بعد أن تمكنت بريطانيا من استعمار فلسطين؛ وبعد إعلان الانتداب، قررت بريطانيا إنشاء حكومة مدنية فيها، وعينت "هربرت صاموئيل" (أحد زعماء الصهيونية) مندوباً سامياً في فلسطين، وكانت الحكومة البريطانية معنية بترقية وتعميم المواصلات والاتصالات "بما يخدم مصالحها"، لذلك؛ فقد كانت معنية بشكل أساسي بالصحافة كأحد أشكال الاتصال الجماهيري، ما أعاد الصحافة الفلسطينية إلى الظهور من جديد عام 1919 بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى.
وعلى الرغم من هذا الاهتمام، إلا أن الصحافة عاشت ظروفاً قاسية، فقد استمرت في عهد الانتداب مجموعة القوانين العثمانية ضد الصحافة قائمة حتى العام 1932، ثم وضعت بعدها حكومة الانتداب مجموعة أخرى من القوانين التي كانت أكثر تصلباً، وكانت دائرة التحقيق الجنائي لسلطة الانتداب هي المخولة بالإشراف على الصحف.
وكانت قيادة الانتداب البريطاني قد أصدرت صحيفتها الرسمية "ذي باليستاين نيوز" من القاهرة في 11 نيسان 1918، والتي وجهت إلى عرب فلسطين، واستمرت في الصدور تحت هذا الاسم، حتى أصبحت تصدر باسم الوقائع الفلسطينية في نهاية 1931.
وفي عهد الانتداب؛ لم تختلف الصحافة كثيراً في هيئتها و طباعتها عنها أيام الحكم العثماني، إلا أنها اختلفت كثيراً في المضمون خصوصاً في لهجتها وطريقة طرح آرائها في المواضيع السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وقد بدأت طلائع الصحف العربية بالصدور في النصف الثاني من العام 1919، واحتلت مدينة القدس مكانة مرموقة في مجال إصدار الصحف؛ فصدر فيها العديد من الصحف والمجلات، وكانت صحيفة "سورية الجنوبية" التي أصدرها عارف العارف في أيلول 1919، من أوائل الصحف الجديدة التي ظهرت آنذاك، وفي 17 أيلول 1919 أصدر بولس شحادة صحيفة "مرآة الشرق"، التي كانت من أقوى الصحف الوطنية، ثم أغلقتها السلطات البريطانية عام 1939.
وفي العشرينات نشطت الحركة الصحفية، فصدرت العديد من الصحف السياسية، مثل: "القدس الشريف" التي أصدرها في القدس حسن الدجاني في 13 أبريل 1920، وجريدة "لسان العرب" التي أصدرها في القدس إبراهيم سليم النجار في 24 حزيران 1921، وكانت هي الصحيفة اليومية الأولى والوحيدة في فلسطين في تلك الفترة. وظهرت مجموعة من الصحف والمجلات الصغيرة التي لم يدم صدورها طويلا، نذكر منها: مجلة "روضة المعارف"، ومجلة "كلية القدس للشبان"، و"أخبار دار الأيتام السورية"، و"الروايات الأهلية"، و"الزنبقة"، و"الكرمة المصورة"، و"سانت جورج"، ومن الصحف الدينية والكنسية التي ظهرت آنذاك: صحيفة "الأخبار الكنسية"، و"يوم الرب"، و"الإنارة"، و"السلام والخير"، و"الأرض المقدسة".
حينذاك كانت الحكومة البريطانية تعلم أن الصحف السياسية كانت ذات فعالية في التعبير عن الرغبة في الاستقلال، وذات قدرة على التأثير في الجمهور. وما زاد من تخوفها، هو أن الصحافة الفلسطينية أعلنت موقفها من الحركة الصهيونية، بما يتناقض وأهداف الحكومة البريطانية، فعلى سبيل المثال: أعاد نجيب نصار إصدار الكرمل سنة 1920، مؤكداً أن جريدته ستواصل مهاجمة وفضح السياسة الاستعمارية البريطانية في تطبيق وعد بلفور، والتنديد بالهجرة الصهيونية إلى فلسطين، وأعاد بيدس إصدار النفائس عام 1919 كمنبر للأدباء والمثقفين، كما ظهرت مجموعة من الصحف والمجلات الصغيرة التي لم يدم صدورها طويلاً.
وبين سنتي 1919 و 1921 ظهرت عدد من الصحف الجديدة بلغ مجموعها 18 صحيفة، كان منها: 15 صحيفة فلسطينية، وصحيفتان للمستوطنين اليهود.
