الصحافة الفلسطينية في الشتات

غالبية الصحافيين الفلسطينيين أصبحوا صحافيين مهاجرين بعد وقوع النكبة الفلسطينية عام 1947م، بإعلان دولة إسرائيل على أرض فلسطين،وتهجير أبناء الشعب الفلسطيني؛ حيث تفرق الصحافيون الفلسطينيون بين الدول العربية، لذلك؛ فإن الطابع العام للصحافة الفلسطينية بعد عام   1947م هو طابع الصحافة المهجَّرة، ولقد تميزت الهجرة الصحفية بسمتين:

الأولى: أنها في غالبها هجرة صحفيين، وليست هجرة صحف. 

الثانية: وهي أن هذه الهجرة كانت هجرة داخلية، أي تكاد أن تكون مقتصرة على الهجرة إلى الأقطار العربية. 

أما الهجرة الصحفية الفلسطينية المعاصرة، أي التي تمت في السنوات العشر الأخيرة التي تبدأ من منتصف السبعينات إلى منتصف الثمانينات،  فإن الطابع العام الذي يغلب عليها يكاد يختلف جذرياً عن الطابع العام للهجرة السابقة، فالهجرة الفلسطينية المعاصرة تتميز بسمتين بارزتين. 

الأولى: أنها هجرة صحف، حيث قام الفلسطينيون بإصدار صحف خاصة بهم تعبر عن آراء واتجاهات الفصائل الفلسطينية المتعددة وفي مقدمتها منظمة التحرير الفلسطينية. 

والسمة الثانية: أنها هجرة خارجية،  فأغلب الصحف الفلسطينية المهاجرة صدرت خارج الوطن العربي، حيث تركز أكثرها في قبرص، ووجد بعضها في لندن، وباريس وهناك أكثر من عامل وراء اتخاذ الهجرة الصحفية الفلسطينية طابع الهجرة الخارجية، من أهمها: دخول الفلسطينيين كطرف في الصراعات العربية، وقيام الأنظمة المعارضة لمنظمة التحرير الفلسطينية بوضع الصعوبات والقيود أمام الفلسطينيين في مجال التعبير عن مواقفهم السياسية، سواء من خلال الصحف التي يصدرها فلسطينيون، أو من خلال الصحف المحلية داخل هذه الأنظمة، وقد يصل الأمر إلى قيام هذه الأنظمة العربية بإغلاق بعض الصحف الفلسطينية الصادرة بها، كما حدث بالنسبة للصحف الفلسطينية في الأردن وسوريا وليبيا ولبنان. معنى ذلك، أن الصحف الفلسطينية رأت أن تصدر خارج الوطن العربي؛ حتى لا تكون رهينة لأي نظام عربي يمنحها حق التعبير عن مواقفها عندما يشاء، ويمنع هذا الحق عنها عندما يشاء أيضاً، وصدرت في الشتات ست مجلات هي: 

1) الشرق الجديد:

جريدة في حجم مجلة، أسسها في لندن الصحفي الفلسطيني عبد الوهاب فتال في يناير 1973م، وأعلنت أنها جريدة انتقادية شهرية لا تقبل الإعلانات، ويغلب على الجريدة طابع صحافة الرأي، فأكثر مادتها مقالات صحافية، ويندر أن ينشر بها أخبار صحافية، أو أي ألوان أخرى من الفنون الصحفية، مثل: الأحاديث الصحفية، التحقيقات الصحافية الجريدة، وهي بحجم أقرب إلى حجم المجلات المتوسطة، كذلك يغلب عليها الطابع العام للمجلات، وليس فيها من طابع الجرائد سوى المانيشتات التي تحتل ثلاثة أرباع الصفحة الأولى. 

ورغم أن الجريدة تصدر في لبنان؛ إلا أنها تطبع على ورق أزرق بدائي، وإخراجها الفني بدائي، فهي أشبه بالجرائد العربية الأولى التي ظهرت فترة نشأة الصحافة العربية في النصف الأول من القرن التاسع عشر. 

