ابراهيم عياد

ولد الأب إبراهيم الياس إبراهيم جبر عياد في بلدة بيت ساحور بتاريخ 7/9/1910. ودعي اسمه ابراهيم على اسم جده الشيخ، واما في العماد فاطلق عليه اسم حنا.

منذ طفولته كان ابراهيم يتردد على الكنيسة في الاحاد والاعياد ويشارك في التراتيل. وكان يمتلك صوتا جميلا، ويشارك في القداس الالهي اليومي كما يشهد على ذلك كاهن رعيته الاب الفونسو الوانسو. ومن هنا زرعت في ذهنه فكرة الكهنوت ومحبة الكنيسة.

ترعرع إبراهيم في ظل الحرب العالمية الأولى، في وقت انتشر فيه الفقر والبؤس واشتد الجوع والظلم وسوء المعاملة في العهد العثماني، وعاصر الانتداب البريطاني. كان والده يعمل في أشغال التحف الصدفية، اما هو فعمل كعامل مساعد في البناء في دير مار يوسف للسريان الكاثوليك في بيت لحم لكي يساهم في اعانة اهله ماديا

وفي عام 1928 دخل إبراهيم المعهد الاكليريكي على عمر الثامنة عشر بتشجيع من كاهن الرعية ووالدته بالرغم من معارضة والده، فثابر على الدروس بجد واجتهاد ورغبة وتفوق في دروسه، خاصة في اللغة العربية واللاتينية والايطالية. وكان شغوفا بالمعرفة وبشكل خاص مطالعة كتب الأدباء المشهورين من أمثال طه حسين ومصطفى لطفي المنفلوطي، كما بدأ في أولى محاولاته في كتابة المقالات الوطنية المناهضة للصهيونية والتي نشرها في مجلة" رقيب صهيون" لسان حال البطريركية اللاتينية في القدس.

في عام 1933 قبل الرتبة الاولى وهي ارتداء الثوب ودرس اللاهوت وكان من المتفوقين في الحق القانوني والمواد اللاهوتية. وعيّنه البطريرك لويس برلسينا مديرا لتحرير مجلة "رقيب صهيون" وكان لا يزل شماسا رسائليا، فنهج في تحرير المجلة نهجا وطنيا إلى جانب تركيزه على نشر الموضوعات الدينية واللاهوتية وأخبار الكنيسة. وامتاز بكتابة المقالات الوطنية ضد المخططات البريطانية والصهيونية خاصة فيما يتعلق بالهجرة اليهودية والاستيلاء على الأراضي، سائرا على خطى ابيه الروحي البطريرك برلسينا الذي كان نصيرا للشعب الفلسطيني ولقضيته العادلة.

وفي عام 1937 انهى دراسته في اللاهوت . وسيم كاهنا في 27/6/1937 في كنيسة "كنيسة نياحة العذراء" على يد المطران فرنسيس فيلنجر النائب البطريركي العام. واحتفل في القداس الاول في مغارة المهد في 28/6/1937 .
 
خدم الاب ابراهيم في عدد رعايا الابرشية البطريركية اللاتينية في فلسطين. فعاش مع الناس واستمع لهمومهم واخذ بيدهم في دروب الحياة الفلسطينية الصعبة. فخدم الناس جميعا من غير تمييز انطلاقا من محبته المسيحية التي لا تعرف حدودا، لا دينية ولا طائفية ولا عرقية.

في حزيران 1940 عيّن كاهنا لرعية في رام الله بدل الاب يعقوب بلترتي (الذي اصبح بطريركا فيما بعد)، فكان همه ان يزور المرضى، وخاصة المسنين او المشرفين على الموت وكان يشعر ان النواحي الاجتماعية والانسانية والوطنية هي أيضا من صميم مهامه كرجل دين ومسؤول عن الرعية الى جانب مهامه الكهنوتية والدينية والروحية.

أسس الكلية الأهلية كمدرسة ثانوية تراعي المشاعر العربية والتطلعات الوطنية وكثاني مدرسة ثانوية في رام الله بعد مدرسة الفرندز. بالإضافة الى ادارة المدرسة كان يقيم ندوات ومحاضرات للكبار وكان يحب الاختلاط بالناس والاستماع الى همومهم ومشاكلهم ويشاركهم في مناسباتهم المختلفة، وأسس، أيضا مجموعة الكشفية لرعية اللاتين وربط علاقة مع المجموعة الكشفية الأرثوذكسية.

