يُحيي الشعب الفلسطيني، في الوطن والشتات، في السابع عشر من نيسان/أبريل من كل عام، يوم الأسير الفلسطيني، باعتباره محطة نضالية خالدة، وصرخة ضمير تتجدد في وجه الظلم والاحتلال. وقد أقرّ المجلس الوطني الفلسطيني هذا اليوم في عام 1974، ليكون يوماً وطنيًا جامعًا، يُجسّد وحدة الفلسطينيين حول قضية الحرية والانتصار للكرامة الإنسانية، ويُخلّد نضال الأسرى الذين جعلوا من أجسادهم جدراناً في وجه القهر.
منذ ذلك الحين، تحول هذا اليوم إلى ملحمة سنوية تُجدد بها الجماهير الفلسطينية، في الداخل والمنافي، عهدها مع من يقبعون خلف القضبان، وتُطلق من خلاله نداءً مدوّياً إلى العالم الحر: بأن هناك شعبًا يُعذّب في الزنازين، وأن هناك قضيةً تُنتهك أمام مرأى ومسمع من الإنسانية.
إن ما يتعرض له الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال الإسرائيلي يُعدّ جريمة مستمرة وممنهجة، تتجاوز كل المواثيق الدولية، وعلى رأسها القانون الدولي الإنساني، واتفاقية جنيف الرابعة، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. إنها انتهاكات تنزع عن الاحتلال أي غطاء أخلاقي أو قانوني، وتفضح وجهه الحقيقي كمنظومة قمع عنصرية.
ومن بين أبشع هذه الانتهاكات: التعذيب الجسدي والنفسي الممنهج، الاحتجاز في ظروف قاسية وغير إنسانية، الحرمان من الزيارات تحت ذرائع أمنية واهية، الاعتقال الإداري دون تهمة أو محاكمة، العزل الانفرادي الطويل، الإهمال الطبي المتعمّد، الاقتحامات الوحشية لغرف الأسرى، التفتيش العاري المُذل، ورشّهم بالغاز على يد وحدات القمع الخاصة، وصولاً الى جرائم قتل الاسرى الفلسطينيين داخل السجون الإسرائيلية.
كما تُمعن دولة الاحتلال في شرعنة هذه الجرائم عبر منظومة تشريعية عنصرية، تُكرّس القمع وتُضفي عليه طابعًا قانونيًا زائفًا، وفي مقدمة هذه القوانين قانون "إعدام الأسرى"، الذي يُشكّل سابقة خطيرة في تاريخ القوانين الحديثة، ويُجسد ذروة السقوط الأخلاقي والإنساني للاحتلال.
وتؤكد مؤسسات حقوق الأنسان المحلية والدولية في يوم الأسير من كل عام، وفي كل يوم، وعلى نطاق واسع، على ضرورة التصدي للممارسات الإسرائيلية اللاإنسانية المنفذة بشكل منهجي بحق الأسرى الفلسطينيين، وتنادي بضرورة إلزام إسرائيل على احترام الاتفاقيات الدولية التي تكفل للمعتقلين التمتع بحقوقهم.
وتشير إحصاءات الهيئات والمؤسسات الرسمية الفلسطينية التي تعنى بشؤون الأسرى إلى اقدام سلطات الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1948 على اعتقال نحو مليون فلسطيني، من بينهم الآلاف من الأطفال والنساء وكبار السن.
ومن الجدير بالذكر بأنه تصاعدت حالات الاعتقال بصورة مهولة وغير مسبوقة إبان العدوان الإسرائيلي على غزة والضفة الغربية الذي بدأ في شهر تشرين الأول من العام 2023، إذ بلغت حالات الاعتقال في الضّفة منذ حرب الإبادة ولغاية بدايات شهر نيسان من العام 2025، نحو 16400 حالة اعتقال من الفئات كافة، من بينهم (510) من النساء، ونحو (1300) طفل، هذا المعطى لا يشمل حالات الاعتقال في غزة والتي تقدر بالآلاف. بالإضافة الى سقوط العشرات من أبناء الحركة الاسيرة الفلسطينية شهداء داخل المعتقلات الإسرائيلية. وتؤكّد المؤسسات التي تُعنى في الاسرى أنّ مستوى عمليات الاعتقال بهذه النسب لم نشهدها على مدار عقود طويلة، حتى في أوج الانتفاضات الشعبية، وقد ساهمت المحاكم العسكرية بشكل أكبر منذ بدء الإبادة في ترسيخ هذه الجريمة، عبر جلسات المحاكم الشكلية المستمرة منذ عقود.
كما وتدعوا هيئة شؤون الأسرى والمحررين، ونادي الأسير الفلسطيني، العالم والمؤسسات الحقوقية الدولية "للضغط على الجيش الإسرائيلي للكشف عن مصير المعتقلين الفلسطينيين ولا سيما معتقلين غزة ووقف جريمة الإخفاء القسري بحقهم"، مشيرة إلى أن "الإخفاء القسري هو جريمة تشكل مخالفة صارخة للقانون الدولي". كما ودعت الى ضرورة التدخل من قبل كل الجهات المعنية لوقف الجريمة والتنكيل والترويع والرعب الذي يحيط بالأسرى الفلسطينيين داخل السجون الإسرائيلية.
فإن يوم الأسير الفلسطيني ليس مجرد مناسبة عابرة، بل هو نداء صادق وحر، وتجسيد لروح الشعب الفلسطيني العنيدة، التي لا تنكسر ولا تُساوم على كرامتها وحقها في الحرية، إنه يوم يُعبّر فيه الفلسطينيون عن التزامهم الثابت والمبدئي تجاه من نذروا حياتهم في سبيل الحرية، وهو دعوة للعالم بأن يقف في صف الحق والعدالة، لا في صف الجلاد.