2) شؤون الساعة:

صدرت مجلة شؤون الساعة في بريطانيا عام 1979م عن شركة هينكس، ليمتد للصحافة والنشر، وأعلنت أنها مجلة عربية سياسية مستقلة، ويرأس تحريرها ياسر حجازي، أما الشعار الذي تضعه المجلة، فهو صوت الإنسان العربي في بريطانيا، ورغم أن المجلة تدعي أنها صحيفة مستقلة، إلا أنه يلاحظ من خلال تحليل مضمونها، أن سياستها تقوم على الدفاع عن منظمة التحرير الفلسطينية والقضايا الفلسطينية.

 ويبدو أن هذا الالتزام بخط المنظمة أوقع المجلة في العديد من المشكلات مع الأنظمة العربية التي تختلف مع منظمة التحرير الفلسطينية، ومن هذه المشكلات منع دخول المجلة إلى بعض الأسواق العربية، بالإضافة إلى الضغط على مصادر الإعلان التي تتعامل مع المجلة لمنع الإعلان عن صفحاتها. وقد وصلت حدة هذه المشكلة إلى الدرجة التي اضطرت فيها المجلة لتخصيص إحدى افتتاحياتها لاطلاع القارئ على بعض هذه المشكلات.  

3) الأفق:

صدرت مجلة الأفق في عام 1981م بقبرص عن شركة منشورات الأفق المحدودة، يرأس تحريرها علي الشيخ، والمجلة تتبنى وجهة نظر منظمة التحرير الفلسطينية تجاه القضايا الفلسطينية العربية والدولية، ويلاحظ غلبة الطابع الفكري على المجلة، وكذلك ندرة الإعلانات مما يشير إلى أنها تمول من قبل منظمة التحرير الفلسطينية، ولعل ما يؤكد انتمائها للمنظمة، تخصيصها لأكثر من عدد لتغطية الدورة الـ 17 للمجلس الوطني الفلسطيني،  وتأكيدها على نجاح هذا المؤتمر في تحقيق ما سمته انتصار استقلالية القرار الفلسطيني. 

4) البلاد:

 مجلة اسبوعية سياسية صدرت في عام 1984م عن مؤسسة الديار للطباعة والنشر (نيقوسيا، قبرص) ورأس تحريرها وليد نويهض، والمجلة تركز على الشؤون الفلسطينية، وتهتم بصفة خاصة بأخبار الفلسطينيين في الأرض المحتلة، وهي تتبنى بشكل واضح سياسات ومواقف منظمة التحرير الفلسطينية، وتنفرد المجلة بنشر العديد من التحقيقات الصحافية من داخل الأرض المحتلة، و قد نوهت المجلة بذلك واعتبرته نصراً صحفياً، حيث قالت: "بعد جهود طويلة دامت ما يقارب ستة أشهر، نجحت البلاد في الدخول إلى المخيمات الفلسطينية في الأرض المحتلة سواء تلك التي احتلت في عام 1948م، أو تلك التي تم احتلالها في عام 1967م". 

5) العرب الدولية: 

صدرت في قبرص عام 1984م عن دار الدليل العربي الموحد، ويرأس تحريرها محمد سعد، وهو فلسطيني يتبنى مواقف منظمة التحرير، وتعاطف في نفس الوقت مع السياسة المصرية والمجلة التي ترى أن تبنيها للمواقف والمصالح الفلسطينية، لا ينقص من طابعها الاستقلالي الذي تحرص عليه؛ على اعتبار أن الانحياز للقضية الفلسطينية لا يعتبر انحيازاً؛ لأنه التزام لابد منه،  كونها مطبوعة تتحدث بالعربية، وتؤكد المجلة عدم تبعيتها لأي نظام عربي، أو أي تنظيم أو حزب عربي، وإنما هي تتبع فقط مصالح الشعب الفلسطيني والشعوب العربية. 

