التقرير التحليلي حول السياسة الإسرائيلية التي تستهدف تلويث البيئة في الأراضي الفلسطينية المحتلة

مجموعة الرقابة الفلسطينية، دائرة شئون المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية. حزيران 2005

ملخص:

يوم 4 نيسان 2005، نشرت جريدة "هآرتس" الإسرائيلية تقريرا يتضمن معلومات تشير إلى أن "إسرائيل قد أقرت نقل النفايات خلف الخط الأخضر ودفنها في الضفة الغربية". وقد أكدت السلطات الإسرائيلية فيما بعد للسلطة الوطنية الفلسطينية على نيتها في المصادقة على إلقاء النفايات في موقع كسارة أبو شوشة بالقرب من قرية دير شرف في محافظة نابلس شمال الضفة الغربية.

تنذر المحاولات الإسرائيلية الأخيرة الهادفة إلى "إضفاء الضفة القانونية والمصادقة على" نقل النفايات وإلقائها في مناطق الضفة الغربية بتهديد الوضع البيئي المتردي أصلا في الأراضي الفلسطينية المحتلة. ويعزى هذا الوضع البيئي المتدهور، في جانب منه، إلى السياسة التي تنتهجها إسرائيل، إلى جانب القيود التي تفرضها قوات الاحتلال على حرية المواطنين الفلسطينيين في الحركة والتنقل. ومن جانب آخر، ساهمت عوامل أخرى في تردي الوضع البيئي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث أهملت إسرائيل استثمار الأموال الكافية في البنية التحتية الخاصة بمعالجة مياه الصرف الصحي، كما أنها لم تتخذ الإجراءات الإدارية اللازمة للحيلولة دون وقوع التلوث البيئي على مدى سنوات احتلالها للضفة الغربية وقطاع غزة. وفي هذه الأثناء، يقوم المستوطنون الإسرائيليون من المستوطنات المقامة في المنطقة القريبة من قرية دير شرف باستغلال قسم من الأرض التي تزمع السلطات الإسرائيلية إنشاء مكب النفايات فيها، حيث يلقون مختلف أنواع النفايات الصلبة.

ويترافق مع الخطة الإسرائيلية القاضية بإلقاء النفايات في موقع كسارات أبو شوشة، رفض السلطات الإسرائيلية المتكرر السماح للسلطة الوطنية الفلسطينية بإنشاء مشاريع حيوية لمعالجة النفايات في الأراضي الفلسطينية المحتلة والتخلص منها.

وإذ يقر المبدأ القاضي بالسيادة الدائمة للشعوب الواقعة تحت الاحتلال الأجنبي على مواردها الطبيعية، فإن الجمعية العامة للأمم المتحدة أكدت في قرارها رقم (55/209) الصادر بتاريخ 15 شباط 2001 على "الحقوق الأصلية للشعب الفلسطيني في السيادة على موارده الطبيعية، بما فيها الأرض والمياه. وباعتبارها الدولة القائمة بالاحتلال، فإنه يتعين على إسرائيل الالتزام بموجب اتفاقية لاهاي الرابعة المعدلة لعام 1907 المحافظة على أصول المباني العامة والأموال العينية والغابات والملكيات الزراعية التابعة للبدل الواقع تحت الاحتلال، وإدارتها وفقا لقواعد الانتفاع. وفي هذا الإطار، تشير قواعد الانتفاع إلى الحق المؤقت لاستخدام الأرض والانتفاع بالممتلكات المقامة عليها والتي تعود لملكية الغير، دون إحداث تغيير في هيئة هذه الممتلكات. وتشترط هذه القواعد كذلك على مالك هذا الحق حماية الممتلكات التي تقع تحت سيطرته الإدارية، والتي قد تتضمن اتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان حماية البيئة. ونتيجة لذلك، فإن يحظر على إسرائيل من اتخاذ الإجراءات التي من شأنها أن تغير من طبيعة الأرض أو تلك التي تتسبب في تدهور البيئية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

لمحة عامة عن الوضع:

يقع مكب النفايات الذي تزمع إسرائيل إنشاءه في كسارات أو شوشة في محافظات نابلس شمالي الضفة الغربية. ويبعد هذا المكب عدة كيلومترات إلى الشمال من مجمع مستوطنات "كدوميم" الإسرائيلية ومسار الجدار العنصري العازل الذي صادقت الحكومة الإسرائيلية على بنائه. ومن المقرر أن يقام هذا المكب على مساحة تتراوح من 20 إلى 30 دونما من أراضي المواطنين الفلسطينيين.

