قتل النساء داخل المجتمع الفلسطيني

قتل النساء في مجتمعنا الفلسطيني يشكل خطرًا يهدد النسيج المجتمعي، ويصيبه بالتفكك وانعدام الأمان. وتتعدد جذور عمليات قتل النساء وخلفياتها ومسمياتها وأشكالها؛ ما يتطلب من الجميع الفلسطيني كل من موقعه، الوقوف أمام هذه العمليات وتفحصها من كل جوانبها، تمهيدًا لمحاربتها والقضاء عليها.

لم يعد المرور على انتهاكات حقوق المرأة أمرًا مقبولًا؛ فليس من العدل النظر إليها وكأنها جزء من الموروث الاعتيادي، يحق للذكر إنهاء حياتها وأكل حقوقها، بذرائع لا تستند إلى دين ولا قانون؛ ما يحتم ضرورة إيجاد رادع بمستوى الجريمة والانتهاك الذي تتعرض له.
في معظم الحالات التي تقتل فيها النساء يكون موضوع الشرف هو ذريعة القاتل؛ لكي يتهرب من العقاب على جريمته؛ فقد أصبح الشرف قناعًا يخفي السبب الحقيقي الذي يدفع القاتل إلى ارتكاب جريمته.

وتدل تفاصيل عمليات قتل النساء أن هناك تنوعًا في الحالة الاجتماعية للنساء المقتولات، وتنوعًا في أشكال القتل، والأدوات المستخدمة مع وجود قاسم مشترك، وهو: تعرض جميع المقتولات لسلسلة من أعمال التعذيب والتنكيل الجسدي والنفسي التي تنتهي عادة بالقتل؛ إضافة إلى استغلال المجرم بعض النصوص في قانون العقوبات رقم 16 لسنة 1960 للإفلات من العقاب المنصف؛ وفي مقدمتها المادة 99 من قانون العقوبات المتعلقة بالعقوبات على الجرائم عند توفر أسباب مخففة.

تشير الإحصاءات التي ترصدها تقارير المؤسسات الرسمية ومؤسسات نسوية ومؤسسات حقوق الإنسان،  إلى استمرار مسلسل قتل النساء في المجتمع الفلسطيني بوتيرة متصاعدة، وبشكل ملحوظ، لا سيما في الأعوام الأخيرة؛ فمن 13 حالة قتل في العام 2012  إلى  28 حالة في 2014 (حسب بيان هيئة الأمم المتحدة حول المرأة الفلسطينية في 15/ أيار 2015)؛ الأمر الذي دفع إلى دق ناقوس الخطر للوقوف عند هذه الظاهرة والعمل على محاصرتها، قبل أن تزهق أرواح المزيد من النساء، وما يتبع ذلك من آثار سلبية على المرأة الفلسطينية؛ بل وعلى المجتمع الفلسطيني ككل.

وعلى ضوء ذلك، وانسجامًا مع انضمام دولة فلسطين للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية الاجتماعية والثقافية، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، وبتاريخ 11 أيار 2014، أصدر الرئيس محمود عباس (رئيس دولة فلسطين) قرار بقانون رقم 10 لسنة 2014 معدلًا لنص المادة 98 من قانون العقوبات رقم 16 لسنة 1960؛ ومضمون هذا التعديل هو إلغاء العذر المخفف كلما وقع الفعل على أنثى بدواعي الشرف. وهذا يعني عدم صلاحية القضاء في الخوض في الأسباب التخفيفية كلما تبين للمحكمة أن الضحية أنثى، وتم ارتكاب الجريمة بدوافع ما يسمى "جرائم شرف".