6) اليوم السابع:

مجلة اسبوعية سياسية ثقافية، صدرت في باريس في عام 1984م عن شركة الأندلس الجديدة، رأس مال 100 ألف فرنك فرنسي، ويرأس تحريرها بلال الحسن، وهو صحفي فلسطيني ويعمل مستشاراً سياسياً لياسر عرفات، رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، ويمكن اعتبارها لسان حال منظمة التحرير الفلسطينية في أوروبا.

 ويبدو أن المنظمة قررت إصدار المجلة في باريس؛ لتدافع من خلالها عن سياستها ومواقفها، ولترد على الهجمات الموجهة إلى المنظمة؛ خاصة بعد وقوع الانشقاق في حركة "فتح" عقب خروج ياسر عرفات من طرابلس.

 وتمثل الشؤون الفلسطينية النسبة الغالبة على اهتمامات المجلة، كما أن أكثر كتابها من الفلسطينيين، أو من الكتاب العرب المتعاطفين مع القضية الفلسطينية ومع منظمة التحرير الفلسطينية. 

والمجلة تصدر في حجم كبير أقرب إلى حجم الجرائد النصفية، وهي تهتم بمقالات الرأي أكثر من اهتمامها بالتغطية الإخبارية للأحداث، فهي أقرب إلى المجلات الشهرية من المجلات الأسبوعية الإخبارية، وهو أمر يتناسب مع الهدف في إصدارها، وهو التعبير عن مواقف منظمة التحرير الفلسطينية وسياستها، هذا بخلاف الصحف والمجلات الفلسطينية التي صدرت عن المنظمات الثورية، وخاصة حركة "فتح" (الحركة الأولى في منظمة التحرير الفلسطينية)؛ فنجد أن هناك العديد من هذه الصحف منها:  "فلسطيننا"؛ هي مجلة شهرية صدرت في بيروت عام 1959م، وأشرفت على تحريرها حركة "فتح" قبل بدء الكفاح المسلح، عالجت موضوع الكيان الفلسطيني والشخصية الفلسطينية، وصدرت صحيفة "فلسـطين"؛ وهي مجلة نصـف شـهرية، صدرت عام 1964م في بيروت، وأشرف على تحريرها غسان كنفاني. 

كما صدرت نشرة "الثأر"، وهي نشرة أسبوعية سياسية فكرية، من منشورات هيئة مقاومة الصلح مع إسرائيل، وصدرت في بيروت عام 1952م وظلت تصدر حتى أواسط 1958م، وتختص بتناول موضوعات القضية الفلسطينية وتطوراتها السياسية، وهي المنبر الرئيسي لحركة القوميين العرب.

 وتعدّ هذه الصحف نماذج من صحافة المقاومة الفلسطينية التي ظهرت مع ظهور حركة المقاومة الفلسطينية، سواء على شكل نشرات سرية، أو منشورات خاصة، أو على شكل مجلات، أو نشرات، والتي تعكس واقع المقاومة الفلسطينية بكل الاتجاهات السائدة وما تحمله من قضايا وموضوعات مختلفة، وتصدر خارج الأرض المحتلة؛ تمييزاً لها عن تلك التي تصدر في الأرض المحتلة كامتداد طبيعي لمراحلها التاريخية آنفة الذكر.

 ودخلت الصحافة الفلسطينية في الخارج منعطفاً جديداً في تاريخ يتلاءم مع نمو حركة المقاومة الفلسطينية التي أكدت على ضرورة إبراز الشخصية الفلسطينية، ودور الشعب الفلسطيني في عملية التحرير؛ فكلما خرجت المقاومة من نطاق العمل السري المحدود إلى العمل العلني الواسع، تنتقل الصحافة وتنمو وتتميز بأنها صحافة الثورة، وتتركز موضوعاتها على الكفاح المسلح وعلى حرب التحرير الشعبية.

