يوم "الثلاثاء الحمراء"

يحيي الشعب الفلسطيني في 17 حزيران من كل عام ذكرى "يوم الثلاثاء الحمراء".. يوم استشهاد عطا الزير وفؤاد حجازي ومحمد جمجوم، الذين أعدمتهم سلطات الانتداب البريطاني في سجن القلعة بمدينة عكا في 17 حزيران 1930.

بدأت قصة الأبطال الثلاثة عندما اعتقلت قوات الشرطة البريطانية مجموعة من الشبان الفلسطينيين؛ إثر ثورة البراق.. هذه الثورة التي بدأت عندما نظمت قطعان المستوطنين مظاهرة ضخمة بتاريخ 14 آب 1929 بمناسبة ما أسموها "ذكرى تدمير هيكل سليمان" وأتبعوها في اليوم التالي (15/ آب) بمظاهرة كبيرة في شوارع القدس لم يسبق لها مثيل حتى وصلوا إلى حائط البراق، وهناك راحوا يرددون "النشيد القومي الصهيوني"، بتزامن مع شتم المسلمين.

وكان اليوم التالي هو يوم الجمعة (16/ آب) الذي صادف ذكرى المولد النبوي الشريف؛ فتوافد المسلمون ومن ضمنهم الأبطال الثلاثة للدفاع عن حائط البراق الذي كان في نية اليهود الاستيلاء عليه؛  فكان لا بد من الصدام بين العرب والصهاينة في مختلف المناطق الفلسطينية.

استطاعت في حينه شرطة الإنجليز اعتقال 26 فلسطينياً ممن شاركوا في الدفاع عن حائط البراق، وحكمت عليهم بالإعدام جميعًا في البداية؛ لينتهي الأمر بتخفيف هذه العقوبة إلى السجن المؤبد عن 23 منهم؛ والإبقاء على عقوبة الإعدام بحق الشهداء الثلاثة محمد جمجوم وفؤاد حجازي وعطا الزير.

وبعد أن حددت سلطات الاستعمار يوم 17 حزيران 1930 موعداً لتنفيذ حكم الإعدام بحق هؤلاء الأبطال، الذين تحدى ثلاثتهم الخوف من الموت إذ لم يكن يعني لهم شيئاً؛ بل على العكس تزاحم ثلاثتهم للقاء ربهم.

ومن المعروف أن محمد جمجوم كان يزاحم عطا الزير ليأخذ دوره غير آبه؛ وكان له ما أراد؛ أما عطا فطلب أن ينفذ حكم الإعدام به دون قيود؛ إلا أن طلبه رفض؛ فحطم قيده وتقدم نحو المشنقة رافع الرأس.

 وقد سُمح للشهداء الثلاثة أن يكتبوا رسالة في اليوم السابق لموعد الإعدام. وفيما يلي نص الرسالة التي خطها الشهيد فؤاد حجازي باسمه وباسم رفيقيه جمجوم والزير:

"حضرة الأخ المجاهد الوطني سليم بك عبد الرحمن حفظه الله أميناً لفلسطين العزيزة، نود أن نشكر جهادك ووطنيتك الصادقة منذ نشأتك إلى اليوم؛ وأن نذكر بالفخر موقفك المشرف معنا في سجن عكا مدة الستة أشهر التي سجنت بها لإحياء أمتك ووطنك. ورجاؤنا إلى الأمة العربية في فلسطين أن لا تنسى دماءنا المهراقة وأرواحنا التي سترفرف في سماء هذه البلاد المحبوبة، وأن تذكر أننا قدمنا عن طيبة خاطر أنفسنا وجماجمنا لتكون أساساً لبناء استقلال أمتنا وحريتها، وأن تبقى الأمة مثابرة على اتحادها وجهادها في سبيل خلاص فلسطين من الاعتداء، وأن تحتفظ بأراضيها فلا تبيع للأخصام منها شبراً، وأن لا تهن عزيمتها، وأن لا يضعفها التهديد والوعيد، وأن تكافح حتى تنال الظفر.

ولنا في آخر ساعات حياتنا رجاء إلى أمراء وملوك العرب والمسلمين في سائر أنحاء المعمورة أن لا يثقوا بالأجانب وسياسييهم، وليعلموا ما قال الشاعر بهذا المعنى: "ويروغ منك كما يروغ الثعلب". وعلى العرب في كل البلدان العربية والمسلمين أن ينقذوا فلسطين مما هي فيه من الآلام وأن يساعدوها بكل قواهم؛ وأما رجالنا ولجنتنا التنفيذية وزعماؤنا وشباننا فلهم منا الامتنان العظيم على ما قاموا به نحونا ونحو أمتهم وبلادهم؛ فنرجوهم الثبات والمتابعة حتى ننال غايتنا الوطنية الكبرى؛ وأما عائلاتنا فقد أودعناها إلى الله والأمة التي نعتقد أنها لن تنساها، ولن تنسى اتمام تعليم أخي فؤاد نجل السيد أحمد حجازي.

والآن بعد أن رأينا من أمتنا وبلادنا وبني قومنا هذه الروح الوطنية وهذا الحماس القومي، فإنا نستقبل الموت بالسرور والفرح الكاملين، ونضع حبلة المرجوحة، مرجوحة الأبطال، بأعناقنا عن طيبة خاطر فداء لك يا فلسطين. وختاماً نرجوكم أن تكتبوا على قبورنا: "إلى الأمة العربية، الاستقلال التام أو الموت الزؤام، وباسم العرب نحيا، وباسم العرب نموت".