مقابل ذلك؛ رأت الحكومة البريطانية ونشطاء الحركة الصهيونية أن الشكل الذي تعتمده الصحافة الفلسطينية، وأسلوب التوجيه الجماهيري، يشكل خطراً على التنفيذ السريع لوعد بلفور؛ فعملت "مع الحركة الصهيونية" على تطوير الصحافة الصهيونية، وإنشاء صحف جديدة وتحييد الصحف الفلسطينية؛ فتم تأسيس صحيفتين سياسيتين صهيونيتنن باللغة العبرية؛ ففي 11أيار 1920 أسس أ. سفير جريدة سياسية صهيونية في القدس أسماها "بريد اليوم"، أما نسيم ملوك "رئيس جمعية النهضة الإسرائيلية في القاهرة"؛ فقد أصدر في 31 أيار 1920 "جريدة السلام"، التي كانت تدعو إلى (التفاهم) بين العرب واليهود، ويدافع في نفس الوقت عن أهداف وبرامج الحركة الصهيونية في فلسطين.
وفي الثامن من حزيران سنة 1924؛ عقد المؤتمر الصحافي العربي الأول، وكان له أثره في تنشيط الحركة الصحفية، وتوجيهها إلى خدمة المصلحة العامة، وإلى العناية بالمسائل الاقتصادية والزراعية، والإكثار من الكتابة فيها؛ لتشجيع وزيادة الإنتاج الزراعي.
وتألفت نقابة صحافية باسم "نقابة الصحافة العربية في فلسطين"، وانعكست آثار الخلافات السياسية التي بلغت أشدها بين الزعماء الفلسطينيين في العام 1927، وتعدد الأحزاب السياسية، على مختلف الصحف العربية في فلسطين التي ساهمت في زيادة حدة الخصومة، لكن أصحاب تلك الصحف ما لبثوا أن تنبهوا إلى خطورة هذه الخلافات على القضية الوطنية؛ فعقدوا مؤتمراً في مدينة يافا، في تشرين الثاني"نوفمبر" 1927، حضره ممثلون عن الصحف الفلسطينية، واتخذوا القرارات التالية:
دعوة رجال الصحافة إلى جمع كلمة الأمة، وتسهيل عقد مؤتمر عام يمثل آراء الأمة في قضيتها السياسية العامة، والدفاع عن مصالحها أمام الحكومة، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.
تبادل الاحترام بين الصحفيين على اختلاف آرائهم، و مراعاة حقوق الزمالة وآداب الصحافة، ومقاومة كل حركة من شأنها إحياء النعرات الطائفية و النزعات الدينية.
ورأى المؤتمرون وجوب مطالبة الحكومة بحقوق الصحافة، كما بحثوا في تأليف نقابة صحافة لهم.
ولم تكن النقابة التي تقرر تشكيلها في مؤتمر الصحافة العربية الفلسطيني الأول في حزيران يونيو 1924 قد تألفت بعد، واستقر رأيهم على تأليف هذه النقابة من أصحاب الصحف الذين حضروا المؤتمر، وتم انتخاب عيسى البندك، (صاحب جريدة "صوت الشعب)، وعبد الله القلقيلي، (صاحب جريدة "الصراط المستقيم") ممثلين للنقابة، وعهد إليهما تقديم قانون النقابة إلى الحكومة، وإبلاغ قرارات المؤتمر إليها.
وبعد عام 1929 انتقل النشاط الصحفي من القدس إلى يافا، وتطورت الصحافة فيها، حتى احتلت مركزاً هاماً في ميدان الصحافة العربية؛ فبالإضافة إلي المجلات والصحف اليومية التي ظهرت آنذاك، ظهرت المجلات والصحف المتخصصة، مثل: مجلة "الاقتصاد العربية" التي صدرت عن شركة المطبوعات العربية المحدودة في القدس عام 1934، وترأس تحريرها عادل جبر، وكانت تتناول القضايا الاقتصادية والتجارية حتى توقف صدورها عام النكبة، و"مجلة جمعية فلسطين الشرقية" التي أصدرها الدكتور توفيق كنعان عام 1933، والتي كانت تبحث في المواضيع الأثرية والتاريخية والدينية. وفي عام 1937؛ أصدر إبراهيم تلحمي "مجلة الأشرطة السينمائية والسينما"، وعام 1945؛ أصدر محمود الدجاني "المجلة الطبية العربية الفلسطينية" التي تناولت شؤون الطب والجراحة.
وشهدت الصحافة في عهد الانتداب تطوراً ملحوظاً على مستوى الإخراج والتحرير؛ فأصبحت تزخر بالمفكرين والمثقفين، وأصبحت الرؤوس المفكرة تقود الرأي العام، واتسع ميدان الكتابة، وصار الكتاب يستخدمون الصحف لنشر أفكارهم وتوجهاتهم، وشغلت المواضيع الثقافية والاجتماعية آنذاك العمل الصحفي.