 وصدرت أكثر الصحف في هذه المرحلة من الأردن بين عامي 1967م و1970م؛ لأن منظمة التحرير كانت هناك في ذلك الوقت؛ لأن أكثر الصحف توقفت بعد هذا التاريخ إثر أحداث أيلول، واضطرت بعض منظمات المقاومة إلى شراء أو استئجار امتيازات صحف لبنانية أصدرتها بأسمائها اللبنانية الأصلية، فصدر في تلك المرحلة (63) نشرة وصحيفة بالعربية، وست نشرات باللغات الأجنبية. وتتوزع هذه الصحف بين: صحف مركزية، وصحف غير مركزية، وصحف صادرة عن الاتحادات والنقابات المهنية الفلسطينية. ومن صحف في تلك الفترة "الهدف"، التي صدرت سنة 1969".

7) فلسطين الثورة:

 (هي المجلة المركزية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وبصدور العدد الأول منها يوم 28 نيسان (إبريل) 1972، حققت المنظمة أحد أهم تطلعاتها نحو إنجاز وحدة النشاط الإعلامي الفلسطيني؛ بهدف المساهمة في صيانة الكيانية الفلسطينية الناشئة، والحد من التبعية الإعلامية والثقافية).

كان موضوع وحدة الفصائل الفلسطينية، وفي سياقه وحدة المؤسسات الإعلامية، قد استحوذ على اهتمام المشاركين في المؤتمر الشعبي الفلسطيني المنعقد في القاهرة في كانون الثاني (يناير) 1972. وبعد مداولات المجلس الوطني الفلسطيني الذي عقد في أعقاب المؤتمر الشعبي؛ قرر المجلس إصدار مجلة مركزية أسبوعية ناطقة باسم المنظمة، وتقرر أن تحمل اسم "فلسطين الثورة"، وأوكلت مهمة رئاسة تحريرها إلى كمال ناصر، الذي كان آنذاك الناطق الرسمي باسم اللجنة التنفيذية للمنظمة.

تزامن صدور العدد الأول من "فلسطين الثورة" في بيروت مع إنشاء وكالة الأنباء الفلسطينية/ وفا، التي باشرت عملها 5 حزيران (يونيو)1972. ومع بث الإذاعة الفلسطينية أول برامجها من القاهرة، وكان إصدار المجلة تتويجا لمناقشات ومداولات جرت بين عدد من مثقفي المقاومة البارزين في ضرورة إيجاد "وسيلة نطق قوية بلسان حركة المقاومة كلها"، وقد عبر كمال ناصر عن هذه الضرورة بقوله، -كما يروي زميله الكاتب ناجي علوش- : "علينا أن ندرك أن الثورة دون فكر هي مجموعة عصابات، والمجلة هي فكرة الثورة".

وفتحت" فلسطين الثورة" صفحاتها منذ صدورها لخيرة كتاب فلسطين ومثقفيها، يبثون عبرها عصارة أفكارهم وتطلعاتهم ومواقفهم. وكانوا مثالا للمفكر الثوري والصحفي الملتزم بقضية كانت تجسد آمال الشعوب العربية التي خذلها حكامها.

كانت الوحدة الوطنية بين مختلف فصائل العمل الوطني المسلح هماً قائماً، لذلك؛ وجدت صدى لها في افتتاحيات الأعداد الأولى من المجلة. وبقلم رئيس تحريرها كمال ناصر، فافتتاحية العدد الأول حملت عنوان "في موضوع الوحدة الوطنية، الجماهير ترفض التزوير والتبرير"، أما افتتاحية العدد الرابع في 19/7/1972؛ فكانت:" كيف نثأر للشهيد " وفيها يتناول كمال ناصر حادث استشهاد غسان كنفاني، مؤكدا أن الثأر للشهيد يكون بتحقيق الوحدة الوطنية، وتعزيزها بين سائر فصائل المقاومة".