وفي أعقاب هذا التعديل، حدث تراجع في حالات قتل النساء إلى 15 حالة عام 2015 ( حسب تقرير رصد قتل النساء وتوثيقها في المجتمع الفلسطيني لـ"مركز المرأة للارشاد القانوني والاجتماعي" 2016 )؛ ما أدى إلى شعور بعض المتابعين والراصدين بشيء من التفاؤل، بعد هذا التراجع؛ لكن سرعان ما عادت دائرة قتل النساء بالاتساع؛ ففي عام 2016؛ رصد 23 وفاة في ظروف غامضة؛ من بينهنّ 11 امرأة في قطاع غزة و12 في الضفة الغربية؛ وفي عام 2017 هناك 27 حالة، بينهن 10 حالات في الضفة الغربية، و17 في قطاع غزة" (وفق إحصائية لمركز المرأة للإرشاد القانوني والاجتماعي)، ليشعروا بالانتكاسة من جديد.

هذا الأمر دفع مجلس الوزراء الفلسطينيي في جلسته الأسبوعية في 5 آذار 2018 إلى إصدار قرار بالتنسيب إلى الرئيس محمود عباس، لإصدار قرار بقانون بتعديل قانون العقوبات رقم (16) لسنة 1960م؛ وذلك بإضافة فقرة خامسة للمادة (99) تنص على أن (يستثنى من أحكام هذه المادة جرائم قتل النساء على خلفية "شرف العائلة" أو دواعي الشرف)، وإلغاء المادة (308) من قانون العقوبات، بما ينسجم مع القانون الأساسي الفلسطيني، ومع أجندة السياسات الوطنية الفلسطينية للستة أعوام القادمة (2017 الى 2022)، وبما يتواءم مع الاتفاقيات الدولية التي انضمت إليها دولة فلسطين؛ حتى لا يستفيد مرتكبو الجرائم بدواعي الشرف من العذر المخفف في المادة (99) من القانون، وحتى لا يستفيد مرتكبو جرائم الاعتداءات على الإناث من وقف الملاحقة القضائية، ومن تنفيذ العقوبة المحكوم بها عليهم؛ ما يساهم في تحقيق سيادة القانون والنظام والعدالة والإنصاف، وتعزيز مبادئ التجريم والعقاب ومكافحة الجريمة والتصدي لفرص الإفلات من العقاب، وحماية الأسرة، وتماسك المجتمع، وتعميق الشعور بالمساواة وعدم التمييز، وصيانة حقوق المرأة وحمايتها من العنف بكافة أشكاله.

بناءً على تنسب مجلس الوزراء وفي 14 آذار 2018 أصدر الرئيس محمود عباس قرار بقانون رقم (5) لسنة 2018 بشأن تعديل قانون العقوبات رقم (16) لسنة 1960م وتعديلاته، النافذ في المحافظات الشمالية، وذلك بتعديل المادة (99) من القانون الأصلي بإضافة فقرة جديدة تحمل الرقم (5) على النحو الآتي: يستثنى من أحكام الفقرات السابقة، الجنايات الواقعة على النساء والأطفال. وكذلك ألغى القرار بقانون المادة 308 من القانون الأصلي. ونشر القرار في الجريدة الرسمية (الوقائع الفلسطينية) العدد 141.

وبحسب إحصائيات رسمية أصدرتها الشرطة الفلسطينية: شهد العام 2018 تراجعًا في الجريمة بشكل عام في المحافظات الشمالية؛ حيث بلغت الحصيلة 24 جريمة قتل، منها 12% ضد نساء على خلفية ما يسمى "قضايا الشرف". وحسب المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان: شهد العام 2018 مقتل (4) نساء في الأرض الفلسطينية المحتلة على خلفية "قضايا الشرف".

وفي العام  2019 وفقا لدراسة أعدها المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية فقد بلغ عدد حالات قتل النساء في الأراضي الفلسطينية 23 حالة.

وارتفعت النسبة في العام 2020 في ظل جائحة كورونا فقد بلغ عدد حالات القتل خلال هذه سنة وحدها  (38) امرأة وفتاة في الضفة الغربية وقطاع غزة، وفي العام 2021 بلغ عدد حالات القتل 28 في الضفة الغربية وقطاع غزة، وفي العام 2022  هناك 29 حالة قتل للنساء (21 في الضفة الغربية، و8 حلات في قطاع غزة) ، حسب التقارير السنوية   لمركز المرأة للإرشاد القانوني والاجتماعي.