إلى جانب ذلك، كان للصحافة دور رئيسي في الحركة الوطنية؛ ففي ثورة 1936 كان للصحافة أثر قوي في توعية الجماهير تجاه مخاطر الصهيونية والاستعمار، وبث الروح الوطنية فيها، والدعوة إلى الوحدة؛ فعلى الرغم من الاختلاف بين الصحف، إلا أنها ركزت جميعها على المنطلقات والتوجهات السياسية للثورة.
وفي 27 أيار 1936 عقد مؤتمر عام للصحافة، وناقش الأوضاع السائدة، بما فيها مسؤولية الحكومة البريطانية إزاء تدهور الأوضاع بسبب الهجرة اليهودية وخطورة حملة قوانين المطبوعات. واعتبرت " لجنة بيل" أن اللهجة الشديدة التي كانت تستخدمها الصحافة هي أحد عوامل تفجير ثورة سنة 1936.
كذلك كان للصحافة دور قوي وواسع في نقل وقائع الثورة النضالية إلى العالمين العربي والإسلامي والخارجي؛ ما كان له الأثر القوي في تجاوب الصحف العربية مع أصداء الثورة؛ ففرضت الحكومة الانتدابية التشريعات الجديدة، وزادت من إحكام قبضها على الصحافة حتى صدر نظام الدفاع "الطوارئ" عام 1939، الذي اشتملت معظم نصوص مواده على تقييد الصحافة الفلسطينية والعربية؛ فمنعت صحف عربية من دخول فلسطين، وأصبحت الموضوعات والتقارير التي يرسلها المراسلون في فلسطين عرضة للحجز والمراقبة، وتعرض جزء من الصحف للإغلاق وجزء لمنع التوزيع وجزء للمصادرة. في الوقت نفسه، وجدت الصحافة العبرية كل أشكال الرعاية؛ كي تسهم في خلق بنية تحتية للوطن اليهودي المنشود؛ فخلال عشر سنوات، ازداد عدد الصحف العبرية إلى الضعف؛ ففي سنة 1939 كان هناك تسع صحف عبرية، وحتى 10/5/1948 "النكبة"؛ كان هناك 19 صحيفة، أهمها: "هآرتس" التي تأسست سنة 1918، ويديعوت أحرونوت - التي تأسست سنة 1948، وجيروسالم بوست التي تأسست سنة 1932 تحت اسم "بالستين بوست"، و"دافار" التي تأسست سنة 1925 هذا غير النشرات والدوريات المختلفة.
وفي المرحلة الأخيرة من الانتداب البريطاني (بداية الحرب العالمية الثانية)؛ استمرت الصحافة في حمل رسالة التوعية والتنوير تجاه مخاطر الاستيطان الذي بدأ يشتد عوده في الوقت الذي بدأت الصحافة الفلسطينية بالتطور؛ بسبب الحراك الاقتصادي الذي طرأ مواكباً التوسع في الجانب الصناعي والتجاري في فلسطين. كما شهد الجانب النقابي تطوراً ملحوظاً، فقام "اتحاد نقابات وجمعيات العمال العرب" بإصدار صحيفة "الاتحاد الأسبوعية" ذات التوجه الماركسي في 15 أيار 1944.
وفي الفترة بين 1945-1948 بلغ عدد الصحف التي كانت تصدر في فلسطين حوالي 68 صحيفة منها تسع صحف سياسية، أهمها: "الشعب" التي أصدرتها شركة الصحافة في يافا سنة 46 الأهلية، التي ترأسها كنعان أبو خضرا، وصحيفة "الشعب" الناطقة باسم حزب البعث الاشتراكي في القدس عام 48، ورئيس تحريرها عبد الله حجاوي.
هذا وقد ازداد العبء على الصحافة بازدياد سلسلة المؤامرات الاستعمارية، كما حصل تجاه قرار التقسيم، حيث نشطت الصحافة في فضح سياسة الحكومة البريطانية تجاه الهجرة وطرائق عمل المستعمرين؛ ما جعل سلطات الانتداب تدرك خطورة آفاق هذا العمل؛ فزادت من أسلوب القمع والإرهاب في تشديد العقوبات تجاه الصحافة دون الاكتراث للنتائج، أو لردود الفعل لأنها كانت على أبواب الرحيل.
وأكثر ما ميز الصحافة في تلك الفترة؛ أنها كانت على موقف إجماعي واحد لا تشوبه شائبة من الشوائب التي كانت تدسها الحكومة البريطانية بلعبها على الوتر العائلي والحمائلي في فلسطين، أو على الوتر الحزبي.
وأخذ بطش الانتداب يتزايد ضد الصحافة بتزايد تأثيرها، إلى أن صدر نظام الطوارئ سنة 1945، وما تضمنه من تشريعات صارمة ضد الصحافة الفلسطينية؛ في محاولة لمنعها من تهيئة الأجواء لاحتمالات ما بعد انتهاء الانتداب.
