نحو خطة وطنية للشباب في فلسطين نشاطات تنموية في المجتمع الفلسطيني

ورقة عمل تيسير محيسن، مؤتمر: نحو حركة خطة وطنية للعمل مع الشباب لتعزيز الثقافة المدنية... "استراتيجيات التنمية الشبابية في فلسطين"

توطئة

تشكل فئة الشباب نسبة كبيرة في المجتمع الفلسطيني، ولهذه الفئة الاجتماعية سمات وخصائص، مشاكل وتطلعات، قلما تسترعي انتباه أحد من صناع القرار إلا بالقدر الذي يخدم توجهاً معيناً، أو يسهم في تعزيز سلطة هؤلاء الذين يتحكمون في الموارد والقرارات على مستوى الأسرة كما على مستوى المجتمع ومؤسساته.

 يعاني الشباب الفلسطيني تهميشاً مزدوجاً، تارة بوصفهم جزءاً من الشعب الفلسطيني الرازح تحت نير احتلال احلالي استيطاني قامع للحقوق والحريات، وتارة بوصفهم فئة اجتماعية في مجتمع لا يوليهِم اهتمامًا كبيرًا؛ فويسود في أوساطهم شعور عام بالإحباط والقلق والخوف من المستقبل؛ فمن جهة، تشل هيمنة النزعة الأبوية في مجتمع ذكوري من قدراتهم على التعبير عن أنفسهم وعن طموحاتهم، كما تقيد روح الإبداع لديهم، مع ما يواكب ذلك من قمع وكبت وتمييز تجاه الفتيات خاصة، ومن جهة ثانية يزيد تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، في ظل نظام سياسي هش وصراع محتدم على السلطة، من وضع هذه الفئة سوءاً وضياعاً، وفي أثناء ذلك، يقع معظم الشباب ضحايا صراع القيم والمرجعيات الثقافية والأيديولوجية والسياسية وتجاذباتها، وتميل أعداد كبيرة منهم أكثر فأكثر نحو العنف، ويتحولون إلى مجرد أدوات تسيّرها قوى اجتماعية وسياسية لها أجندات مختلفة عن تلك التي يجب أن تكون للشباب. إلى ذلك، يتزايد تحلل البنى الإنتاجية بالكامل، مع ما يصاحب ذلك من قيم لا تحض على التغيير، كالكسل والاتكالية والعزوف عن الإبداع والابتكار، وتتراجع قيم إيجابية، كالطوعية والإقبال على التعليم، وغيرها، من سلم القيم الدافعة والمحفزة.

هذه الورقة محاولة أولية في تقديم ملامح الحل:

أولاً: في الدفع نحو تشكيل حركة شبابية ديمقراطية.

وثانياً: بالضغط على أصحاب القرار في المؤسسات كافة لتبني خطة تنموية شاملة للعمل مع الشباب انطلاقاً من مخرجات السياسة الوطنية للشباب والطلائع.

* إطار السياسة الوطنية للطلائع والشباب:

مبادئ توجيهية ومسارات للعمل، وثيقة وطنية تعبر عن رؤية موحدة من قبل المؤسسات والحكومة والشباب أنفسهم، واتجاهات تنمية الشباب في الدولة. وهي بمثابة التزام من قبل الجميع بأن قضايا الشباب هي أولوية يجب التعامل معها بجدية وتعاون الجميع. وتسعى إلى دمج الطلائع والشباب في عملية التنمية كصانعين لها ومستفيدين منها. ضمن رؤية تركز على أولوية دمج الشباب في التنمية، والأخذ بعين الاعتبار موقع الشباب ومصالحهم وأولياتهم ووجهة نظرهم من كل سياسة وبرنامج وقانون.

* التحديات والمعوقات التي تواجه الشباب:

- سياسية: وترتبط بالاحتلال وممارساته النافية للتنمية، والمعوقة لأي ازدهار مستقبلي حقيقي، والمستهدفة فئة الشباب بالقتل والاعتقال والحرمان من الحركة والتنقل والملاحقة الأمنية وغير ذلك من ممارسات. من ناحية أخرى، يفضي انقسام النظام الفلسطيني على نفسه إلى مزيد من التعقيدات والتحديات على فئة الشباب، فهم وقود الاقتتال وضحاياه، وهم مادة الاستقطاب وأدواته. كما أن عجز النظام عن القيام بوظائفه الاقتصادية والاجتماعية وتلبية تطلعات الفئات والشرائح الاجتماعية المختلفة، يدفع الشباب إلى فقدان الأمل والضياع. أخيراً، نظام بقوم على الهيمنة والتراتبية الهرمية وتكريس منظومة قيمية تقليدية لا يشجع الشباب على المشاركة في اتخاذ القرارات التي تتعلق بحياتهم وتطلعاتهم وحاجاتهم.