في 3/12/1945 استلم إبراهيم عياد منصب رئيس المحكمة الكنسية اللاتينية في القدس، وتوخى العدل والاستقامة وسرعة البتّ في القضايا.

بعد تبرئته من تهمة اغتيال الملك عبد الله بتاريخ 20/7/1951 تمّ تعيين الاب ابراهيم كاهنا في قبرص في دير تابع للفرنسيسكان يقوم بواجبات دينية بين نيقوسيا ولارنكا لمدة 48 يوما ثم انتقل للعمل في بيروت.
 
بعد عمله في بيروت عاد الى القدس بقرار من رئيس الوزراء وصفي التل فيعينه البطريرك كاهنا للرعية في عابود فاخذ يقوم بخدمات لمساعدة الفقراء في القرى ومد يد العون والمساعدة للمحتاجين ولكن بناء على طلب محافظ منطقة القدس وضغط السلطات الأردنية على البطريرك البرتو غوري قام بتعيينه كاهنا للرعية في مدينة الكرك. لكنه لم يبق فيها سوى 24 ساعة لأنه سمع من يقول " هذا هو الخوري الذي قتل سيدنا". (في إشارة إلى التهمة التي ألصقت به باغتيال الملك عبد الله الأول في مدينة القدس).

وعليه طلب منه البطريرك العودة الى بيروت عام 1957 أسس "جوقة مريم العذراء" في دير مار فرنسيس للكبوشيين في راس بيروت. واصبح في الوقت نفسه رئيسا للمحكمة الكنيسية اللاتينية في لبنان بناء على طلب المطران اللاتيني في لبنان.

عمل رئيس تحرير مجلة "رقيب صهوين" لسان حال البطريركية . وفي الوقت نفسه درس القانون في معهد الحقوق الحكومي في القدس الواقع في حي المصرارة القريب من مبنى البطريركية تلبية على طلب البطريرك براسينا. واجتاز الامتحانات في خمس عشرة مادة ونال شهادة الحقوق. كان رئيسا للمحكمة الكنسية اللاتينية في اولا في القدس ثم في بيروت.

كان له دورٌ كبيرٌ في شراء اراضي تياسير الواقعة في منطقة جنين الى الشمال الشرقي من طوباس. ويبلغ مساحتها 22 الف دونم. فعلى طلب الحاج أمين الحسيني مفتي فلسطين ورئيس اللجنة العربية العليا شجع البطريركية اللاتينية بشراء الارض بمبلغ مقداره سبعة آلاف جنية استرليني حتى لا تتسرب الى ايدي اليهود الذيم كانوا يحاولون شراءها.

في عام 1973 تمّ اعتماده كمستشار منظمة التحرير الفلسطينية للعلاقة مع الفاتيكان. وكان للاب عيّاد اثر ملموس في تبنّي الفاتيكان لمناصرة حقوق الشعب الفلسطيني لاتصاله مع كبار المسؤولين في الفاتيكان.

وفي عام 1974 غادر الى تونس ليكون المفوض الفلسطيني العام لدول أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي والتي تضم 21 دولة. فقام برعاية شؤون المغتربين العرب وتعميق الروابط مع شعوب لدعم القضية الفلسطينية في كافة المحافل الدولية كما قام بتنظيم العديد من المؤتمرات الدولية خاصة في التشيلي والبرازيل للقضية الفلسطينية. وفي هذا العام انتزعت منظمة التحرير الفلسطيني الاعتراف الرسمي بها من قرابة 140 دولة عضوا في الام المتحدة. وضرب في هذه السنة أروع الأمثلة في التآخي الإسلامي المسيحي، حين قاد حملة لبناء جامع في مدينة فالنسيا في فنزويلا، ووضع حجر الأساس له.

وفي عام 1978 اتخذ اقامته في باريس ثم الى تونس مرة اخرى 1980 ومنها الى بيروت حتى عام 1984 ومنها الى عمان في دير المصدار. واحتفل الأب عيّاد بيوبيله الذهبي لرسامته الكهنوتية في حزيران 1987.