وبحسب تقارير إخبارية إسرائيلية، تتولى شركة "بارك بار- أون الصناعية المحدودة"، و هي شركة إسرائيلية غير قانونية يقوم على إدارتها مستوطنون من مستوطنتي "كدوميم" "وكارني شومرون"، بالإضافة إلى مجلس السامرة اللوائي الاستيطانية رعاية مشروع إنشاء مكب النفايات في موقع كسارات أبو شوشة. وتفيد هذه التقارير الإخبارية، تخطيط كل من شركة "بارك بار- أون الصناعية المحدودة" ومجلس السامرة اللوائي لنقل 10.000 طن من النفايات من منطقتي تل أبيب ونتانيا الإسرائيليتين كل شهر إلى مكب النفايات المزمع إقامته في هذا الموقع في منطقة دير شرف.

ومن جانبها، أكدت الإدارة المدنية الإسرائيلية للسلطة الوطنية الفلسطينية اشتراك شركة "بارك بار- أون الصناعية المحدودة" الإسرائيلية في إنشاء مكب النفايات. ومن جهة أخرى، صرحت الإدارة المدنية بان أعمال البناء في هذا الموقع قد شارفت على مراجلها النهائية. وفي رسالة وجهها إلى السلطة الفلسطينية، أكد اللواء يوسف مشلب، منسق أعمال الحكومة في المناطق لوزارة الدفاع، أنه سيجري استخدام موقع كسارات أبو شوشة كمكب للنفايات الصلبة. وفي الوقت الذي تتضمن فيه الرسالة إشارة إلى أن المواطنين الفلسطينيين القاطنين في المناطق المجاورة سيستفيدون من مكب النفايات المقترح، لم تشر هذه الرسالة إلى الطريقة التي يمكن بها لهؤلاء المواطنين الاستفادة منه. وبينما أجابت السلطات الإسرائيلية على الاستفسارات التي أثارتها السلطة الفلسطينية حول موقع الكسارات نفسها، لم تعر هذه السلطات أي اهتمام لاستفسارات الفلسطينيين حول التقارير التي أشارت إلى نية الحكومة الإسرائيلية منح تصاريح لشركات إسرائيلية خاصة لنقل النفايات من داخل إسرائيل إلى هذا الموقع.

ينص الملحق الثالث من إعلان المبادئ الموقع بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل عام 1993، على قيام الطرفين بتأسيس لجنة متابعة إسرائيلية- فلسطينية للتعاون الاقتصادي، يكون من ضمن أولوياتها التركيز على إعداد "خطة لحماية البيئة، بحين تنص على اتخاذ إجراءات مشتركة و/أو تنسيقية في هذا المجال".

وفيما يتعلق بحماية البيئة، ينص البروتوكول المتعلق بالشؤون المدنية، الملحق الثالث للاتفاقية الإسرائيلية- الفلسطينية للمرحلة الموقعة عام 1995، على ما يلي:

-   على كلا الطرفين تبني وتطبيق وضمان التقيد بالمعايير المعترف بها دوليا والتي تتعلق بالآتي.. مستويات مقبولة من معالجة النفايات الصلبة والسائلة، والطرق والوسائل المتفق عليها بشأن التخلص من هذه النفايات، واستخدامها والتعامل معها ونقلها...وتخزين النفايات و المواد الخطرة (بما فيها مبيدات الجرذان، والمبيدات الحشرية ومبيدات الأعشاب).

وبموجب المادة (40) من البروتوكول المتعلق بالشئون المدنية، اتفق الجانبان الإسرائيلي والفلسطيني على التعاون، على أساس من التفاهم المتبادل والمسؤولية المشتركة، في كافة المسائل المتعلقة بالمياه والصرف الصحي، وقد نصت الفقرات من 21-24 من المادة (40) من البروتوكول المذكور على أنه يتوجب على كل جانب اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لحماية مصادر المياه وأنظمة الصرف الصحي في المناطق التي تقع تحت سيطرته، والحيلولة دون تلوث أو تسمم مصادر المياه وأنظمة الصرف الصحي، بما في تلك الخاصة بالجانب الآخر. كما تنص المادة (40) المذكورة أعلاه على تشكيل "لجنة المياه المشتركة" والتي تضم في عضويتها عددا متساويا من الممثلين من كلا الجانبين، وتركز عملها على كافة المسائل ذات الصلة بالمياه والصرف الصحي في الضفة الغربية. كما نصت هذه على وجوب صدور قرارات هذه اللجنة بإجماع أعضائها.