- اقتصادية: مع غياب الأساس الاقتصادي الإنتاجي لدولة مستقلة، تتفاقم في ضوء المتغيرات الأخيرة مشاكل البطالة والفقر، والشباب هم أبرز ضحاياها. وطبقاً لسيناريوهات البنك الدولي والمرصد الإنساني من المتوقع أن يشهد الاقتصاد الفلسطيني في غضون عامين انهياراً كاملاً بسبب الحصار المالي والاقتصادي الخارجي، وبسبب استمرار سياسة الإغلاق والحصار الإسرائيلي بما في ذلك الامتناع عن إعادة المستحقات المالية للسلطة الفلسطينية، وكذلك بسبب ضعف النظام الفلسطيني وتفاقم الأوضاع الأمنية الداخلية.

- ثقافية: تعتبر الثقافة التقليدية السائدة بوجه عام في مجتمعنا غير داعمة لتطور الشباب وتنميتهم واشراكهم في تحديد خياراتهم المستقبلية. المركب الأهم في هذه الثقافة هو الدين، ولكن تجري عملية استغلال للدين وترويج قراءة تقليدية للنصوص، تهدف إلى تسويغ وتبرير المواقف الاجتماعية التقليدية تجاه الشباب أو فئات اجتماعية أخرى. إلى ذلك، فذكورية الثقافة وأبويتها تعمق الفجوة بين الأجيال وفجوة النوع الاجتماعي، كما تبرر نزعة التسلط الأبوي واحتكار الحقيقة والقرار. الانفتاح الثقافي بدوره عبر وسائل وتقنيات الاتصال والحوسبة يطرح تحديات جدية تتعلق بالأنماط السلوكية والقيمية التي لا تنسجم مع منظومة القيم الاجتماعية الفلسطينية.

- تعليمية- تربوية: وتتضمن مشاكل تتعلق بالمناهج التعليمية، من حيث كثرتها وضعف مواكبتها للتطور العلمي وعدم موائمتها لاحتياجات سوق العمل. إلى ذلك، فثمة مشاكل خاصة بالتعليم المهني والأنشطة اللامنهجية وضعف التجهيزات والبنية التحتية للتعليم، وباستمرار أساليب التعليم التلقيني وتفشي ظاهرة العنف في المدارس والجامعات.

- أسرية- تربوية: من ذلك التفكك الأسري ومعاناة الفقر والبطالة؛ وبالتالي ضعف العلاقات الأسرية، وتزايد العنف واستمرار التمييز على أساس الجنس والعمر، أيضاً مشكلة التسرب المدرسي لأسباب تتعلق بالأسرة. إلى ذلك؛ فتهميش رأي الشباب وضعف تشجيع مبادراتهم ورعاية طموحاتهم وتقدير ميولهم وتطلعاتهم وعدم مراعاة التطورات التي تطرأ عليهم أثناء نموهم، من بين القضايا التي لازالت تشكل عائقاً كبيراً أمام الشباب.
- مؤسسية وتشريعية: وأبرزها إقصاء الشباب عن مواقع صنع القرارات في مختلف المؤسسات ومستوياتها القيادية.

 وهناك ثمة ثغرات في التشريعات الناظمة لحقوق الشباب وواجباتهم، مثل: انعدام المؤسسات الوسيطة القادرة حقاً على تمثيل الشباب اجتماعياً واقتصادياً وثقافياً، ومحاولة المؤسسات القائمة احتواء الشباب والالتفاف على مصالحهم وقضاياهم الحقيقية، واستغلال قدراتهم ومواهبهم دون أن تنهض حقاً بقدراتهم وتفتح أمامهم فرص الاندماج والتطور والمشاركة الحقة.
  
* نحو حركة شبابية ديمقراطية.