وفي عام 1996 عاد في موكب العائدين اثر اتفاق أوسلو ليستقر في المعهد الاكليريكي في بيت جالا.

شارك الاب عياد في السينودس الابرشي الذي استمر من عام 1997 وحتى 2000 كما شارك في المؤتمر الذي انعقد في بيت لحم ما بين 8-12/2/2000.

الى جانب مهامه كرجل دين وقانون كان رجل سياسي. فكان احد الاعضاء الناشطين في اللجنة القومية بالقدس عام 1936. اتخذ له شعاراً من الكتاب المقدس " دافع عن الحق والرب الاله يدافع عنك". لان المسيحي في رؤيته هو جزء من مجتمعه، كما انه جزء من آلام وآمال كل انسان. اراد ان يكون فلسطينيا مستقلا يعمل لأجل فلسطين ولشعب فلسطين دون أي قيود حزبية او تنظيمية.

وكان الاب إبراهيم من المؤيدين لانعقاد مؤتمر عروبة القدس الذي عقد في قاعة المتحف الفلسطيني في القدس برئاسة كميل شمعون، سفير لبنان في الأمم المتحدة آنذاك، وذلك للرد على المحاولات اليهودية للفتنة بين المسلمين والمسيحيين في القدس خاصة وفي فلسطين عامة. وفيه القى الاب ابراهيم كلمة الطوائف المسيحية.
ونتيجة لهذا لمؤتمر شكل وفد باسم "وفد عروبة القدس" للتأكيد على عروبة القدس ووحدتها وضرورة الدفاع عنها عربياً وتأكيد حق اهالي القدس في تقرير مصيرهم ودعوة رؤساء الاديان التمسك بهذا المبدأ والدفاع عنه. وكان الاب ابراهيم احد اعضائه.

وعلى اثر اغتيال الملك عبد الله بن الحسين بتاريخ 20/7/1951 تمّ اتهامه بهذه القضية واعتقاله قرابة اسبوعين لعدم اتفاقه مع آراء الملك عبد الله السياسية وعلاقته الشخصية مع المفتي الحاج أمين الحسيني والدكتور موسى الحسيني الذي تمت إدانته وإعدامه. وقد اعلنت المحكمة براءته. وهذا الموقف السياسي كلفه خمسة وثلاثين عاما قضاها في الغربة والتشرد والحرمان.

وقد تولى الأب عياد في حياته العديد من المناصب والمهام الدينية والوطنية الرفيعة وأهمها:

عضو في بلدية القدس واللجنة القومية فيها، رئيس للجنة الفلسطينية للمنظمات غير الحكومية في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، مستشارا لرئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية الرئيس الراحل ياسر عرفات، مستشار في العلاقة السلطة الفلسطينية مع الفاتيكان.  ولعب دوراً حاسماً في إقناع الفاتيكان بأن يكون المطران في فلسطين فلسطينياً، عضو في كل من المجلس الوطني الفلسطيني والمجلس المركزي.

ترك للأجيال صفحات خالدة في النضال الوطني والتضحية والخدمة الإنسانية والدينية ، فاستحق لقب "فارس الكنيسة والوطن" مما سيبقيه خالدا في ذاكرة الكنيسة والشعب والوطن والأجيال القادمة.

وفي 12/12/1998 منح الرئيس التشيلي ادوارد وفري الأب إبراهيم عياد "وسام هيجنس" والذي يعتبر من ارفع اوسمة الشرف في التشيلي تقديرا لنضاله من أجل تحرير بلاده ولدوره الكبير تعزيز علاقات الصداقة بين الشعبين التشيلي والفلسطيني.

وانتقل إلى رحمته تعالى في المستشفى الفرنسي في القدس بعد ظهر يوم السبت 8 كانون الثاني/يناير 2005 ودفن في جوار كنيسة سيدة الرعاة في بيت ساحور.

وقد منحه الرئيس محمود عباس في 1 أيار 2018، وسام الاستحقاق والتميز الذهبي، تقديراً لعطائه ودوره الريادي والتزامه الوطني المتميز، وتثميناً عالياً لسيرته ومسيرته النضالية المشرفة في الدفاع عن وطنه فلسطين أرضاً وشعباً وقضية عادلة.