وتشير المواد التي اشتملت عليها الاتفاقية الإسرائيلية- الفلسطينية للمرحلة الانتقالية للضفة الغربية وقطاع غزة، الموقعة عام 1995، بوضوح إلى أنه على كلا الجانبين الاتفاق فيما بينهما على الأساليب الخاصة بالتخلص من النفايات الصلبة، والمشار إليها بالتحديد في الفصل الثاني من هذه الاتفاقية. ومن الملاحظ أن هذه الالتزامات تنسحب على كافة المواقع المستخدمة لأغراض التخلص من النفايات الصلبة، ولا تنسحب فقط على المواقع الصالحة كمكبات للنفايات السامة والخطرة. وبالرغم من ذلك، لم تستشر إسرائيل السلطات الفلسطينية المختصة حول العمليات التي أزمعت تنفيذها في موقع كسارات أبو شوشة.

التلوث البيئي المترتب على السياسات الإسرائيلية:

إن الخطوة التي تزمع من خلالها إسرائيل دفن نفاياتها في موقع كسارات أو شوشه، ما هي إلا الأخيرة في سلسلة السياسات الإسرائيلية الممنهجة التي تهدف إلى إحداث أضرار بيئية ضخمة في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وفي هذا السياق، صدر تقرير عن برنامج الأمم المتحدة البيئي خلال شهر كانون الثاني من عام 2003 يشير إلى أن "الاحتلال وسياسات الإغلاق وحظر التجول والاقتحامات من جانب القوات العسكرية الإسرائيلية تشكل، ضمن جملة أمور، آثار سلبية كبيرة على البيئة". وعلى وجه التحديد، تشير هذه الدراسة إلى الآثار الضارة المترتبة على التخلص من النفايات الصلبة الصادرة عن المستوطنات الإسرائيلية وتدفق مياه المجاري من هذه المستوطنات على الأراضي الفلسطينية، والقيود المفروضة على الشاحنات الفلسطينية التي تنقل النفايات إلى مكبات النفايات الصحية، وتدمير البنية التحتية الخاصة بالمياه وشبكات الصرف الصحي، والقيود التي تفرضها سلطات الاحتلال على تطوير المشاريع الفلسطينية، إلى جانب الممارسات التعسفية الإسرائيلية، ضمن ممارسات أخرى.

تعتبر المستوطنات الإسرائيلية والبنى التحتية المقامة فيها مصدرا رئيسيا من مصادر التلوث والضرر البيئي في الأراضي الفلسطينية المحتلة. ويخلص تقرير برنامج الأمم المتحدة البيئي إلى أنه، من الناحية التاريخية، جرى إهمال معالجة مياه الصرف الصحي في الأراضي الفلسطينية المحتلة وأن الوضع في الأراضي الفلسطينية يزداد سوءا بسبب المستوطنات الإسرائيلية التي تفتح مياه المجاري غير المعالجة منها على أراضي المواطنين. كما تشير هذه الدراسة إلى أنه وبناء على المعلومات المتوفرة، لا تحتوي العديد من المستوطنات الإسرائيلية المقامة فيها، وعلى الرغم من زيادة أعداد المستوطنين في هذه المستوطنات، لم تعمل السلطات الإسرائيلية المحتلة على اتخاذ أية تدابير لحل المشاكل البيئية المترتبة على مياه المجاري المنسابة من هذه المستوطنات. ويشير التقرير نفسه إلى أن "مياه المجاري المنسابة من المستوطنات الإسرائيلية تتدفق في الأودية دون إعارة أدنى اهتمام للآثار البيئية السيئة المترتبة على ذلك.

وبحسب تقرير البرنامج البيئي للأمم المتحدة، قدمت إسرائيل تقرير متضاربة حول الوضع البيئي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث أشارت إلى أنها تقوم بمعالجة معظم المياه العادمة، والتي تبلغ كميتها 11 مليون متر مكعب، والتي تتدفق من المستوطنات الإسرائيلية إلى داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية. وتدعى إسرائيل بأن حوالي 66% من المستوطنات الإسرائيلية تمتلك معامل لمعالجة مياه الصرف الصحي فيها، بيد أن برنامج الأمم المتحدة البيئي لم يتمكن من تأكيد هذا الادعاء الإسرائيلي بسبب منع القائمين على هذا البرنامج من زيارة معامل معالجة مياه المجاري التي تحدثت إسرائيل عن وجودها في المستوطنات.