في عامها الأول، لم يكن يتجاوز عدد صفحات "فلسطين الثورة"، التي كانت تصدر صباح كل أربعاء-  العشرين صفحة. باستثناء العدد السنوي الممتاز، الذي واظبت هيئة التحرير على إصداره في الذكرى السنوية لانطلاقة الثورة الفلسطينية، في الفاتح من كانون الثاني (يناير) من كل عام، وكان العدد الممتاز يوجز إنجازات ونشاطات المقاومة الفلسطينية سياسياً، وعسكريا، واجتماعيا، وثقافيا على مدار العام المنصرم، معززا بمقابلات مع قادة العمل الوطني الفلسطيني، مستقطبا كتابات أفضل السياسيين والكتاب العرب.

خلال سنواتها الأولى، كانت مجلة "فلسطين الثورة" تتضمن أبوابا ثابتة تلي الافتتاحية، وتتناول على التوالي: القضايا الفلسطينية الخاصة بالفصائل ونشاطاتها العسكرية والإعلامية، وأخبار الوطن المحتل، علاقات الثورة بمحيطها العربي والدولي، وفي هذا السياق؛ كانت تركز على أوضاع الساحة الأردنية؛ لما لها من خصوصيات نشأت عن أحداث أيلول 1970 من جهة، وللوجود الشعبي الفلسطيني الواسع هناك من جهة أخرى، وكان ثمة باب لمتابعة التجارب الثورية في العالم، واستخلاص ما هو مفيد في هذه التجارب لتوظيفه في مضمار التعبئة والتثقيف الثوري للمقاتلين، وللجيل الفلسطيني والعربي المعني بظاهرة الكفاح المسلح. أما الباب الأخير في المجلة فكان يعالج قضايا الأدب والفن، ويرصد النشاطات الثقافية في الشتات الفلسطيني، وفي مدن الوطن المحتل.

 إضافة إلى الأبواب الثابتة، أفردت المجلة فسحة لعدد من الزوايا والمواضيع التي كانت تفرضها المتغيرات والظروف.

ولم تتوان المجلة الفلسطينية المركزية، خلال سنواتها الأولى، في انتقاد "التشرذم المفجع في الصف العربي المهشم"، وكبت الأنظمة لشعوبها، واستباحتها كرامة الإنسان العربي " وتراجعات ووساوس وتردد هذه الأنظمة".

في 11 نيسان (ابريل) 1973 اغتالت العصابات الصهيونية خلال "عملية فردان" القادة الثلاثة: كمال ناصر، كمال عدوان وأبو يوسف النجار. وصدر العدد 41 من "فلسطين الثورة" برائحة الدم، وكان يتضمن افتتاحية كتبها الشهيد كمال ناصر قبيل استشهاده. وقد ترك الشهيد- كما يروي زملاؤه-على طاولته المثقوبة بالرصاص قائمة بهيئة تحرير جديدة، كانت ستعمل، حسب تصوره، على إحداث قفزة في الطباعة والإخراج".

ترأس تحرير المجلة (بعد استشهاد رئيس تحريرها الأول) الكاتب، حنا مقبل لاحقا في نيقوسيا/ قبرص في 13/5/ 1984، حتى تشرين الثاني (نوفمبر)1973. واستمرت المجلة في عهده على خطها الثوري الصريح؛ تماهيا مع النهج الرافض لكل أشكال المساومة، الذي كانت تنتهجه المنظمة وفصائلها.

مع نهاية 1973؛ أخذت فكرة " برنامج السلطة الوطنية " أو ما سمي "البرنامج المرحلي" تساور بعض مفكري وساسة الساحة الفلسطينية، وطرحت الفكرة التي تقول "إقامة السلطة الوطنية على أي جزء يتحرر من الوطن" على المجلس الوطني في دورته ألـ 12 عام 1974، وتبناها المجلس خلال دورته ألـ 13 عام 1975، وانقسمت الساحة الفلسطينية منذ ذلك الحين إلى فريقين: مؤيد، ومعارض.

