يعد التعليم الركيزة الأساسية التي يعول عليها في نهوض الأمم وبنائها وتقدمها، وأهم ركن يعتمد عليه ازدهار الدول وتطورها وصمودها في وجه التحديات، وهو اللبنة الأهم في بناء المستقبل وإحياء الآمال والطموحات؛ ويمثل التعليم استثمارًا حقيقيًا يمكن أن يكون سببًا في نهضة الأمم والشعوب؛ عبر تهذيب نفوس أفرادها وصقل عقول أبنائها والعناية بهم معرفيًا ووجدانيًا وجسميًا؛ ما يعلي شأنها ويسمها بالقوة والمنعة؛ ويجنبها العديد من الويلات؛ فيحقق النمو الاقتصادي والاجتماعي، ويقود التنمية والنهوض، والسير إلى الأمام بخطى واثقة عصية على الكسر والانقياد؛ لهذا تولي الدول والحكومات هذا القطاع اهتمامًا خاصًا، فترصد الميزانيات لتوفير الكفاءات التعليمية من معلمين وتربويين وإداريين؛ كما تهتم بالمعلم عبر إعداده، ومعايير اختياره، ومتابعة تطويره، وتوفير الرواتب، وتطوير المناهج والمباني المدرسية والوسائل التعليمية.
والمستوى التعليمي يعكس، ولو بشكل تقريبي، مستوى التقدم الاجتماعي والاقتصادي، ويحدد بوضوح نوعية القوى العاملة في المجتمع.
ويشكل التسرب من المدارس إهدارًا تربويًا هائلًا، يؤدي إلى ضياع ثروات المجتمع البشرية والمادية والمعنوية. وقد أثار تفشي هذه الظاهرة قلق الكثير من المربين والمثقفين والسياسيين؛ فأولت العديد من الدول اهتمامًا خاصًا بهذه الظاهرة المدمرة للفرد والمجتمع؛ لأن التسرب يؤدي إلى زيادة معدل البطالة ويحد من العطاء ويعيق التنمية، ويقود المجتمعات نحو هاوية التخلف والجهل، الذي بدوره يجر ويلات عديدة على مختلف الصعد؛ فيغدوا المجتمع الواحد خليطًا من فئتين: فئة المتعلمين، وفئة الأميين؛ ما يؤدي إلى تأخر المجتمع عن اللحاق بركب المجتمعات الأخرى؛ نتيجة لصعوبة التوافق بين هاتين الفئتين في الأفكار والآراء.
أهم أسباب التسرب: تتفاوت أسباب التسرب المدرسي من بيئة إلى أخرى؛ فمنها ما تكون أسبابًا رئيسية لها تأثير قوي ومباشر في عملية التسرب؛ ومنها ما يكون تأثيره ثانويًا وبدرجة أقل، سواء كانت متعلقة بالطالب أو أسرته أو مدرسته أو الظروف المحيطة، وبشكل عام يمكن إيجاز هذه الأسباب (في حال توفرها) وتوزيعها على النحو الآتي:.
أولا- أسباب تعود للطالب المتسرب نفسه:
1- تدني التحصيل الدراسي وصعوبات التعلم.
2- عدم الاهتمام بالدراسة وانخفاض قيمة التعليم بالنسبة له.
3- الزواج المبكر والخطوبة.
4- الخروج إلى سوق العمل في سن مبكر.
ثانيًا- أسباب تعود للأسرة في تسرب أبنائهم:
1- سوء الوضع الاقتصادي للأسرة.
2- العناية بأفراد الأسرة والمساعدة في أعمال المنزل.
3- إجبار بعض الأسر أبناءها على ترك الدراسة، نتيجة عدم اهتمامهم بالتعليم.
4- عدم وجود شخص يساعد الطالب والطالبة على الدراسة داخل الأسرة.
5- إحجام بعض الأسر عن تشجيع أبنائها على إكمال تعليمهم؛ بسبب البطالة في صفوف حملة الشهادات الجامعية.
ثالثًا- أسباب تعود للمدرسة
1- النفور من المدرسة لعدم توفر البيئة المريحة لتشجيع الطالب على إكمال دراسته مثل نقص الغرف الصفية.
2- -عدم كفاية الكادر التعليمي واعتماد أسلوب الضرب والتوبيخ للطالب؛ ما يجعله يكره التعليم ويحجم عنه.