ويؤكد المواطنون الفلسطينيون القاطنون في التجمعات السكانية القريبة من المستوطنات الإسرائيلية على صحة المعلومات المتعلقة بالتلوث الذي تتسبب به هذه المستوطنات، والذي ورد ذكره في تقرير البرنامج البيئي للأمم المتحدة على النحو التالي:

مدينة سلفيت: بحسب إفادات بلدية سلفيت، تتسبب مياه المجاري المتدفقة من مجمع مستوطنات "أرئيل" في تدمير الأراضي الزراعية وتلويث نبع عين المطوي، الذي إلى الغرب من مدينة سلفيت، حوالي 20% من إجمالي استهلاك المياه في المدينة.

لا تتسبب المستوطنات الإسرائيلية بالإضرار بالبيئة من خلال تدفق مياهها العادمة على الأرضي الفلسطينية فحسب، بل تتبنى السلطات الإسرائيلية سياسات احتلالية تعسفية تهدد بمنع الفلسطينيين من الانتفاع بمصادرهم البيئية الخاصة بهم. فعلى سبيل المثال، عملت سلطات الاحتلال على بناء الجدار العنصري العازل على مسافة تصل إلى 22 كم، ف يعمق الأراضي الفلسطينية المحتلة في محافظة سلفيت، وذلك من أجل ضم مجمع مستوطنات "ارئيل" إلى الجهة الغربية من الجدار. وفي حالة استكمال الجدار على الوجه المقرر، سيجري عزل نبع عين المطوي عن مدينة سلفيت، مما سيؤدي إلى حرمان المواطنين في هذه المدينة من الاستفادة من مياه هذا النبع، وكانت قوات الاحتلال الإسرائيلي قد شرعت بأعمال تجريف الأراضي الفلسطينية في هذه المنطقة في أواخر شهر أيار من هذا العام.

بلدة دير بلوط في محافظة سلفيت: يشير المجلس المحلي في بلدة دير بلوط إلى أن مياه المجاري تتدفق من مستوطنتي "بدوئيل" و"إيلي زهاف" على الأراضي الزراعية في البلدة، مما يؤدي إلى تدمير حقول المواطنين المزروعة بأشجار الزيتون.

قرية دير نظام في محافظة رام الله:  أفاد رئيس المجلس المحلي في قرية دير نظام إلى أن المستوطنين في مستوطنة "حلاميش" يفتحون مياه المجاري من المستوطنة على أراضي المواطنين الزراعية، مما يؤدي إلى تدمير أشجار الزيتون في هذه القرية. وفي يوم 12 آذار 2005، استولى مستوطنون إسرائيليون من هذه المستوطنة على مساحة من أراضي المواطنين تقدر بـ40-50 دونما، أقاموا حولها سياجا، وفي هذه الأثناء، يستخدم المستوطنون هذه الأرض كمكب للتخلص من نفايات المستوطنة.

الممارسات الإسرائيلية التي تمنع الفلسطينيين من معالجة النفايات ومياه الصرف الصحي:

تصر كل من لجنة المياه المشتركة- التي تقضي تشكيلها باتخاذ كافة القرارات الصادرة عنها بإجماع أعضائها من الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني- والإدارة المدنية الإسرائيلية على منع السلطة الوطنية الفلسطينية من الوفاء بالتزاماتها التي نصت عليها اتفاقية المرحلة الانتقالية، حيث تواصل السلطات الإسرائيلية رفض الموافقة على المشروعات التي يتم التقدم بها للجنة المياه المشتركة، فحتى نهاية عام 2004، على سبيل المثال، استمرت السلطات الإسرائيلية في رفض الموافقة على تنفيذ مقترحات لإنشاء مشاريع لمعالجة مياه المجاري، والتي تهدف إلى خدمة التجمعات السكانية الفلسطينية، بدعوى أن هذه المشاريع لا تخدم المستوطنات الإسرائيلية المقامة بالقرب من التجمعات الفلسطينية. وقد تم تجاهل الاعتراضات التي تقدمت بها السلطة الفلسطينية، والتي تستند إلى أن وجود هذه المستوطنات غير قانوني بموجب أحكام القانون الدولي.