خلفية نظرية:

يسود النظرية الاجتماعية المعاصرة، في زمن العولمة، توافق واسع على أن الحركات الاجتماعية المرنة والتي تعمل كشبكات تعتبر أدوات أساسية للتغيير في عصر المعلومات، صحيح أن بعضها يمكن أن تعمل من أجل الحفاظ على النظم الاجتماعية والسياسية القائمة، إلا أنها في الغالب تعمل كأدوات للتغيير الاجتماعي التقدمي، باعتبارها قادرة على تغيير السياسات الحكومية والتأثير فيها، أو تغيير أساليب حياة أعضائها.

ويراهن الكثيرون على قدرة الحركات الاجتماعية على تحويل الأفكار المهيمنة في عصر العولمة كالسيولة، وعدم اليقين، وتآكل الحدود الوطنية، من مصادر للخوف إلى دوافع للأمل؛ فهذه الحركات تطرح أشكالاً جديدة لتفويض السلطة الاجتماعية والسياسية، وهي تنشط عدد وافر من الهويات وتشكل هويات أخرى أكثر مرونة، بدلاً من الأشكال الموروثة للمواطنة، وهي تشجع الانتماء للبنى الكوكبية العامة كالمجتمع المدني العالمي في مواجهة أنظمة السوق العالمية على سبيل المثال، وهي أخيراً تعتمد في تدخلاتها على تشكيل شبكات تضامن دولية.

ولما كان عالم اليوم يتسم في ضوء التغيرات الهائلة، بتداخل الرمز مع المادة، القيمة مع المعرفة، فإن الصراع على السلطة والثروة يتداخل مع الصراع على الهوية وتحقيق الذات، ولذلك؛ غيرت الحركات الاجتماعية طبيعة نشاطاتها وفعالياتها، حيث اضطرت للعمل على المستويات المحلية والوطنية والدولية في وقت واحد لتربط بين التجارب العملية لأشكال المعرفة المحلية، وبين لغة الخطاب والاهتمامات العالمية الشائعة، وباتت تستخدم أداة سياسية أكثر فعالية في مواجهة تحديات التغيير تتمثل في تمكين الناس من أجل التدخل والتأثير في عمليات التغيير في عالمهم المعاش (والعالم المعاش هنا هو العالم المادي الملموس لتجارب البشر وخبراتهم، به يفسرون ويدركون الأشياء والأحداث، التي تحدد لهم امكانات الفعل الاجتماعي والسياسي) وهذا هو المنطلق النظري الذي تعتمد عليه هذه الورقة في توجهها نحو بناء حركة شبابية، وعصبها الرئيس الشباب الفلسطيني وتنظيماتهم القائمة.
 
الشباب والتغيير الاجتماعي:

قد يكون من الصعب تأسيس نظرية تربط الشباب بالتغيير الاجتماعي وبالتنمية، ذلك أنه، كما يرى بعض علماء الاجتماع، من المستحيل تعريف الشباب. الشباب تجمع وليس جماعة، يمكن تصنيفهم كجزء من السكان، ولكن لا يمكن تصنيفهم على أساس أنهم جماعة تتميز بسمات عامة لا تنسحب على قطاعات المجتمع الأخرى. ولكن الأمر ليس صعباً لرؤية كيف أن من يملك الشباب يملك المستقبل، وكيف يمكن للشباب أن يكونوا عوامل للتغيير. صحيح أن التغيير الاجتماعي، بضروراته وقيوده البنيوية، ليس متعلقاً بجماعة معينة، ولكن ببيئة اجتماعية اقتصادية سياسية مهيمنة، ولكن إذا تجنبنا الرؤية الكلية للمجتمع أصبح من الميسور اختيار قسم من المجتمع "كعامل للتغيير" وعندها يصبح من المشروع النظر للشباب بوصفهم عوامل للتغيير الاجتماعي، وذلك لأن المجتمع برمته مركب بطريقة لا تسمح للقسم الذي لا يمثل الشباب أن يكون مؤهلاً لمسؤوليات التغيير، ولأن الشباب ليسوا مجرد مجموعة أفراد وإنما مقولة حائزة على سمة الكلية التي تجعلها قادرة على ريادة التغيير.

