العنف في المدارس

تعد ظاهرة العنف في المجتمع بشكل عام، والعنف في المدرسة بشكل خاص، من أكثر الظواهر التي تتطلب اهتمام المؤسسات الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني من جهة، والأسرة من جهة أخرى.

وقد شهدت ظاهرة العنف في المدارس ازديادًا في السنوات السابقة؛ لأسباب تتعلق بالواقع الأمني والسياسي والاقتصادي، الذي انعكس على الواقع الاجتماعي.

 والعنف كما عرف في النظريات المختلفة: هو كل تصرف يؤدي إلى إلحاق الأذى بالآخرين، وقد يكون الأذى جسمياً أو نفسياً؛ فالسخرية والاستهزاء من الفرد، وفرض الآراء بالقوة وإسماع الكلمات البذيئة، جميعها أشكال مختلفة لنفس الظاهرة.

وقد زاد الاهتمام بظاهرة العنف نتيجة تطور الوعي العام بما يتعلق بالطفولة في مطلع القرن العشرين، خاصةً بعد تطور نظريات علم النفس المتعددة، التي تفسر سلوكيات الإنسان على ضوء مرحلة الطفولة المبكرة وأهميتها بتكوين ذات الفرد وتأثيرها على حياته فيما بعد، وضرورة توفير الأجواء الحياتية المناسبة لينمو الأطفال نمواً جسدياً ونفسياً سليماً ومتكاملاً.

كما ترافقت زيادة هذا الاهتمام مع نشوء العديد من المؤسسات والحركات التي تدافع عن حقوق الإنسان بشكل عام، وحقوق الأطفال بشكل خاص؛ ومع قيام الأمم المتحدة بصياغة اتفاقيات عالمية تهتم بحقوق الإنسان عامة وحقوق الطفل خاصة؛ فاتفاقية حقوق الطفل تنص بشكل واضح وصريح على ضرورة حماية الأطفال من جميع أشكال الإساءة والاستغلال والعنف التي قد يتعرضون لها ( المادة 32، اتفاقية حقوق الطفل)؛ وهذا يشير إلى بداية الاهتمام بالطفل على أنه إنسان له كيان وحقوق بحد ذاته، وليس تابع أو ملكية لأحد مثل العائلة.

 أسباب ظاهرة العنف في المدارس

العملية التربوية مبنية على التفاعل الدائم والمتبادل بين الطلاب ومدرسيهم؛ إذ إن سلوك الواحد يؤثر على الآخر، وكلاهما يتأثران بالخلفية البيئية؛ ولذا فإننا عندما نحاول أن نقيم أي ظاهرة في إطار المدرسة فمن الخطأ بمكان أن نفصلها عن المركبات المختلفة المكونة لها؛ حيث إن للبيئة جزءاً كبيراً من هذه المركبات.

1- طبيعة المجتمع الأبوي والسلطوي: رغم أن مجتمعنا يمر في مرحلة انتقالية، إلا أننا نرى جذور المجتمع المبني على السلطة الأبوية ما زالت مسيطرة؛ فنرى على سبيل المثال أن استخدام العنف على يد الأخ الكبير أو المدرس أمرًا مباحًا، وضمن المعايير الاجتماعية السليمة؛ وحسب النظرية النفسية- الاجتماعية: فإن الإنسان يكون عنيفاً عندما يتواجد في مجتمع يعتبر العنف سلوكاً ممكناً، مسموحاً به ومتفقاً عليه.

بناءً على ذلك، تعدّ المدرسة مصبًا لجميع الضغوطات الخارجية، فيأتي الطلاب المٌعنّفون إلى المدرسة ليفرغوا الكبت المختزن في نفوسهم على شكل سلوكيات عدوانية عنيفة؛ يقابلهم طلاب آخرون يشبهونهم بسلوكيات مماثلة؛ ففي المدرسة تشكل الجماعات ذوات المواقف المتشابهة حيال العنف تحالفات تعزز عندهم تلك التوجهات والسلوكيات؛ وبهذه الطريقة تتطور حدة العنف ويزداد انتشارها.

وتشير النظريات إلى أن الطالب، في بيئته خارج المدرسة، يتأثر بثلاث جهات وهي: العائلة، والمجتمع، والإعلام؛ ما يجعل العنف المدرسي نتاجًا للثقافة المجتمعية العنيفة.

2- مجتمع تحصيلي: في كثير من الأحيان نحترم الطالب الناجح فقط؛ بخلاف لطالب الفاشل تعليمياً. وحسب نظرية الدوافع فإن الإحباط هو الدافع الرئيسي من وراء العنف؛ إذ بالعنف يتمكن الفرد الذي يشعر بالعجز من إثبات قدراته الخاصة؛ فكثيراً ما نرى أن العنف ناتج عن المنافسة والغيرة؛ كذلك فإن الطالب الذي يعاقبه معلمه باستمرار يفتش عن موضوع (شخص) يمكنه أن يصب غضبه عليه.