وفي حالة موافقة لجنة المياه المشتركة على مشروع ما، تشترط السلطات الإسرائيلية رفع هذا المشروع أمام مكتب التنسيق اللوائي للموافقة عليه، والذي نادرا ما يوافق على إنشاء مثل هذه المشاريع، وبحسب تصريحات سلطة المياه الفلسطينية، رفضت السلطات الإسرائيلية الموافقة على عدد من المشاريع التي تقدمت بها لإقامة معامل لمعالجة مياه المجاري لخدمة التجمعات السكانية الفلسطينية في كل من محافظات طولكرم، ونابلس، وسلفيت، ورام الله، و القدس، وبيت لحم، والخليل بسب عدم الموافقة عليها من قبل اللجنة المشتركة. وفي حالة موافقة هذه اللجنة على هذه المشاريع، فإن مكتب التنسيق اللوائي لا يوافق عليها.

وعلى وجه العموم، تعود الآثار الخطيرة المترتبة على عمليات التخلص من النفايات إلى عدة عوامل، منها طبيعة هذه النفايات، وحجم النفايات التي يجري التخلص منها مع مرور الوقت، والتدابير المقترح اتخاذها للتحكم في الآثار السلبية الخطيرة الناشئة عن هذه النفايات، إلى جانب طبيعة المواطنين الذي سيقعون تحت التأثير السيئ لهذه النفايات وعددهم. وبالتالين يجب أن تقع مكبات النفايات الصحية، بالإضافة إلى معامل معالجة مياه الصرف الصحي، في مناطق غير مأهولة بالسكان من أجل تفادي حدوث مكاره صحية، إلى جانب تقليل نسبة تعرض السكان والمناطق القريبة للمخاطر الناجمة عن عطب هذه المعامل (في حال وقوعه بأي منها).

بموجب اتفاقية المرحلة الانتقالية، تم تقسيم الضفة الغربية إلى ثلاثة مناطق: أ، ب، ج. تشكل المنطقة ج 60% من مساحة الضفة الغربية، وبالنظر إلى بعدها عن التجمعات المأهولة بالسكان، تعتبر المنطقة ج المكان المناسب لإقامة معامل معالجة النفايات الصلبة ومياه المجاري فيها. وعلى أية حال، لا تزال المنطقة ج تحت سيطرة قوات الاحتلال الإسرائيلي. وقد رفضت الإدارة المدنية الإسرائيلية أكثر من مرة الموافقة على مشاريع اقترح الفلسطينيون إنشاءها- تحت ذريعة الأسباب الأمنية- لمعالجة مياه المجاري والنفايات الصلبة في هذه  المنطقة.

-   على سبيل المثال، وافقت الوكالة الحكومية الألمانية (GTZ-KFW) على تمويل إنشاء مكب نفايات صحي لخدمة محافظة رام الله والبيرة. وبالاستناد إلى اعتبارات فنية وبيئية، أوصت السلطة الفلسطينية بإقامة هذا المكب بالقرب من قرية دير ديوان التي تقع في المنطقة ج. إلى أن الإدارة المدنية الإسرائيلية اعترضت على إنشاء هذا الموقع، بدواع أمنية، ما أدى إلى تجميد العمل في هذا المشروع حتى إشعار آخر.

-   عام 1999، توجهت كل من وزارة الحكم المحلي وسلطة المياه الفلسطينية بطلب إلى بلدية دير بلوط للاشتراك في مشروع يهدف إلى معالجة مياه المجاري في 10 قرى فلسطينية في محافظتي رام الله وسلفيت، واشتمل المشروع على بناء شبكة جزئية للصرف الصحي، إلى جانب معمل لمعالجة المياه العادمة، بحيث يتمكن المزارعون في هذه المنطقة من استخدام المياه المعالجة لري مساحة تقدر بـ10.000 دونم من الأراضي الزراعية، وبحسب تصريحات بلدية دير بلوط، اشترطت الإدارة المدنية الإسرائيلية للموافقة على هذا المشروع تصميم معمل معالجة المياه العادمة بحيث يخدم المستوطنات الإسرائيلية في المنطقة إلى جانب القرى الفلسطينية. وقد احتج المواطنون الفلسطينيون على هذا الشرط ولا يزال هذا المشروع معلقا حتى اللحظة.

