وُلد الدكتور زكريا عبد الرحمن الآغا في مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة عام 1942، في بيت وطني حمل قيم النضال والمسؤولية. نشأ في بيئة فلسطينية مثقلة بالاحتلال والتهجير، وهو ما شكّل وعيه المبكر بقضايا وطنه. بعد اجتيازه مراحل التعليم الأساسي والثانوي في قطاع غزة، التحق بجامعة القاهرة، حيث نال درجة البكالوريوس في الطب عام 1965، ثم تابع تخصصه العالي في الأمراض الباطنية، وأنهاه عام 1971، ليعود إلى أرض الوطن طبيبًا ومناضلًا في آن.
مارس الدكتور الآغا مهنة الطب في مستشفى ناصر بمدينة خان يونس، وتدرّج في المناصب إلى أن تولّى رئاسة قسم الأمراض الباطنية حتى عام 1987، حيث أقدمت سلطات الاحتلال الإسرائيلي على فصله أمنيًا في إطار سياسة ممنهجة لاستهداف الكفاءات الوطنية. رغم ذلك، واصل رسالته المهنية في مستشفى الأهلي العربي بغزة حيث ترأس قسم الأمراض الباطنية من عام 1989 حتى 1993، مؤكداً من جديد التزامه الطبي والإنساني تجاه أبناء شعبه.
على الصعيد الوطني والسياسي، كان للدكتور زكريا الآغا حضور مبكر وفاعل في حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح"، حيث كان من أوائل كوادرها في قطاع غزة. تم انتخابه عضوًا في اللجنة المركزية لحركة فتح خلال مؤتمرها العام الخامس عام 1989، وظل أحد ركائز القيادة التنظيمية للحركة لسنوات طويلة. كما شغل موقع المفوض العام للتعبئة والتنظيم في قطاع غزة حتى عام 2016، وكان بذلك أعلى سلطة تنظيمية في الحركة داخل القطاع.
إلى جانب دوره التنظيمي، انتُخب الدكتور الآغا عضوًا في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، حيث أوكلت إليه رئاسة دائرة شؤون اللاجئين، وهي واحدة من أكثر الدوائر حساسية، نظرًا لارتباطها بحق العودة والسياسات الدولية. مثّل منظمة التحرير في مؤتمرات عدة، وكان له دور محوري في الدفاع عن حقوق اللاجئين الفلسطينيين في الوطن والشتات، وفي إدارة العلاقة مع وكالة الأونروا.
في عام 1994، ومع تشكيل أول حكومة للسلطة الوطنية الفلسطينية، عُيِّن الدكتور الآغا وزيرًا للإسكان، فساهم في وضع اللبنات الأولى لقطاع الإسكان والتخطيط المدني في مرحلة ما بعد اتفاق أوسلو، في ظروف سياسية وإدارية بالغة التعقيد.
وفي المجال الأكاديمي، كان له إسهام بارز حيث عيّنه الرئيس الراحل ياسر عرفات رئيسًا لمجلس أمناء جامعة الأزهر في غزة، تأكيدًا على ثقة القيادة الفلسطينية بمكانته العلمية والوطنية. كما ترأس وشارك في عضوية مجالس إدارة العديد من المؤسسات الطبية والإنسانية والاجتماعية، وكان له دور فاعل في دعم البنية المؤسسية للمجتمع المدني الفلسطيني.
وفي يونيو/حزيران 2007، كلّفه الرئيس محمود عباس برئاسة اللجنة القيادية العليا لحركة "فتح" في قطاع غزة، لمتابعة النشاط السياسي والتنظيمي للحركة في ظل الانقسام الداخلي والظروف المعقدة التي عاشها القطاع. كذلك، تولّى رئاسة هيئة العمل الوطني في غزة، التي مثّلت إطارًا جامعًا للفصائل الوطنية، وكان صوتًا حكيمًا ورصينًا في أروقة العمل السياسي الفلسطيني.
على مدار مسيرته التي امتدت لأكثر من نصف قرن، جسّد الدكتور زكريا الآغا نموذج القائد الوطني والطبيب الإنسان، الذي جمع بين الالتزام المهني والوفاء الوطني. كان صوته عاقلاً في زمن التجاذبات، وظل حتى لحظاته الأخيرة مدافعًا شرسًا عن وحدة الشعب والقضية.
توفي الدكتور الآغا يوم الاثنين، الموافق 12 أيار/مايو 2025، في العاصمة المصرية القاهرة، بعد حياة نضالية وكفاحية زاخرة بالعطاء.
نعاه سيادة الرئيس محمود عباس، وأثنى على مناقب المناضل الوطني الكبير، الذي أفنى حياته في الدفاع عن حقوق شعبنا والنضال من أجل الحرية والاستقلال.