3- العنف المدرسي هو نتاج التجربة المدرسية (سلوكيات المدرسة): هذا التوجه يحمل المسؤولية للمدرسة من ناحية خلق المشكلة، وطبعاً من ناحية ضرورة التصدي لها ووضع الخطط لمواجهتها والحد منها؛ فيشار إلى أن نظام المدرسة بكامله من طاقم المعلمين والأخصائيين والإدارة يضم علاقات متوترة دائمة.  ويمكن تقسيم هذه السلوكيات إلى 3 مواضيع وهي:

- علاقات متوترة وتغيرات مفاجئة داخل المدرسة، وإحباط وكبت وقمع للطلاب، الجو التربوي.

- علاقات متوترة وتغيرات مفاجئة داخل المدرسة، مثل: تغيير المدير ودخول آخر وتوجهات مختلفة عن سابقه تخلق مقاومة عند الطلاب لتقبل ذلك التغيير؛ فدخول مدير جديد للمدرسة مثلاً، وانتخاب لجنة أهالٍ جديدة تقلب أحياناً الموازين رأساً على عقب.  وترك المعلم واستبداله بمعلم آخر مختلف الأسلوب يؤدي إلى عدم إشراك الطلاب بما يحدث داخل المدرسة، وكأنهم فقط جهاز تنفيذي.  ثم إن شكل الاتصال بين المعلمين أنفسهم والطلاب أنفسهم والمعلمين والطلاب وكذلك المعلمين والإدارة- له بالغ الأثر على سلوكيات الطلاب.

- إحباط، كبت وقمع للطلاب: متطلبات المعلمين والواجبات المدرسية التي تفوق قدرات الطلاب وإمكانياتهم، وتقدير الطلبة ذوي التحصيل العالي، والعديد من العوامل غالباً ما تعود إلى نظرية الإحباط؛ حيث نجد أن الطالب الراضي غالباً لا يقوم بسلوكيات عنيفة، وأن الطالب غير الراضي يستخدم العنف كإحدى الوسائل التي يُعبر بها عن رفضه وعدم رضاه وإحباطه. ومن هذه العوامل:-

1- عدم تطبيق التعامل الفردي مع الطالب على أساس الفروق الفردية داخل الصف.

2- عدم تقدير الطالب كإنسان له احترامه وكيانه.

3- عدم السماح للطالب بالتعبير عن مشاعره؛ فغالباً ما يقوم المعلمون بإذلال الطالب وإهانته إذا أظهر غضبه.

4-  التركيز على جوانب الضعف عند الطالب والإكثار من انتقاده.

5-  الاستهزاء بالطالب والاستهتار من أقواله وأفكاره.

6- رفض مجموعة الرفاق والزملاء للطالب؛ ما يثير غضبه وسخطه عليهم.

7- عدم الاهتمام بالطالب، وعدم الاكتراث به؛ ما يدفعه إلى استخدام العنف ليلفت الانتباه لنفسه.

8- وجود مسافة كبيرة بين المعلم والطالب؛ حيث لا يستطيع محاورته أو نقاشه حول علاماته أو عدم رضاه من المادة؛ إذ إن خوف الطالب من السلطة يمكن أن يؤدي إلى خلق تلك المسافة.

9- الاعتماد على أساليب التلقين التقليدية.

10- ممارسة المعلم العنف تجاه الطلبة.

11- عدم توفير المدرسة الفرصة للطلبة للتعبير عن مشاعرهم وتفريغ عدوانيتهم بطرق سليمة.

12- المنهج وملاءمته لاحتياجات الطلاب.

 الجو التربوي: يؤدي عدم وضوح القوانين وقواعد المدرسة، والحدود غير الواضحة التي لا يعرف الطالب بها حقوقه ولا واجباته، ومبنى المدرسة واكتظاظ الصفوف، والتدريس غير الفعال وغير الممتع الذي يعتمد على التلقين والطرق التقليدية- إلى تراكم الإحباط عند الطلبة؛ ما يدفعهم إلى القيام بسلوكيات عنيفة، كتخريب الممتلكات الخاصة والعامة.

ثم إن استخدام المعلمين العنف، يؤدي إلى محاكاتهم  واستشراء هذه المشكلة وتفاقمها؛ إذ يتخذونهم قدوة لهم.