أخذت مجلة " فلسطين الثورة " برئيس تحريرها الجديد أحمد عبد الرحمن، أحد أهم المدافعين عن " برنامج السلطة الوطنية "، بالدفاع عن النهج الوليد؛ حيث ساهمت عبر مقالات ومواضيع مختلفة الكتاب والساسة في إثراء الفكرة وإيصالها إلى مختلف شرائح الشعب، وكانت المجلة تخوض سجالات حول الموضوع مع الدوريات الفلسطينية والعربية المناهضة للنهج الواقعي الجديد.

أحدث "برنامج السلطة الوطنية " شرخا في الساحة الفلسطينية، انعكس على تجربة الإعلام الموحد الذي كان يمثل إعلاما لكل الفصائل الفلسطينية، لذلك؛ سحبت الفصائل ممثليها من الإعلام الموحد، وبالتالي من هيئة تحرير " فلسطين الثورة " مجلة مركزية لمنظمة التحرير الفلسطينية، ناطقة باسمها ومعبرة عن الخط الوطني الفلسطيني العام.

واكبت " فلسطين الثورة" الحرب في لبنان بين القوات الفلسطينية والقوات الوطنية اللبنانية من جهة، والقوات الانعزالية من جهة أخرى، وكان أكثر العاملين فيها نموذجا للصحفي المقاتل الذي يحمل القلم بيد، والبندقية باليد الأخرى، وقدمت المجلة عددًا من الشهداء دفاعاً عن المشروع الوطني الفلسطيني، منهم رشاد عبد الحافظ، طلال رحمة، خالد العراقي، عزيز عياش وغيرهم.

كانت "فلسطين الثورة" أمينة للوطن وللبرامج السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية التي أقرتها المجالس الوطنية المتعاقبة، واستقطبت أقلام معظم الكتاب والسياسيين الفلسطينيين، كما كانت الواحة التي لجأ إليها أبرز الكتاب والمثقفين العرب الذين كانوا يهجرون صحارى الظلم والقمع وكبت الحريات في بلادهم، فبالإضافة إلى حوالي 30 كاتبا وصحفيا فلسطينيا شكلوا الجسم المهني للمجلة مع نهاية السبعينات، كان هنالك عدد من أبرز الكتاب العراقيين والسوريين واللبنانيين الذين يعملون مع زملائهم الفلسطينيين تحت شعار المجلة الاستراتيجي، المعبر عن السياسة الثابتة للمنظمة: "فلسطين أولاً. لا وصاية لا تبعية ولا احتواء".

ترأس هيئة تحرير "فلسطين الثورة" أحمد عبد الرحمن، حتى توقفها عن الصدور؛ إثر عودة كادرها إلى الوطن في عام أكتوبر 1994، وعمل في إدارة تحريرها، خلال صدورها من بيروت، كل من سامي سرحان، محمد سليمان، حسن البطل، إبراهيم برهوم، محمود الخطيب، سميح سماره وغيرهم، وكان من أبرز العاملين العرب فيها: عادل وصفي (خالد العراقي )، حسيب الجاسم، ومؤيد الراوي، من العراق؛ حسن منيمنة، وطلال همداني، من لبنان؛ سليم بركات، وطلال رحمة؛ وفي مرحلتها القبرصية: وهادي دانيال من سوريا، ومحمد علي اليوسفي (تونس)؛ وسلوى بكر (مصر)، وغيرهم.

