المحكمة الإسرائيلية، ومن ثم نُقل المصنع إلى طولكرم. أما مصنع "دكسون" لتصنيع الغاز والذي تنبعث منه غازات سامة ويتم فيه تخزين كميات كبيرة من الغاز والمواد القابلة للاشتعال، التي قد تؤدي إلى كارثة بيئية، فقد تم نقله من نتانيا (في إسرائيل) إلى طولكرم، كما أن مصنع "لينوي زخوخيت" نقل أيضاً من نتانيا إلى طولكرم.

وتعمد تلك المصانع إلى إلقاء ودفن نفاياتها الصلبة في العراء. وقد تبين من الفحص الذي أجرته وزارة الصحة الفلسطينية، في عام 1997، على عينات من تلك النفايات المنتشرة في الجزء الغربي من مدينة طولكرم، بأنها تحتوي على فيبرجلاس وبوليستر اللذين ينبعث من حرقهما دخان أسود خطير وغازات سامة، وتقوم الرياح بنقل الدخان والغازات إلى المناطق المأهولة بالسكان في مدينة طولكرم والقرى المجاورة وبالتالي تسبب مخاطر صحية.

  ونظراً لتأثر الجنود اليهود من دخان وغازات تلك المصانع، قامت الحكومة الإسرائيلية بنقل القاعدة العسكرية اليهودية من تلك المنطقة إلى مكان آخر. وبسبب تلك المصانع ومخلفاتها السامة وخاصة الغازية، فقد انتشرت أمراض الجهاز التنفسي لدى الأطفال في طولكرم ومحيطها.

 كما أن إلقاء المصانع الإسرائيلية لنفاياتها السامة في منطقة عزون التي يسكنها نحو 20 ألف فلسطيني، أدى إلى ازدياد نسبة الرصاص في بئر الشرب الوحيدة في تلك المنطقة؛ الأمر الذي يعني بأن آلاف الأطفال الذين يشربون من تلك البئر قد يتعرضون للرصاص الذي يؤثر على الأطفال بشكل حاد وقد يؤدي إلى التخلف العقلي.

وبالإضافة لصناعات البلاستيك والألمنيوم في مستعمرتي "جفعات حداشا"، و"نيلي"، في منطقة رام الله، فإن في المنطقة مصانع إضافية في مستعمرات مثل "حلميش" و"بيت حورون"، اللتين فيهما صناعات الجلود والفيبرجلاس والأسمنت، علما بأن صناعة الجلود تطلق مخلفات الزرنيخ والكروم السامة جداً، والتي تؤثر على الصحة العامة لأهالي قرية النبي صالح. ونظراً لقلة انتشار المصانع الإسرائيلية في منطقة رام الله قياسا بمنطقتي نابلس وسلفيت، فإن كمية الضرر البيئي والصحي في تلك المنطقة، أقل من غيرها من المناطق.