روحي حمدي عباس الخماش

ولد الفنان والمؤلف والملحن الموسيقي روحي الخماش في مدينة نابلس سنة 1923، وتعلم في مدرسة الخالدية الابتدائية، ثم في مدرسة النجاح التي تخرج منها.  بدأ حياته الفنية في سن مبكرة، وظهر ولعه بالموسيقى منذ أيامه الأولى حيث تعلم العزف على العود وغناء الأدوار والموشحات، وهو في سن السابعة؛ شجعه والده على دراسة الموسيقى؛ فاشترى له عودًا صغيرًا ليتمرن عليه؛ ولفت ذلك أنظار أحد أقاربه وهو أحمد عبد الواحد الخماش (الموسيقي الذي تخرج من معهد للموسيقى في تركيا)؛ فاهتم به.



وفي عام 1932، عندما أقيم المعرض العربي الفني في مدينة القدس، كانت فرصة روحي الأولى للغناء أمام الفنان سامي الشوا، الذي كان مشاركًا في المعرض بفرقته؛ فأعجب بصوته، وشجعه على الاستمرار وتنبأ له بمستقبل واعد.



وحين زار الفنان محمد عبد الوهاب فلسطين، استمع إلى غناء الطفل روحي وعزفه؛ فقدم له هدية؛ تعبيراً عن إعجابه بموهبته.



وفي عام 1933 كان لقاؤه الأول مع  أم كلثوم، عندما قدمت إلى يافا لإحياء حفله في مسرح أبو شاكوش واستمعت وقتها أم كلثوم إلى روحي الصغير عندما غنى لها مونولوج "سكت والدمع تكلم" من ألحان القصبجي؛ فأثار ذلك الغناء أم كلثوم وجعلها تكيل المديح لهذه القدرة المتنامية.



في سنة 1935 استضافه الملك غازي في العراق لمدة ستة أشهر، قدم فيها العديد من الأعمال الغنائية التي أدهشت الملك فأهداه ساعته الخاصة تعبيرًا عن إعجابه بهذه الموهبة؛ كما قدم فيها العديد من الحفلات لطلاب المدارس.



في عام 1937 أرسل روحي في بعثه للدراسة في معهد فؤاد الأول للموسيقى العربية في القاهرة، وتخرج منه بتقدير "ممتاز" سنة 1939؛ إذ اختبرته لجنة مؤلفة من الشيخ درويش الحريري وصفر بك علي والدكتور محمود أحمد الحفني والأستاذ كوسناس وفؤاد الاسكندراني مدرس الأدوار؛ فأدهشهم بغنائه لدور “حبيب القلب” لمحمد عبد الوهاب.



وبعد إكماله الدراسة في المعهد وتفوقه الواضح، أتيحت له فرصة الدراسة في إيطاليا؛ لكن تداعيات الحرب العالمية الثانية لم تسمح له بقطف ثمار هذه التجربة؛ فعاد إلى القدس ليصبح رئيسًا للفرقة الموسيقية الحديثة في إذاعة فلسطين، (وكان أصغر العاملين فيها)، وعمل فنانًا ومنتجًا ومقدمًا للبرامج الغنائية؛ واستمر في العمل حتى عام 1948م.



وصل بغداد مع عائلته في تموز 1948؛ فعانقته كما أحبها لينهل منها المزيد من العلم ويكتب فيها إبداعاته الموسيقية التي جعلته يبدو في نظر أبنائها وكأنه عاد إلى حضن افتقده؛ وتعرف على كبار المبدعين العراقيين مثل: محمد القبنجي وعازف العود الكبير جميل بشير؛ كما التقى في بغداد مصادفة بأستاذه عازف الناي السوري المشهور (علي الدرويش)؛ وأسس معه عام 1948 فرقة الموشحات الأولى وأشرف على الفرقة؛ فقام بإعادة تنظيمها وإضافة العازفين الجدد لها؛ ما هيأها للعب دور آخر مختلف عن الدور التقليدي في أدائها الآلي؛ فبدأت رحلته نحو صياغة جديدة لموسيقى تنزع عن ملامحها ثوبها التقليدي في محاكاة واعية للمنجز الحديث.



أسس الخماش فرقة موسيقية أطلق عليها اسم "خماسي بغداد"، وأصبحت تُعرف لاحقاً باسم "خماسي الفنون الجميلة"، وسجل معها الكثير من الألحان العراقية.  وتوالى نشاط الخماش إلى ان أسس فرقة الموشحات العراقية، فقدم من خلالها العديد من الألحان التي وضعته في مصاف كبار الموسيقيين العرب، في العام 1953 أصبح مدرسًا في معهد الفنون، فاختلف في طريقة تدريس العود حول طبيعة الأوتار واستخدام الريشة.



أسس في العام 1961 فرقة أبناء دجلة الإنشادية من خريجي معهد الفنون.  وفي العام 1971 ساهم بجهد استثنائي في تأسيس فرقة "خماسي الفنون الجميلة."