3- التمييز بين الطلبة سواء التمييز على أساس المستوى التحصيلي أو على الأساس العشائري أو الاقتصادي أو التمييز على أساس الجنس أو في الأنشطة المدرسية.
4- عدم وجود مدرسة مهنية قريبة من السكن حيث يمكن أن يكون التعليم المهني وسيلة للحد من تسرب الطلبة الذين لديهم صعوبات التعلم في الفرع الأكاديمي؛ لذا فإن وجود مدارس مهنيّة قريبة من أماكن سكن الطلبة يحد من هذه الظاهرة.
5- عدم وجود شخص في المدرسة يساعد الطالب على مواجهة المشاكل كالمرشدين التربويين.
6- طلبات المدرسة من الأسرة مرهقة ماديًا.
7- بعد المدرسة عن مكان السكن.
رابعًا- ممارسات سلطات الاحتلال والمستوطنين:
تشكل ممارسات الاحتلال الإسرائيلي ومستوطنيه عائقًا أمام حصول الطلبة على حقوقهم في التعليم ويقود عدد منهم للتسرب من المدارس ومن هذه الممارسات:
- نصب الحواجز على الطرق، ومطاردة الطلبة أحيانًا، ومنعهم من الوصول إلى مدراسهم.
- اعتقال الطلبة والزج بهم في السجون، الأمر الذي يعد انتهاكًا صارخًا ترتكبه قوات الاحتلال الإسرائيلي بشكل مستمر.
- اقتحام العديد المدارس والاعتداء على الطلبة.
- إغلاق العديد من المدارس بذرائع أمنية مختلقة.
- مهاجمة المستوطنين الطلبة ومداهمة مدراسهم والاعتداء على مرافقها كما هو حاصل في الخليل التي وصلت أحيانًا إلى تسميم مياه الشرب في المدارس.
هذه الممارسات الاحتلالية تشكل بيئة تعليمية طاردة للطلبة وتؤدي إلى عدم شعور العديد منهم بالأمان، وتدفع الكثير منهم إلى التسرب من مدارسهم؛ الأمر الذي يشكل انتهاكًا صارخًا للمواثيق والأعراف الدولية.
التأثيرات السلبية لهذه الظاهرة: لا يمكن أن يخلو واقع تربوي من ظاهرة التسرب من المدارس؛ إلا أنها تتفاوت في درجة حدتها من مجتمع إلى آخر، ومن مرحلة دراسية إلى أخرى، ومن منطقة إلى أخرى، كما تتفاوت حسب الجنس. ومن المستحيل لأي نظام تربوي أن يتخلص منها نهائيًا، مهما كان فعالًا ومتطورًا. والمتعمق في هذه الظاهرة في الواقع التربوي الفلسطيني، يلاحظ أنها منتشرة في المراحل التعليمية كلها، وفي المدارس كلها، والمناطق التعليمية كلها، وكل أوساط الطلبة ذكورًا وإناثًا، وكل أوساط الطبقات الاجتماعية والاقتصادية؛ وهي ظاهرة تصيب جميع نواحي الحياة في المجتمع؛ فتزيد حجم الأمية والبطالة، وتضعف البنية الاقتصادية الإنتاجية للمجتمع والفرد، وتزيد الاتكالية والاعتماد على الغير في توفير الاحتياجات، وتزيد حجم المشكلات الاجتماعية كالانحراف وجنوح الأحداث، وتدفع إلى السرقة والاعتداء على الآخرين وممتلكاتهم؛ ما يضعف وحدة النسيج المجتمعي، كما تؤدي إلى زيادة نفقات مراكز الإصلاح والعلاج والإرشاد والمستشفيات، وتؤدي إلى تخلف وجهل أسر المنحرفين، لتغدوا مصانع لتفريخ المنحرفين؛ كما تؤدي إلى سيطرة العادات والتقاليد البالية، كالزواج المبكر والسيطرة الأبوية المطلقة، وحرمان أفراده من حقوقهم.
حجم هذه الظاهرة: حسب الجهاز المركزي للاحصاء الفلسطيني (واقع حقوق الطفل الفلسطيني، 2023) في تشرين الثاني 2023، تعتبر معدلات التسرب من المدارس في فلسطين منخفضة نسبياً، فقد بلغت خلال العام الدراسي 2021/2022 ولكافة المراحل 0.82% (1.10% بين الذكور و0.54% بين الإناث)، 0.45% في المرحلة الأساسية (0.67% بين الذكور و0.23% بين الإناث)، في حين بلغ المعدل في المرحلة الثانوية 2.34% (3.13% بين الذكور و1.70% بين الإناث).