إن السياسة التي تنتهجها السلطات الإسرائيلية في رفضها المتواصل الموافقة على إنشاء مشاريع لمعالجة النفايات ومياه الصرف الصحي لم يتسبب في الحيلولة دون وفاء السلطة الفلسطينية بالتزاماتها التي تمليها عاليها الاتفاقية المرحلية فحسب، بل إنها تسببت في خسائر مالية باهظة بالنسبة للفلسطينيين، ففي الوقت الذي يقدم فيه الفلسطينيون مقترحات المشاريع أمام لجنة المياه المشتركة بعد الحصول على التمويل اللازم، يتسبب رفض هذه اللجنة الموافقة على إنشاء هذه المشاريع في ضياع فرص التمويل لإقامتها، أضف إلى ذلك أن رفض إسرائيل التصريح لإقامة هذه المشاريع يتسبب في حرمان الفلسطينيين من الاستفادة من الفوائد التي يجنونها من معالجة المياه العادمة، ومن ضمنها إعادة استخدام هذه المياه.

المطالبات المالية الإسرائيلية من الفلسطينيين تحت ذريعة معالجة المياه العادمة:

على الرغم من الإعاقة المستمرة من جانب لجنة المياه المشتركة و/أو الإدارة المدنية الإسرائيلية للجهود التي يبذلها الفلسطينيون لمعالجة النفايات ومياه المجاري، تعتقد إسرائيل بأن لها الحق في فرض عقوبات على السلطة الوطنية الفلسطينية، وذلك- حسب ادعاءاتها- لأن مياه المجاري تنساب من الأراضي الخاضعة للسلطة الفلسطينية إلى الأراضي الإسرائيلية، مما يسبب أضرارا بيئية للتجمعات السكانية الإسرائيلية.

وقد أبلغت وزارة المالية الإسرائيلية في رسالة بعثت بها إلى السلطة الوطنية الفلسطينية خلال شهر كانون الثاني من عام 2003 بقرار إسرائيل القاضي بمعالجة مياه المجاري المتدفقة –حسب ادعائها- من الأراضي الفلسطينية في المعامل الإسرائيلية، كما دعت الجانب الفلسطيني إلى دفع المبالغ المالية التي تترتب عليه مقابل ذلك.

ووفق حسابات وزارة المالية الإسرائيلية، تدين السلطة الفلسطينية لإسرائيل بمبلغ يصل إلى 39.1 مليون شيكل، وذلك مقابل معالجة المياه العادمة المتدفقة من مناطق بيت لحم، وبيت جالا، وبير نبالا، والرام، وقلقيلية، وحبله، ونابلس وطولكرم وجنين. ومما يبعث على الاستيلاء من هذه الممارسات التعسفية أن هذه المناطق هي عينها التي رفضت لجنة المياه المشتركة أو الإدارة المدنية الإسرائيلية، أو كليهما معا، الموافقة على إنشاء مشاريع لمعالجة مياه المجاري فيها في الفترة الواقعة بين عامي 1996 و2003.

من جانب آخر، تضمنت رسالة ثانية تتعلق بمعالجة مياه المجاري المنسابة من مدينة الخليل تفصيلا بأن المستوطنين الإسرائيليين تقدموا باستدعاء أمام المحكمة العليا الإسرائيلية لاستصدار حل لمشكلة المياه العادمة المتدفقة من المدينة. وكان الحل العاجل الذي بادرت به العديد من الوزارات الإسرائيلية يكمن في معالجة مياه المجاري المنسابة من الخليل في معمل المعالجة الإسرائيلي الكائن في مدينة بئر السبع، داخل الخط الأخضر. وقد جاء الحل متضمنا تمديد خط أنابيب لنقل مياه المجاري ومحطة لضخ هذه المياه، تقدر التكلفة الإجمالية لها بحوالي 16.000.000 شيكل، بالإضافة إلى ذلك، تبلغ تكلفة معالجة ما كميته 1.8 مليون متر مكعب من المياه العادمة بـ1.741 شيكل للمتر المكعب الواحد،حيث تصل تكلفة معالجة مياه المجاري المتدفقة من مدينة الخليل بحوالي 3.134 مليون شيكل (حوالي 728.840 دولار أمريكي).