الحركة الشبابية، الطبيعة والدور:

في ظل السياق العام الذي تشهده الحالة الفلسطينية، وفي إطار محاولة التعامل بجدية مع التحديات التي تواجه الشباب؛ يصبح بناء حركة اجتماعية شبابية واحدة من أهم الاستراتيجيات التنموية وحتى السياسية لما تنطوي عليه من فكرة محورية وهي الاستثمار في الشباب بصورة تسهم في تمكين الحالة الفلسطينية عموماً. تسعى هذه الحركة، عبر عمليات التعبئة الاجتماعية وأنشطة الضغط والتأثير، إلى تضمين المنظور الشبابي في كافة العمليات والممارسات والخطط والإجراءات المؤسسية المرتبطة بإدارة المجتمع والاقتصاد والسياسة على المستويين المحلي والوطني. يشترط بناء هذه الحركة العمل على زيادة الوعي في أوساط الشباب وبناء الضمير الجمعي وتطوير التوقعات الجماعية عبر أنشطة جماعية ترويحية وتنشيطية وتطوعية وتربوية تنأى بهم عن الصراع الفئوي بأشكاله العائلية والفئوية السياسية، وعن الانغلاق الفكري والتعصب التنظيمي الأعمى، وتحثهم على القيام بمبادرات سلمية لحماية السلم الأهلي والدفاع عن قضايا الشباب وحقوقهم ومصالحهم، والانخراط الفعال والمستمر في عمليات الكفاح الشعبي ضد الاحتلال وممارساته.

دور المجتمع المدني في تشكيل الحركة الشبابية:

ليس أمام المجتمع المدني سوى الاستجابة لهذه التحديات والتفاعل معها: باستكمال أجندة الإصلاح الإداري والمالي والإسراع في التحول إلى جماعات مصالح، والدخول في المعترك السياسي العام عبر بوابة التحالفات والائتلافات مع الأحزاب والتنظيمات السياسية، وممارسة عمليات التفاوض والتأثير على الكتل البرلمانية، وباستعادة الجانب الجماهيري التعبوي والتنويري في عملها وعلاقاتها، والتمسك بالإنجازات والمكتسبات الاجتماعية والقانونية والسياسية التي تحققت خلال سنوات النضال الطويلة. وقد يكون خيار بناء حركات اجتماعية على أسس طبقية واجتماعية وكوسائل للتعبئة والضغط والتفاوض، من الخيارات الضرورية في مواجهة التحولات داخل النظام الفلسطيني والتحديات المطروحة على الوضع الفلسطيني برمته.

توصيات:

1- فتح حوار بين جميع الفاعلين الاجتماعيين (أحزاب سياسية، مراكز شبابية، جمعيات أهلية،...) حول فكرة الحركة الشبابية. المنطلقات والسياق التاريخي ومراحل البناء وتطوير القناعات والأفكار المشتركة والأشكال التنظيمية وآليات العمل. الاستفادة من تجارب مماثلة، أو بتعميم الدروس المستقاة من الخبرة الفلسطينية المتراكمة في هذا المجال.

2- القيام بأنشطة وفعاليات مشتركة تستهدف توعية الشباب حول التحديات الراهنة وطنياً واجتماعياً واقتصادياً، وحول الدور المناط بهم، وسبل حماية السلم الأهلي ومواجهة أشكال التعصب والعنف والانجرار وراء أجندات لا تخدم في نهاية المطاف الشباب. التركيز يجري على ثقافة الحوار والانفتاح وتقبل الآخر واشغال العقل وبناء الاصطفاف على أسس اجتماعية واقتصادية وسياسية عقلانية.

الحركة الشبابية المنشودة، تعريف إجرائي:

فاعل اجتماعي ينشأ عن أفراد (شباب) يعون (يعلمون) أن لهم مصالح عامة، ويدركون هوية خاصة بهم، هي جزء من هوية عامة. تمتلك هذه الحركة القدرة على التعبئة الاجتماعية والتي تشكل مصدر شرعيتها. تتضمن الحركة العناصر الأساسية التالية: الجماعية والاستقلالية ومستوى من الوعي المرتبط بهوية مميزة تتصل بمصالح فئة محددة من المجتمع. تسعى هذه الحركة إلى التأثير في المجتمع عبر امتلاكها سلطة اجتماعية وشرعية لتحسين مواقع هذه الفئة والدفاع عن مصالحها وتمثيلها أمام القوى الاجتماعية الأخرى. وإذا كانت هذه الحركة لا تسعى إلى إحراز السلطة السياسية، إلا أنها يمكن أن تدخل في تحالفات سياسية ضاغطة، أو تتبنى قضايا سياسية تتعلق بمشاركة الشباب ودورهم الوطني في سياق الكفاح الفلسطيني من أجل التحرر والاستقلال وبناء الدولة الديمقراطية العصرية وتعزيز المجتمع المدني.