وقد مثل تأسيسه لفرقة الموشحات العراقية في بداية السبعينيات الحدث الأكثر أهمية في حياته؛ فكان له دور محوري في إنشاء ذائقة جديدة للمتلقي العراقي.  وقد أتيحت لفرقة الموشحات أن تمثل العراق في الخارج؛ فحصدت الجوائز، وكانت الرقم الصعب في كل المهرجانات.



لقد لحن روحي الخماش العشرات من الموشحات والقصائد الدينية والأغاني الوطنية وبعض المؤلفات الآلية كالسماعي واللونكا.  ومن أهم أعماله: موشح "أجفوة أم دلال"، وموشح "حبيبي عاد لي"، وموشح "يا أهيف القد"، وموشح "ياهلالا"، الذي كان قمة لحنية من حيث البناء الموسيقي، استطاع الخماش فيه أن يعبر عن تطلعات الفنان في إرساء نظام صوتي لا يكون عبئًا على اللغة التي يستمد إنشاءه من بنيتها الدلالية.  ومن إضافاته المهمة للموشح استخدامه بعض الأجزاء اللحنية من المقام العراقي؛ وتحديداً في مقطع “أي ذنب” من موشح “يا حبيب الروح”.



أما ابتهالاته الدينية، فهي أقرب إليه من سواها؛ فقد لحن ابتهال “لبيك قد لبيت لك”، وابتهال “فالق الإصباح”،  وابتهال “يا إله الكون” الذي تعود الصائم العراقي على استحضاره؛ حيث أصبح جزءًا لا يتجزأ من فلكلور الصوم العراقي؛ ما يؤكد قدرة روحي الخماش على إنشاء نوع من التواصل الحسي عبر اللحن.



ومن أعماله الوطنية: أنه لحن نشيد "الوحدة الكبرى"؛ ونشيد "وطن واحد"؛ ونشيد "عيد الأم"؛ كما لحن أنشودة "بغداد".



أما القطع الموسيقية التي أنجزها فهي: "شم النسيم" و”ضفاف دجلة” و”أمل جديد” و”أفراح الشباب” و”خيال” و”مناجاة”؛ أما سماعي نهاوند الذي قال عنه الفنان سالم عبد الكريم: إنه قد تم تأليفه أثناء محاضرة كان يلقيها الخماش على طلبته؛ وإنه بلغ في صياغته القمة من ناحية النسيج اللحني والتعبير عن المكونات العميقة للذات الإنسانية.



وثمة إنجاز كبير يسجل للفنان روحي الخماش، وهو إضافته الوتر السابع للعود، بعد أن أضاف الفنان الكبير فريد الأطرش الوتر السادس، وبذلك كما يقول الموسيقيون أعطى صوت "فا" أي جواب الجواب، لتكتمل أصوات العود في مراحلها الثلاث القرار والجواب وجواب الجواب.



تتسم الأعمال التي قدمها روحي الخماش بكونها ذات طابع كلاسيكي؛ ولكنه منفتح على نوع من الحداثة؛ فالنسيج اللحني في أعماله الفنية يتضمن نوعًا من التأكيد على أهمية العنصر التطريبي؛ ولكن التعبيرية ليست غائبة في ثنايا أعماله؛ إنها تبرز أحيانا من أعماق البنية اللحنية التي تقدم نفسها مكتنزة بإلهامات الذات الباحثة عن إضاءة جمالية لهواجسنا وانفعالاتنا.



قال عنه الملحن الكبير زكريا أحمد: اشعر عند سماع صوته بنشوة طرب أحسست عندها بأنه سيكون له شأن عظيم في علم التلحين.



أما منير بشير فقال: أنا مطمئن على الموسيقى في العراق لوجود المعلم الكبير روحي الخماش.



أما حبيب ظاهر العباس “أحد تلامذة روحي الخماش المميزين” فقد ترجم إعجابه بأستاذه الكبير في دراسة منهجية مهمة استطاع من خلالها أن يحفظ كل تراث هذا الرجل المبدع ويدرسه بموضوعية.



إن روحي الخماش كمحمود درويش وجبرا إبراهيم جبرا؛ من الموتى الذين لم يموتوا على قارعة النسيان، ولهذا احتفظوا بخلود طازج على مائدة الأبدية.



لقد كان الخماش حجة في الموسيقى الشرقية، ومرجعاً موثوقاً ورصيناً من مراجعها، وذاكرة حافظة للكثير من جليل أعمالها، وكان لا يبخل على أحد بعلمه وفنه، ويشهد له جميع زملائه وتلاميذه بقوة تأثيره في الموسيقى العراقية، حتى ألف عنه مدير معهد الدراسات النغمية، ظاهر حبيب العباس، كتاباً عنوانه " الموسيقار روحي الخماش وتأثيره في الموسيقى العراقية.



توفى روحي الأستاذ والملحن المبدع في الأول من أيلول عام 1998 ودفن في مقبرة الكرخ قرب بغداد.