الصحافة الفلسطينية في العهد العثماني

كان دخول الطباعة إلى فلسطين منذ منتصف القرن التاسع عشر عاملاً حاسماً في إصدار الصحف؛ ففي عام 1846، دخلت أول مطبعة عربية إلي فلسطين هي مطبعة البطريركية الأرثوذكسية، حيث كانت تعمل تحت مسؤولية الأب (سبيرو دون صروف)، وعرفت باسم مطبعة الأرض المقدسة، وكانت تعرف رسمياً في العهد التركي باسم مطبعة دير الروم. وفي سنة 1847 أقيمت مطبعة الآباء الفرنسيسكان أشرف عليها الرئيس العام للرهبانية الفرنسية وكانت تطبع بجميع اللغات. وكانت هناك المطبعة الإنجليزية التي امتلكت امتيازها جمعية الكنيسة البروتستانتية التي أقيمت سنة 1867، وكانت تطبع بالعربية فقط. 

 ومع تبلور الحركة الوطنية الفلسطينية في أطر تنظيمية - سميت بالجمعيات السرية- تناضل للحصول على الاستقلال من النظام التركي التي تكون أول إطار لها سنة 1875، فرض هذا التطور ضرورة وجود الأدوات التعبيرية ووسائل الاتصال مع الجمهور؛ الأمر الذي لا يمكن تحقيقه دون صحافة. 

 وبسبب القيود الصارمة والبيروقراطية المفرطة في العهد العثماني؛ كان أول امتياز لصحيفة تناله الحكومة العثمانية نفسها، فقامت بإصدار أول صحيفة في فلسطين سنة 1867 باسم (القدس الشريف) في القدس باللغتين العربية والتركية، وكان الشيخ علي الريماوي رئيساً للقسم العربي فيها وعبد السلام كمال رئيساً للقسم التركي، كذلك صدرت في نفس العام صحيفة (الغزال) باللغة العربية فقط، وكان الهدف من إصدار تلك الصحيفة هو تعميم الفرمانات والأوامر الرسمية. 

 وفي 1903 أصدرت متصرفية القدس (التي تضم القدس ويافا واللد والرملة والخليل وغزة والنقب) جريدة رسمية سميت أيضاً باسم القدس الشريف واعتبرت الحكومة التركية أن هذه الصحيفة هي الخطوة الأولى في تنظيم وتقنية عمل الصحافة، إلا أن عدم انتظام الحكومة في إصدارها أكد بأنها لم تكن جادة فعلاً في تأسيس صحافة وطنية فلسطينية بقدر ما كانت تعنى بتطوير وسائل اتصالها بالجمهور بهدف نقل أخبار السلطة العليا. وفي أوائل القرن العشرين كان هناك قفزة كبيرة في الصحافة الفلسطينية فمن أول أيلول إلى 30 كانون أول 1908 صدرت في فلسطين 15 صحيفة، وذلك بسبب انتعاش الحركة الوطنية الفلسطينية التي خاب أملها في حزب "تركيا الفتاة"،  بعد أن وصل إلى الحكم، كشف عن وجهه الشوفيني المعادي للعرب. 

وفي سنة 1905 ظهرت مجلة "باكورة جبل صهيون" الشهرية" باللغة العربية والتي كانت تصدر من مدرسة "ليشوف جوبت"، وكانت هذه المجلة أدبية علمية وليس لها علاقة بالحركة الصهيونية، وترأس تحريرها الأستاذ توفيق زيبق. 

وفي 18 أيلول 1908 أسس جورجي حنانيا جريدة "القدس"، وكانت جريدة علمية أدبية تورد أخبار الحكومة، وكانت ملتزمة بسياستها. وفي نفس العام أصدر نجيب نصار صحيفة "الكرمل" الأسبوعية. 

 وفي كانون أول 1908 صدرت جريدة "بشير فلسطين" التي امتلكها السنيودس " المجمع المقدس الأورشليمي"، وكان تأسيسها على أثر خلاف السينودس مع الأرثوذكس؛ رداً على هذه الصحيفة صدرت في نفس الفترة صحيفة "الإنصاف" نصف الاسبوعية التي أسسها  "مندلي مشحور"، وغيرها الكثير من الصحف الدورية وغير الدورية. 

 وعلى الرغم من الظروف الصعبة التي خلفتها قوانين الصحافة؛ أشارت الإحصائيات إلى أنه منذ عام 1867 "حتى 1914 كان في فلسطين أكثر من 40 مطبوعة، أما خلال الحرب العالمية الأولى؛ فلم تصدر في فلسطين سوى مطبوعة واحدة عام 1916 هي مجلة " مصور مجول". 


 المستوى المهني للصحافة في العهد العثماني:

بدأت الصحافة الفلسطينية في الاعتماد على ما يمكن استنباطه من آلية العمل للصحف الأخرى في الدول العربية، أو التشبه بالصحف التي تصدر في الأستانة سواء من ناحية الحجم أو الإخراج؛ وذلك بسبب الافتقار إلى الخبرة، واستفادت الصحافة المحلية في أواخر العهد التركي من دخول الصحافة المصرية، وتأثرت أيضاً بتطور الأدب العربي في القرن التاسع عشر؛ حيث نرى أن الأسلوب اللغوي للصحف العربية متميز برقي مختلف عن الواقع الثقافي في تلك الفترة؛ فتطور حركة الأدب شكلت واقع فرضه تأثير خارجي تركي فرنسي … الخ، بجانب فرض الثقافة الحاكمة على الثقافة المحكومة، وعدم قدرة الأدب العربي على مواجهة الأدب الغربي، و تأثر الأسلوب الصحفي بعوامل فرضتها المستجدات السياسية، في مقدمتها تأثير الاقتصاد والتجارة الفرنسية والإيطالية والإنجليزية، كل ذلك كان له دور مهم في التأثير على الأسلوب اللغوي في العمل الصحفي؛ الأمر الذي أفسح المجال أمام تولد مصطلحات جديدة. إلى غير ذلك كانت قضية "محلية الصحافة" أحد أهم الصفات التي ميزت العمل الصحفي في تلك الفترة؛ فكان من النادر أن تجد صحيفة تغطي الأخبار والوقائع الدولية باهتمام، إلا أنه كان هناك توجه من بعض الصحف مثل صحيفتي "الترقي" و "فلسطين" للتمرد على ذلك، فصحيفة "الترقي" هي الوحيدة حتى سنة 1911 التي كانت تنشر أخبار دولية من وكالات الأنباء، واستطاعت جريدة "فلسطين" أن تكون ممثلة لوكالة أخبار "أجانسي عسمانلي" أي وكالة الأنباء العثمانية. 

أبرز الصحفيين الفلسطينيين في العهد العثماني:

 إبراهيم زكا، أسماء طوبى، إلياس مرمورة، بندلي مشحور، توفيق السمهوري، توفيق نصار، جورجي حنانيا، حنا عيسى، خليل بيدس، ساذج نصار، سعيد جار الله، سميرة عزام، عادل جبر، عبد السلام كمال، علي الريماوي، عيسى العيسى ، ماري شحادة، محمد إسعاف النشاشيبي، نجيب نصار، نقولا الدر، يوسف العيسى.