إبراهيم محمد صالح "أبو عرب"، شاعر ومنشد الثورة الفلسطينية الكبرى، ولد في قرية الشجرة قضاء طبريا في 6 نيسان عام 1931م؛ درس في مدرسة الشجرة حتى عام 1942، ثم في مدرسة لوبيا المجاورة حتى عام 1944، ثم في طبريا حتى عام 1945.
كان في طفولته يواظب على حضور الأعراس في الشجرة، وكان مولعًا بالغناء منذ صغره، وخاصة الغناء الشعبي الفلسطيني؛ ورث أبو عرب موهبة الشعر عن جده (الشاعر الشيخ علي الأحمد) الذي يعد من فحول شعراء فلسطين وعمه الشاعر الشعبي محمود الصالح.
عاصر أبو عرب الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936، وشهد الحرب على وطنه فلسطين عام 1948 ومعركة الشجرة الأولى 6/5/1948، التي جرح فيها والده (محمد الصالح في ذراعه)؛ ونزح مع الأهل إلى قرية كفر كنا قضاء الناصرة. وفي كفر كنا استشهد والده متأثراً بجروحه بعد حوالي خمسة شهور تقريباً من معركة الشجرة؛ ثم توجه أبو عرب وأسرته مروراً بسهل البطوف إلى قرية عرابة البطوف قضاء عكا، حتى كثرت الأقاويل حول احتلال اليهود لشمال فلسطين؛ عندها قررت أسرة أبو عرب النزوح شمالاً إلى لبنان.
في "بنت جبيل" مكثت أسرة أبو عرب تحت شجيرات التين، ثمّ انتقلت إلى مخيم عين الحلوة بصيدا، حيث مكثت قرابة ثلاثة أشهر، ثمّ انتقلت إلى سوريا، حيث استقر بها المطاف أخيراً في مخيم العائدين بحمص.
في ذلك المخيم بدأت روح الفنان تتحرك في أعماق أبو عرب؛ ففي حوالي عام 1955 بدأ أبو عرب بغناء العتابا والميجانا والدلعونا وظريف الطول في الأعراس، حتى اشتهر على مستوى المخيم، ثم بدأ بكتابة أشعار شعبية خاصة به، تحمل المعاني الوطنية والثورية والحنين إلى فلسطين.
وفي عامي 1959-1960 دعاه الأستاذ فؤاد ياسين (سلايمة) (مدير ركن فلسطين في إذاعة صوت العرب بالقاهرة) إلى تقديم الشعر الشعبي الفلسطيني في برنامج اسمه "أهازيج ومكاتيب" مع شعراء فلسطينيين كبار من أمثال: الحاج فرحان سلام، ومصطفى البدوي "أبو سعيد الحطيني"، وعبد الله نفاع، وغيرهم.
وفي عام 1964، ومع انطلاقة الثورة الفلسطينية، قام أبو عرب بكتابة وتلحين مجموعة من الأشعار الشعبية الفلسطينية ذات الطابع الوطني والثوري بنفسه، وأصدر عدداً من الأشرطة التسجيلية (الكاسيتات) انتشرت في المخيمات الفلسطينية؛ وكما كان جده الشيخ علي الأحمد شاعر الثورة الفلسطينية عام 1936 أصبح أبو عرب بحق شاعر الثورة الفلسطينية عام 1964.
وفي عام 1978 انتقل أبو عرب إلى لبنان مع المقاومة الفلسطينية، وأصبح مسؤولاً عن ركن الغناء الشعبي في «إذاعة صوت فلسطين.. صوت الثورة الفلسطينية» بالفاكهاني؛ وبدأ بتقديم برنامج إذاعي، هو الأشهر في تاريخ الثورة الفلسطينية (غنّى الحادي)، في 104 حلقات يصحبه الشاعر يوسف حسون «أبو علاء» من قرية شعب قضاء عكا.