 إن الجو التربوي العنيف يوقع المعلم الضعيف في شراكه؛ فالمعلم يلجأ إلى استخدام العنف لأنه يقع تحت تأثير ضغط مجموعة المعلمين الذي يشعرونه بأنه شاذ وأن العنف هو عادة ومعيار يمثل تلك المدرسة، وأن الطلاب لا يمكن التعامل معهم إلا بالعنف؛ إذ ينقل المعلمون المحبطون فشلهم إلى باقي المعلمين ليتماثلوا معهم، فيرددون على مسمعهم عبارات مثل: "بعدك معلم جديد"، "شايف بدون ضرب فش نتيجة"، "بكره بتيأس"، ... الخ من العبارات المحبطة.  وهنا تلعب شخصية المعلم دورًا في رضوخه لضغط هذه المجموعة، أو صموده على قناعاته.

إن الأسلوب الديمقراطي قد يلاقي معارضة الطلاب الذين اعتادوا على الضرب والأسلوب السلطوي، فيحاولون جاهدين فحص مدى قدرة المعلم على تحمل إزعاجهم، وكأنهم بطريقة غير مباشرة يدعونه إلى استخدام العنف؛ وإذا ما تجاوب المعلم مع هذه الدعوة فسيؤكد لهم أنهم طلاب أشرار لا ينفع معهم إلا الضرب.

إن المعلم ذا النفس القصير سرعان ما يحمل عصاه ليختصر على نفسه الجهد والتعب، بدلاً من أن يصمد ويكون واعيًا إلى أن عملية التغيير تتطلب خطة طويلة المدى.

أنواع العنف المدرسي:

1- عنف من خارج المدرسة

   أ- زعرنة أو بلطجة: هو العنف الذي يقوم به شخص أو مجموعة أشخاص من خارج المدرسة في داخل المدرسة في ساعات الدوام أو في ساعات ما بعد الظهر؛ من أجل الإزعاج أو التخريب وأحياناً يسيطرون على سير الدروس.

   ب- عنف الأهالي: وهو عنف فردي أو جماعي يمارسه بعض أهالي الطلبة؛ دفاعاً عن أبنائهم؛ فيقومون بالاعتداء على نظام المدرسة والإدارة والمعلمين.

2- العنف من داخل المدرسة:

أ‌- العنف بين الطلاب أنفسهم.

ب‌- العنف بين المعلمين أنفسهم.

ت‌- العنف بين المعلمين والطلاب.

ث‌- التخريب المتعمد للممتلكات.

هذه النقاط أشير إليها بتسميتهما بالعنف المدرسي الشامل؛ حيث يكون نظام المدرسة مضطربًا بأجمعه، وتصعب السيطرة على ظاهرة العنف المنتشرة بين الطلاب أنفسهم أو بينهم وبين معلميهم.

3- العنف الفردي: وهو عنف الطلبة تجاه الممتلكات الخاصة والعامة؛ نتيجة فشلهم وصعوبة مواجهة أنظمة المدرسة والتأقلم معها؛ ولا يوجد لهذا العنف أثر كبير على نظام الإدارة في المدرسة.

 النتائج والتأثيرات: لقد أثبتت العديد من الأبحاث أن هناك أثارًا للاعتداء على الأطفال؛ فهو يؤثر على أداءهم الاجتماعي والسلوكي والانفعالي. فهم، في غالب الأحيان، مشتتون من ناحية انفعالية، قلقون، غاضبون، يجرحون بسهولة، قليلو الثقة بأنفسهم، مواقفهم النفسية والانفعالية غير مستقرة.

أرقام وحقائق حول العنف المدرسي:

في آخر إحصاءات الجهاز المركزي للإحصاء  الفلسطيني تبين أن ربع الأطفال في الفئة العمرية (12-17 سنة) تعرضوا للعنف في المدارس، وأشارت بيانات مسح العنف في المجتمع الفلسطيني، 2019، أن 25% من الأطفال في الفئة العمرية (12-17 سنة) تعرضوا لأحد أنواع العنف في المدارس في فلسطين بواقع 19% في الضفة الغربية، مقابل 34% في قطاع غزة.

وقد أظهرت البيانات أن العنف النفسي كان أكثر أشكال العنف ممارسة ضد هذه الفئة من الطلاب من قبل زملائهم الطلبة بنسبة 19%، مقابل 12% تعرضوا للعنف الجسدي من قبل زملائهم الطلاب، في حين أشارت البيانات أن نسبة الأطفال في الفئة العمرية (12-17 سنة) الذين تعرضوا للعنف الجسدي من قبل أحد المعلمين أو المعلمات في المدرسة بلغت 17%، مقابل 15% منهم تعرضوا للعنف النفسي من قبل أحد المعلمين أو المعلمات في المدرسة.

وقد شهدت ظاهرة العنف في المدارس ازديادًا في السنوات السابقة؛ لأسباب تتعلق بالواقع الأمني والسياسي والاقتصادي، الذي انعكس على الواقع الاجتماعي