وقد أتاحت كل من الرسالتين المذكورتين أعلاه فترة لا تزيد على الـ7 أيام أمام السلطة الوطنية الفلسطينية كي تعمل على وقف تسرب مياه المجاري من التجمعات السكانية الفلسطينية إلى داخل الأراضي الإسرائيلية، وفي حالة عجز السلطة الفلسطينية عن اتخاذ الإجراءات اللازمة لمعالجة مياه المجاري- بحسب الرسالتين- فإن إسرائيل ستتولى اتخاذ هذه الإجراءات. كما أشارت الرسالتين إلى أن السلطة الفلسطينية ستكون مسئولة عن التكاليف المترتبة على ذلك.

ووفق هاتين الرسالتين، فإن إسرائيل تستند في مطالبتها للسلطة الوطنية الفلسطينية إلى المسؤولية التي تقع على عاتق السلطة الفلسطينية التي نصت عليها الفقرات 21-24 من المادة (40) من البروتوكول المتعلق بالشؤون المدنية الملحق بالاتفاقية الإسرائيلية- الفلسطينية للمرحلة الانتقالية، وعلى الرغم من مصداقية هذا النص من الناحية المبدئية، إلا أنه لا ينسحب على هذه الحالة. فبينما تنص الفقرة رقم (24) على أي من الطرفين تعويض الطرف الآخر، فإن الفقرة تشترط دفع التعويض في حالتين محددتين فقط: وذلك في حالة "الاستخدام غير المصرح به" أو في حالة وقوع تخريب لـ"للمياه أو أنظمة معالجة المياه العادمة الواقعة في المناطق التي تقع تحت سيطرة احد الطرفين والتي تخدم الطرف الآخر". ومع الأخذ بعين الاعتبار أن إسرائيل لم تقدم الدليل الذي يعزز أي من الاستخدام غير المصرح به أو التخريب، وبالنظر أيضا إلى أن الأساس الواقعي الذي تقدمه إسرائيل يعجز عن التصريح بأن أيا من هذين الحدثين قد وقع فعلا، فإن نص هذه الفقرة لا ينسحب بحال على هذا الوضع القائم.

وعلاوة على أن السلطات الإسرائيلية أساءت تفسير المادة (40) المذكورة من أجل أغراضها، فإن الادعاء الذي تتقدم به إسرائيل يعتبر معيبا من الناحية الإجرائية، حيث انه يتجاهل الإجراءات القانونية التي نص عليها البروتوكول المتعلق بالشؤون المدنية. فمن ناحية، لم تشتمل الرسائل التي بعثت بها وزارة المالية الإسرائيلية على تفسير للطريقة التي توصلت من خلالها إسرائيل إلى تحديد مصدر تدفق مياه المجاري أو كميات المجاري المتدفقة.

كما أن هذه الرسائل لم تشر إلى الكيفية التي تمكنت إسرائيل من خلالها إثبات –إن كانت قد قامت بذلك أصلا- أن قسما من المياه الملوثة لم تكن، في واقع الأمر، قد تسربت من المستوطنات الإسرائيلية المقامة على أراضي الضفة الغربية. وفي المقت الذي تشير فيه هذه الرسائل إلى قيام بمعالجة المياه العادمة (المتسربة من التجمعات السكانية الفلسطينية)، فإنها لا تقدم دليلا واحدا يعزز هذا الادعاء، أو الطريقة التي تقوم من خلالها بمعالجة هذه المياه، عن كانت في حقيقة الأمر تقوم بمعالجتها. زد على ذلك أن الرسائل المذكورة لا تتضمن أية إشارة واحدة إلى ما إذا كانت إسرائيل تعيد استخدام مياه المجاري المعالجة، وإن كان الوضع كذلك، فهل قامت إسرائيل بخصم قيمة هذه المياه المعالجة من القيمة الكلية التي تطالب بها السلطة الوطنية الفلسطينية؟

أخيرا تنص المادة (40) على أنه على كل من الطرفين الالتزام باتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لحماية موارد المياه العادمة في المناطق الواقعة تحت سيطرة كل منهما، وذلك للحيلولة دون حدوث تلوث أو تسمم في هذه الموارد والأنظمة التي تخص الطرفين معا، وفي الوقت الذي تستخدم فيه إسرائيل هذا النص لتعزيز مطالبتها للسلطة الفلسطينية لتسديد مستحقاتها عن معالجة مياه المجاري المنسابة من مناطقها، فإن إسرائيل لم تشر إلى أنها تنوي تعويض الجانب الفلسطيني عن الضرر البيئي الذي سببته في الأراضي الفلسطينية المحتلة من خلا لممارستها المدمرة المذكورة أعلاه.