وقد ترجع نسب التسرب هذه الى تدني القدرة على الدراسة والخروج إلى العمل خاصة بين الذكور، أو بسبب الخطوبة والزواج المبكرين خاصة بين الإناث ومن الأسباب الأخرى الرسوب المتكرر، وعدم الرغبة في التعليم المختلط أو الالتحاق بمدرسة خارج نطاق مكان السكن إضافة الى وجود بعض الاعاقات مثل الاعاقة البصرية والحالات النفسية والمرضية.
السنة |
فلسطين |
الضفة الغربية |
قطاع غزة |
||||||
ذكور |
إناث |
كلا الجنسين |
ذكور |
إناث |
كلا الجنسين |
ذكور |
إناث |
كلا الجنسين |
|
2021/2022 |
1.10 |
0.54 |
0.82 |
1.29 |
0.61 |
0.94 |
0.87 |
0.46 |
0.67 |
2020/2021 |
1.13 |
0.46 |
0.79 |
1.18 |
0.54 |
0.86 |
1.07 |
0.35 |
0.71 |
2019/2020 |
1.1 |
0.5 |
0.7 |
1.3 |
0.6 |
0.9 |
0.5 |
0.3 |
0.9 |
2018/2019 |
0.9 |
0.6 |
0.8 |
1.2 |
0.8 |
1.0 |
0.6 |
0.4 |
0.5 |
2017/2018 |
1.0 |
0.6 |
0.8 |
1.3 |
0.7 |
1.0 |
0.5 |
0.5 |
0.5 |
2016/2017 |
1.1 |
0.8 |
0.9 |
1.3 |
0.8 |
1.0 |
0.8 |
0.8 |
0.8 |
2015/2016 |
1.2 |
0.8 |
1.2 |
1.1 |
0.4 |
0.8 |
1.5 |
1.6 |
1.5 |
2014/2015 |
1.5 |
1.2 |
1.4 |
1.4 |
0.8 |
1.1 |
1.8 |
1.8 |
1.8 |
2013/2014 |
1.6 |
0.9 |
1.3 |
1.7 |
0.9 |
1.3 |
0.6 |
1.3 |
1.3 |
2012/2013 |
1.1 |
0.8 |
0.9 |
1.4 |
0.9 |
1.4 |
0.6 |
0.6 |
0.6 |
2011/2012 |
1.1 |
0.8 |
0.9 |
1.4 |
0.9 |
1.2 |
0.6 |
0.6 |
0.6 |
2009/2010 |
1.1 |
0.9 |
1.0 |
1.0 |
0.7 |
0.9 |
1.3 |
1.1 |
1.2 |
2008/2009 |
1.1 |
0.9 |
1.0 |
1.1 |
0.7 |
0.9 |
1.3 |
1.1 |
1.2 |
2007/2008 |
|
|
|
1.1 |
0.5 |
|
|
|
|
2006/2007 |
1.5 |
1.0 |
1.2 |
1.3 |
09 |
1.1 |
1.7 |
1.1 |
1.4 |
2005/2006 |
0.9 |
0.7 |
0.8 |
1.1 |
0.8 |
0.9 |
0.7 |
0.8 |
0.8 |
2004/2005 |
1.0 |
1.0 |
0.9 |
1.1 |
1.2 |
1.0 |
0.8 |
0.7 |
0.8 |
2003/2004 |
1.0 |
0.9 |
0.9 |
1.2 |
0.9 |
1.1 |
0.7 |
0.8 |
0.7 |
2002/2003 |
1.0 |
1.1 |
1.0 |
1.3 |
1.3 |
1.3 |
0.6 |
0.7 |
0.7 |
2001/2002 |
1.1 |
0.9 |
1.0 |
1.2 |
1.1 |
1.2 |
0.8 |
0.7 |
0.7 |
2000/2001 |
1.7 |
1.3 |
1.5 |
1.7 |
1.5 |
1.6 |
1.6 |
1.0 |
1.3 |
1999/2000 |
2.0 |
1.7 |
1.8 |
2.2 |
1.8 |
2.0 |
1.6 |
1.5 |
1.5 |
1998/1999 |
1.8 |
1.4 |
1.6 |
2.3 |
1.7 |
2.0 |
1.1 |
0.8 |
1.1 |
1997/1998 |
2.2 |
2.0 |
2.1 |
2.7 |
2.4 |
2.5 |
1.5 |
1.4 |
1.5 |
1996/1997 |
2.3 |
2.1 |
2.2 |
2.7 |
2.3 |
2.5 |
1.6 |
1.7 |
1.6 |
1995/1996 |
2.7 |
2.8 |
2.8 |
3.2 |
2.7 |
3.0 |
2.0 |
2.9 |
2.4 |
1994/1995 |
2.9 |
2.9 |
2.9 |
3.3 |
3.1 |
3.2 |
2.2 |
2.7 |
2.5 |
الإجراءات الوقائية للحد من ظاهرة التسرب
أولًا: الإجراءات الوقائية المدرسية للحد من ظاهرة التسرب
1- تفعيل دور المرشد التربوي في مساعدة الطلبة في حل مشكلاتهم التربوية وغير التربوية، بالتعاون مع الجهاز التعليمي في المدرسة، والمجتمع المحلي؛ وعلى الأخص أولياء أمور الطلبة.
