أصل الغجر "الدوم":
تعود أصول الغجر أو (الدوم) المنتشرين اليوم في معظم انحاء اوروبا والشرق الأوسط وشمال افريقية، إلى منطقة تقع شمال غرب الهند، حيث رحلوا من هناك، لأسباب غير معروفة تماما قبل ثلاثة آلاف سنة في مسارين، إذ هاجر بعضهم إلى منطقة الشرق الأوسط واعتنق الديانة الإسلامية، فيما توجه البعض الآخر نحو المناطق الشرقية من أوروبا واعتنقوا الديانة المسيحية.
ومع أن الأسباب الفعلية لهجرة الدوم من الهند ليست واضحة تماما وذلك بسبب غياب التوثيق المتصل بتاريخ الغجر عموما، إلا أن ثمة تفسيرات عديدة لهذا الترحال. فالبعض يرجح أن يكون بسبب التعصب الديني إبان تلك الفترة في الهند، الأمر الذي دفع الدوم نحو الهجرة، والبعض الآخر يعتقد أنهم ملّوا الحياة في موطنهم الأصلي فقرروا البحث عن أماكن أكثر جاذبية للحياة.
سبب التسمية:
"الدوم" كلمة غجرية تعني "رجل". فالرجل في تقاليد عشائر الدوم هو القائد والمسيطر والمقرر.
الغجر في فلسطين:
دخل الغجر، أو عشائر الدوم، فلسطين خلال القرن الخامس عشر، وتمركزوا في مناطق القدس، ورام الله، ونابلس، وغزة. ولا توجد إحصائيات حول أعداد الدوم في فلسطين؛ ولكن تقديرات أبناء الدوم في مطلع عام 2022 ترجّح أن عددهم يقارب 12000 نسمة في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة.
إثر نكبة عام 1948 تهجر الدوم كباقي أبناء الشعب الفلسطيني، واستقر معظمهم في الأردن، وتحديدًا في ضواحي عمان، ويقدر عددهم فيها بنحو 4000 إلى 5000 شخصًا، ويطلق عليهم اسم "غجر فلسطين"، وهم، كغيرهم من اللاجئين الفلسطينيين في الشتات، يتمسكون بحق العودة.
ويشار إلى أن الغجر في فلسطين ينتمون إلى 20 عشيرة مختلفة، لكل منها عادات وتقاليد مختلفة تختص بها، ولكل عشيرة قائد أو رئيس يتم اختياره من بين أفراد الحمولة، أو العشيرة الأكبر بناءً على حكمته واتساع نفوذه.
علم الغجر:
للغجر المنتشرين في نواحي العالم المختلفة علم خاص بهم، وهو يتكون من مستطيلين احدهما أزرق والآخر أخضر تتوسطهما عجلة دراجة باللون الأحمر وهي ترمز للترحال، كما أن اللونين الأزرق والأخضر يرمزان لمكونات الطبيعة "السماء والنبات" التي يتوق إليها الدوم.
عادات وتقاليد الغجر في فلسطين:
الزواج:
يمتاز الزواج بين غجر فلسطين بكونه زواجاً مدبراً أي أن اختيار الوالدين لشريك أو شريكة الحياة هو أساس الزواج، وغالباً ما يتم تزويج الشبان في سن مبكرة (17 عاماً)، وتزويج الفتيات في سن أقل من ذلك.
قديماً كانت والدة العريس تقود احتفالات الزواج خلال سبعة أيام يطاق عليها اصطلاحا "أسبوع الفرح"، وكانت تقدم خلالها الحلويات والمشروبات بالإضافة إلى طبخ اللحم واللبن والأرز، أما حديثاً فلم تعد طقوس الزواج تدوم لأكثر من يومين؛ ليلة الحناء، وليلة العرس.
وعلى الرغم من طابع الابتهاج والصخب الذي يسم أعراس الدوم إلا أن الكثير من الأغاني الخاصة بأعراس الدوم حزينة، وتعبر عن الحالة النفسية للعروس التي لا تتوقف عن البكاء في معظم أيام الاحتفال بزفافها لأنها سوف تنتقل من نمط حياة إلى نمط حياة أخر.
الزّي الغجري التقليدي:
يعرف "الدوم" بحبهم للألوان الصاخبة كالأحمر والأصفر والأخضر، والذهبي بصورة خاصة. ولذلك، فإن لباسهم التقليدي يتكون من هذه الألوان أو من بعضها. ولباس النساء الغجريات محتشم بصورة عامة، ويتكون عادة من تنانير فضفاضة، أو فساتين طويلة غالباً ما تكون مزركشة بالتطريز الغجري الخاص ذي الألوان المتعددة.