وحتى هذا التاريخ، صرحت إسرائيل بأنها خصمت 65 مليون شيكل من الأموال التي تجنيها السلطة الوطنية الفلسطينية من ضريبة القيمة المضافة، كما أنها تلزم السلطة الفلسطينية بما قيمته 1-3 ملايين شيكل كل شهر كمستحقات لها عن معالجة مياه المجاري المتدفقة من الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى داخل إسرائيل. وبالنظر إلى قيام إسرائيل باحتجاز كافة الأموال المستحقة للسلطة الفلسطينية التي تدخل عليها من ضريبة القيمة المضافة، فإن الجانب الفلسطيني عاجز عن التحقق من قيمة المبلغ الذي تطالبها به إسرائيل على وجه الدقة.

الخلاصة:

إن الجهود التي بذلتها إسرائيل مؤخرا لتحويل موقع كسارات أبو شوشة إلى مكب للنفايات تعود في جذورها إلى السياسات الإسرائيلية التي تتسبب في الإضرار الكبير بالبيئة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والذي سيؤدي في نهاية المطاف إلى الإضرار بالتجمعات السكانية الفلسطينية والإسرائيلية في آن واحد.

ومنذ احتلالها للأراضي الفلسطينية عام 1967، لم تف إسرائيل بالتزاماتها، باعتبارها القوة المحتلة، المتمثلة في ضمان سلامة الأراضي الفلسطينية وحمايتها من التلوث البيئي. وخلال الفترة التي كانت فيها إسرائيل مسئولة بمفردها عن إدارة الأراضي الفلسطينية التي تحتلها، لم تقم إسرائيل باستثمار الأموال اللازمة في البنية التحتية لشبكات الصرف الصحي بشكل كاف، كما أنها لم تنشئ المعامل لمعالجة مياه المجاري بحيث تتلاءم مع احتياجات أعداد السكان المتزايدة. وبحسب تصريحات سلطة المياه الفلسطينية، فإنه وعلى مدى فترة زمنية تربو على 30 عاما، لم تستفد سوى ما نسبته 20% فقط من التجمعات السكانية للمواطنين في الأراضي الفلسطينية المحتلة من شبكات الصرف الصحي، كما أنه لم يتم معالجة سوى 5% فقط من مياه الصرف الصحي في محطات للمعالجة.

ومما يزيد الأمر تعقيدا أن سياسة إسرائيل المتمثلة في توسيع المستوطنات المقامة على الأراضي الفلسطينية قد عملت على استفحال التلوث البيئي في هذه الأراضي.

وخلال الفترة التي كان المفروض فيها تولي السلطة الوطنية الفلسطينية المسؤولية عن معالجة المياه العادمة في بعض المناطق من الأراضي الفلسطينية المحتلة، عملت سلطات الاحتلال الإسرائيلية بشكل متكرر على إعاقة الجانب الفلسطيني عن الوفاء بالتزاماته من خلال رفضها المصادقة على تنفيذ المشاريع الخاصة بإنشاء معامل معالجة مياه المجاري ومكبات النفايات الصحية.

وفي الوقت الذي يحظر فيه قانون الاحتلال الحربي إحداث أي تغيير على طبيعة الممتلكات غير المنقولة من قبل القوة المحتلة، يجوز في ظل استثناءات معينة السماح بإحداث بعض من هذه التغييرات في حالات الاحتلال طويل الأمد. وأياً كان الأمر، فإنه يجوز تنفيذ مثل هذه الاستثناءات إذا كان الغرض من وراء التغيير المزمع انتفاع السكان المحليين منه شريطة موافقة السكان المحليين الواقعيين تحت الاحتلال. في حالة موقع أبو شوشة، لم تكتف إسرائيل بعدم استشارة الجانب الفلسطيني حول نيتها تحويل هذا الموقع إلى  مكب النفايات، بل إنها لم تقدم إيضاحات حول كيفية استفادة السكان الفلسطينيين من هذا المكب. وبالاستناد إلى ماضي الممارسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ومن ضمنها سياسة التوسع الاستيطاني، التي تسببت في الأضرار بالبيئة في تجمعات المواطنين السكنية، فإن ادعاء إسرائيل بأن السكان الفلسطينيين سيستفيدون من موقع مكب النفايات الذي تزمع إقامته في كسارات أبو شوشة ليس إلا محض افتراء.