* استراتيجية التنمية الشبابية.

الرؤية:

نحو مستقبل خال من أشكال التمييز والتهميش في مجتمع حر وديمقراطي وفي إطار دولة مستقلة ذات سيادة كاملة، حيث يتمتع الشباب بحياة كاملة وثرية تمكنهم من أن يكونوا شركاء فعالين في رسم السياسات واتخاذ القرارات وتخطيط النشاطات وتنفيذها وتقييمها، والتي تلبي طموحاتهم وآمالهم وأحلامهم، وأن يكونوا قادرين على المشاركة الكاملة في الحياة السياسة والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والروحية للمجتمع الفلسطيني.

تقترح الورقة تبني الصيغة النهائية للسياسة الوطنية للطلائع والشباب واعتمادها كمرجعية لاستراتيجية التنمية الشبابية. مع ملاحظة محددات واشكاليات التنمية عموماً في بلادنا في ظل الظرف التاريخي الذي تمر به. وأهمها:

 أولاً: الاحتلال الاستيطاني الذي يشكل نقيضاً للتنمية ونفياً لها، مع انعدام السيادة وفرض وقائع مجحفة على الأرض واستمرار الممارسات العدوانية بصورة منهجية ويومية. إن ما يجري حقاً هو تقليص ومحاصرة خيارات الناس وسد السبل أمام حريتهم الجماعية والفردية، وسلبهم لحقوقهم الإنسانية والمدنية.

ثانياً: السلطة الفلسطينية لا تصلح أن تكون جهازاً فعالاً لإدارة أي عملية تنموية حقيقية. فمنذ بداية التشكل الأولى عانى هذا الكيان قيودًا سياسية وقانونية وضغوطًا خارجية ومن ضعف الترتيبات المؤسسية، إلى ذلك تساهم التطورات السياسية الأخيرة، وخاصة احتدام الصراع على السلطة، وفرض حصار اقتصادي ومالي خارجي عليها، في إضعاف قدرتها على إدارة العملية التنموية. 

المنهج، المنظور الشبابي للتنمية:

يقوم هذا المنظور على أساس مقاربات التنمية البشرية ومبادئها، من حيث أن التنمية هي حق فردي وجماعي، ومن أن الناس ليسوا هدفاً للتنمية وإنما صناع لها وراسمون لسياساتها أيضاً، ومن حيث الاستدامة والإنصاف والمساواة والتمكين وحماية الحريات وضمان الحقوق وإتاحة الفرص. المنظور الشبابي للتنمية يتعامل مع الشباب ليس كفئة مستهدفة من مخرجات العملية التنموية فحسب، وإنما كمجموعة اجتماعية لها احتياجاتها وكرؤية تنموية تدفع نحو تضمين احتياجات الشباب وتطلعاتهم وحاجاتهم في كل مراحل العملية التنموية ونواحيها وبمشاركة الشباب أنفسهم. المنظور الشبابي لا يتعاطى مع الشباب بوصفهم مشكلة، أو بوصفهم ضحايا، وإنما كذوات فاعلة وكثروة يجب الاستثمار في بناء قدراتها والاعتماد عليها كشرط ضروري لإحداث أي تغيير اجتماعي منشود. 
ترسيخ القناعة بالمنظور الشبابي للتنمية والنضال من أجل تضمينه في مجمل الممارسات والعمليات التنموية في المجتمع والسياسة والاقتصاد والإدارة.

الهدف العام:

بالاستناد إلى الرؤية المذكورة، من الضروري تبني هدفاً استراتيجياً، يمكن التعبير عنه كالتالي: تمكين الشباب الفلسطيني فردياً وجماعياً من أجل التدخل والتأثير في عمليات التغيير في عالمهم المعاش وضمن المحددات الموضوعية القائمة. ينطوي هذا الهدف على ركيزتين: التمكين، والحقوق.

الأهداف العملية:

1- ضرورة دمجهم في المجتمع اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً.
2- تعزيز شعورهم بالانتماء وتدعيم تمسكهم بالقيم الأخلاقية والاجتماعية الايجابية.
3- العناية بحاجاتهم وتنمية قدراتهم ومواهبهم.
4- ترسيخ العمل الجماعي والطوعي في صفوفهم.