وعندما دخل الغجر فلسطين، وامتزجوا مع الاثيات والأعراق الأخرى في البلاد أصبح طراز ملابسهم خليطا بين الزي الغجري التقليدي واللباس التراثي الفلسطيني، إذ انتقوا الأثواب الفلسطينية التقليدية ذات الألوان الصاخبة كالبرتقالي والأصفر والأحمر.
المأكولات الغجرية:
يعتمد الأكل الغجري على اللحوم بصورة أساسية، كما ويشكل "المفتول" (وهو عبارة عن كريات دقيقة مكونة من الطحين المعجون بالماء) عنصر مهم في طعامهم، ويمتازون بأصناف معينة من الحلويات "كالزلابية"(عبارة عن عجين رقيق يقلى ويضاف إليه السكر)، و"المطبق" (وهو عبارة عن عجينة تعجن بزيت الزيتون والسكر) وتحشى بالجوز والسكر.
المواسم الخاصة:
ويوجد للدوم مواسم خاصة للاحتفال، لعل أهمها "موسم الأموات" أو "موسم الربيع" والذي يحتفلون به في الجمعة الثانية من شهر نيسان/ابريل، ويسمى أيضا "خميس الأموات"، حيث يتم خلال هذا اليوم توزيع البيض الملون والزلابية على الأقارب والجيران، احتفالا بحياة جديدة من خلال تكريم الأموات.
نظرة الدوم للنساء:
تقوم سيدة مجتمع الدوم بأعمال ومهمات عديدة تلقى على كاهلها، فهي تقوم بالتدبير المنزلي، ورعاية الأولاد بالإضافة إلى أعمال أخرى كالخياطة والتطريز، إلا أنها، عموما تعد مظلومة في مجتمعها لأن أهميتها تنبع من واجبها في الإنجاب وخدمة الرجل.
ينزع مجتمع "الدوم" عموما نحو كثرة الإنجاب، وذلك باعتبارهم أقلية تسعى إلى تكثير عدد أفرادها من خلال تحفيز النسل.
موقف الدوم من التعليم:
كان للدوم، قديما،ً موقفا سلبيا من التعليم، إذ كانوا يعتبرون التعليم سبباً في الخروج عن العادات والتقاليد. ولكن عشائر الدوم الفلسطينية، في الوقت الحاضر، تعتقد بأهمية التعليم وتحض أبناءها على الالتزام به باعتباره أحد عوامل الرفعة والرقي لجماعات الدوم.
حياة الغجر في فلسطين:
الحياة الاقتصادية:
اشتهر الغجر في فلسطين، وفي تسمية أخرى "الدّوم"، بحرفة الحدادة وصناعة الأدوات المعدنية كحدوات الخيول، والحلي الفضية، كما امتازوا بترويض الحيوانات، وتقديم عروض السيرك، وإحياء الحفلات بالغناء والرقص، واعتمدوا على أسلوب المقايضة بدل البيع في معاملاتهم التجارية.
أما اليوم فان الغجر "الدوم" قد انخرطوا في مختلف المهن الأخرى، فمنهم الموظف والتاجر والحرفي، شأنهم في ذلك شأن إخوانهم من أبناء الشعب الفلسطيني.
الحياة السياسية:
لطالما اعتبر "الدوم" أنفسهم جزءا لا يتجزأ من النسيج الفلسطيني، فكثير من أبناء أبنائهم في فلسطين تعرض للاعتقال، أو أصيب في إحدى المواجهات مع قوات الاحتلال، ومواقفهم السياسية هي مواقف وطنية على الأغلب، ولا تختلف عن المواقف السياسية لأبناء الشعب الفلسطيني بشكل عام.
الحياة الثقافية:
يمتاز غجر فلسطين، كغيرهم من غجر العالم، بحبهم للموسيقى والعزف منذ القدم، وقد ظهرت في صفوفهم فرق موسيقية تتكون من عائلات كاملة اشترك فيها كل من الأب والأم والأبناء. وأغلب أبناء الدوم المتواجدين في قطاع غزة يمتهنون العزف والرقص والغناء، كما ظهر فنانون امتازوا بأداء الأغاني ذات الطابع الغجري مثل عبدو موسى.
وتجيد الغجريات الفلسطينيات استخدام الوشم باعتباره رمزاً جمالياً، بالإضافة إلى اعتقادهم بأن له فوائد طبية ملموسة، ويعتبر نوعاً من العلاج.
مَثّل الحصان رفيقاً دائماً للغجر قديماً وحديثاً، ومن الحيوانات الأخرى ذات المكانة الخاصة عند "الدوم"، الكلب فهو يرمز للأمن والوفاء.
المصدر: / موقع جمعية الدوماري www.domarisociety.com