عام 1976 وأثر حصار وسقوط مخيم تل الزعتر لم تعد مجلة "فلسطين الثورة" الأسبوعية قادرة على مواكبة الأحداث اليومية المتسارعة، لذلك؛  قررت هيئة التحرير إصدار صحيفة يومية بدور إخباري– تحريضي، فيما استمرت المجلة الأسبوعية في القيام بدورها المتمثل في صياغة الرأي العام، وتنظيمه حول السياسة العامة للمنظمة، إضافة إلى عملها الدؤوب على ربط الشتات بالوطن وربط الشعب بقيادته.

كانت "فلسطين الثورة "أكثر من مجرد مجلة أسبوعية وصحيفة يومية، فسلسلة الكتب والملصقات التي كانت تصدرها، فضلا عن النشرات والمطبوعات باللغتين الإنجليزية والفرنسية جعلت منها مؤسسة إعلامية كبرى ذات نشاطات متعددة. وكانت تشكل إلى جانب وكالة الأنباء الفلسطينية/ وفا وقسم السينما والتصوير، ما سمي في حينه "الإعلام الموحد" لمنظمة التحرير الفلسطينية.

حتى عام 1982 كان عدد النسخ المطبوعة من الدورتين – الأسبوعية واليومية – يبلغ حوالي 4000 نسخة، يتم توزيعها على التجمعات الفلسطينية في المنطقة وبعض عواصم العالم.

شكل الحصار الإسرائيلي لبيروت صيف عام 1982 أحد أهم التحديات أمام كادر "فلسطين الثورة"، وتوقفت المجلة الأسبوعية عند العدد الذي حمل الرقم المتسلسل 425، يوم 6 حزيران (يونيو)، وانضم كادرها إلى طاقم الصحيفة اليومية، التي استمرت في الصدور رغم المصاعب التي وضعتها ظروف الحصار.

استمرت الصحيفة في الصدور؛ لتنقل وقائع الموت وتجليات البطولة إلى ما وراء أسوار الحصار، ولتروي ظمأ المتعطشين لمعرفة ما يحدث هناك، في بيروت المحاصرة ولتشكل أعدادها الثمانون، شهادة حية عن وحشية الغزاة وبطولات الصامدين، وكانت نموذجا للإعلام التعبوي المحارب.

بعد انسحاب المقاتلين الفلسطينيين من بيروت، استأنفت مجلة "فلسطين الثورة" صدورها  من العاصمة القبرصية نيقوسيا أواخر عام 1982، وقد أثلج ظهور العدد الأول بعد حصار بيروت، صدور الوطنيين الفلسطينيين؛ حيث وجدوا فيه تعبيرا ذا دلالات عميقة عن نهوض المنظمة من جديد.

خلال صدورها من قبرص، وانسجاما مع اعتماد المنظمة النضال السياسي والإعلامي وسيلة أساسية لتحقيق أهدافها، حققت " فلسطين الثورة" قفزة نوعية على أكثر من صعيد، ففي الوقت الذي حافظت فيه على أداء رسالتها، طورت المجلة أساليبها وأدواتها، شكلا ومضمونا، وأصبحت تضاهي أرقي الدوريات الأسبوعية العربية، وكان لمحررها المسؤول محمد سليمان ومدير تحريرها حسن البطل، اللذين وقفا على رأس كادر مهني متقدم، فضل في ذلك، فقد اتسعت اهتمامات المجلة وتنوعت لتتناول المستجدات الفلسطينية، العربية والعالمية في مختلف الميادين، بتحليل ديناميكي مدعم بالمعلومة المجردة والغزيرة، واستخدمت في هذا السياق منجزات ثورة الاتصالات التي عمت العالم بشكل فعال، وارتفع عدد ما تطبعه المجلة من نسخ ليربو على 30 ألف نسخة أسبوعياً، تصل عبر شبكة توزيع عصرية إلى الفلسطينيين في شتى أماكن تواجدهم.

وبسبب سهولة الاتصال؛ تحولت المجلة إلى منبر لخيرة كتاب ومثقفي الأرض المحتلة، وأخذت تنقل فلسطين إلى العالم، وتنقل ما يحدث في العالم إلى القارئ الفلسطيني.

