عبد الحميد شومان

ولد عبد الحميد شومان، مؤسس البنك العربي، في قرية بيت حنينا في فلسطين عام 1890، وشاءت الأقدار أن يعاصر واحدة من أكثر المراحل خطورة في التاريخ الحديث والتي شهد العالم فيها تحولات جسيمة.

فظلّ يؤرقه هاجس كأنه حدس بما يهدد المنطقة، أوصله إلى اقتناع بوجوب دعم الحق بالقوة التي لا تتأتى في عصر تصارع المصالح إلا من خلال بناء اقتصاد متين.

عقد عبد الحميد شومان العزم على السفر إلى بلاد المهجر بحثاً عن تحقيق ما يراوده من طموحات، فغادر إلى الولايات المتحدة بحراً عام 1911.

وما إن وصل هناك حتى راح يصل الليل بالنهار في عمل دؤوب، وتمكّن في وقت قصير من تحقيق النجاح تلو النجاح، إلى أن أصبح لديه مصنع يحمل اسمه في مدينة نيويورك للألبسة الجاهزة يدر عليه ربحاً وفيراً.

بدأت الفكرة تتشكل لدى عبد الحميد شومان، مدفوعاً بحسه الوطني الصادق، بإنشاء بنك بمساهمة عربية مشتركة يلتزم بتنمية الاقتصاديات العربية، ويشكل نواة لعمل عربي مشترك يسهم في دعم تلك الاقتصاديات الناشئة وتنميتها، وذلك إيماناً منه بالدور الذي تقوم به المصارف في حياة الشعوب واقتصاديات بلدانها، فسارع، بعد أول عودة له إلى الوطن بعد 18 عاماً في المهجر، إلى مقابلة رئيس مجلس إدارة بنك مصر، طلعت باشا حرب في القاهرة، ليطرح عليه فكرة تأسيس بنك مصري فلسطيني مشترك.

إلا أن ظروفاً معينة حالت دون تحقيق ذلك المشروع.

وفي عام 1930 نجح عبد الحميد شومان في تأسيس البنك العربي، واهتمّ بفتح فروع للبنك في العواصم العربية ليكون البنك، كما أراده، بنكاً لكل العرب.

وظلّ يتابع الأحداث السياسية فجذبه المد القومي العربي، وتحمس للوحدة بين سوريا ومصر، ووقف مع حركات التحرر الوطني العربي.

وظلّ مسكوناً بالهاجس القومي منذ البداية، حيث قال: "لما عزمت على تأسيس هذا البنك، لم أشأ أن أطلق عليه اسمي أو اسم قريتي بيت حنينا أو بلدي فلسطين، بل اسم الأمة العربية ووطني الكبير: فسميته "البنك العربي".

وبفضل إخلاصه وتفانيه والمبادئ التي أرساها للبنك العربي أصبح هذا البنك من أكبر المؤسسات المصرفية ذات الامتداد العربي والعالمي. وظلّ عبد الحميد شومان يواكب رقي البنك إلى أن توفاه الله في عام 1974، ووري جثمانه الثرى في المسجد الأقصى في القدس.

وتسلّم الراية من بعده أكبر أولاده عبد المجيد شومان، ليواصل السير على الدرب الذي رسمه والده، فكانت له بصماته الواضحة في الحفاظ على هذا الصرح الاقتصادي الكبير، وخصّص كل وقته وطاقاته في سبيل رفعته واستمرار ازدهاره.

أصبح بفضل ذلك من الشخصيات الاقتصادية البارزة والمهمة، ومن الرموز البارزة في القطاع المصرفي في الوطن العربي. وآمن بأهمية دعم العلم وتمويله ورعاية العلماء وتشجيعهم، ورعاية الإبداع الإنساني العربي. ومن هنا راودته فكرة تأسيس مؤسسة عبد الحميد شومان التي أنشئت عام 1978، فالتقى ذلك التوجه والإيمان مع الحلم الكبير لعبد الحميد شومان وحسه القومي برفعة الأمة العربية وما يجب أن تبلغ من مكانة في مدارج العلم والتقدم.