وفي عام 1980م أسس «فرقة فلسطين للتراث الشعبي» من 14 عازفاً، وقام بتأليف وتلحين وأداء الأغاني الشعبية الفلسطينية ذات الطابع الوطني والثوري حتى بلغت حوالي 300 أغنية و28 شريط كاسيت. وكانت هذه الفرقة آنذاك هي الفرقة الوحيدة التي تقدم الأغاني الشعبية الوطنية للمقاتلين في مواقعهم العسكرية وفي مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان.
وفي عام 1982 حدث الاجتياح الإسرائيلي للبنان، واستشهد ابنه معن الصالح في معركة غير متكافئة بعين عطا مع رفاقه (أدهم سلايمة، وسمير عبد الرحمن، وأحمد الزمار) في 9/6/1982؛ ولم يستطع أحد جلب جثثهم لأنهم كانوا وراء خطوط العدو؛ فرثاه والده الشاعر أبو عرب في قصيدة رائعة، وأطلق عليه منذ ذلك اليوم لقب (ابن الشهيد وأبو الشهيد). بقي أبو عرب وفرقته مع المقاتلين الفلسطينيين أثناء الحصار في بيروت إلى أن تم الاتفاق على خروجهم منها فقرر العودة إلى سوريا.
وفي عام 1987 استشهد الفنان ناجي العلي، وهو من أقارب أبو عرب من الشجرة؛ فتأثر الشاعر باستشهاده تأثراً بالغاً؛ حتى أنه غير اسم فرقته إلى «فرقة ناجي العلي» تخليداً لذكراه.
غنى أبو عرب لفلسطين وللشعب الفلسطيني؛ وكان بعيداً عن الحزبية، فرثى جميع الشهداء، مهما كان انتماؤهم السياسي من أمثال: أبو علي إياد، ماجد أبو شرار، أبو الوليد سعد صايل، أبو جهاد، طلعت يعقوب، أبو إياد صلاح خلف، فتحي الشقاقي، أبو علي مصطفى، أبو العباس، الشيخ أحمد ياسين، عبد العزيز الرنتيسي، والرئيس ياسر عرفات.
وذاعت شهرته على مستوى الوطن، وامتدت إلى دول عربية وأوروبية عديدة؛ حيث شارك في العديد من الفعاليات الشعبية والإعلامية الفلسطينية في الوطن العربي وخارجه وكان له ظهور كبير في الفضائيات والإذاعات العربية. وفي عام 2002 شارك في فيلم وثائقي بعنوان «العودة» تم عرضه في بعض الفضائيات العربية، وأصدر أبو عرب ديوان "حداء الثوار".
جمعته مسيرته بعدد كبير من الزعماء والقادة والمفكرين والكتاب والشعراء، بينهم: ياسر عرفات، وخليل الوزير، وصلاح خلف، وفاروق القدومي، وشفيق الحوت، وسعد صايل، وغسان كنفاني، وناجي العلي، ومظفر النواب، وجمال عبد الناصر، وجورج حبش، وأحمد فؤاد نجم، وأحمد مطر، ويوسف الخطيب، ونديم محمد، وعبد الرحمن الأبنودي، ورشاد أبو شاور.
ألف أبو عرب ولحّن وغنّى حوالي 300 أغنية وقصيدة على مر مسيرته الفنية، ومن أشهرها: "من سجن عكا، العيد، الشهيد، دلعونا، يا بلادي، يا موج البحر، هدي يا بحر هدي، يا ظريف الطول زور بلادنا، أغاني العتابا والمواويل".
وفي آخر أيامه من عام 2012 استطاع تحقيق حلمه بزيارة قرية الشجرة بعد غربة دامت 64 عاماً. وتوفي مساء يوم 2/3/2014 في مخيم حمص عن عمر يناهز (83 عامًا)؛ ونعاه الرئيس محمود عباس قائلاً: "أبو عرب رحل بعد مسيرة حافلة بالعطاء، كرّس خلالها جلّ حياته هاديًا وصوتًا للثورة الفلسطينية، وناطقًا بلسان الوجدان الشعبي الفلسطيني".