"بيسان للصحافة والنشر والتوزيع" (بيسان برس) هو الاسم الذي سجلته إدارة مجلة "فلسطين الثورة" لدى السلطات القبرصية، والذي تحول إلى علامة إعلامية متداولة تحظى باحترام الأوساط الإعلامية في كثير من العواصم.

وفضلا عن مجلة  "فلسطين الثورة"؛ كانت تصدر عن "بيسان للصحافة" مطبوعات أخرى، دورية وغير دورية في السياسة والثقافة، منها: نشرة "فلسطين" باللغات الإنجليزية، والفرنسية، واليونانية. وكانت مجلة "الكرمل"، التي يرأس تحريرها الشاعر محمود درويش، واحدة من الدوريات التي كانت تطبع وتوزع من خلال هذه المؤسسة.

خلال "المرحلة القبرصية" كان للمجلة أبوابها الثابتة مثل: عربي/ دولي، وشؤون الوطن المحتل، وإسرائيليات، وثقافة وفن، إضافة إلى الزوايا الثابتة مثل الافتتاحية التي تناوب على كتابتها رئيس التحرير أحمد عبد الرحمن والمحرر المسؤول محمد سليمان، "وقضايا الصراع"، التي كان يكتبها حسن البطل، وتشكل مع الافتتاحية مرجعية يسترشد بها كل باحث عن عقيدة منظمة التحرير ومواقفها المختلفة.

وكانت المجلة خلال صدورها في نيقوسيا سباقة إلى التقاط ما يتعلق بإسرائيل والإسرائيليين من معلومات ومستجدات وتقديمها إلى القارئ أولا بأول، وتمتعت بطاقم فني متمرس بقيادة: عدنان الشريف، وحسني رضوان، وحسيب الجاسم، ومحمود الدوارجي، ومؤيد الراوي.

أما زاوية الأسبوع الثقافي التي كان يثابر على إعدادها الشاعر سليم بركات والصحفي التونسي محمد علي اليوسفي؛ فكانت ترسم للقارئ المعني على مدار صفحتين إلى ثلاث صفحات- بانوراما غنية للنشاط الثقافي العربي والعالمي، إضافة للناقد الفلسطيني فيصل قرقطي.

ذروة العطاء كانت خلال الانتفاضة التي اندلعت في كانون الأول (ديسمبر)1987، حيث حولت هيئة التحرير التي كانت تدير عمل حوالي أربعين محررا وأكثر من عشرين مراسلا، وبتوجيهات من القيادة الفلسطينية، حولت مؤسسة بيسان إلى غرفة عمليات إعلامية تربط الوطن بالقيادة في تونس، وتعمل على نقل الوقائع اليومية للانتفاضة، بأدق تفاصيلها، إلى كل مكان في العالم، عبر سلسلة "يوميات الانتفاضة".

في المرحلة القبرصية من تاريخ "فلسطين الثورة"؛ نضجت المقالة السياسية الفلسطينية، وصارت تضارع أحيانا المقالات السياسية الفلسطينية، وصارت تضارع أحيانا المقالات السياسية العربية المرموقة، وارتفع المستوى المهني للمحررين، من أبرزهم: سعادة سوداح، وأحمد عبد الحق، وجواد البشيتي، وطلعت موسى، كما انتظم صدور المجلة أسبوعياً، في الموعد المحدد كل أسبوع، وتم شحنها جواً.

مع عودة القيادة الفلسطينية إلى أرض الوطن، وعلى مشارف العدد 1000 من المجلة، عاد طاقم "فلسطين الثورة" لاستئناف إصدار المجلة في فلسطين، ولكن، ولأسباب لا ينقصها الغموض؛ لم تر المجلة النور بعد توقفها عن الصدور في أيلول (سبتمبر)1994. وتم توزيع كادرها على المؤسسات الإعلامية القائمة على أرض الوطن.