وأخذت الأوضاع تتفاقم في فلسطين بشكل سريع، ومع انسحاب القوات البريطانية وبداية حرب 48؛ كان للصحافة دور رئيس في تأجيج المشاعر، والعمل بكل قوة لتوفير أرضية خصبة للجيوش العربية "للاستمرار في الحرب".
* أسماء أبرز الصحفيين الذين وردت أسماؤهم في فترة الانتداب البريطاني:
أ. سافير، إبراهيم الشنطي، إبراهيم النجار، إبراهيم كريم، أحمد خليل العقاد، أدمون روك، أديب خوري، أرنست شنللر، أكرم العلمي، ألفونس يعقوب ألونزو، أيوب مسلم، إبراهيم تلحمي، إسحق الحسيني، إسحق درويش، الأب باسكل كنسل، الأب نوربرت ريشاني، الشيخ عبد الله القلقيلي، الشيخ محمد الصلح، القس أسبر ضومط، القس الياس مرمورة، القس ب. م. كمبرت، القس جون طنب، القس خليل أسعد غبرائيل، القس و. و. كاتلنج، المطران جاورجيوس حكيم، إميل أبو خليل، إميل غوري، باسيلا الجدع، بندلي حنا الغرابي، بولس سمعاني، بولس شحادة، توفيق حانا، توفيق كنعان، ج. رحال، ج. واتس، جان سويدان، جبرا الأنقر، جبرائيل شكري ديب، جمال الحسيني، جميل شلالي، جميل ضيازادة، حازم نسيبة، حسان أبو ريحاب، حسن الدجاني، حسن المقدادي، حسن مصطفى، حسين حسني، حسين محمود نجم، حمدي الحسيني، حنا الصاع، حنا عطا الله، خالد الدزدار، خضر نصار، خليل أبو العافية، خليل زقوت المجدلي، خليل نصر، خيري حماد، د. عمر خليل، د. محمود طاهر الدجاني، د. حاييم هراري، داوود الكردي، داوود ترزي فشر، رشيد الحاج، رفائيل أبو العافية، زكي زكا، زهدي محمد السقا، سعود جميل، سلمان الفاروقي، سليم الحلو، سليم شحادة، سليم عبد الرحمن الحاج إبراهيم، سليم قبعين، سندر رحماني، سهيل زكا، شكري سرور، شمس الدين الخطيب، شوكت حداد، صالح عبد اللطيف الحسيني، طاهر الفتياني، عادل القلقيلي، عادل جبر، عارف العارف، عارف العزوني، عارف النجار، عاطف نور الله، عبد الحميد ياسين، عبد الرحمن بشناق، عبد الغني الخطيب، عبد الغني الكرمي، عبد اللطيف الحسيني، عبد الله الريماوي، عبد الله القلقيلي، عبد الله النعواس، عبد المجيد حنونة، عجاج نويهض، عزت الأعظمي، عزت الجبالي، عزيز شحادة، علي الأسعد، علي حسين الصافي، علي سعيد خلف، علي محي الدين الحسيني، عيسى البندك، عيسى الخوري بندك، عيسى السفري، عيسى العيسى، عيسى شاكر، عيسى عبود، فؤاد الطباع، فؤاد الطويل، فؤاد صالح سابا، فريد الشنطي، فهمي الحسيني، قسطندي ثيودوري، قيصر أبيض، كمال أحمد عباس، كنعان أبو خضرا، ليفوي ويتمان، محمد الدجاني، محمد حسن البديري، محمد حسن سويد، محمد حسن علاء الدين، محمد حلمي، محمد سعيد اشكنتنا، محمد عبد الله المسلمي، محمد علي الطاهر، محمد فريد الشنطي، محمد كامل البديري، محمد مصطفى الغندور، محمود الإيراني، محمود الشركسي، محمود العابودي، محمود سيف الدين الإيراني، مراد فؤاد حقي، مصطفى الرشيد، مطلق عبد الخالق، مندل كرونبك، منير إبراهيم حداد، منيف الحسيني، موسى الكيالي، موسى ناصر، ميشال نجار، نجاتي صدقي، نجيب الطيبي، نجيب جاد، نجيب فرنجية، نجيب نصار، نسيم ملول، نصري الجوزي، نعيم العيسى، نيقولا حنا، نيقولا قطان، هاني أبو مصلح، هربرت دانبي، واصف يونس، وديع صنبر، وهبة تمارى، يوحنا خليل دكرت، يوسف البندك، يوسف العيسى، يوسف سلوم، يوسف فرنسيس، يوسف هيكل، يوسف ياسين.