عناصر الاستراتيجية:

1- ضمان الحقوق والدفاع عنها.
2- الإدماج والمشاركة.
3- بناء ودعم التنظيمات الشبابية كمكونات للحركة الشبابية.

أساليب وأدوات التدخل:

1- التعبئة والتنظيم.
2- بناء القدرات الفردية والجماعية.
3- التنشيط Animation
4- التدريب الفني والإقراض.
5- بناء الوعي النقدي.
6- الضغط و المناصرة.
7- تكوين الشبكات والتحالفات.

أثبت المجتمع الفلسطيني، بالرغم من وجود الاحتلال، وربما بسببه، قدرته على معالجة قضاياه الاقتصادية والاجتماعية والتعامل مع تحدياتها في إطار الحفاظ على تعبيرات الوطنية الفلسطينية، وعبر اجتراح المقاربات التنموية الخلاقة والملائمة للوضع الفلسطيني. ومثال ذلك، مفهوم التنمية الانعتاقية كمقاربة تجمع بين مقتضيات النهوض التنموي، وبين الحرية كشرط للتنمية. من الصعب التكهن في ضوء المتغيرات الحالية بمدى قدرة المجتمع الفلسطيني على الاستمرار في الاضطلاع بالمهمتين في آن واحد. من هنا، يدور النقاش حول ضرورة التركيز على الجانب التحرري، وحشد كل الطاقات والموارد في سبيل هذه الغاية، والاكتفاء بإدارة اقتصاد تقشفي وإدارة مجتمع مقاوم.

* الملامح العامة لخطة التنمية الشبابية: القضايا، الأهداف، التدخلات.

التعليم والتدريب:

- الرؤية الاستراتيجية: تطوير النظام التعليمي الفلسطيني (العام والعالي) بما يعزز مصالح الفئات الشبابية ودورهم وحقوقهم في المجتمع، مع التركيز على الرسالة الإنسانية والوطنية والديمقراطية للشعب الفلسطيني، ضمن نظام تعليمي يوازن بين الاحتياجات المجتمعية والطموحات الفردية للإنسان الفلسطيني في ظل مبدأ الحق في التعلم.

- القضايا الأساسية: التعليم المدرسي (المناهج الدراسية، المنظور التربوي التشاركي، التسرب المدرسي، العنف المدرسي)، التعليم العالي (تمويل التعليم العالي، ملائمة النظام التعليمي العالي للاحتياجات المجتمعية، مناهج التعليم العالي والتطور التكنولوجي).

- التدخلات والأهداف:

1. تطوير المناهج التعليمية المدرسية بشكل تطبيقي.
2. الحد من ظاهرة العنف المدرسي.
3. تدريبات مهنية للمتسربين من المدارس.
4. تعزيز العلاقات بين الطلبة والمعلمين والمجتمع المحلي.

* الصحة والبيئة:

- الرؤية الاستراتيجية: الوصول لدرجة أكبر من الوعي بالنسبة لواقع الطلائع والشباب الصحي والبيئي من خلال التأكيد على مكانتهم ضمن أولويات السياسات والخطط الاستراتيجية الوطنية الحكومية منها والأهلية بما يتلاءم مع متطلبات الحقوق الصحية الإنسانية.

القضايا الأساسية: الخدمات والتأمينات الصحية، الوعي الصحي والبيئي، الصحة النفسية.

التدخلات والأهداف:

1. التأكد من تضمين هموم وقضايا وحاجات الطلائع والشباب في الخطة الصحية.
2. خلق بيئة تعلمية خالية من التهديد الجسدي والنفسي للعنف.
3. زيادة الوعي لدى المراهقين والأسر بالقضايا المرتبطة بصحة المراهقين.

* الفقر والعمل والبطالة.

الرؤية الاستراتيجية: نحو المساهمة في مكافحة الفقر والبطالة، والتخطيط لذلك بناء على رؤية تأخذ متغير العمر بعين الاعتبار ومصالح الأجيال المقبلة، في ظل مجتمع تسوده تشريعات وأنظمة وممارسات تعتمد تكافؤ الفرص ومعايير الجدارة والكفاءة.

القضايا الأساسية: بطالة الشباب، تكافؤ الفرص، مكافحة الفقر.

التدخلات والأهداف:

1. تدريب مجموعات شبابية للعمل في مجال الضغط والمناداة من أجل الفقراء وخصوصاً الشباب منهم.
2. تأسيس مركز الاستشارات والدعم الشبابي (تعزيز القدرات التنافسية للشباب).
3. تشكيل حاضنة للمشاريع الصغيرة للشباب.

