وُلِد الشيخ عبد القادر المظفّر بالقدس القديمة، سنة 1892 في بيت علمٍ وأدب، إذ كان والده يشغل منصب مفتي الحنفيّة بمدينة القدس، ويشرف على إدارة الوعظ والإرشاد في مختلف أنحاء البلاد، وكان معروفاً بالورع، مشهودٌ له بالتفوّق على أقرانه في الفقه ورواية الحديث، وقد عُنِيّ الشيخ المظفّر بتربية ابنه تربيةً دينيّة ونشئه تنشئةً وطنيّة – إذ كان يحفّظه بنفسه القرآن ويعلّمه تجويده، ويدرّسه كتب الفقه، ويروي له أشعار لحماسة، وأخبار الأبطال المكافحين.
توفي والد عبد القادر بينما كان صبياً في الخامسة عشر من عمره، وبعد ذلك بسنتين سافر إلى القاهرة حيث انتسب إلى رواق الشوام بالأزهر، وظل فيه حتّى نال الشهادة الأهليّة المؤقّتة سنة 1918م.
ثمّ عاد إثر انتهاء الحرب العظمى إلى فلسطين ليجد الحال فيها قد تبدّل من سيّء إلى أسوأ إذ كان الإنجليز قد احتلوا البلاد وأخذوا يعيثون فيها فساداً، وفتحوا أبواب الهجرة اليهوديّة لفلسطين على مصراعيها، وعملوا على نقل ملكيّة الأراضي الأميريّة إلى الأيدي الصهيونيّة؛ وهو ما أثار حفيظة الشيخ عبد القادر ضدّ الصهاينة وأحنقه على الإنجليز، فراح يخطب الناس إثر صلاة الجمعة في المسجد الأقصى تارةً، وفي مسجد عمر بن الخطّاب تارةً أخرى، يحثّهم على الثورة والجهاد للمحافظة على الأرض من اغتصاب الصهيونيّين وتحرير البلاد من حكم الانتداب، فأغضب بذلك البريطانيّين وأزعج اليهود، فأوعزت الوكالة اليهوديّة إلى المندوب السامي الإنجليزي أنْ يأمر باعتقاله فتردّد بادئ الأمر، ولكنّه عاد فاستجاب لزعماء الصهاينة ونفّذ لهم ما طلبوه، إذْ انتهز فرصة الثورة التي اشتعلت سنة 1920م للمطالبة بوقف الهجرة اليهوديّة وإلغاء وعد بلفور وإقامة حكومة عربيّة مستقلّة في البلاد، فأمر باعتقال الشيخ عبد القادر المظفّر ووضعه في سجن المسكوبيّة بتهمة تحريض الجماهير على الثورة ضدّ الصهاينة والبريطانيّين؛ ثمّ رأى المندوب السامي أنْ يكسب ودّ هذا الخطيب المفوّه عسى أنْ يتحوّل عن مبدئه، ويصبح أحد صنّاع الإنجليز، فأخرجه من السجن، وأسند إليه منصب الإفتاء، غير أنّ ذلك لم يفلح مع الشيخ عبد القادر بل ظلّ يكافح في سبيل تحرير فلسطين.
في شهر آب/ أغسطس سنة 1922 كان الشيخ عبد القادر في مقدّمة الداعين إلى المؤتمر العربيّ الفلسطينيّ الخامس الذي انعقد في نابلس والذي أقرّ فيه المؤتمرون بالإجماع الميثاق الوطنيّ التالي:
"نحن ممثّلي فلسطين، أعضاء المؤتمر العربيّ الفلسطينيّ الخامس، نقسم أمام الله والأمّة والتاريخ بانْ نواصل المساعي المشروعة لتحقيق الاستقلال والاتّحاد العربيّ، ورفض الوطن القوميّ اليهوديّ، والهجرة الصهيونيّة..".
وفي 13/10/1933 خرج الشيخ عبد القادر المظفّر من المسجد الأقصى يقود جماهير المصلّين في مظاهرةٍ عارمة، تندّد بالانتداب البريطانيّ، وتستنكر فكرة إنشاء وطنٍ قوميّ يهوديّ في فلسطين، وتطالب بوقف الهجرة اليهوديّة إلى فلسطين، وقد أمطر عساكر الإنجليز جموع المتظاهرين بوابلٍ من رصاص بنادقهم، فاستشهد عددٌ من المتظاهرين وأصيب عدد آخر، واعتقلوا الشيخ عبد القادر المظفّر مع اثنيْن آخرين، وبعد أنْ قضوا في قشلاق البوليس بقلعة القدس زهاء عشرين يوماً حوكموا محاكمةً صوريّة، ثمّ صدرت الأحكام عليهم بالإعدام، واستشهد الشيخ عبد القادر الذي كان يعد من أهم الخطباء ومهندسي الرأي العام في تلك الفترة.