2- العدالة في التعامل، وعدم التمييز بين الطلبة داخل المدرسة.
3- منع العقاب بكل أنواعه في المدرسة (البدني والنفسي).
4- توفير تعليم مهني قريب من السكن.
5- توفير تعليم تمكيني علاجي للطلبة الذين يعانون صعوبات التعلم.
6- تفعيل قانون إلزامية التعليم في المرحلة الأساسية، ووضع آليات للمتابعة والتنفيذ على مستوى المدرسة.
7- السماح للطلبة المتسربين بالالتحاق بالدراسة، بغض النظر عن سنهم، وفق شروط محددة وميسرة.
ثانيًا: الإجراءات الوقائية الأسرية:
1- مساعدة الأسر الفقيرة ماديًا لتغطية النفقات الدراسية وتوفير مستلزمات التعليم لأبنائها.
2- نشر الوعي، وتثقيف الأسرة بقيمة التعليم وأهميته، ومخاطر التسرب على أبنائهم.
3- إقناع الأسر بضرورة تهيئة الجو الأسري لأبنائهم، من خلال توفير الوقت والمكان المناسبين للدراسة في المنزل.
4- مساعدة الأسرة أبناءها في حل مشاكلهم الدراسية؛ للتغلب على صعوبات التعلم في المواد الدراسية.
5- عدم تكليف الطلبة مهمات أسرية فوق طاقتهم، من خلال تفرّغهم وتوفير الوقت الكافي لهم للدراسة.
6- تفعيل الاتصال والتواصل بين الأسرة والمدرسة لمتابعة تطور الطلبة، والوقوف على المشاكل التي يواجهونها داخل المدرسة وخارجها، والمساعدة في حلها.
7- مشاركة الأسرة بالأنشطة اللاصفية التي تنظمها المدرسة.
8- توعية الأسرة بمخاطر الزواج المبكر لبناتهم، وتفعيل القوانين التي تمنع الزواج أقل من السن المحدد.
9- منع التمييز بين الأبناء على أساس الجنس في مجال التعليم.
10- سن القوانين والتشريعات التي تلزم أولياء الأمور بإعادة أبنائهم إلى مقاعد الدراسة.
وتبقى مشكلة التسرب المدرسي مشكلة وطنية تتطلب أن تتضافر كافة الجهود لإيجاد حلول ناجعة للطلبة المتسربين؛ إذ إن الحد من التسرب سينعكس إيجابًا على التنمية المستدامة وبناء دولة فلسطين بعاصمتها القدس الشريف؛ فالتعليم هو المحرك الرئيس في نهضة الشعوب، وبناء جيل قادر على المحافظة على الموروث الثقافي والتطلعات الوطنية والتعاطي مع متطلبات الحضارة الإنسانية، والمساهمة بشكل فاعل في بناء مؤسسات الوطن؛ لهذا فإن مكافحة التسرب في المدارس بحاجة إلى خطة وطنية متكاملة، تبدأ من حماية الطلبة الذين يهددهم التسرب أولًا، ثم متابعة من تسربوا فعلًا لإعادتهم إلى التعليم.
المصادر:
- وزارة التربية والتعليم الكتب الإحصائية السنوية
- جهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني/ بيانات صحفية عشية يوم الطفل الفلسطيني 5 نيسان من كل عام.
- جامعة القدس المفتوحة/ المؤتمر التربوي الأول بعنوان: "ظاهرة التسرب المدرسي: الواقع والحلول" 11 كانون الأول 2017.