* العلاقات الأسرية.

- الرؤية الاستراتيجية: نحو تعزيز علاقات الانسجام والحوار والتسامح والمشاركة في صنع القرار داخل الأسرة، وأسرة تخلو من العنف والتمييز على أساس الجنس، أو العمر، أو الإعاقة، أو التوجه الفكري لأفرادها.

- القضايا الأساسية: الثقافة والقيم التربوية، العنف المجتمعي، انحراف الأحداث، التربية والقيم داخل الأسرة.

التدخلات والأهداف:

1. تحقيق اللحمة والتماسك داخل الأسرة الفلسطينية من خلال خلق علاقات إيجابية وبناءة بين أفرادها.
2. تقديم الدعم القانوني والاجتماعي والأسري والنفسي للطلائع العاملين في سوق العمل.
3. إدارة برامج إذاعية وتلفزيونية تربوية.

* المشاركة.

- الرؤية الاستراتيجية: نحو مشاركة فعالة ومجزية للطلائع والشباب في المؤسسات والنشاطات التي تلبي طموحاتهم وآمالهم وأحلامهم، ورفع المعيقات التي تقف في وجه مشاركتهم في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والروحية للمجتمع الفلسطيني.

- القضايا الأساسية: التنشئة الاجتماعية، اصلاح المنظومة المجتمعية، المشاركة والخصائص الفردية، مجالات المشاركة.

التدخلات والأهداف:
1. تفعيل دور الشباب في التأثير على عمل المجلس التشريعي.
2. ضمان دمج منظور وهموم الشباب ومشاركتهم في السياسات والمؤسسات.

* الثقافة والفنون والإعلام.

- الرؤية الإستراتيجية: نحو تشجيع قيم المسؤولية والمشاركة والحقوق والمساواة والإبداع والاحترام المتبادل والتعددية بين الطلائع والشباب الفلسطيني.

- القضايا الأساسية: حرية الرأي والتعبير والثقافة الديمقراطية، إحياء الفلكلور.

التدخلات والأهداف:

1. برنامج التدريب الإعلامي والفني.
2. عرض قضايا الشباب وإيصال أصواتهم لمجتمعاتهم المحلية وصناع القرار (مسرح الواقع).
3. تأسيس نواة عمل من الشباب الفلسطيني لحماية وتنشيط الوعي الفلكلوري والتاريخي الفلسطيني.

* الترويح وحسن قضاء وقت الفراغ.

- الرؤية الاستراتيجية: تعزيز طاقات وإبداعات الطلائع والشباب وصحتهم الجسدية والنفسية من خلال توفير برامج ترويحية يستثمرون من خلالها وقت فراغهم أفضل استثمار، وتعزيز المساواة في الوصول لوسائل الترويح والرياضة المختلفة.

- القضايا الأساسية: الترويح وحسن قضاء الوقت كمدخل للتربية من أجل المواطنة والتنمية، الرياضة كمدخل تربوي وبناء شخصية، النشاطات التطوعية وتعزيز الانتماء والإبداع، البنية التحتية للرياضة في فلسطين والاحتياجات المتباينة لفئات الشباب.

التدخلات والأهداف:

1. تعزيز ثقافة الرياضة والمنافسة الفردية والجماعية، ومشاركة المجتمع المحلي في نشاطات طلبة المدارس.
2. تشجيع المنافسة والإبداع الرياضي على مستوى الوطن.
3. تشجيع المنافسات الثقافية بين طلبة الجامعات على مستوى الوطن.

توصية:

تشكيل لجنة وطنية عليا من ممثلي الوزارات والمؤسسات الأهلية والتنظيمات السياسية والمراكز الشبابية والكتل الطلابية وممثلي القطاع الخاص للعمل على وضع إجراءات تنفيذية، وتحديد الالتزامات المتبادلة لوضع هذه التوجهات موضع التنفيذ بصورة تدريجية وفي إطار زمني ملائم. يمكن الدفع باتجاه استصدار مرسوم رئاسي بهذه اللجنة، كما يمكن القيام بحملة تعبئة وتأثير للضغط والتعجيل بتشكيلها، ومن ثم متابعة ومراقبة عملها من قبل الأجسام الشبابية المختلفة.